q

بعيدا عن الدلالة الدينية لهذا المفهوم في المسيحية والتي تعني: التفرغ للقيام بعمل روحى أو كنسى، في الكهنوت أو الرهبنة، أو إعطاء النفس للرب، ليسود عليها، إذ تصبح ملكاً له، وله وحده.

احاول الاقتراب من هذه الكلمة بدلالاتها اللغوية في المعجم العربي وعلاقة ذلك بالاستبداد واعادة انتاجه في الواقع العربي والاسلامي (سياسة – ثقافة - اجتماع)..

فالتكريس هو: (التأسيس - الترسيخ – التثبيت) وهو ايضا ضم الشيء بعضه الى بعض.

جميع الانظمة العربية انظمة مستبدة، قبل الانتفاضات العربية وبعدها.. قد يكون تغير شيء في شخص الحاكم (مصر – تونس) الا انها عادت تجر اذيالها نحو الصورة الاولى التي عرفتها وعاشتها..

من اجهض مشروع البحث عن الحرية في الانتفاضات العربية، ولم يساعد على صناعتها؟

النظام السياسي والثقافي والاجتماعي..

في منتصف السبعينات قام نظام البعث في العراق بعملية (تبعيث – بعثنة) التربية والتعليم في العراق..

اين هي الان مخرجات هذا التبعيث او البعثنة؟

انها في مناصب ادارية عليا بحكم العمر والخدمة، غيرت وتغير فيها مصائر الكثيرين.

من يساهم في صناعة الإنسان منذ طفولته؟.

الاهل والمدرسة..

ما الذي نعطيه لابنائنا؟

دلالات ثقافية متعددة نعيشها ونورثها لابنائنا والذين بدورهم يكررون صناعتها وتوريثها الى ابنائهم.

في تحليله لإشكالية التسلط التربوي يؤكد الدكتور علي اسعد وطفة: إن التسلط التربوي يؤدي إلى إنتاج الشخصية السلبية التي تعتريها روح الهزيمة والضعف والقصور، وهو يُشكل الإطار العام لعملية تشريط تربوي سلبية تبدأ في إطار الأسرة وتنتهي في أحضان المؤسسات التربوية المختلفة، ومن شأن ذلك أن يذهب بكل إمكانية لتحقيق عملية النمو والتكامل والازدهار في الشخصية الإنسانية، لأن ما يتعرض له الأطفال من قهر وتسلط تربوي يضعهم في دائرة استلاب شاملة تُكرس كافة مظاهر القصور والسلبية في الشخصية الإنسانية).

وهذا يعني أن التربية في ظل الاستبداد تُصبح أداة مختطفة لتثبيت واقع القهر وتبرير هذا الواقع وإعادة إنتاجه، وفي هذه النقطة يلتقي الكواكبي مع الدكتور وطفة الذي يرى (أن المدرسة في الأنظمة التربوية العربية تُوظف لتلعب دوراَ أيديولوجياً يتمثل في عملية إعادة إنتاج علاقات القوة والسيطرة، وبالتالي فإن إعادة علاقات السيطرة والقوة والخضوع أمر يتم في المؤسسات التربوية ولاسيما في إطار الأسرة والمدرسة، وهذا يعني أن مهمة المدرسة في الأنظمة المتسلطة هي إنتاج قيم الطاعة والخضوع التي تأخذ شكل العلاقة بين المعلمين والمتعلمين في المدرسة، وشكل العلاقة بين الآباء والأبناء في الأسرة، وعليه فإن قيم الطاعة والخضوع لا يمكن أن يتم تعلمها كقيم نظرية، ولذا فإن المدرسة تعمل على تفعيل هذه القيم بصورة حية مجسدة من خلال الممارسة التربوية المستمرة في إطار نسق العلاقات الذي يقوم بين المعلمين والمتعلمين بوصفه نسقاً من علاقات الخضوع والسيطرة والهيمنة كنموذج حيوي للعلاقة القائمة بين القاهرين والمقهورين في إطار الحياة الاجتماعية ».

كيف يحول الطاغية والمستبد (سلطته إلى حق وطاعته إلى واجب)؟ وهو اي الطاغية يدرك انه لايستطيع ان يبقى قويا دون ذلك, كما يعتقد جان جاك روسو.

جميع الطغاة والمستبدين يدركون ذلك، لهذا هم دائما بحاجة الى تكوين ايديولوجية استبدادية جديدة، تعتمد على (الرموز - التابو – المقدس) لفرض الهيمنة التي تعمل على (تطويع – اكراه – خضوع) المجتمع لها. وهي اعمدة ثلاثة لها قوة رمزية ثقافية تملأ الفضاء العام للمجتمع، (الصور – النصب – التماثيل – الاناشيد- الشعارات) مع قوة اخرى مادية هي القوة الامنية.

وهذه الاعمدة الثلاثة هي عبارة عن مفاهيم دينية وتربوية واجتماعية تتسع دائرتها حسب طول مدة الاستبداد وتتحوّل هذه المفاهيم إلى ما يشبه العقائد الراسخة. ويستحيل أن تزول هذه المفاهيم بزوال المستبد، لانها ترسخت في الوجدان والضمير ولا يزيلها أحداث سياسية أو تغييرات في النظام والحكم (يسميها ابن خلدون بالعوائد ويقول عنها: والعوائد إنما ترسخ بكثرة التكرار وطول الامد فتستحكم صبغة ذلك وترسخ في الاجيال وإذا استحكمت الصبغة عسر نزعها).

شعارات اولى تستهدف الجماهير وتخاطب عواطفهم:

الدفاع عن الأمة والوطن.

الدفاع عن مصالح الطبقات الكادحة.

تحقيق الوحدة الوطنية.

مقاومة الاستعمار.

مقارعة التآمر الخارجي.

شعارات ثانية تدور حول شخص الطاغية والمستبد:

(القائد الرمز - القائد الخالد - القائد الأبدي - ظل الله في الأرض – عصمة الحاكم).

يؤكد الكواكبي في طبائع الاستبداد: (الاستبداد يُضطرُّ النّاس إلى استباحة الكذب والتحيُّل والخداع والنِّفاق والتذلل. وينتج من ذلك أنَّ الاستبداد المشؤوم يتولى بطبعه تربية الناس على هذه الخصال الملعونة. ثمَّ إنَّ عبيد السلطان غير مالكين لأنفسهم، ولا هم آمنون على أنَّهم يربّون أولادهم لهم. بل هم يربّون أنعاماً للمستبدّين، وأعواناً لهم عليهم. وفي الحقيقة، إنَّ الأولاد في عهد الاستبداد، هم سلاسل من حديد يرتبط بها الآباء على أوتاد الظلم والهوان والخوف والتضييق)..

ويتفاقم الجو النفاقي حتى يعيش الشعب حالة تمثيل جماعي، يعلم فيه كل فرد أن الآخر يمارس تمثيلية ويرد هو بدور آخر من التمثيلية، والآخر يعلم أن الأول يمارس دوره وهكذا. هذا الجو يتفرع عنه كثير من الأخلاق السيئة المعاكسة للأمانة، وهي الكذب والغدر والغش والخيانة.

واذا تفاقمت هذه الأخلاق السيئة تفضي تلقائيا لضرب القيم الأخرى المرتبطة باحترام الذات والآخرين، فتنحسر الغيرة والكرم والفزعة والإيثار وحسن الظن، ويحل محلها البخل والدياثة وسوء الظن والخذلان والأنانية. وهذا بدوره يؤدي إلى انحطاط قيمة الإنسان عند نفسه وعند غيره، فتنهار الكرامة والعزة والثقة بالنفس والاعتداد بالهوية.

(علي اسعد وطفة/التربية على الاستبداد في العالم العربي: هل يأتي زمن التربية على المواطنة؟) وكتاب (رأسمالية المدرسة في عالم متغير: الوظيفة الاستلابية للعنف الرمزي والمناهج الخفية).

القابلية للاستبداد ضمن هذا المنظور ليست ردة فعل مؤقتة على أزمة اقتصادية أو سياسية خانقة كما تطرحه نظرية الزعامة الكاريزمية مثلاً، بل نمط ثقافي ـ اجتماعي يتمتع باستمرارية وعلاقة تفاعلية مع مجموع العناصر المكونة لظروف المعيشة في مجتمع محدد. والثقافة السياسية لمجتمع ما ـ حسب وصف اللوموند ـ هي بمثابة خريطة ذهنية تحدد صورة الفرد كفاعل سياسي مقارنة بغيره من الفاعلين، كما تحدد صور العلاقة بينهما ونوعية الأفعال وردود الأفعال المتوقعة من جانبهم.

هذه التربية لايمكن لها ان تزول إلا بطريقتين، إما القبول بعامل الزمن والاستعداد لموجة من الانتكاسات قبل تنظيف القلوب والنفوس منها، أو بطريقة العلاج بالصدمة الجماعية للشعب، بوسائل نفسية فعالة باستغلال ظروف الحروب والكوارث.

نحتاج الى ثورة أخلاقية، تُستنفر فيها كل القوى الثقافية والدينية والحيل الاجتماعية والحركية لإحياء القيم العليا في نفوس الناس.

اضف تعليق