q

لم تضمد تركيا جرحاً حتى تطعن بالاخر، اذ اغتيل السفير الروسي لدى تركيا أندريه كارلوف إثر هجوم مسلح داخل معرض فني في أنقرة. وبحسب المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في بيان تلفزيوني إن كارلوف (62 عاما) فارق الحياة متأثرا بجروحه.

هذه الحادثة توضح حجم الازمة التي تمر بها تركيا، فمنذ بداية الازمة السورية عام ٢٠١١ اخذت الاوضاع نحو الهاوية، وباتت الازمات تلاحق حكومة حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب اردوغان، هذا الرجل الطامح لاستعادة الامجاد العثمانية، وقد حقق الكثير من اجل الوصول الى طموحاته لكن احداث الربيع العربي كانت الفيصل في تحديد مدى حكمة اردوغان وقدته على التحكم في القرارات المصيرية لبلاده، فكانت النتيجة ان يفقد الاتراك الكثير من الاستقرار في الوضع الامني والاقتصادي والسياسي.

تركيا التي اسقطت الطائرة الروسية، عادت لتعتذر من موسكو وتفتح افاق التعاون معها بشكل كبير بعد ان وجدت نفسها وحيدة في مواجهة الدب الروسي العائد بقوة الى الساحة الدولية، فحلف الناتو قد خذل تركيا في مواجهة روسيا انذاك وحينها ادرك اردوغان ان لا سبيل للعودة ببلاده لواقع ماقبل الازمة السورية الا من خلال العمل وفق ما تمليه الواقعية السياسية والمصالح التركية. فالمشكلات التي تعرضت لها تركيا كشفت اهم نقاط الخلاف مع الغرب والتي ادت الى انعطافة مهمة في تاريخ سياستها الخارجية التي باتت تقترب من المعسكر الشرقي وذلك وفق الاتي:

١- مشروع الانضمام الى الاتحاد الاوربي، فتركيا كانت قد وضعت كل ثقلها من اجل اقناع دول الاتحاد الاوربي بالانضمام الى هذا التكتل، ويعزوا بعض المتابعين الى ان كل ما قامت به تركيا من اجل تحديث اقتصادها ونظامها التعليمي والقضائي وما يتعلق بحرية الرأي والتعبير جاء انسجاما مع الرغبات والمعايير الاوربية التي تشترط ذلك، لكن رغم كل ما قامت به انقرة كانت بروكسل تتملص من التزاماتها ازاء الجانب التركي، وفي الاونة الاخيرة استخدم الاتراك اساليب الضغط السياسي بدل القيام بالاصلاحات وغيرها وهو ما عُد بانه تعبير عن اليأس التركي ازاء مشروع الانضمام للاتحاد الاوربي، لياتي الانقلاب العسكري الفاشل ويقلب الامور رأسا على عقب ويكشف عن حجم الرفض الاوربي لمشروع الانضمام الى الاتحاد الاوربي.

٢- العلاقة مع الاكراد، إذ تمثل الحركات الانفصالية الكردية اهم عقبة امام الدولة التركية، وفي كل المحافل الدولية تطالب تركيا بضرورة مساعدة حلفائها لها من اجل القضاء او على الاقل تاييد جهودها في محاربة الحركات الانفصالية الكردية وخاصة حزب العمال الكردستاني الذي يصنف كحركة ارهابية لدى انقره، ومع اطالة امد الحرب السورية ظهرت مشكلة اكراد سوريا لتضيف عبئا اخر على الرئيس رجب طيب اردوغان، وحينما لم يجد من ياييد مطالبه من حلفائه الغربيين بضرورة كبح جماح الحركات الكردية لجأ الى الى الغريم الروسي السابق لا سيما وانه يتمتع بنفوذ واسع في سوريا، وهذا ما اثار حفيظة الدول الغربية التي وجدت في هذه التوجهات التركية اخلالا بسياقات التحالفات السارية بين الطرفية.

هذه الصحوة التركية المتاخرة لم تعجب الغرب وخاصة الولايات المتحدة وخلفها حلف شمال الاطلسي، الذين وجدوا في التحركات التركية ضربا لمصالحهم وتقاربا غير "مبرر" مع العدو اللدود للحلف "روسيا" وكان الانقلاب الفاشل الذي قام به الجيش التركي نقطة اخرى اثارت الكثير من التساؤلات حول العلاقة التركية الغربية، حيث كان الرئيس الروسي فلادمير بوتين والدوبلوماسية الروسية على اتصال مباشر مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان اثناء ازمة الانقلاب التركي في الوقت الذي ينعم الحلفاء الغربيون بنوم عميق ليصحوا على انقلاب فاشل في تركيا.

وبعدها توسعت العلاقات التركية الروسية بشكل كبير اثر لقاءات متعددة لتصل الى حد التعاون المشترك في قضايا مصيرية وخاصة ما يتعلق بالازمة السورية. وقبل حادث اغتيال كارلوف نقلت وكالة رويترز يوم الأحد عن مصادر في مكتب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه بحث هاتفيا مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين فكرة عقد اجتماع في كزاخستان بحضور ممثلين من الحكومة السورية والمعارضة. فيما أعلن الرئيس الروسي الجمعة الماضي أنه يعمل عن كثب مع أردوغان لمحاولة بدء سلسلة جديدة من محادثات السلام السورية بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار على مستوى البلاد. وعقد الثلاثاء 20 ديسمبر/كانون الأول، في موسكو اجتماع ثلاثي بين وزراء خارجية ودفاع روسيا وتركيا وإيران، لبحث تطورات الأوضاع في سوريا، وفي مدينة حلب بالتحديد.

كل الدلائل تشير الى ايجابية العلاقات بين موسكو وانقرة، وحادث اغتيال السفير كارلوف لا يمكن ان تحطم هذه العلاقات الاخذة في التصاعد نحو التعاون المشترك بحكم التهديدات التي يتعرض لها البلدين، وهذا ما اشار له فلادمير بوتين في تعليقه على مقتل سفير بلاده اذ أعلن أن اغتيال السفير كارلوف استفزاز يستهدف العلاقات الطيبة بين روسيا وتركيا والتسوية في سوريا.

روسيا وتركيا بحاجة ماسة لبعضهما البعض في هذه المرحلة الحساسة والفاصلة في تاريخ منطقة الشرق الاوسط والعالم، ويعرفان حجم الخطر الذي يواجههما، ومن ثم فان العلاقات بين البلدين ستسير نحو الامام وفق الخطط المرسوم، بل سوف يعجل هذا الحادث بتعزيز التعاون المشترك، لا سيما مع اتفاق الطرفين من حيث المبدأ على ضرورة انهاء الحرب في سوريا قبل ان تخرج نيرانها عن السيطرة.

اضف تعليق