q

كثير من علماء السياسة، جعلوا من التعددية حجر الزاوية في العمل السياسي،  وقد انسحب هذا القول فعليا على مجالات العمل كافة، فأينما تواجدت التعددية وحرية الرأي وطرح الافكار وحرية المناقشة، يوجد النجاح، وبعكسه، ليس هناك سوى الفشل الذي غالبا ما يحصل كنتيجة طبيعة للتزمت، والتطرف والتمسك بالرأي الأوحد والفكر الشامل والقائد الأعلى، واختصار الآراء كلها في رأيه!، مثل هذا السلوك وهذا التوجّه الفردي سيؤدي الى الفشل، في أي مجال كان، ولن يكون هناك أي نسبة من النجاح، بسبب أحادية الفكر والرأي، وإقصاء الآراء الاخرى، الامر الذي يقود الى خلل في العمل والحركة نحو الهدف.

وعندما نأتي الى الحوزات العلمية، فإننا لابد أن نفهم بأن التعددية تعدّ من اهم قواعد العمل الحوزوي، فجميع الاعمال التي تؤديها الحوزات لا تعود للفردية، ولا تقتصر على رأي واحد، بل هناك دائما روح العمل الجماعي التعددي، وهي بدورها تقود الجميع الى نجاح اكيد، ذلك لأن عمل الحوزات يقوم على حرية الاجتهاد وتعدد الاراء، وهذا الاسلوب العملي والفكري الذي كان ولا يزال قائما في عمل الحوزات العلمية، لن يتعرض للفشل لأن حرية للاجتهاد والعمل الجماعي وتعدد الرأي يقود الحوزات الى النجاح.

وبالمقابل اذا فقدت الحوزات العلمية منهج التعددية في عملها، فإنها سوف تفرط بأهم مقومات العمل الحوزوي، لأنها تفقد نتيجة لذلك روح الابداع، وتفشل في التبليغ، وتخسر جميع قدراتها على توجيه الناس وكسب تأييد والانضباط وفق ما تراه الحوزة العلمية من موجبات وقرارات تصب في صالح الفرد والمجتمع، وهكذا لا يمكن للحوزة العلمية التي تفتقر للتعددية، أن تنفذ الى عقول الناس ما لم تنتهج حرية الرآي وتلاقح الافكار والنقاش الدائم، وصولا الى البدائل والحلول الصحيحة للمشاكل التي تعترض حياة المجتمع والافراد معا، وبهذه الطريقة يمكن للحوزة ان تكون عاملا محوريا في الحفاظ على الامن الاجتماعي، أما اذا حدث العكس، فإن الحوزة العلمية سوف تفقد هذا الدور وهذا التأثير على الناس بسبب فقدانها للتعددية تحت ظروف كثيرة، قد تكون ذاتية مصدرها رجالات الحوزة نفسها وبنيتها التنظيمية، أو قد تكون المسببات التي تفقد الحوزة هذه الميزة، قادمة من خارجها، بمعنى ربما تكون هناك ضغوط خارجية تُفرض بشكل قسري على الحوزة، الامر الذي قد يجعلها فاقدة للتأثير في المجتمع.

لذلك لابد أن تحرص الحوزات العلمية على منهج التعددية في عملها، وتغذي هذا المنهج بالعوامل المساعدة له، ومن اهم هذه العوامل بث روح العمل الجماعية بين طواقمها كافة، وترسيخ القيم التي تقف بالضد من الفردية، في الفكر، او في التعامل التطبيقي على حد سواء، وعندما ينتقل هذا الاسلوب الى توابع ومؤسسات الحوزة العلمية كافة، عند ذاك سوف يصبح المنهج التعددي، منظومة سلوك تنظّم انشطة وفعاليات الحوزة العلمية المختلفة، وسوف ينتشر هذا الاسلوب المتحرر في العمل القائم داخل الحوزة نفسها، وهو امر يمكن ان نتلمّسه في الحوزات العلمية المعتمَدة والمعرفة بقدرتها على التأثير في الشارع، بسبب تمسكها بقواعد العمل الحوزوي الصحيح، وهو ما يمكن ان نلاحظه بصورة فعلية على ارض الواقع.

علما أن هذا المنهج التعددي الحرن فيما لو تمسكت به الحوزات العلمية، فإنه سيكون ذا تأثير فاعل في حياة المجتمع، نظرا لأن الحوزة تعد كالنموذج المثالي للفرد والمجتمع، من هنا سوف تتسرب التقاليد العملية كافة الى القاعدة الجماهيرية التي ترى في نموذجها الحوزوي مثالا للعمل الناجح، ومثالا للقدرة على تحقيق الاهداف المرسومة والمخطط لها سلفاً، وهو امر لوحِظَ بصورة فعلية في الحوزات العلمية، وإمكانية تأثيرها الواضح والمستمر في شرائح وقطاعات واسعة من المجتمع، فيغدو منهج الحوازات العلمية نفسه، اسلوبا ومنهجا للعمل المجتمعي بصورة عامة.

أما إذا حدث العكس وتلكّأَ المنهج التعددي في البناء الحوزي الاداري والعملي عامة، فإن مخاطر ذلك لا تنحصر في الحوزات العلمية وحدها، إنما سوف ينعكس ذلك على الفرد والمجتمع، وهو امر خطير يحمل في طياته تراجعات لا يصح ان يتعرض لها الناس في اي حال من الاحوال، أما الضعف الذي قد ينطوي عليه العمل الحوزوي بسبب غياب التعددية، فإنه سيحث تحت ضغوط متعددة، وسوف تكون هناك مظاهر واضحة لفقدان العمل بروح تعددية يتكاتف فيها الجميع، لذلك ينبغي رصد الضغوط ومعرفتها وفهمها، لغرض التصدي لها ومنعها من بلوغ اهدافها منذ شروعها بالتأثير على الحوزات العلمية.

ولعلنا لا نخطئ اذا قلنا أن من ابرز المظاهر التي تؤدي الى فقدان التعددية هي كالتالي:

- الضغوط السياسية على الحوزات العلمية.

الضغوط الامنية والمخابراتية لبعض الدول في عملية ملاحقة المراجع المستقلين.

- ممارسة الضغوط الاقتصادية. وقد سبق ان تحدثنا في مقال كامل تم تخصيصه لأثر الضغط الاقتصادي على عمل الحوزات العلمية.

- الحرب الاعلامية التي تُشَن ضد الحوزات العلمي، واستخدام الآخر لاسلوب التسقيط، وهو امر واضح ومعروف للجميع.

- محاولات حثيثة لإلغاء دور المراجع المستقلين، ومحاولة حصرها في شخص واحد، تحت ضغط السلطة وامتيازاتها، وهو امر يتنافي مع التعددي في جميع الاحوال.

- ملاحقة من يؤيد الحوزات العلمية من الافراد والجماعات.

- اللجوء الى استخدام اسلوب الضغط بالتزامن مع اسلوب منح الامتيازات وما شابه.

- وأخيرا من الافضل لمن يحاول الضغط على الحوزات ان يغيّر اسلوب الضغط الى التعاون، وفي اضعف الايمان، ترك الحوزات تعمل بحرية، والنتائج ستكون بصالح الجميع قطعا، باستثناء الحاكم الظالم.

اضف تعليق