q

شبكة النبأ: باتت ظاهرة "الذئاب المنفردة" اشهر من نار على علم في اوربا، حيث تشكل تهديدا داهما لمعظم بلدان القارة العجوزة كما هو الحال مع بريطانيا، المانيا، البوسنة، الدانمارك، سويسرا، في حين تشكل فرنسا أكبر مصدر للمتطوعين الغربيين لما يسمى بـ الجهاد الإسلامي للاشتراك في صراعات مسلحة في سوريا والعراق والقتال الى جانب جماعات ومنظمات ارهابية راديكالية، وليست فرنسا الدولة الوحيدة التي تشهد فراغا قانونيا في ما يتعلق بهذه الظاهرة، فالمملكة المتحدة تبحث اجراءات لمواجهتها اضافة الى المانيا التي اقرت ترسانة تشريعية لمكافحة تنظيم داعش عبر منع اي نشاط على اراضيها لدعمه ونشر دعايته.

حيث يمثل منع التحاق الذئاب المنفردة من قلب أروبا بتنظيم الدولة الاسلامية من الأولويات الأمنية للإدارات الاوربية التي تسعى الى قطع خطوط التجنيد للمتشددين الاسلاميين وارسالهم الى الشرق الاوسط.

إذ تشكل قضية مكافحة الإرهاب أهمية كبرى لدى أوربا، وذلك اثر تهديدات الذئاب المنفردة العائدين من قلب النزاعات في سوريا والعراق، فضلا عن التطرف المحلي الذي يتجسد في قضية الفرنسي مهدي نموش المتهم بقتل اربعة اشخاص في هجوم نفذه على المتحف اليهودي في بروكسل والذي كان احد خاطفي رهينة فرنسي سابق، وعلى غرار نموش هناك مئات الاوروبيين العائدين من سوريا حيث انضموا الى الجهاديين، لذا تسعى السلطات في القارة العجوز بصورة حثيثة الى إيجاد أساليب واستراتيجيات جديدة لمكافحة الإرهاب.

في حين يرى بعض المحللين أن وراء انتشار تلك الظاهرة رسالة سياسية جاءت لتوجه ضربة أوربا بعد هيمنتها ونفوذها في بعض الدولة المضطربة، كما تشير الى احتمال وجود صراع سياسي –غربي، غربي – حول الهيمنة والنفوذ السياسي، باستخدام أدوت محلية لتحقيق أجندات خارجية، حيث تعكس هذه المعطيات آنفة الذكر عدة تساؤلات مثل: هل وصلت الرسالة السياسية الى السلطات الاوربية؟، وهل ستشهد أوربا تدفقا مضطردا من لدن الذئاب المنفردة العائدين من الحروب، وكيف ستتعامل القوى الاوربية مع مثل هذه الظاهرة الخطيرة التي تقوم على غسيل الدماغ والتجنيد عبر الانترنت؟، فالملاحظ بأن قضية الإرهاب تشكل ضغطا كبيرا داخل المعترك السياسي الاوربي حاليا، حتى بات الخوف من أن يعود هؤلاء الأفراد ويقومون بعمل إرهابي داخل بلدانهم الاوربي، مما يعني عودة الذئاب المنفردة ستشكل رمضاء المتطرفين تكوي أوربا.

فرنسا

في سياق متصل يطرح امام الجمعية الوطنية الفرنسية مشروع قانون يرمي الى منع مغادرة المرشحين للقتال مع المنظمات الاسلامية المتطرفة، ويتوقع ان يحظى باجماع اليمين واليسار في بلد يدرك انه مهدد بهذه الظاهرة في ظل فراغ قانوني متصل بها.

وتعرب السلطات الفرنسية عن القلق من ظاهرة المغادرة الى سوريا او العراق، ومن مخاطر تنفيذ هجمات بعد العودة منهما، وتشمل هذه الظاهرة بين 930 و950 شخصا. وتتعلق هذه الارقام التي تختلف قليلا بحسب مصدرها، سواء وزارة الداخلية او تقرير برلماني حول الملف، باشخاص سبق ان ذهبوا للقتال واخرين يتجهون للقتال وغيرهم من الذين ينوون الذهاب بحسب معلومات اجهزة الاستخبارات. بحسب فرانس برس.

وصرح المقرر الاشتراكي سيباستيان بييتراسانتا الذي سيدعم نص وزير الداخلية برنار كازنوف "الخطر كبير، نظرا الى احداث هذا الصيف في سوريا والعراق، الى حد ان الكل يشعر بالمسؤولية"، وعلق نائب المعارضة من حزب الاتحاد من اجل حركة شعبية غيوم لاريفيه "نرغب في التصويت لاقرار النص. ينبغي ان يكون هذا موضوع وحدة وطنية".

ويفكر الجميع في حالة مهدي نموش، المتهم بتنفيذ هجوم على المتحف اليهودي في بروكسل بعد ان كان على الارجح يتولى حراسة رهائن في سوريا. كما يعبرون عن القلق من الارتفاع المتزايد في نسبة مغادرة شبان فرنسيين الى سوريا.

واعلن مدعي باريس فرنسوا مولان مؤخرا ان "نصف انشطة" نيابة مكافحة الارهاب يتعلق بسوريا، واكد بييتراسانتا التحقيق في 74 حالة من بينهم ثمانية قاصرين في اطار التحقيق في الشبكات السورية، للحؤول دون رحيل هؤلاء الاشخاص يضم مشروع القانون منعا اداريا لمغادرة الاراضي يطبق بمصادرة وثيقة الهوية وجواز السفر.

ويتخذ القرار بهذا المنع الذي يدوم ستة اشهر قابلة للتجديد "عند وجود اسباب جدية للاعتقاد" ان الشخص المعني "ينوي زيارة الخارج بهدف المشاركة في انشطة ارهابية" او "للتوجه الى مسرح عمليات جماعات ارهابية". واضاف انه يمكن الاعتراض على (هذا القرار) امام القضاء الاداري، كما سيجيز (القانون) توقيف من ينتهك هذا المنع بعيد عودته.

من دون نفي المشكلة، تساءل نائب حزب الخضر فرنسوا دو روجي ان كان هذا القانون سينشئ فئة "الارهابيين المفترضين".

في المقابل يريد اليمن الذهاب ابعد من ذلك عبر اقرار "منع القتال في الخارج بلا اذن" و"منع للعودة"، وهما تعديلان ستعترض عليهما الحكومة، كما يحدد النص جريمة اضافية هي "ارتكاب عمل ارهابي فردي" حتى يشمل ظاهرة "الذئاب المنفردة" اي المهاجمين الذين ينفذون هجمات بمفردهم.

ويشمل النص حكما مثيرا للجدل هو امكانية حجب السلطات الادارية مواقع على الانترنت تمجد الارهاب على غرار ما حصل مع مواقع الاستغلال الجنسي للاطفال، واعربت لجنة تعنى بضبط المواقع الالكترونية وتشمل برلمانيين وشخصيات معروفة عن القلق "من امكانية التوسع في تفسير مفهوم +تسويغ الارهاب+".

من جانب آخر قال عضو بالبرلمان الفرنسي إن نحو 100 ارهابي قاتلوا مع التنظيمات المعارضة في سوريا والعراق عادوا إلى فرنسا وهو ما يحتاج الى موارد "هائلة" للمراقبة واتخاذ تدابير أمنية أخرى لمنع وقوع هجمات.

وقال النائب الاشتراكي سيباستيان بيتراسانتا لرويترز إن من بين عدد يقدر بنحو 1000 متطوع غادروا فرنسا - وهي أكبر مصدر للمتطوعين الغربيين للجهاد الإسلامي في المنطقة - عاد نحو 100 وهم موجودون الآن في البلاد.

وقال بيتراسانتا "بعضهم في السجن والاخرون رهن الملاحظة القضائية". وأضاف "لدينا أدلة مادية تبين ان عددا من هؤلاء الذين عادوا من سوريا كان يمكن ان يمضوا قدما ويشنوا هجمات"، وبيتراسانتا هو كبير المتحدثين باسم قانون لمكافحة الإرهاب ستجري مناقشته في البرلمان يشدد الرقابة على المتطوعين الجهاديين المحتملين ويقيد تحركات المقاتلين العائدين الذين يمكن تجريدهم من جوازات السفر ووثائق الهوية. بحسب رويترز.

وقال إنه تجري مراقبة المقاتلين العائدين "على نطاق هائل"، وأضاف "عندما تدرك أن الأمر يحتاج إلى 20 عنصر أمن لمراقبة شخص واحد فإن ذلك يعطيك الاحساس بالتحدي الذي تواجهه أجهزتنا الأمنية." وقال إن 52 متشددا عائدا محتجزون الآن في السجون، وقال بيتراسانتا "ندم شخص واحد فقط حقا على مغادرته وصدمه ما شاهده." وأضاف "لكن في الحقيقة لا يقول كثيرون (لقد رأيت أهوالا كثيرة وأنا نادم لانني ذهبت)."

من جهته قال وزير الداخلية الفرنسي برنارد كازنوف إن فتاة في السادسة عشرة من عمرها يشتبه أنها كانت تحاول السفر الى سوريا للانضمام للمقاتلين الإسلاميين احتجزت في مدينة نيس بجنوب شرق فرنسا، وقال كازنوف في بيان إن شرطة الحدود في مطار نيس اعتقلت الفتاة قبل سفرها "للجهاد"، واضاف ان اسرة الفتاة التي احتجزت يوم السبت لا تعرف شيئا عن نواياها، واعتقل شاب يبلغ من العمر نحو عشرين عاما في وقت لاحق للاشتباه في أنه هو الذي جندها واشترى لها تذكرة السفر إلى تركيا كي تصل الى سوريا. بحسب رويترز.

وتشير تقديرات المخابرات الأمريكية والأوروبية إلى أن آلاف المقاتلين الأجانب بعضهم من غرب أوروبا انضموا إلى جماعات إسلامية متطرفة تقاتل في سوريا والعراق.

ووضعت فرنسا الحملة ضد الخلايا الاسلامية المتطرفة على رأس أولوياتها لكنها لم تستطع أن تحد من موجة سفر مواطنيها وآخرين بعضهم يبلغ من العمر 14 عاما للانضمام إلى الحرب السورية.

البوسنة

فيما احتجزت شرطة البوسنة 16 شخصا بتهمة تمويل أنشطة ارهابية وتجنيد متطوعين والقتال الى جانب جماعات متشددة في سوريا والعراق، وقالت وكالة التحقيقات وحماية الدولة في بيان ان الاعتقالات جرت خلال 17 عملية مداهمة نفذتها الشرطة.

وهذه أول حملة أمنية في الدولة الواقعة في منطقة البلقان منذ ابريل نيسان حين سنت البوسنة قانونا جديدا يقضي بالسجن لمدد تصل الى عشر سنوات لمواطنيها الذين يقاتلون في صراعات في الخارج او يجندون لها أفرادا. بحسب رويترز.

ويقدر الخبراء ان بضع مئات سافروا من البوسنة الى سوريا. ووردت تقارير عن دخول بعضهم العراق هذا العام للقتال في صفوف الدولة الاسلامية. ويشكل المسلمون في البوسنة 45 في المئة من السكان.

سويسرا

في حين اعلن المدعي العام السويسري التحقيق مع اربعة اشخاص يشتبه بانهم توجهوا من سويسرا الى سوريا للقتال الى جانب تنظيمات متطرفة على غرار "الدولة الاسلامية".

وقال مايكل لوبر في مقابلة نشرتها صحيفتا "لو ماتان ديمانش" و"تسونتاغتسايتونغ" "في هذه الحالات، نسعى الى التحقق من شبهات بدعم منظمة اجرامية وتمويل مجموعة ارهابية"، رافضا التكهن حول فرص نجاح هذه الالية بحق المشتبه بهم الاربعة التي لم تكشف جنسيتهم، واكد ان قضية المقاتلين المتطرفين في سويسرا تثير قلقه موضحا ان وزارة العدل السويسرية تبدي "يقظة كبيرة" بالتعاون مع السلطات المكلفة ملف الهجرة واجهزة الاستخبارات والشرطة. واشار لوبر الى انه ينبغي تحديد الخطر المحتمل الذي يشكله الشخص المعني في كل من الحالات، واضاف ان ليس لدى السلطات اي قائمة سوداء بالمشتبه بهم تتيح لدوائر الهجرة التحرك لدى دخول شخص الاراضي السويسرية. بحسب فرانس برس.

وتابع ان المدعي العام لا يمكنه منع شخص من المغادرة الا اذا ثبت ان الاخير "يدعم منظمة ارهابية ماليا او في طريقة اخرى". وحتى في حالة مماثلة فان المشتبه به "لا يبقى فترة طويلة في السجن".

من جهة اخرى، رحب لوبر بقرار المحكمة الجنائية الدولية التي دانت في ايار/مايو شقيقين من الاكراد العراقيين حصلا على اللجوء في سويسرا بتهمة الترويج للارهاب، وكانت المحكمة دانت الشخصين المذكورين بدعم منظمة ارهابية بعدما ادارا منتديات عبر الانترنت على صلة بمنظمة سلفية جهادية قريبة من القاعدة.

وتقول اجهزة الاستخبارات السويسرية ان اربعين شخصا غادروا اراضيها او كانوا عازمين على ذلك للانضمام الى تنظيمات متطرفة، وذلك بحسب معطيات تم جمعها على مدى عام حتى ايار/مايو 2014.

الدانماركية

من جهتها اعتقلت الشرطة الدانماركية شخصين إثر مداهمتها لمقرات جمعيات خيرية للاشتباه بتمويلها تنظيم "الدولة الإسلامية"، وذلك من خلال بيع ملصقات، تدعو إلى دعم هذا التنظيم،  داهمت شرطة كوبنهاغن أربعة مقرات لجمعية خيرية للاشتباه بأنها تجمع الأموال لصالح تنظيم "الدولة الإسلامية" المتطرف، وقال نائب مفتش الشرطة ينز مولر ينسين، في بيان، إنه تم اعتقال اثنين من المشتبه بهم، رجل وامرأة، "بينما اختارت امرأة ثانية مرافقتنا للتحقيق معها".

واستجوبت الشرطة رجلا لا يحمل أي جنسية ولد في ليبيا (35 عاما)، وامرأة دنماركية من أصل لبناني (30 عاما) وامرأة دنماركية (50 عاما)، بشأن بيع ملصقات استوحيت فكرتها من شرائط صفراء تباع تقليديا لدعم الجنود الدنماركيين المنتشرين خارج بلادهم. بحسب فرانس برس.

وأفادت شرطة كوبنهاغن أن "الملصقات كانت باللون الأسود. ووضع مكان العلم الدنماركي علم آخر يبدو أنه علم الدولة الإسلامية، واستبدلت عبارة "ادعموا جنودنا" بعبارة "ادعموا أمتنا"، ولم تتمكن الشرطة من العثور على أي من الملصقات أثناء المداهمات، إلا أنها صادرت أموالا "ومواد مكتوبة" حول جمع التبرعات.

قضية مهدي نموش مثالا

الى ذلك تصور قضية الفرنسي مهدي نموش المتهم بقتل اربعة اشخاص في هجوم نفذه على المتحف اليهودي في بروكسل والذي كان احد خاطفي رهينة فرنسي سابق، التهديد الذي يمثله الجهاديون الاوروبيون الذين ينضمون الى صفوف تنظيم الدولة الاسلامية بالنسبة لاوروبا.

وقال جان شارل بريزار خبير المسائل المرتبطة بالارهاب ان الهجوم الذي ادى الى قتل اربعة اشخاص في 24 ايار/مايو في المتحف اليهودي في بروكسل والذي اوقف نموش الفرنسي الجزائري الاصل بشأنه في بلجيكا هو "اول عمل ارهابي ناجح على الاراضي الاوروبية مصدره الشبكات السورية". بحسب فرانس برس.

ويبعث تدفق المرشحين للجهاد مخاوف لدى المسؤولين السياسيين واجهزة الاستخبارات الاوروبية من ان يفلت بعضهم من رادارات المراقبة وينفذون اعمالا ارهابية لدى عودتهم الى بلادهم، وقال لوي كابريولي مسؤول مكافحة الارهاب في مديرية مراقبة الاراضي بين 1998 و2004 "انها ظاهرة جماعية تتخذ حجما متزايدا"، وقدر جان شارل بريزار عدد الاوروبيين الذين زاروا سوريا والعراق او الذين ما زالوا موجودين في هذين البلدين ب3200.

وفي بريطانيا، افاد رئيس الوزراء ديفيد كاميرون ان هناك "ما لا يقل عن 500" غادروا الى سوريا والعراق عاد منهم 250. اما في فرنسا، فهناك 950 شخصا ضالعون في الشبكات السورية، ما بين جهاديين يقاتلون حاليا (350) او في طريقهم (150) أو عادوا الى بلادهم (180) أو يسعون للرحيل (220)، بحسب تعداد اعده مقرر مشروع قانون حول تعزيز مكافحة الارهاب في منتصف اب/اغسطس، كما تم توقيف اشخاص يسعون لتجنيد مرشحين للجهاد في كل من المانيا وهولندا، وقال جان شارل بريزار انه على ضوء هذه الاعداد فان مخاطر وقوع اعتداء جديد في اوروبا "تتخطى مجرد الاحتمال" مشيرا الى ان "الاجهزة على يقين بان الامر لم يعد سوى مسالة وقت".

وقال الخبير ان "هذا يمكن ان يحصل بطريقتين: هناك حالات الافراد الذين سيحاولون لدى عودتهم القيام بعمليات بدون تلقي تعليمات، لمجرد انهم اصبحوا عنيفين، وهذا ما ينطبق على ما يبدو على نموش" لكنه اضاف ان "الخطر الحقيقي هو انه بوسع الدولة الاسلامية الاستناد الى الاف الجهاديين الاجانب في صفوفها للقيام بعمليات محددة الاهداف ومنسقة، تكون وطانها اشد بكثير مما يمكن ان يحققه جهادي وحيد"، وراى ماثيو اولسن احد مسؤولي مكافحة الارهاب الاميركيين ان "التهديد لاوروبا داهم نسبيا".

وفي مواجهة هذه المخاطر، تسعى الدول الاوروبية لتعزيز ترسانتها القضائية لمنع رحيل المرشحين للجهاد، ولا سيما في فرنسا وبريطانيا اللتين تستعدان لاقرار تشريعات تجيز منع الاشخاص الذين يشتبه بسعيهم للتوجه الى ارض جهاد من مغادرة الاراضي الوطنية.

 

اضف تعليق