الفرد يمكن أن يكون غنيا بموارده لكثرتها، لكنه قد يعيش الفقر التنظيمي الذي يؤول إلى تبذير وهدر ثرواته وموارده، وهناك كثير من الأغنياء انتهوا في قبضة الفقر المدقع لأنهم لم يحسنوا تنظيم مواردهم، ليس المادية وحدها بل الفكرية والمعنوية أيضا، هنا تتضح بجلاء قيمة التنظيم...
التنظيم مفردة شاملة، يمكن أن تدخل في مجالات الحياة المختلفة، والجميع يحتاج إلى التنظيم، فهو مهم للأفراد في حياتهم الفردية والعائلية والاجتماعية، وكذلك تحتاجه الجماعات، كالشعب، الدولة، الأسرة، الجامعة، وكل التشكيلات ذات الجهد الجماعي، فالتنظيم حالة عملية أو فكرية تهدف إلى تسهيل بلوغ المخرجات بصورة أسرع وأدق.
إذًا هنالك تنظيم فردي وآخر جماعي، وهنالك تنظيم في السياسة والاقتصاد والاجتماع، وفي مجالات الحياة كافة، ولا يمكن الاستغناء عن التنظيم العملي والفكري، بالنسبة للأفراد والمجتمعات، لدرجة أن الفرد أو الجماعة التي تفتقد للتنظيم العملي والفكري، تتعرض للفقر بكل أنواعه، فيصبح الفرد الفاقد للتنظيم فقيرا ماديا وفكريا، وتكون الأسرة التي بلا تنظيم فقيرة ماديا ومعنويا، وتكون الدولة الفاقدة للتنظيم فقيرة حتى لو كانت غنية بثرواتها.
لماذا يحتاج الفرد والجماعة إلى التنظيم؟
لكل فرد طاقات وموارد ومؤهلات، منها مادية كالأموال أو القوة العضلية التي تتوافر في جسده، ومنها معنوية فكرية كالذكاء في التعامل مع مواقف الحياة المختلفة، هذه الطاقات والموارد لا يصح أن تبقى سائبة فوضوية لأنها سوف تصبح مهدورة ومبعثرة وغير مؤثرة في حياة الفرد، ولا تقوده إلى النجاح في حياته.
مخرجات التنظيم الجيد
فالمادة إذا لم يتم صرفها بطريقة منتظمة ومخطط لها، وتتم بعثرتها هدرها في طرق الإسراف والتبذير، وصرفها في أمور غير مدروسة، فإنها لا تتمخض عن مخرجات مفيدة وجيدة للفرد، لذلك فإن التنظيم والبرمجة والتخطيط لهذه الطاقات والموارد، يضع الأمور في نصابها والنقاط فوق حروفها، وتكون المخرجات مضمونة وجيدة لأن مدخلاتها منتظمة ومدروسة.
ينطبق هذا الأمر على الجماعة أيضا، فالارتجال والعمل الجزافي أو الاعتباطي من قبل الجماعة، سواء بالنسبة لشعب ما، أو دولة، أو مؤسسة، أو مدرسة أو حتى عائلة صغيرة، سوف يؤدي إلى تسريب الطاقات والموارد في غير محلها وموقعها الصحيح، وبالتالي فإنها تصبح كالهباء، لا فائدة منها، في حين لو أنها كانت خاضعة للتنظيم والتبويب والتخطيط، فإن هذه الموارد سوف تعود بنتائج كبيرة لصالح الجماعة.
يمكن لأي باحث أو متابع اجتماعي أن يفرّق بين الفرد المنظّم والفرد العشوائي، كذلك يمكنه التفريق بسهولة بين الجماعة التي تتحرك في سياق تنظيمي واضح وجيد، وبين تلك التي تقع تحت هيمنة الارتجال والعمل الفوضوي، فالأخيرة تكون ضحية لغياب التنظيم، على الرغم من توافر موارد كبيرة لها.
هناك أدلة يمكن أن نقتنصها من الواقع، توجد دول غنية بثرواتها لكنها فقيرة كالعراق، وهذا مثال واقعي ينطبق على غياب التنظيم في العراق، ونقصد بذلك غياب التنظيم الفردي والجماعي، وغياب التنظيم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وهذه كلها تؤدي إلى تدمير الموارد بمختلف أنواعها لأنها غير داخلة في منهج أو برمجة تنظيمية تحفظ هذه الموارد وتستثمرها بالسبل والطرق العلمية العملية السليمة.
الخلاص من قبضة الفقر التنظيمي
الفرد كذلك يمكن أن يكون غنيا بموارده لكثرتها، لكنه قد يعيش الفقر التنظيمي الذي يؤول إلى تبذير وهدر ثرواته وموارده، وهناك كثير من الأغنياء انتهوا في قبضة الفقر المدقع لأنهم لم يحسنوا تنظيم مواردهم، ليس المادية وحدها بل الفكرية والمعنوية أيضا، هنا تتضح بجلاء قيمة التنظيم في جعل الإنسان فردا كان أو جماعة يعيش حياة جيدة أو رديئة مليئة بالأزمات والمشكلات، إنه الفقر التنظيمي الذي يمكن أن يجعل الناس فقراء أو أغنياء.
ما هي السبل التي توصل الإنسان، فردا وجماعة لاعتماد التنظيم في حياته، لضمان استخدامه الصحيح لموارده المختلفة؟، الجانب الأول والأهم هو الأسرة أو الحاضنة الاجتماعية الأصغر، وكذلك النموذج الأول للأطفال، الأب والأم، فإذا عاش الإنسان في حاضنة تعتمد التنظيم في إدارة شؤونها، يصبح منتظما وينمو التنظيم معه، فيكون إنسانا منظّما ناجحا، ويصح العكس تماما.
الصورة الفردية أعلاه، تنطبق بشكل تام على الجماعة (الشعب، الدولة)، فإذا عاش الفرد في ظل واقع اجتماعي منتظم، بعيد عن العشوائية، ورأى بعينيه كيف يتصرف مسؤولوه أمامه، وكيف يتصرف أقرانه بمواردهم، وإذا عاش البرمجة والتنظيم في جوانب الحياة المختلفة في المجتمع، فإنه سوف يكون فردا منتظما ومنظما، وحاصل جمع هؤلاء الأفراد المنتظمين، هو المجتمع والدولة التي تحمي مواردها وثرواتها من خلال إبعاد الفقر التنظيمي عن نشاطاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها.
اضف تعليق