q

قال المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، مخاطباً غير المسلمين من الغربيين وغيرهم والذين يسيئون إلى مقام وشخصية نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله:

أما خطابي لغير المسلمين، فأقول: إن كنتم حقّاً تريدون معرفة الحقيقة، وأردتم أن تقرأوا شيئاً عن نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، أو تكتبوا عنه، وإن أردتم أن تعرفوا صلاة النبي وصومه وسياسته واقتصاده وأخلاقه، فخذوا ذلك من أهل بيته الأطهار صلوات الله عليهم، من الإمام أمير المؤمنين والسيّدة الزهراء ومن الحسن والحسين ومن باقي الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم، لا من غيرهم، مهما كانوا. (فأهل البيت أدرى بما في البيت).

إنّ تاريخ نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، الذي نقله أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم، هو تاريخ فريد. وإنّ أسلوب النبيّ صلى الله عليه وآله، أي قوله وعمله، هو أسلوب فريد أيضاً. وإنّ نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، هو القمّة في كل الأبعاد الفضيلة. ويكفي دلالة على عظمة النبيّ صلى الله عليه وآله ما قاله وصيّ نبيّ الإسلام مولانا الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه: (أنا عبد من عبيد محمد). مع ان القرآن الكريم قد وصف الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه بأنه نفس رسول الله صلى الله عليه وآله، بقوله عزّ من قائل في آية المباهلة: (وأنفسنا).

كما إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله، هو أنجح إنسان في التاريخ، بلا استثناء، ومن بعده مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه هو الأنجح في التاريخ أيضاً، لأنه اتّبع النبيّ صلى الله عليه وآله. وإنّ المئات والمئات من الكفّار والملحدين قد أقرّوا بعظمة النبيّ صلى الله عليه وآله، ولو أردنا جمع تلك الإقرارات لملأ ذلك موسوعات وموسوعات.

نعم إنّ التاريخ الذي نسبه جمع من الأصحاب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، من وصفهم القرآن الكريم بالمنافقين وأنزل سورة كاملة في ذمّهم، هذا التاريخ ليس التاريخ الحقيقي عن النبيّ صلى الله عليه وآله، بل فيه الكذب، والتناقض مع ما وصفه القرآن الكريم لنبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله.

ذكر التاريخ أن جمعاً من أعداء الإسلام جاءوا من مكّة إلى المدينة وحاربوا رسول الله صلى الله عليه وآله وبعد أن خسروا المعركة، تّم أسر بعضهم، وكان أحدهم جريحاً وكان يئنّ ويتأوّه الليل كلّه، وعندما حان وقت صلاة الصبح، جاء النبي صلى الله عليه وآله ليصلّي بالمسلمين فقال: ما نمت الليل كله لأنين ذاك الأسير!! أي أنه صلى الله عليه وآله كان متألماً على حال ذلك الأسير وهو من عدوّه.

هل تجدون مثل هذه الرأفة ومثل هذه الأخلاق العظيمة عند غير رسول الله صلى الله عليه وآله؟

إن هذا التعامل من رسول الله صلى الله عليه وآله هو التعبير الصادق عن حقوق الإنسان، وليس ما يدّعيه الغرب وما يدّعيه حكّام الدول الإسلامية، فادّعاؤهم ليس إلاّ كذب في كذب. فلاحظوا كيف يتعامل الحكّام مع شعوبهم فضلاً عن عدوّهم. إنهم يقمعون شعوبهم حتى لأبسط مظاهرة.

إن رسول الله صلى الله عليه وآله صنع سياسة الأخلاق، أي جعل الأخلاق أساس السياسة، وليس سياسة الحكم والتحكّم مهما كان الثمن ومهما كانت الوسيلة. فالناس لو اتّبعوا رسول الله صلى الله عليه وآله واتّبعوا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وساروا على نهجهما وتعاملهما لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم.

ذكرت الروايات الشريفة عن الإمام الصادق صلوات الله عليه أنه قال: «مَا أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله خُبْزَ بُرٍّ قَطُّ، وَلا شَبِعَ مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ قَطُّ». وهذا يعني أن النبي صلى الله عليه وآله لم يذق الخبز المصنوع من الحنطة أبداً، بل ولم يشبع من الخبز المصنوع من الشعير أبداً. علماً بأن خبز الحنطة هو ألين وألذ وأفضل وأسهل هضماً من خبز الشعير الذي لا يستسغيه أكثر الناس. وهكذا كان الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه أيضاً. فالنبي والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما لم يشبعا قطّ في حياتهما لا من خبز الشعير ولا من أيّ طعام آخر.

وأشار سماحته إلى مدى تأثير تعامل النبي المصطفى صلى الله عليه وآله على العالم وأهله، وذكر مثالاً على ذلك، وقال: رجل من المسيح ألّف كتاباً تحت عنوان (المئة الأوائل)، وفضّل فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وقدّمه على النبيّ عيسى عليه السلام. وذكر دليله على ذلك بقوله: بما أن محمّد (صلى الله عليه وآله) وعيسى (عليه السلام) كانا نبيّين من الله، لكن نبيّ الإسلام امتاز على النبيّ عيسى بخصّيصتين، هما:

الأولى: أن نبيّ الإسلام استطاع في زمانه أن يهدي أهل الجاهلية وأن يجعلهم مسلمين، ولكن السيد المسيح لم يستطع في زمانه أن يهدي أهل اليهود إلى دينه. والثانية: ان رسول الإسلام جعل في أتباعه قوّة معنوية كبيرة وعظيمة ليقتفوا أثره ويقتدوا به، وأما السيد المسيح فإنه لم يتسنّى له ذلك في زمانه.

إن ما ذكرته لكم هو بمثابة لمحة بسيطة عن المقام الرفيع والفريد لمولانا رسول الله صلى الله عليه وآله، لأنه إذا قرّر وعزم العلماء كلّهم والفصحاء، من الشيعة والعامة، ومن المسلمين وغيرهم، على أن يجتمعوا في مكان واحد، ويجمعوا قدراتهم الفكرية والعلمية، ويسعون طوال عمرهم إلى معرفة حقيقة مقام رسول الله صلى الله عليه وآله، فإنهم لن يبلغوا ذلك أبداً. فقد بيّن النبي صلى الله عليه وآله أنه لا أحد يمكنه ذلك إلاّ الله تعالى والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وذلك بقوله صلى الله عليه وآله: (ياعليّ ماعرفني إلاّ الله وأنت).

ثم وجّه سماحة المرجع الشيرازي دام ظله خطابه إلى مراجع التقليد والفقهاء الأعلام، أدام الله ظلهم، وقال: تواضعاً وخضوعاً، أطلب من المقام الشامخ والمعظّم لمراجع التقليد الجامعين للشرائط، وهو: إذا أراد أهل الغرب وغيرهم أن يعرفوا شيئاً عن نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، فمن أين يمكنهم ذلك؟ فالكتب والمجلاّت ووسائل الإعلام الموجودة ـ من إذاعات وتلفزات وفضائيات ـ اليوم معظمها تنقل عن النبيّ صلى الله عليه وآله مستنداً إلى غير أهل البيت صلوات الله عليهم. فقد سمعت ان حكومة إحدى الدول الإسلامية قامت بصرف الكثير من الأموال في ترجمة كتاب تاريخ الطبري إلى الإنجليزية وطبعته بلا أيّ تعليق عليه. أي طبعوه بما فيه. مع إنّ تاريخ الطبري مليء بالباطل تجاه أهل البيت صلوات الله عليهم. فالطبري هو أوّل من كتب بأن الآية الكريمة: (ياأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى)، بأنها قد نزلت بحقّ عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه، والعياذ بالله!!! ومنه أخذ صاحب الدر المنثور وغيره. ولا شكّ أن الطبري كتب ذلك كذباً وزوراً. فكيف ستكون إذاً نظرة ورؤية الغربيين للإمام عليّ صلوات الله عليه وهو نفس النبيّ صلى الله عليه وآله بنصّ القرآن الحكيم، عندما يقرأون مثل هذه الأكاذيب والموضوعات؟

إنّ مراجع التقليد الجامعين للشرائط هم الأفضل في هذا المجال، بالأخصّ المراجع الذين لهم الكثير من المقلّدين في العالم. فيجدر الاستفادة من كافّة وسائل الإعلام، بالأخصّ القنوات الفضائية، وهو لا شكّ واجب كفائي، وهو واجب على الجميع أيضاً، ولكن مراجع التقليد هم الأولى بهذا، لأنهم أكثر اتّباعاً للنبيّ ولأهل البيت صلوات الله عليهم. حتى تعرف البشرية الصورة المشرقة والحقيقة لرسول الله صلى الله عليه وآله التي بيّنها العترة الطاهرة صلوات الله عليهم.

وختم سماحة المرجع الشيرازي دام ظله قوله: أسأل الله تبارك وتعالى أن يعجّل في فرج مولانا بقيّة الله الإمام المهدي الموعود صلوات الله عليه وعجّل في فرجه الشريف، وأن يرفع ويزيل كل المشاكل، عن العالم كلّه بالأخص عن المؤمنين والمسلمين والمستضعفين والضعفاء، قريباً وكاملاً. وصلى الله على محمّد وآله الطاهرين.

 

اضف تعليق