q
ثقافة وإعلام - صحافة

أسواق النفط في 2014

وليد خدوري-صحيفة الحياة

 

تعني دراسة أسواق النفط لعام 2014 مراجعة نصفين مختلفين للعام نفسه، فقد استقرت الأسعار خلال النصف الأول عند معدلها الذي سجلته طوال السنوات الثلاث الماضية، متراوحة ما بين 100 و115 دولاراً للبرميل. أما في النصف الثاني فانخفضت الأسعار حتى كتابة هذا المقال نحو 42 في المئة، وهي في انخفاض مستمر يومياً، إذ وصلت إلى أقل من 70 دولاراً للبرميل.

لماذا هذا التدهور؟

هناك أسباب متعددة، منها انخفاض معدل النمو الاقتصادي العالمي نحو 3.2 في المئة. فنمو دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وهي دول صناعية سجل 1.8 في المئة، كما استمر النمو الاقتصادي الصيني عند 7.4 في المئة، وهو مستوى عالٍ لكنه لم يزد عنه في 2013 ما يعني عدم تحقيق زيادة ملموسة. وحصل هذا في وقت ازدادت فيه إمدادات النفط العالمية، خصوصاً تلك الآتية من الدول غير الأعضاء في منظمة «أوبك» (الولايات المتحدة وكندا أساساً حيث إنتاج النفط الصخري). وبلغ مجمل الإنتاج من خارج «أوبك» نحو 55.95 مليون برميل يومياً، مقارنة بإنتاج المنظمة البالغ نحو 30 مليون برميل يومياً.

وتوقعت إحصاءات «أوبك» أنه زيادة الطلب العالمي على النفط نحو 930 ألف برميل يومياً خلال 2014، بينما رجحت في الوقت نفسه ان يرتفع إنتاج الدول غير الأعضاء في «أوبك» (خصوصاً من الولايات المتحدة وكندا) نحو 1.72 مليون برميل يومياً. وهذا يعني ان البلدان خارج «أوبك» ستغطي أي زيادة في الطلب العالمي إضافة إلى تحقيق فائض في الأسواق.

وهذا يعني ان أي زيادة في إنتاج البلدان الأعضاء في «أوبك» ستصعّب على هذه البلدان الحفاظ على حصصها في الأسواق العالمية، أي ان العرض سيكون أعلى من الطلب، الأمر الذي سيؤدي إلى انخفاض الأسعار. وهذه مشكلة قديمة في الأسواق النفطية منذ أوائل السبعينات، إذ استمرت زيادة الإنتاج من خارج «أوبك» لعدم التزام هذه الدول بأي تعهدات لاستقرار الأسواق لأن أولوياتها تنصب على زيادة أرباح الشركات الدولية العاملة عندها إضافة إلى أرباحها هي، في وقت حاولت فيه البلدان الأعضاء في «أوبك» موازنة العرض مع الطلب من خلال زيادة إنتاجها أو خفضه وفق الحاجة. وكذلك أدى ارتفاع قيمة الدولار بالنسبة إلى العملات الرئيسة الأخرى إلى تقليص الطلب على النفط، لمحاولة بعض الدول تقليل العجز في ميزان المدفوعات، ناهيك عن دور المضاربات التي تفاقم حدة الأحداث الجارية.

لكن لا شك في ان سرعة زيادة حجم إنتاج النفط الصخري في أميركا الشمالية يبقى السبب الرئيس وراء الظاهرة الحالية، فقد زاد مجمل إنتاج النفط الصخري نحو الثلث بواقع 3.4 مليون برميل يومياً، أي ما يزيد على معدل إنتاج العراق، ثاني دولة منتجة في «أوبك» بعد السعودية. وبلغ مجمل الإنتاج النفطي الأميركي في 2014 نحو تسعة ملايين برميل يومياً، ما يوازي تقريباً معدل إنتاج كل من السعودية وروسيا. وسجل معدل زيادة إنتاج النفط الصخري سنوياً نحو مليون برميل يومياً منذ 2012. وتدل المؤشرات إلى زيادات متواصلة في الأعوام المقبلة، خصوصاً مع بلوغ معدل الاستثمار في هذا القطاع في الولايات المتحدة نحو 200 بليون دولار خلال 2013.

وبدأ مسلسل انخفاض الأسعار في بداية فصل الصيف الماضي مع الزيادة الملحوظة في العرض على الطلب، ومع توقف السعودية والإمارات والكويت عن أداء دور المنتج المرجح الذي كان يعني تحمل هذه الدول مسؤولية توازن الأسواق. والسبب في ذلك عدم استعداد هذه الدول للاستمرار في تحمل مسؤولية خفض الإنتاج لوحدها في حين تستمر الدول الأخرى سواء الأعضاء في «أوبك» أو غير الأعضاء فيها في زيادة الإنتاج على رغم انخفاض الطلب العالمي. فالعراق وإيران وليبيا لديها خططها لزيادة الإنتاج، بسبب مشاكل سياسية واقتصادية داخلية، بغض النظر عن تغير ميزان العرض والطلب العالمي. والشركات النفطية الصغيرة في أميركا الشمالية استثمرت من طريق استدانة الملايين من الدولارات في تطوير صناعة النفط الصخري، وهدفها الاستفادة من الأسعار العالية، خصوصاً أن كلفة إنتاج النفط الصخري تتراوح الآن ما بين 50 و70 دولاراً للبرميل.

ان الحفاظ على معدل إنتاج «أوبك» يعني الحفاظ على حصة البلدان الأعضاء في الأسواق. ويعني مزاحمة النفط الصخري سعرياً من دون ان يعني هذا محاولة إغلاق صناعة النفط الصخري، فهذا أمر غير مستهدف ولا يمكن تحقيقه في أي حال من الأحوال، فصناعة النفط الصخري والنفط المحصور خلقت ثورة في صناعة البترول العالمية، والتقنيات أصبحت معروفة كما ان الاستثمارات في هذه الصناعة تقدر حتى الآن بالبلايين من الدولارات. لكن ما يجري حالياً هو محاولة لوضع سقف أو حدود لمعدل الاستثمار في صناعة هذا النفط غير التقليدي، ومن ثم التأثير في الأرباح المتوقعة منه. وهذا سيعني خفض الإنتاج إلى مستويات معقولة أكثر وإلزام المنتجين بالأخذ في الاعتبار كلفة الإنتاج وموازين العرض والطلب العالمي. فما دام السعر يتراوح حول 100 دولار، ستزداد الاستثمارات ومن ثم مستويات الإنتاج.

مما لا شك فيه، ان انخفاض سعر النفط نحو 40 في المئة خلال أشهر قليلة له آثاره الاقتصادية والسياسية. وستنعكس التأثيرات السلبية على كل من الدول المصدرة والمستهلكة. المستفيد الأكبر في المدى القصير هو الدول المستوردة. أما المستفيد المهم في المدى البعيد فهو الدول المصدرة للنفط التقليدي التي ستتعايش مع النفط غير التقليدي، كغيره من مصادر الطاقة التي شاهدناها خلال العقود الأخيرة، مثل نفوط بحر الشمال ومصادر الطاقة المستدامة.

ثمة هناك تكهنات حول مسار الأسعار خلال 2015. ومن المحتمل جداً ان يستمر معدل الأسعار عند المستويات المنخفضة خلال الأشهر المقبلة إلى ان تصل الدول المصدرة إلى تفاهم في ما بينها على أساسيات السوق، خصوصاً موازنة العرض والطلب. وتدل التجارب السابقة في محاولات وقف انخفاض الأسعار إلى صعوبة تحقيق اتفاق كهذا، فالمفاوضات حوله تتطلب جهوداً كبيرة ووقتاً طويلاً. كذلك تدل التجارب السابقة إلى صعوبة إيقاف التدهور السعري، إذ من الممكن ان يسجل مستويات متدنية جداً.

 

اضف تعليق