q

يشهد المجتمع المغربي حراكا داخليا غير مسبوق على مستوى الحريات والحقوق، وذلك على خلفية عدة قضايا تمثل الفساد الاجتماعي المتصاعد في المغرب، ابرزها زواج المثلية والجدل حول اعتقال فتاتين بسبب ارتدائهما ملابس فاضحة في الامكان العامة ومشروع قانون ممارسة الجنس خارج رابط الزواج، مما اثار جدالا واسعا داخل المملكة المغربية، كون بعض هذه القضايا خرجت عن نطاق المسؤولية الاجتماعية والحرية المسؤولة، مما جعل من المغرب ساحة مفتوحة للافساد الاخلاقي والغزو الثقافي، وهو ما دعا مئات المغاربة يحتجون على "فيمن" و"انتشار الرذيلة" أمام سفارة فرنسا في الرباط.

كما تحولت قضية اعتقال فتاتين في بلدة إنزكان بإقليم أكادير في جنوب غرب المغرب بتهمة "الإخلال بالحياء العام" إلى جدل صاخب يظهر من جديد وجود تصورين لما ينبغي أن يكون عليه المجتمع المغربي، الأول يحمله معسكر حداثي الداعم لهاتين الفتاتين، وفي الجهة المقابلة معسكر يمثله محافظون كان وراء هذه الضجة.

وفي وقت سابق أعلنت السلطات المغربية بداية الشهر الجاري عن توقيف شابين قبلا بعضهما في باحة مسجد حسان التاريخي في الرباط غداة قيام ناشطتين من حركة فيمن بتعرية صدريهما وتقبيل بعضهما في المسجد احتجاجا على تجريم المثلية في المملكة، علما دين الدولة هو الإسلام، كما أن المادة 489 من القانون الجنائي (قانون العقوبات) تعاقب على المثلية (الشذوذ الجنسي) بالسجن النافذ حتى ثلاث سنوات.

يرى خبراء الاجتماع ان ما يشهده المجتمع المغربي في الوقت الراهن جاء نتيجة تأثره المتراكم بعوامل التغير الاجتماعي كالعامل الثقافي وأثر الاتصالات الفكرية مع المجتمع الغربي، فكما هو معروف ان المجتمع المغربي ولا سيما الشباب منهم متأثر على نحو مضطرد بثقافات وسلوكيات الغرب وخاصة المجتمع الفرنسي الذي يبح كل ما هو محرم بحجة الحرية، وعليه فالتصعيد الاجتماعي الذي شهدته المملكة المغربية هو نتيجة انفجار فقاعة الغزو الثقافي الفرنسي وتأثر الشباب المغربي بوهم الحرية اللاأخلاقية، وقيامهم بكل ما هو منافي للآداب العامة والآداب الإسلامية. وبحسب بعض الخبراء فان المجتمع المغربي يعاني اليوم من واقع مأساوي بسبب استفحال الفساد الاجتماعي كالسياحة الجنسية وظاهرة المثلية والجنس خارج الزواج.

فيما يرى خبراء اخرون ان زيادة معدلات الانفتاح على العالم الخارجي وتطبيق ثقافاته دون وعي وبتقليد اعمى بذريعة الحرية والعصرية زاد من الانحراف والفساد داخل المجتمع المغربي، ويؤكد هؤلاء الخبراء ان كا نعبر عنه بالعولمة بمعنى تعدد شبكة علاقاته بالمجتمعات الأخرى يجعل اتجاهات التغير الاجتماعي متباينة ويعكس بصورة مختلفة كنماذج التبعية التي يقع في شباكها المجتمع المغربي بشكل خاص والمجتمع العربي بشكل عام، مما يؤثر على الشباب وينعكس هذا التأثير في تباين اتجاهات الشباب ونزعاتهم السياسية الثقافية والاجتماعية المختلفة.

هل ينبغي إحراق المثليين؟

على صعيد ذي صلة سحبت صحيفة أسبوعية مغربية الجمعة عددها من السوق بعد أن تعرضت لعدة انتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي على خلفية عنوان لمقال نشرته على صفحتها الأولى "هل ينبغي إحراق المثليين؟".

قرر المسؤولون عن أسبوعية "ماروك إيبدو" الناطقة بالفرنسية والصادرة في المغرب الجمعة سحب عددها الأخير من السوق بعد اتهامها برهاب المثلية، وذلك إثر نشرها على صفحتها الأولى عنوانا لملف عن المثليين بعنوان "هل ينبغي إحراق المثليين؟".

وقال المسؤولون عن الأسبوعية الجمعة في بيان رسمي إن المجلة "قررت سحب عددها الأخير من السوق وكذلك سحب الموضوع من مواقعها على الإنترنت" وذلك عقب "ردود الفعل القوية التي قوبل بها العدد ولاسيما عبر شبكات التواصل الاجتماعي". بحسب فرانس برس.

وقد تجمع أكثر من 1500 مغربي قرب سفارة فرنسا في الرباط حاملين شعارات ولافتات احتجاجا على "تعري" ناشطتين من حركة فيمن في مسجد تاريخي في العاصمة، فيما احتج بعضهم على "انتشار الرذيلة".

وتجمع المحتجون تحت مراقبة العشرات من قوات الأمن، قادمين من مدن فاس ومكناس (وسط) والدار البيضاء وبعض المدن الصغيرة المجاوة، وحمل المتظاهرون شعارات من قبيل "هنا بلاد المسلمين لا نريد المثليين" و"يا قنصل (في إشارة إلى السفير) ارحل".

وفي حدث ذي صلة قام الاسبوع الماضي ستيفان أولسدال، عازف الجيتارة في مجموعة "بلاسيبو" اللندنية، خلال إحدى حفلات مهرجانات موازين، أكبر مهرجان موسيقي في المغرب، بكتابة الرقم 489 على صدره عاريا خلال تأدية حفل موسيقي تعبيرا عن تضامنه مع المثليين المغاربة المطالبين بإلغاء هذا الفصل الذي يجرم المثلية في القانون المغربي.

الجدل حول الملابس المخلة بالحياء العام

الى ذلك قد أطلقت النيابة العامة في مدينة أكادير جنوب المغرب سراح شابتين في انتظار محاكمتهما بتهمة "الإخلال بالحياء العام" لارتدائهما ملابس ضيقة، فيما نددت جمعيات حقوقية بالقرار ودعت النساء للاحتجاج بارتداء التنورة نهاية الأسبوع. بحسب فرانس برس.

ففي تحرك مفاجئ من قبل السلطات المغربية، اعتقلت الشرطة شابين بتهمة التحرش جنسيا بفتاتي إنزكان في إقليم أكادير، والتي أثارت قضيتهما جدلا وسعا في البلد لم ينته إلى اليوم، ووجهت للشابين تهمة "الإخلال بالحياء العام"، وأوضح أن المتهمين "تحرشا بالفتاتين بالشارع العام بسبب ما اعتبراه ملابس مخلة، قبل أن يتطور الموضوع إلى اعتداء لفظي وإيذاء جسدي (...) وعمد أحدهما إلى القيام بحركات ذات إيحاءات مخلة بالحياء العام".

واعتبرت السلطات المغربية أن ما قامت بها ناشطتا حركة فيمن وما قام به الشابان اللذان يمثلان مساء الجمعة أمام المحكمة الابتدائية في العاصمة الرباط "عبارة عن أعمال استفزازية غير مقبولة من طرف المجتمع المغربي".

القانون الجنس خارج الزواج

في سياق متصل أكد وزير العدل والحريات المغربي، مصطفى الرميد، أنه لن يقبل بتاتًا بتعديل القانون المغربي ليسمح بممارسة الجنس خارج إطار الزواج، مشيرًا إلى أنه لو تم رفع التجريم عن هذه الممارسة، فسيعمل على تقديم استقالته، غير أنه شدّد على أن السلطات الأمنية لن تقوم بمداهمة منزل ما بحثًا عمّن يخرقون هذا القانون، إلّا إذا كانت هناك شكوى من الجيران أو شخص على زواج بأحدهما. وفقما ذكرت السي ان ان.

وأضاف مصطفى الرميد، أثناء استضافته في لقاء نظمته جريدة "ليكونوميست" المغربية هذا الأسبوع، حول مشروع القانون الجنائي الجديد، أن المغرب سيستمر في تجريم المثلية الجنسية، ولن يقوم بأيّ تعديل في هذا الصدد، مؤكدًا كذلك أن المغرب لن يتسامح مع المفطرين علنيًا في رمضان، إذ إنه "لا يمكن قبول مطالب أقلية وفرضها على معتقدات الأغلبية".

وعليه تضفي لنا المعطيات آنفة الذكر بان المغرب باتت ساحة مفتوحة للافساد الاخلاقي، إذ يتعرض الشباب المغربي العربي إلى غزو ثقافي في كل فرع من فروع الثقافة التي تنقل مداخلات إلى عقولهم فيظهر مفعول في سلوكهم وأسلوب معيشتهم وأخطر شيء في الغزو الأجنبي يكمن في الجانب غير المادي أي المعنوي من الثقافة، الذي يشمل الأفكار والآراء والمعتقدات والمعايير والقيم التي تغيير من سلوكيات الشباب، مما انتج لديهم عادات وتقاليد وأعراف وبدعا يتمسكون بها بشدة إلى درجة التعصب في الكثير من الأحيان وذلك لانبهارهم الشديد بها وهكذا يصبحون أدنى تفكيرا منهم فيتبعونهم إتباعا أعمى ويأخذون عنهم كل شيء ويدعون إلى تبني أفكارهم ويزيد الأمر خطورة عندما يصبح للغزو الأجنبي غير المادي المعنوي قيمة كبيرة بين الشباب، بحيث يصبح مختزنها والمتأثر بها والداعي لها مرموقا بينهم.

وعليه تبدو المملكة المغربية على مفترق طرق على مستوى الحريات والتغيير الاجتماعي، ففي ظل غياب المعالجات الناجعة للحد من استفحال الفساد الاجتماعي أو تخفيف من تداعيات المخاطر الاجتماعي التي تترك اثرها على الوضع السياسي والاجتماعي وبالأخص الوضع الحقوقي وما يتعلق بالحريات، مما قد يضع البلاد في حالة من عدم الاستقرار في المجالات كافة.

اضف تعليق