q

قالت وكالة الطاقة الدولية يوم الجمعة إن أسعار النفط قد تواصل انخفاضها وإن تعافيها قد يستغرق بعض الوقت رغم تزايد العلامات التي تشير إلى أن الاتجاه النزولي سيتوقف وربما في النصف الثاني من العام الحالي مع تباطؤ نمو المعروض في أمريكا الشمالية.

وهبطت أسعار النفط نحو 60 بالمئة على مدى الأشهر الستة الماضية ويجري تداول خامي القياس العالميين حاليا دون 50 دولارا للبرميل في ظل معروض من الخام الخفيف العالي الجودة من الولايات المتحدة وكندا يفوق الطلب في وقت يشهد ضعفا في النمو الاقتصادي العالمي.

ولم تخفض منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) الإنتاج رغم انهيار الأسعار.

وقالت وكالة الطاقة في تقريرها الشهري "لا أحد يعلم الحد الأدنى الذي ستصل إليه السوق. لكن الهبوط له تأثير... ربما لا يكون تعافي الأسعار وشيكا ما لم تحدث أي تعطيلات كبيرة لكن تتزايد العلامات التي تشير إلى أن المسار سيتغير." بحسب رويترز.

وأضافت الوكالة التي تقدم المشورة للدول الصناعية بخصوص سياسات الطاقة أن انخفاض أسعار النفط سيؤدي في النهاية إلى الحد من الإنتاج وتعزيز الطلب.

وتابعت "أبرز الآثار الملموسة المترتبة على الأسعار تظهر على جبهة العرض. كانت خطط الإنفاق على أنشطة المنبع أول المتضررين من هبوط السوق. وبدأت الشركات في تقليص ميزانياتها وأرجأت أو ألغت مشروعات جديدة بينما تسعى لاستخراج أكبر إنتاج ممكن من الحقول المنتجة."

وخفضت وكالة الطاقة توقعاتها لنمو إمدادات المعروض من خارج أوبك بواقع 350 ألف برميل يوميا إلى 950 ألف برميل يوميا انخفاضا من معدل النمو القياسي البالغ 1.9 مليون برميل يوميا في 2014. وقلصت الوكالة أيضا توقعاتها لنمو إنتاج كندا والولايات المتحدة بواقع 95 ألفا و80 ألف برميل يوميا على الترتيب كما خفضت توقعاتها لإنتاج كولومبيا 175 ألف برميل يوميا وروسيا 30 ألف برميل يوميا.

وأشارت إلى أن نمو المعروض النفطي لا يتباطأ بوتيرة أسرع في أمريكا الشمالية نظرا لأن الكثير من المنتجين يتحوطون جيدا على ما يبدو من انخفاض الأسعار في الأجل القريب.

ويعني تعديل توقعات نمو المعروض من خارج أوبك بالخفض أن الطلب على نفط أوبك سيبلغ 29.8 مليون برميل يوميا في المتوسط في النصف الثاني من 2015 بما يقل قليلا عن المستوى الرسمي المستهدف لإنتاج أوبك والبالغ 30 مليون برميل يوميا.

ورفعت الوكالة توقعاتها للطلب على نفط أوبك خلال عام 2015 بأكمله بواقع 300 برميل يوميا إلى 29.2 مليون برميل يوميا بما يقل كثيرا عن إنتاج المنظمة في ديسمبر كانون الاول البالغ 30.48 مليون برميل يوميا.

ووجد إنتاج أوبك الشهر الماضي دعما في إمدادات العراق التي ارتفعت لأعلى مستوياتها في 35 عاما بينما استقرت إمدادات السعودية.

وعلى صعيد الطلب ذكرت وكالة الطاقة أنه لا توجد بوادر واضحة حتى الآن تظهر تجاوبا مع انخفاض الأسعار. وقالت "فيما عدا بعض الاستثناءات القليلة الملحوظة مثل الولايات المتحدة لا يبدو حتى الآن أن انخفاض الأسعار يحفز الطلب."

وعزت الوكالة ذلك إلى أن المنافع المعتادة التي يجلبها تراجع الأسعار من زيادة دخل المستهلكين القابل للإنفاق وانخفاض تكاليف المدخلات يقابلها ضعف في الظروف الاقتصادية الأساسية التي كانت بدورها سببا رئيسيا لهبوط الأسعار في المقام الأول.

وذكرت الوكالة أن النتيجة المترتبة على هذه التغيرات تتمثل في أن ارتفاع المخزونات سيستمر في النصف الأول من العام الحالي مشيرة إلى أن السوق قد تستعيد بعض توازنها في النصف الثاني من العام.

وقالت "استعادة توازن السوق لا تمثل العودة إلى الوضع السابق. فمن الواضح أن السوق تمر بمنعطف تاريخي."

وأضافت "ربما يكون هناك ضوء في نهاية النفق أمام المنتجين على صعيد الأسعار لكن السنوات القليلة القادمة قد تكون فترة إعادة حسابات لسوق وصناعة اضطرتا على مدار تاريخهما البالغ 150 عاما إلى تجديد نفسهما من حين لآخر."

ويرى محللون أن أسعار النفط ستواصل هبوطها مع ارتفاع الإنتاج وضعف الطلب وقوة الدولار ولن تصعد الأسواق إلا عندما تستفيد الاقتصادات الصناعية الكبرى خاصة في آسيا من انخفاض أسعار الطاقة.

ويقول بعض المحللين إن التخمة المتزايدة في المعروض تعني أن الأسعار ستهبط بصورة أكبر قبل أن تتعافى.

وعلى صعيد المعروض جاءت الضغوط النزولية على النفط من طفرة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة ثم من قرار منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) عدم خفض الإنتاج لدعم الأسعار وسعيها إلى حماية حصتها في السوق في مواجهة النفط الصخري بأمريكا الشمالية من خلال تقديم خصومات. بحسب رويترز.

وقال بنك إيه.إن.زد يوم الأربعاء "ما زالت احتمالات أسعار النفط تميل إلى الاتجاه النزولي في الأمد القريب."

 

وأضاف "لن يبدأ منتجو النفط الصخري (الأمريكيون) في الشعور بوطأة الوضع قبل ستة أشهر. علاوة على ذلك يوجد احتمال بزيادات أخرى في المعروض من أعضاء في أوبك تعرضوا لضغوط كبيرة مثل ليبيا ونيجيريا وفنزويلا وهو ما قد يفرض مزيدا من الضغوط النزولية على الأسعار."

وتتوافر كميات أكبر من النفط مع تراجع معدل استخدام الاقتصادات المتباطئة وتحسن كفاءة استهلاك الطاقة.

وفي آسيا تواجه اليابان ركودا بينما يتباطأ الطلب في الصين التي قادت انتعاش السلع الأولية في السنوات الأخيرة مع تحول ثاني أكبر اقتصاد في العالم من صناعة البناء الكثيفة الاستهلاك للطاقة إلى النمو المدعوم من المستهلكين.

وتوقعت مجموعة سيتي هذا الأسبوع تباطؤ نمو واردات الصين من النفط هذا العام قائلة إن "كل من يأمل بأن تقود الصين موجة تعاف لأسعار النفط ستخيب آماله على الأرجح."

ومما يزيد من الضعف في آسيا عدم تعافي أوروبا بعد من تداعيات أزمتها الائتمانية الطاحنة التي نشبت في عامي 2008 و2009.

ويشكل الدولار عامل ضغط آخر على النفط. فمع توقع رفع مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) أسعار الفائدة هذا العام للمرة الأولى منذ 2006 بفضل قوة النمو من المرجح أن يحافظ الدولار على قوته بما يزيد من الضغط على أسواق النفط في ظل تراجع العملات الأوروبية والآسيوية.

ورغم أن الآفاق الفورية للنفط ما زالت ضعيفة يقول بعض المحللين إن انخفاض تكاليف الوقود للأسر والشركات سيدعم الطلب في مرحلة ما خصوصا في الاقتصادات القائمة على الصناعات التحويلية.

وقالت مؤسسة كابيتال ايكونوميكس للأبحاث في ديسمبر كانون الأول "يبدو أن تهاوي أسعار النفط سيطيح بالفوائض الخارجية للخليج في العام المقبل وهو ما يجعل الصين ومنطقة اليورو على رأس الاقتصادات التي تحقق فوائض في العالم."

وأشارت مجموعة سيتي إلى أن انخفاض أسعار النفط قد يوفر للصين ما يزيد على واحد بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في الواردات بما يساهم في تعزيز الاستهلاك.

وفي اليابان لن يفيد انخفاض تكاليف الوقود الصناعات الكبرى فحسب بل سيساعد أيضا على تقليص العجز الكبير الذي يرجع في جانب منه إلى ارتفاع واردات الوقود عقب إغلاق محطات الطاقة النووية في البلاد بعد انصهار بمفاعلات محطة فوكوشيما عام 2011.

أما الهند ثالث أكبر اقتصاد في آسيا فتستفيد أيضا من انخفاض أسعار النفط. وقالت شركة بي.آي.آر.إيه انرجي للأبحاث "تحسنت آفاق النمو... إذ أن انخفاض أسعار النفط سيسمح للأسر والشركات بزيادة إنفاقها كما يسمح للبنك المركزي بتيسير السياسة النقدية."

ويقول بعض المحللين إن أسعار النفط ستصل لأدنى مستوياتها ثم تبدأ في الصعود مجددا فور خفض بعض المنتجين لإنتاجهم من أجل ضبط الأسعار المتدنية واستفادة المراكز الكبرى للصناعات التحويلية بالمنافع الاقتصادية التي تجلبها أسعار الطاقة الرخيصة بما يدفعها إلى زيادة استهلاكها من جديد.

من جهتها قالت رئيسة صندوق النقد الدولي يوم الخميس إن هبوطا حادا في اسعار النفط ونموا قويا للاقتصاد الامريكي لن يكونا كافيين على الارجح لجعل آفاق نمو الاقتصاد العالمي مشرقة هذا العام.

واضافت كريستين لاجارد المديرة التنفيذية لصندوق النقد أن اسعار النفط الرخيصة ستساعد الاستهلاك في معظم مناطق العالم لكن الولايات المتحدة ستكون على الأرجح الاقتصاد الرئيسي الوحيد الذي سينجو هذا العام من اتجاه ضعيف للاستثمار والاستهلاك. بحسب رويترز.

وقالت إن منطقة اليورو واليابان قد تبقيان محصورتين في نمو ضعيف وتضخم منخفض لفترة طويلة وإن النمو في الاقتصادات الصاعدة وفي مقدمتها الصين يتباطأ.

وقالت لاجارد إن انخفاض اسعار النفط له تأثير ايجابي "لكن إذا كان الاقتصاد العالمي ضعيفا ويجثو على ركبتيه" فانه لن يقدم مساعدة تذكر.

محاولة العثور على قاع لسوق النفط

من جهة أخرى أحدث التراجع المطرد لسعر النفط الخام من أكثر من 100 دولار للبرميل في الصيف الماضي إلى أدنى مستوى في نحو ست سنوات دون 50 دولارا للبرميل صدمة في أوساط المتعاملين وحيرة بين المحللين الذين يئسوا تماما من محاولة العثور على قاع للسوق.

ويشير تفشي الضبابية إلى تلاشي قناعة جوهرية ظلت تدعم الأسعار على مدى العشر سنوات الأخيرة بأن السعودية أكبر بلد مصدر للنفط في العالم سوف تهب دائما لنجدة السوق.

ومنذ تحول السعودية في أواخر العام الماضي إلى موقف المدافع عن حصته السوقية بدلا من حماية سعر المئة دولار والمستثمرون يهرولون للعثور على مؤشرات أخرى قد تنبئ بانتهاء التراجع المذهل. بحسب رويترز.

حاول المتعاملون المرة تلو الأخرى خلال الأشهر الأخيرة أن يحددوا مستويات قد تنم عن القاع أو المراهنة على أن عزم منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) على عدم التدخل سيتزعزع مما سيضطرها إلى فرض قيود على المعروض.

لكن في غياب أي بادرة على تزحزح المنظمة عن موقفها فإن كل توقف تعقبه موجة جديدة من البيع. ويبدو أن معظم المتعاملين قد أصابهم اليأس أو أنهم يركبون موجة الخسائر.

وقال متعامل بالعقود الآجلة والخيارات في لندن "أصابني الفزع والذهول مما يحدث - النفط يتراجع دون أي انتعاش فني على مدى الأشهر الستة الأخيرة .. لا يوجد مبرر لتحديد قاع في ظل ظروف كهذه."

وقال جوناثان جولدبرج المتعامل السابق لدى جولدمان في رسالة إلى مستثمري صندوق التحوط التابع له بي.بي.ال "في حين أن نمو المعروض النفطي سيكون أضعف منه لو كانت مستويات الأسعار أعلى من ذلك فإننا لا نثق بتحديد أي مستويات مصطنعة لقاع السوق."

ويقول البعض إن الأسعار قد تنزل عن مستوياتها إبان الأزمة المالية قبل سبع سنوات - عندما انحدر الخام الأمريكي من حوالي 150 دولارا للبرميل إلى 32.40 دولار - إذ يرقب الجميع الوضع لمعرفة أي المنتجين ستفتر عزيمته أولا.

وفي وقت سابق هذا الأسبوع طرح محللو بنك أوف أمريكا ميريل لينش جلوبال ريسيرش السؤال على النحو التالي "إلى أي مدى قد ينخفض النفط؟" وبعد 12 صفحة من التوضيحات والتحليلات والرسوم البيانية والتحذيرات اقترحوا 35 دولارا للخام الأمريكي وحتى 40 دولارا لبرميل برنت. وتقول بيرا إنرجي للأبحاث إن "من السابق لأوانه تكوين مراكز دائنة."

عندما كان التراجع في بدايته تشبث المتعاملون تشبثا محموما بالعوامل الأساسية بحثا عن محددات نفسية وفنية كانوا يأملون أن تقدم بعض الدعم وتوقف التدهور المتفاقم.

ففي 2008 وخلال أسوأ انهيار على الإطلاق لسعر النفط هوت الأسعار 80 بالمئة في أقل من ستة أشهر في ظل ركود في الطلب. نقطة التحول جاءت في أوائل 2009 عندما قادت السعودية أوبك للقيام بتخفيضات كبيرة على الإنتاج بهدف دعم السوق. وبنهاية 2009 أصبحت الأسعار قرب 80 دولارا للبرميل.

لكن في هذه المرة وفي غياب أي علامة على خفض إنتاج أوبك تطلع المتعاملون أول الأمر إلى تكلفة حفر آبار النفط الصخري الأمريكية التي قد تصل إلى 70 دولارا للبرميل كعامل قد يوقد شرارة تحول في اتجاه السوق. لكن القاع تبدد مع استمرار نمو الإنتاج الصخري وتعاقد منتجين كثيرين على أسعار مرتفعة للاثني عشر شهرا المقبلة.

هنا بدا سعر 60 دولارا لبرميل برنت كمستوى مناسب ورقم صفري سهل وتعزز ذلك بتلميحات سابقة إلى أنه قد يكون المستوى الذي ستدافع عنه السعودية.

لكن البيع تواصل لينزل السعر عن ذلك المستوى بعد فترة وجيزة من قول وزير البترول السعودي علي النعيمي إن المملكة لن تخفض الإنتاج عند أي سعر.

وقال أبيجيت سيلوكار المتعامل بعقود النفط الخام في الهند "توقع الجميع خلال الأسبوع الأخير قبل عيد الميلاد أن يكون 60 دولارا للبرميل هو القاع" مضيفا أن برودة الطقس في نصف الكرة الشمالي تدعم السوق عادة في يناير كانون الثاني.

وبعد أن قطعت سكين سوق النفط المتراجعة كل يد امتدت لالتقاطها أخذت روح الدعابة السوداء تتنامى لتنتشر نكات من قبيل: ما الفرق بين متعامل في النفط يمسك بقاع السوق وآخر يمسك بفطيرة بيتزا؟ فطيرة البيتزا يمكن أن تطعم عائلة من أربعة أفراد.

رغم ذلك يواصل المتعاملون والمحللون تنقيبهم عن الأدلة التي قد تشير إلى حدوث انتعاش أو انتهاء التراجع على أقل تقدير.

بعضهم مازال يفحص اقتصاديات إنتاج النفط الأمريكي لكن في ظل تكاليف إنتاج بين عشرة دولارات و20 دولارا للبرميل في المدى القصير "فمن الممكن تماما أن تتراجع أسعار النفط بدرجة أكبر" حسبما يقول جوليان جيسوب مدير أبحاث السلع الأولية في كابيتال إكونوميكس.

آخرون مثل دانييل باث مدير المحفظة في صندوق لوبوس ألفا للاستثمار في السلع الأولية يراقبون منحنى السعر الآجل. الوضع الحالي في السوق هو أن سعر التسليم الفوري أرخص من التسليم الآجل مما يشجع الشركات على تخزين النفط. لذا قد يعثر النفط على أرضية عندما يستقر ذلك الوضع.

بل قد تكون هناك قلة تنتظر علامات على أن المنتجين من خارج أوبك مستعدون للبدء في خفض إنتاجهم بشكل طوعي لكن أي خطوات من هذا النوع ستقابل بالتشكك.

غير أنه بالنسبة للكثيرين لا يعدو الأمر لعبة انتظار وترقب لفترة من الاستقرار التي قد تنبئ باجتياز الأسوأ.

وقال متعامل في نيويورك "سأخبرك بعد أسبوعين من حدوث ذلك."

اضف تعليق