q

يرى مراقبون ان اوربا بعد احداث "شارلي ايبدو"، لم تعد اوربا ما قبل تنفيذ هذه الهجمات، فالذي وقع في فرنسا لم يكن بالحدث الاعتيادي او العفوي، سيما وانه اعطى طابعا تحذيريا بان مجريات الاحداث الأمنية، والعلاقة بين اوربا ومسلميها المتطرفين قد تحولت الى مرحلة الصدام المباشر، وان اوربا مخترقة بالفعل، من قبل التنظيمات المتطرفة او المتعاطفين معها من "الخلايا النائمة" او "الذئاب المنفردة"، وهما السلاح الأقوى الذي تمتلكه التنظيمات المتطرفة (في المرحلة الراهنة) لمواجه الغرب وتنفيذ عملياتهم الجهادية في العمق الأمني للدول الاوربية.

وتأتي هذه التوقعات وسط حملة دهم وتفتيش واعتقال قامت به القوات الأمنية في عدد من الدول الاوربية، بعد ورود معلومات استخبارية وصفت بانها دقيقة (بالتعاون مع الأجهزة الاستخبارية لدول في الشرق الأوسط) حول احتمال وقوع "هجمات وشيكة" في فرنسا وألمانيا، وبلجيكا، وهولندا، وقد اسفرت هذه الحملة (في فرنسا وبلجيكا وألمانيا) عن اعتقال 30 شخصا، إضافة الى مقتل شخصين (في بلجيكا)، حيث اكد المدعي البلجيكي "إريك فان دير سيبت" أن "المخطط الإرهابي، الذي كان يعده الشخصان اللذان قُتلا في فيرفيه، كان يستهدف قتل أفراد الشرطة سواء على الطرقات العامة، أو في أقسام الشرطة، وتم ضبط العديد من الأسلحة، في الحملات التي شنتها الشرطة في عدة مدن بلجيكية"، وأشار، أيضا، أن غالبية المعتقلين هم من العائدين مؤخراً من سوريا، حيث شاركوا في الحرب الدائرة حالياً.

ويبدو ان اوربا تستعد لمواجهة أربعة تهديدات امنية يمكن ان تتسبب بخروقات امنية عن طريق هجمات داخل اوربا، وعلى غرار ما وقع في فرنسا وغيرها من الدول الاوربية الأخرى:

1. الذئاب الوحيدة: وقد أطلقت الاستخبارات والأجهزة الأمنية هذا الاسم على المسلمين الذين يحملون التطرف، ممن يتعاطفون مع التنظيمات الإسلامية المتشددة، وهم على استعداد لتنفيذ هجمات منفردة، دون الرجوع الى تلك التنظيمات، كما يمكن بسهولة تجنيدهم والتنسيق معهم للقيام بهجمات انتحارية عبر المواقع الجهادية او طرق التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية، والتي غالبا ما يكون روادها من المتعاطفين مع هذه التنظيمات المتطرفة، ويرى الكثير من الخبراء الأمنيين ان الصعوبة في رصد تحركات هؤلاء، تكمن في كونهم أناس اعتياديين، ولا تظهر عليهم أي مؤشرات عنيفة او ميول جهادية، وغالبا ما لا تكون لهم أي سجلات جنائية سابقة، لكنهم قد يتأثرون بالفكر الجهادي بعد التواصل مع شبكات التجنيد المنتشرة عبر المواقع المتطرفة، ومن خلالها يمكن ان يتعلموا كيفية صنع العبوات الناسفة او اطلاق النار وغيرها من الأشياء العنيفة التي تمتلئ بها هذه المواقع.

2. العائدون من القتال: ربما يشكلون الخطر الأكبر على الامن الأوربي، اذ انهم مدربون ومسلحون وخطرون للغاية، وقد أشار تقرير استخباري غربي، ان عدد المجاهدين الاوربيين المنخرطين بصورة فعلية في القتال الى جانب التنظيمات الجهادية المتطرفة (داعش، جبهة النصرة) في العراق وسوريا يناهز الـ(5000) الالاف اوربي، عاد منهم الى بلدانهم الاوربية العشرات، وانهم قد يعملون على تشكيل خلايا جهادية بالاستعانة بخبراتهم التي اكتسبوها من العمل الميداني، ويمكن ان ينشطوا داخل الاحياء الفقيرة التي يقطنها المسلمون، ويشكل الشباب العاطلون عن العمل والمتحمسون للجهاد المادة الخام لنشر أفكارهم المتطرفة.

واكد مسؤول استخباراتي غربي، قبل أيام، أن هناك ما لا يقل عن 20 "خلية نائمة"، تابعة لجماعات ومنظمات "إرهابية"، تضم ما بين 120 و180 مشتبهاً، مستعدة بالفعل لشن هجمات في عدد من الدول الأوروبية، وهم ممن قاتلوا في سوريا والعراق، وعادوا الى بلادهم من دون ان تتمكن الأجهزة الأمنية من رصد تحركاتهم او معرفة هوياتهم، نتيجة لضعف قاعدة البيانات الأمنية المتعلقة بسفر وعودة الجهاديين، وعدم وجود تنسيق كافي بين الدول فيما يتعلق بهذا الجانب، وكانت الحملة الأمنية الأخيرة، التي شنت بالتزامن في كل من بلجيكا وألمانيا وفرنسا، تهدف الى القاء القبض على عدد من المشتبه بهم ممن عادوا من القتال في سوريا، سيما وان اثنين من المشتبه بهم قد قاوموا قوات الشرطة، وقتلوا بعد قتال عنيف استمر لساعات في مدينة "فيرفيه"، شرق بلجيكا.

3. الجماعات الإسلامية المريبة: اوربا كانت الحاضنة للعديد من الجماعات والمنظمات والشخصيات الإسلامية ذات التوجهات المريبة وحتى المتطرفة، سيما وان اغلب هذه الجهات فرت من بلدانها بسبب المطاردات الأمنية والاعتقالات التي طالت العديد منها، وقد شكلت العديد من هذه الجماعات او المنظمات، حجر الزاوية للكثير من الحركات الجهادية، كما جندت وجمعت التبرعات وأصدرت الفتاوى للحث نحو المشاركة في القتال الدائر في سوريا والعراق وليبيا وغيرها من مناطق الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وكانت الأجهزة الأمنية غالبا ما تغض الطرف عن هذه التحركات المشبوهة ما دام امنها الداخلي لا يتعرض الى خطر مباشر من هذه الجماعات او الشخصيات المتطرفة، بل وقد ذهبت بعض الدول الاوربية الى ابعد من ذلك، حيث قامت بدعم البعض منها لغايات لها ابعاد سياسية ومصلحية معينة.

ويبدو ان اوربا التي تستعد لخوض حرب "الانفاس الطويلة"، لم تعد تثق بالكثير منها، حيث شملت حملة المداهمات الأخيرة، (في المانيا مثلا)، وبحسب ما اعلنت الشرطة الألمانية، في بيان، انها اوقفت رجل من أصل تركي عمره 41 عاما ويشتبه بانه "يتزعم مجموعة اسلامية متطرفة تضم اتراكا وروسا من الشيشان وداغستان"، مؤكدة انه "ليس هناك مؤشر بان المجموعة كانت تخطط لاعتداءات في المانيا"، وانما في سوريا، ومع هذا فان التطورات الأمنية الجديدة، تفرض على المانيا ان وجود هذه الجماعات بات يشكل خطرا على امنها القومي، كما ان هناك العديد من المراقبين، يرون ان هناك الكثير من التغيرات في السياسية الأمنية سوف تطرأ على طريقة التعامل الأوربي مع هذه الحركات او المنظمات، ولن يكون هناك استثناء، سيما وان هناك مؤشرات قوية على احتمال شمول جماعة "الاخوان المسلمين" بالسياسات الأمنية الجديدة.

4. الأبواب الخلفية: وقد تعتمد التنظيمات الجهادية او المتطرفين على مجموعة من الابواب الخلفية الضعيفة في اوربا او الولايات المتحدة الامريكية والدول الغربية الأخرى (بالتنسيق معها)، لشن هجمات محتملة على اهداف حيوية يمكن ان تؤثر بالسلب على الامن الأوربي او الأمريكي، والابواب الخلفية، هي جماعات تحترف الاجرام والتهريب، وتشمل عصابات المافيا والمتاجرة بالسلاح والمخدرات، إضافة الى التهريب وغسل الأموال وغيرها من المنظمات السرية، التي يمكن التعامل معها (مقابل المال)، وقد اشارت العديد من التقارير الاستخبارية بان التعاون بين هذه الأطراف امرا غير مستبعد.

وحاولت الدول الاوربية إبعاد خطر التنظيمات الإرهابية عن أراضيها، عبر المشاركة الفاعلة بالتحالف الدولي الذي دعت اليه الولايات المتحدة في سبتمبر الماضي، الا ان حجم التهديدات أكبر من إمكانية احتوائها بتحالف دولي يهدف الى ضرب معاقل التنظيم في سوريا والعراق، خصوصا وان خيوط الإرهاب التي امتدت في الشرق الأوسط قد وصلت اليها بصورة حقيقية هذه المرة، وقد تعيد الى الاذهان صورة الخارطة التي قام بنشرها تنظيم ما يسمى (الدولة الإسلامية/داعش) للتعريف بدولة الخلافة الإسلامية المفترضة للتنظيم، والتي شملت دول اوربا، التي يحاول تنظيم داعش والقاعدة التنافس فيما بينهما لتحويلها الى ساحة الجهاد التالية بعد الشرق الأوسط.

* مركز المستقبل للدراسات والبحوث/المنتدى السياسي
http://mcsr.net

اضف تعليق