q

الاقتصاد المصري الذي يعد من أقدم اقتصاديات العالم، لايزال يواجه الكثير التحديات الأزمات التي تفاقمت في ظل حالة عدم الاستقرار الأمني و السياسي، والتي أسهمت وبحسب بعض الخبراء، بتراجع نسبة الاحتياطي الأجنبي و انخفضت قيمة الجنيه المصري وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وغلاء الأسعار وغيرها من الأزمات الأخرى أثرت بشكل سلبي على مفاصل الحياة في مصر، وهو ما اجبر الحكومة المصرية على اتخاذ خطط وإجراءات سريعة وعاجلة من اجل إصلاح الاقتصاد، تضمنت خفض الدعم المكلف على الوقود وزيادة الضرائب وإطلاق مشروعات بنية تحتية لجلب إيرادات على المدى الطويل وتقليص البطالة، وهي إصلاحات مهمة تجنبتها الحكومات السابقة لكونها تنطوي على مخاطر سياسية وقد تثير غضب الشعب الذي يعتمد بشكل أساسي على دعم الحكومة.

وبحسب بعض الخبراء فأن هذه الإصلاحات والمساعدات الخارجية الأخرى، التي قدمت لمصر خلال الفترة السابقة قد أسهمت وبشكل كبير بإعادة التوازن للاقتصاد وإنقاذ مصر من كارثة اقتصادية كبيرة، حيث سعت العديد من الدول الخليجية الى تقديم مساعدات عاجلة للدولة المصرية، التي تواجه اليوم أزمة إضافية بسبب انخفاض أسعار النفط الذي سيؤثر سلبا على الدول الخليجية، التي ستسعى الى تقليص حجم المساعدات المقدمة في المستقبل كما يقول بعض المراقبين، الذين أكدوا أيضا على ان الإصلاحات الحكومية وعلى الرغم من أهميتها الكبيرة لكنها قد تسببت بحدوث بعض المشكلات الإضافية التي ستتضح نتائجها فيما بعد.

المساعدات الخليجية

 وفي هذا الشأن سيقلص انخفاض أسعار النفط العالمية فاتورة دعم الوقود في مصر لكنه قد يلحق الضرر بالماليات العامة لحلفائها الخليجيين المصدرين للنفط والذين أغدقوا عليها بمساعدات بمليارات الدولارات. وهوت أسعار النفط بشكل حاد خلال الشهور الستة الماضية وجرى تداول العقود الآجلة لخام النفط برنت عند 60.87 دولار للبرميل بانخفاض 47 بالمئة عن ذورته هذا العام التي تجاوزت 115 دولارا للبرميل في يونيو حزيران.

وتتوقع الحكومة إذا بقيت الأسعار عند هذا المستوى أن يتقلص دعم الوقود لسكانها البالغ عددهم 86 مليون نسمة بواقع 30 مليار جنيه (4.2 مليار دولار) في السنة المالية 2014-2015. لكن هذا أقل من نصف إجمالي المساعدات الخليجية التي حصلت عليها في السنة المالية الماضية وحدها. وقال جاستن دارجين خبير شؤون الطاقة في الشرق الأوسط لدى معهد أوكسفورد لدراسات الطاقة "هذا سلاح ذو حدين." وأضاف "إذا ظلت الأسعار منخفضة فمن المرجح أن يضطر داعموها الخليجيون لخفض جزء من تمويلهم."

وأضرت الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك باقتصاد مصر لكن دول الخليج ألقت بثقلها خلف الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي عزل - عندما كان قائدا للجيش - الرئيس الإسلامي السابق محمد مرسي في يوليو تموز من عام 2013. وتسلمت مصر مساعدات نقدية وأخرى في صورة منتجات بترولية بقيمة إجمالية 10.6 مليار دولار من دول الخليج في سنة 2013-2014 دعمت الاقتصاد وأتاحت للحكومة فرصة لإصلاح نظام الدعم الذي حولها من مصدر صاف للطاقة إلى مستورد صاف لها في السنوات الأخيرة. بحسب رويترز.

وقال أشيش خانا كبير خبراء الطاقة لدى البنك الدولي في القاهرة إن مصر سوف تستفيد إجمالا من انخفاض سعر النفط وسوف توفر أكثر من 20 مليار جنيه حتى إذا اقتربت الأسعار مرة أخرى من 80 دولارا. وقال "يؤثر انخفاض أسعار النفط بشكل إيجابي على البلدان المستوردة للوقود مثل مصر فيما يتعلق بخفض عبء الدعم ... وتحسين حيز المالية العامة المتاح للاستثمارات العامة أو لتعزيز الانفاق الاجتماعي."

وبرغم أن أسعار النفط العالمية تحوم حاليا قرب أدنى مستوى لها في خمس سنوات يقول محللون إن دول الخليج العربية لن تخفض المساعدات إلا إذا استمر هبوط أسعار الخام ولفترة أطول. وقال وليام جاكسون الخبير لدى كابيتال إيكونوميكس في لندن "المبالغ التي أعطيت لمصر حتى الآن صغيرة نسبيا مقارنة مع مدخرات الخليج .. ولذا فلن يخفضوا المساعدات على الأرجح إلا إذا زاد الوضع سوءا."

البداية الجريئة

على صعيد متصل حقق الرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي بداية قوية في التصدي للمشكلات الاقتصادية للبلاد إذ تمكن من إدخال إصلاحات طال انتظارها لنظام الدعم دون إثارة اضطراب شعبي. وكانت حكومة السيسي قد أعلنت زيادة أسعار منتجات الطاقة التي تحظى بدعم كبير بما وصل إلى 78 في المئة كما فرضت ضرائب جديدة على الأفراد والأرباح الرأسمالية وذوي الدخول العالية.

تلك الخطوات ما هي إلا بداية لما يتوقع أن تكون عدة سنوات من التقشف المؤلم للمصريين حيث تستهدف الدولة التخلص من عجز هائل في الميزانية تشير تقديرات إلى أنه سيصل إلى 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. ولتخفيف وطأة الإجراءات على المواطنين العاديين كشفت الحكومة النقاب أيضا عن بعض الاجراءات منها خدمات نقل مجاني في حافلات الجيش وطرحت المزيد من المنتجات الغذائية بأسعار مدعمة بشدة.

غير أنه في الوقت الذي رحب فيه المستثمرون بالبداية الجرئية للسيسي فهم يقولون إن الجهود اللازمة لإحداث تحول في الاقتصاد والمالية العامة للدولة لم تكد تبدأ بعد. وفي ظل الحاجة إلى إصلاحات أوسع مدى فربما لا يكفي الكلام والمسكنات الموضعية فقط لاحتواء السخط في بلد أطاحت فيه الاحتجاجات الشعبية برئيسين خلال ثلاث سنوات. وقالت كولين شيب محللة شؤون الشرق الأوسط لدى كونترول ريسكس لاستشارات المخاطر الدولية "سيكون من الأصعب أن يقبل المصريون مزيدا من التخفيضات في الدعم إذا لم يروا على الأقل بعض تلك الثمار أو إذا شعروا بأنها لا توزع بشكل عادل" في إشارة إلى تعهدات الحكومة بانفاق ما توفره من خفض دعم الطاقة على زيادة أجور موظفي القطاع العام وعلى التعليم والرعاية الصحية ومعاشات التقاعد.

وناشد السيسي - الذي كان قائدا للجيش عندما عزل الرئيس الإسلامي محمد مرسي قبل نحو عام عقب احتجاجات واسعة ضد حكمه - المصريين التضحية في وقت تحاول فيه الحكومة إنعاش اقتصاد تضرر بسبب انخفاض الاستثمار الأجنبي وتراجع السياحة منذ الاطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك في العام 2011. ويبلغ دعم الغذاء والطاقة عادة نحو ربع الإنفاق الحكومي وقالت شيب إن أي تخفيضات في الدعم في المستقبل قد تثير "اضطرابات شعبية خطيرة إذا لم تطبق بشكل تدريجي مصحوبة بتنبيهات مسبقة وإجراءات تعويضية ملائمة."

ومنذ انتخاب السيسي في مايو ايار فرض قانونا يقيد التظاهر أسكت جميع المعارضين تقريبا باستثناء مؤيدي الإخوان المسلمين جماعة المعارضة الأشد والمحظورة حاليا. لكن محللين يقولون إن الافراط في التقشف قد يدفع المصريين العاديين إلى النزول للشوارع مجددا ويشكل ذلك إلى جانب التحديات الأمنية التي يمثلها المتشددون في سيناء وعلى الحدود مع ليبيا خطرا قد يحبط برنامج الإصلاح الاقتصادي.

ويشير المستثمرون إلى أن مصر كانت في وضع مالي بالغ الصعوبة قبل نحو عام. وعلى الأقل وضع السيسي الدولة على طريق طويل للتعافي وفي علامة على تفاؤل المستثمرين فقد ارتفع مؤشر الأسهم القيادية بمصر ثمانية في المئة منذ مطلع يونيو حزيران. لكن ينبغي للسيسي أن يضع خطة للتعافي في المدى المتوسط.

وقال بريان كارتر مدير محافظ ديون الأسواق الناشئة لدى أكاديان لإدارة الأصول في بوسطن إن مصر كانت "مفلسة بلا ريب. لم يكن ممكنا تحمل الدين.. أو تمويل العجز وتبددت الاحتياطيات." وأضاف "نصبر عليهم حتى يعالجوا الأزمة الحالية ونتطلع قدما للإعلان عن أهداف متوسطة الأجل عندما يتاح لهم الوقت للتركيز على ذلك."

وبرغم التفاؤل لا تزال هناك تحديات اقتصادية كبيرة. فقد يتطلب الأمر خفض دعم الوقود بما يصل إلى 25 بالمئة سنويا خلال السنوات الأربع القادمة كما تبحث الحكومة أيضا فرض ضريبة على القيمة المضافة. ومن المتوقع أن تدفع التخفيضات في الدعم معدل التضخم إلى مستويات في خانة العشرات. وحتى في ظل إصلاحات المالية العامة سيظل عجز الميزانية مرتفعا لسنوات مع تنامي نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي التي بلغت 89.2 بالمئة في السنة المالية التي انتهت في يونيو حزيران 2013. ولم يتضح حتى الآن كيف سيعاد توجيه الأموال التي سيتم توفيرها من الدعم. واستقر ميزان المدفوعات في العام الماضي بدعم من مساعدات خليجية قدرها 12 مليار دولار على الأقل لكنه لا يزال عند مستوى أدنى بكثير من مستوياته قبل 2011 وهو مبعث قلق مستمر للمستثمرين.

نزيف العقول

في السياق ذاته تشهد البنوك المملوكة للدولة في مصر نزيفا للعقول والكفاءات مع تطبيق الحد الأقصى للأجور الذي دفع قيادات مصرفية للاستقالة بحثا عن فرص ورواتب أفضل في بنوك القطاع الخاص والبنوك الخليجية والأجنبية. وبدأت مصر تطبيق الحد الأقصى للأجور على البنك المركزي والبنوك المملوكة للدولة في يوليو تموز من هذا العام بحيث لا يزيد مجموع ما يتقاضاه أي موظف أو مستشار يعمل لحساب الدولة والقطاع العام عن 42 ألف جنيه (5874 دولارا) شهريا. وفي السابق كان متوسط الدخل الفعلي للقيادات العليا في بنوك الدولة يصل إلى 140 ألف جنيه شهريا.

وجاء تطبيق الحد الأقصى تلبية لمطالب شعبية بالعدالة الاجتماعية وفي اطار اجراءات تستهدف خفض الإنفاق الحكومي وإنعاش الاقتصاد الذي تضرر بسبب أكثر من ثلاث سنوات من الاضطرابات السياسية والأمنية. وقالت مصادر مصرفية إن البنك المركزي والبنوك العامة الثلاثة الكبرى وهي البنك الأهلي وبنك مصر وبنك القاهرة شهدت في الشهور الخمسة الماضية موجة من رحيل القيادات المصرفية انتقل فيها 150 مصرفيا إلى وظائف أخرى ببنوك عربية وأجنبية.

من جانبه لم يصدر البنك المركزي أي تعليق على موجة الاستقالات نظرا لحساسية الأمر. ورغم أن أحدا من القيادات المصرفية المستقيلة لم يعلن صراحة عن أن تقييد الحد الأقصى للأجور هو السبب وراء بحثه عن فرص عمل برواتب أكبر إلا أن بعضهم كشف عن ذلك في أحاديث خاصة. ومع ارتباط موجة الاستقالات ببدء اجراءات تقييد الأجور على البنوك الحكومية بات الحد الأقصى هو السر المكشوف في موجة نزيف العقول التي تشهدها البنوك الحكومية.

وقال أحد المصادر "قيادات وموظفون بالبنوك العامة والبنك المركزي المصري يتلقون عروضا مغرية من بنوك القطاع الخاص والبنوك الأجنبية العاملة في السوق المحلية المصرية والبنوك الخليجية." وأشار المصدر إلى أن شخصية مصرفية بارزة قبلت عرضا للعمل في بنك أجنبي براتب شهري يصل إلى نحو 900 ألف جنيه شهريا. ومن أبرز القطاعات المصرفية التى شهدت نزوح قيادات منها قطاعات الخزانة والمخاطر والائتمان والتجزئة المصرفية.

وجاءت استقالة نضال القاسم عصر نائب محافظ البنك المركزى المصرى لتسلط الضوء بقوة على موجة نزوح القيادات المصرفية البارزة. ووفقا لمصادر مطلعة فإن عصر يدرس حاليا عدة عروض من مؤسسات مصرفية داخل مصر وخارجها. وشغل عصر منصب وكيل محافظ مساعد بالبنك المركزي لشؤون العلاقات الخارجية والاستثمارات لأكثر من ثلاث سنوات ثم شغل منصب وكيل محافظ البنك المركزي لشؤون العلاقات الخارجية والاستثمارات وهو المسؤول الأهم بعد محافظ البنك هشام رامز عن إدارة احتياطي النقد الأجنبي لمصر.

وعصر من أبرز الأسماء التي ترحل عن بنوك الدولة بالاضافة إلى شريف علوي النائب السابق لرئيس البنك الأهلي المصري أكبر البنوك المصرية الذي تولى منصب المدير الإقليمي للبنك العربي في مصر ومحمد عباس فايد نائب رئيس بنك مصر ثاني أكبر البنوك الحكومية الذي يشغل الآن منصب العضو المنتدب لبنك عودة مصر. كما استقال حازم حجازي رئيس قطاع التجزئة المصرفية في البنك الأهلي المصري لتولي منصب رئيس قطاع التجزئة في بنك باركليز. وقال مصدر مصرفي "العديد من تلك الأسماء التي نزحت عن البنوك المملوكة للدولة لديها التزامات مالية ومعيشية من أقساط ممتلكات عقارية ومصروفات مدارس ومصروفات خاصة بأسلوب حياة أسر تلك القيادات."

وقال مصرفي بارز استقال مؤخرا من منصبه في بنك حكومي إنه واجه بالفعل مأزقا حقيقيا تمثل في سداد هذه الأقساط والتزامات مالية أخرى بعد خفض راتبه الشهري بأحد البنوك العامة مما دفعه للبحث عن فرصة بديلة بأحد البنوك الأجنبية لمواجهة تلك الالتزامات. وتكهنت المصادر بموجة رحيل ثانية للقيادات المصرفية قد تشهد نزوح عدد أكبر من الموجة الأولى بسبب فرص وعروض بأجور شهرية تصل إلى نحو 20 ضعف مثيلاتها في البنوك الحكومية.

وتوقع أحد المصادر أن تكون موجة النزوح الثانية من بنوك القطاع العام إلى البنوك الخاصة والأجنبية وبنوك الخليج أشد عنفا من الموجة الأولى نظرا لأن العديد من قيادات الصف الأول والثاني والثالث تدرس بالفعل عروضا من مؤسسات مصرفية داخل وخارج مصر. وأضاف "البنوك العامة سوف تواجه عدة تحديات خلال السنوات الخمس القادمة بعد تطبيق الحد الأقصى للأجور على قياداتها."

وتابع المصدر أن هذه التحديات تتمثل في "تدني الأرباح وتراجع مستوى الكفاءات وصعوبة التفاوض لاستقطاب الكفاءات والخبرات المصرفية للاستمرار في تطوير أداء البنوك المملوكة للدولة." ويرى المصدر أن الحل يكمن فى إعادة النظر فى قانون الحد الأقصى للأجور واستثناء قطاعات لها خصوصية مثل البنوك والبترول والاتصالات. لكن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي شدد على أن قواعد الحد الأقصى للأجور "يتم تنفيذها بكل دقة على جميع العاملين بقطاعات الدولة" ولوح بإجراءات صارمة ضد أي مسؤول يخالف قانون. بحسب رويترز.

وقال مصدر مصرفي اخر إن تطبيق الحد الأقصى للأجور على العاملين بالبنك المركزى والبنوك الثلاث الحكومية يوفر ستة ملايين جنيه فقط شهريا بإجمالى 72 مليون جنيه سنويا من حجم الأجور السنوية للعاملين في البنوك الأربعة وهو 5.6 مليار جنيه. وبينما يتساءل مصرفيون هل يستحق هذا الخفض الضئيل في تكلفة الأجور أن تخسر البنوك العامة كفاءات وخبرات ثمينة، يرى آخرون أن مصائب قوم عند قوم فوائد إذ أن انتقال الكفاءات إلى البنوك الخاصة والأجنبية من شأنه إثراء قدرات هذه البنوك وفتح آفاق أرحب أمامها.

الإصلاح السياسي

الى جانب ذلك فمن مشروعات عملاقة إلى إصلاحات ضريبية .. قدم وزراء مصريون مبادرات تفصيلية لإنعاش الاقتصاد الذي تضرر بسبب ثلاث سنوات من الاضطرابات وعقود من الإهمال. لكن عندما سئلوا عن التحديات السياسية التي تواجهها مصر لم يكن لديهم الكثير ليقولوه. ويقول منتقدون إن الحكومات السابقة قطعت وعودا كبيرة بخصوص الاقتصاد لكنها لم تنفذ منها شيئا يذكر. وساعد الاستياء من انفصال الحكومات السابقة على ما يبدو عن الناس في إشعال انتفاضة العام 2011 التي أطاحت بحسني مبارك بعدما قضى 30 عاما في السلطة.

وتحدث الوزراء بصراحة عن حجم التحديات التي تواجهها مصر وسردوا الحلول بالتفصيل. ونفذوا بالفعل تخفيضات في الدعم وإصلاحات ضريبية كانت الحكومات السابقة قد أحجمت عن القيام بها خشية تأجيج السخط الشعبي. وساهمت تلك الخطوات في إقناع مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني بتعديل توقعاتها لمصر من سلبية إلى مستقرة. لكن بخلاف الوعود بإجراء انتخابات برلمانية طال انتظارها واستعادة الاستقرار كان الحديث عن الإصلاحات السياسية عاما في أفضل الأحوال.

وردا على سؤال بشأن كيف يمكن لمصر جذب المستثمرين مرة أخرى دون تنفيذ إصلاحات سياسية قال وزير الاتصالات عاطف حلمي "ثقوا بنا كمصريين. نحن نسعى للسلام حقا. نسعى للاستقرار. نسعى لتحقيق الرخاء لمواطنينا ... لكننا نريد أن يعرف الناس حدودهم ... هناك فرق كبير بين الحرية والإرهاب." والتحديات كبيرة في مصر حيث كثف المتشددون هجماتهم على الشرطة والجيش في شبه جزيرة سيناء منذ عزل قائد الجيش السابق عبد الفتاح السيسي الرئيس المنتخب محمد مرسي الذي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين.

وبعد يوم من إبلاغ وزير المالية هاني قدري دميان بخططه لتنفيذ إصلاحات ضريبية وخفض الدين قتل ما لا يقل عن 33 من أفراد الأمن في بعض أسوأ أعمال العنف ضد الدولة التي شهدتها مصر منذ عزل مرسي. وسارعت مصر إلى فرض حالة الطوارئ مؤقتا في شمال سيناء ووسعت نطاق المحاكمات العسكرية لتشمل المدنيين الذين يهاجمون منشآت الدولة أو يسدون الطرق وهو ما أثار مخاوف من العودة إلى الاستبداد.

وشن السيسي الذي انتخب رئيسا للبلاد في مايو ايار حملة واسعة بالفعل على الاخوان المسلمين. واعتقلت السلطات الآلاف من أعضاء الجماعة وحكم بالإعدام على الكثيرين في محاكمات جماعية اثارت انتقادات من الحكومات الغربية وجماعات حقوق الانسان. وبرغم الاضطرابات الأخيرة بقي أغلب الشركات المتعددة الجنسيات في مصر التي ما زالت تتيح أمامها هدوءا نسبيا في منطقة أنهكها الصراع في ليبيا والعراق وسوريا ومناطق أخرى.

وتغاضى كثير من المصريين عما يقول منتقدون إنه انتهاكات واسعة لحقوق الانسان على أمل أن يرسي السيسي الاستقرار في البلاد بعد الاضطرابات التي أعقبت الاطاحة بمبارك. لكن إلى متى سيدوم صبرهم يبقى سؤالا بلا إجابة. وقالت مابلكورفيت للاستشارات في تقرير عن مصر صدر في الآونة الأخيرة "برغم تحسن ثقة المستثمرين بفضل الاستقرار النسبي الذي تحقق في ظل رئاسة السيسي.. فإن استمرار الاستقطاب السياسي وانعدام الأمن والتحديات الاقتصادية الهيكلية يعقد عملية صنع القرار لدى المستثمرين."

وعندما سئلت وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي بخصوص مسودة قانون جديد ينظم عمل المنظمات غير الحكومية وتخشى المنظمات المدافعة عن حقوق الانسان أن يقيد أنشطتها وتمويلها لم تذكر الوزيرة تفاصيل بخصوص محتواه. ووعدت بنشر المسودة قبل إحالتها إلى البرلمان لكنها أصرت في الوقت الحالي على أن تسجل المنظمات أنشطتها بموجب قانون لا يحظى بقبول صدر في عهد مبارك وهو ما يثير مخاوف من أن تعرض العاملين في الدفاع عن حقوق الانسان للاضطهاد.

والانتخابات البرلمانية هي الخطوة الأخيرة في خارطة الطريق التي أعلنها السيسي بعد عزل مرسي لكنها قد تتجاوز المهلة التي حددتها الخارطة في ظل عدم تحديد موعدها حتى الآن. وكان من المقرر إجراء الانتخابات في غضون ستة أشهر من انتخابات الرئاسة التي جرت في مايو ايار. ورحب وزير الخزانة الأمريكي جاكوب ليو خلال زيارة للقاهرة بما قال إنها "خطوات أولية قوية" من جانب مصر من أجل الإصلاح الاقتصادي لكنه حث على مزيد من الانفتاح السياسي.

وقال للصحفيين في القاهرة "ناقشنا سيادة القانون وكيف أن خلق بيئة سياسية منفتحة تحترم فيها تماما حقوق الأفراد من شأنه أن يعزز قدرة مصر على جذب الاستثمار الدولي." وفيما يخص الاقتصاد يراقب المصريون عن كثب أداء رئيس الوزراء إبراهيم محلب بخصوص التوظيف والإسكان وهي قضايا ساهمت في تفجير الغضب الذي أشعل انتفاضة 2011. وتحدث محلب بواقعية عن مدى سرعة حل المشكلات التي تراكمت على مدى عقود ودعا إلى الصبر.

وقال محلب "هناك نوع من فتح الملفات المغلقة.. وقد تحتاج جراحات ربما تكون مؤلمة ولكن لو جراح ماهر عملها فان المريض يشفى." وأضاف "أهم ما يشغلني هو توفير فرص العمل للشباب والحد من البطالة وعودة الأمن للشارع المصري ومواجهة الارهاب." وتابع قائلا "نحن مصرون على الإصلاح... ليس مجرد عملية تجميل ولكن نصلح من الجذور لأننا لم نعد نملك رفاهية البناء على أساس خطأ."

لكن التغييرات ليست عميقة كما تبدو حتى فيما يتعلق بمشروعات البنية التحتية الكبرى والتي من المنتظر عرض بعضها على المستثمرين في مؤتمر اقتصادي في فبراير شباط. ويتولى الجيش - الذي طالما لعب دورا رئيسيا في اقتصاد البلاد - دورا رائدا في مشروع بعدة مليارات الدولارات لتوسعة قناة السويس. وستشارك أيضا شركات مملوكة للجيش في شركة جديدة يجري إنشاؤها لتطوير البنية التحتية للاتصالات والانترنت في مصر برغم أن حلمي قال إن تلك الشركات لن تهيمن أو تسيطر على الكيان الجديد.

وقال وزير الإسكان مصطفى مدبولي الذي تعمل حكومته على سد الطلب المتضخم وإيجاد حل للمساكن العشوائية في البلاد إن الجيش يمكن أيضا أن يدير برامج تنمية موازية. وعندما اتفقت أرابتك القابضة - أكبر شركة إنشاء مدرجة في دبي - على بناء مليون وحدة سكنية في مصر في مشروع يتكلف 40 مليار دولار أبرمت شراكة مع الجيش بشكل مباشر وليس الحكومة. وقال حلمي "الجيش له أذرعه الاقتصادية والمالية التي لها الحق أيضا في عمل ذلك."

ويمتلك الجيش امبراطورية تجارية تتراوح من شركات صناعة السيارات إلى أجهزة الكمبيوتر ولا يمكن مناقشة ميزانيته علنا. وتتراوح التقديرات لحجم عملياته المربحة من بضع نقاط مئوية إلى حوالي نصف حجم الاقتصاد. ويرى البعض أن الجيش أكفأ من الحكومة ويشير وزراء إلى أنه يمنح كثيرا من أعماله بعقود من الباطن لشركات خاصة لكن منتقدين يقولون إنه يزاحم القطاع الخاص ويعرقل النمو. بحسب رويترز.

وردا على سؤال عما تغير بالفعل في مصر مع عودة الاخوان المسلمين للعمل السري بعدما تولوا السلطة لفترة قصيرة وعودة ضابط سابق بالجيش إلى الرئاسة قال وزير الاستثمار أشرف سالمان "المصريون". وأضاف "التغيير الكبير هذه المرة يأتي من المصريين. لن يقبلوا بعد الآن أن يصبح شخص آخر مثل مبارك يبقى في السلطة 30 عاما. لن يقبلوا بعد الآن أن يجلس وزير مثلي على هذا الكرسي 20 عاما. لن يقبلوا هذا أبدا."

اضف تعليق