q

دخلت الدول الاوربية الكبرى وعلى رأسها فرنسا والمانيا بقوة في ملف رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري، وسحبت الاضواء من السعودية في احدث الازمات الاقليمية واكثرها توترا بين الرياض وطهران، وبدخولها الى هذه الحلبة المشحونة بالخطاب الطائفي والايدلوجي، يؤكد هذا التحرك مرة اخرى اننا امام متغيرات كبرى قد تشهدها المنطقة خلال المرحلة القادمة.

قصر الاليزيه كان على موعد صباح السبت، لـ"احتفالية" استقبال رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري اثر وصوله الى العاصمة الفرنسية باريس، قادماً من السعودية بعد أسبوعين من إعلان استقالته المفاجئة ببيان تلاه من الرياض.

وكان في استقبل الحريري الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، حيث أجريا محادثات، قبل اجتماعهما حول غداء عمل. ووصفت وكالات الانباء استقبال الحريري "بالتشريفات اللائقة برئيس حكومة" في مقر الرئاسة الفرنسية.

وبقدر ما كانت استقالة الحريري مزلزلة ومفاجئة بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ فقد كان الدخول الفرنسي على خط هذه الازمة يمثل انعطافة ادت الى دخولها فصلا جديدا عنوانه الابرز ان "لا مجال لصغار الشرق الاوسط ان يتجاوزوا الخطوط الحمر" وتحت شعار "فرنسا ستعيد لعب الادوار في الاقليم المشتعل".

ازمة استقالة الحريري ارعبت الدول الاوربية الكبرى، فهي لاحظت على الصعود الصاروخي لولي العهد السعودي والحاكم الفعلي محمد بن سلمان، فقراراته المفاجئة لا يمكن السكوت امامها، والدول الاوربية لها مصالح يجب ان لا يتم ارباكها، اذ لوحظ ان كل تحركات محمد بن سلمان وخطواته الاصلاحية كانت تصب في صالح الولايات المتحدة الامريكية في اغلب الاحيان، متناسية مصالح الدول الاخرى، ودون الاخذ في الاعتبار ردود افعالها.

قبل اشهر ارغم حصار قطر الاوربيين على الوقوف مكتوفي الايدي امامه لشدة صدمته لهم، كما انها اربكت حساباتهم، اذ يقول محللون ان ايران وتركيا تنفست الصعداء في الوقت الذي اختنقت الدوحة بحصار الاخوة الخليجيين، وحينما تاتي تلك المتغيرات في اكثر الفترات التاريخية حساسية فان الخسارة تكون كبيرة جدا.

الموقف الالماني كان اكثر تشددا ازاء السلوك السعودي في المنطقة، اذ انتقد وزير الخارجية الألماني زيغمار غابريال بشدة تصرفات السعودية مع رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري ووصفها بأنها "ليست معتادة"، كما هاجم سياسة الرياض في ملفات عدة بالمنطقة.

وجاءت تصريحات غابريال خلال لقاء عقده الخميس مع نظيره اللبناني جبران باسيل في برلين لبحث تداعيات تقديم الحريري استقالته المفاجئة.

الوزير الألماني قال "إن هناك إشارة مشتركة من جانب أوروبا إلى أن روح المغامرة التي تتسع هناك منذ أشهر عدة لن تكون مقبولة ولن نسكت عنها". وأضاف "بعد الأزمة الإنسانية والحرب في اليمن وما حدث من صراع مع قطر، صارت هناك منهجية للتعامل مع الأشياء وصلت ذروتها الآن في التعامل مع لبنان".

وحول ما إذا كان من الممكن ابتزاز الحريري بعدم السماح لأسرته بالسفر معه إلى باريس، قال غابريال إنه مقتنع بأن لا أحد يمكنه "منع رئيس الوزراء اللبناني وأسرته من قبول الدعوة لزيارة فرنسا".

الشرق الاوسط يعيش فترة تاريخية في حياته المليئة بالحروب، ودخول الدول الاوربية بشكل مباشر وبلغة متشددة ازاء السعودية تكشف عن حجم الخطر الذي تمثله سياسات الرياض، وتؤكد ان خطوات محمد بن سلمان لم يتم التنسيق فيها الا مع ادارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب ومستشارت جاريد كوشنر.

المعلومات شحيحة عن هذه الازمات المتلاحقة التي كان بطلها محمد بن سلمان دون منازع، لكن لم يبقى امامنا الا طرح التساؤلات عن المرحلة المقبلة، وهل سيكون التدخل الاوربي قادرا على احداث الاثر مثلما فعله التدخل الروسي في سوريا؟ وهل نحن امام صراع دولي اكبر ساحته الشرق الاوسط تتشابك فيه المصالح بين الحلفاء انفسهم بعدما غاب التنسيق ورغب كل منهم الاستيلاء على ما بقي لديهم؟

اضف تعليق