استقبل المرجع الديني
الكبير سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام
ظله) جمعاً من مسؤولي المؤسسات والمراكز الثقافية في مدينة قم
المقدسة، وذلك بتاريخ 26/ محرم/ 1424هـ، حيث أكد سماحته على
ضرورة استنفار الطاقات، واستفراغ الوسع، في إعادة بناء العراق
وبخاصة من النواحي الثقافية والعلمية والدينية، وفيما يلي نص
كلمة سماحة السيد المرجع الشيرازي:
في
حديث شريف مروي عن الرسول الأكرم (ص) أنه قال: (كلكم راعٍ وكلكم
مسؤول عن رعيته)؛ فالمسؤولية هي تشريعٌ وحكمٌ وإحساس، كما يُفهم
من هذا الحديث النبوي الشريف؛ فأما كون المسؤولية تشريعاً وحكماً،
فهذا ما قاله رسول الله (ص)، وأما كونها إحساساً فهذا يرتبط بنا
نحن؛ فبأي قدر يحسُّ كل واحد منّا بهذا التشريع وبهذا الحكم؟
إن ما نسبته 41% أي أكثر من (10) ملايين إنسان من الشعب
العراقي هم من الشباب الذين عاشوا بعيدين عن الثقافة
الإسلامية الأصيلة عقوداً من الزمن بفعل سياسة العزل
التي مارسها الحكم الديكتاتوري |
|
هذه المسؤولية، هي مسؤولية عامة الناس،
ولكن في الوقت الحالي هي مسؤولية خاصة، وقسمٌ منها مسؤولية
عامة بالنسبة لعراق اليوم والمستقبل.. فقد أبتلي العراق
اليوم – رجالاً ونســـــاءً وشيباً وشباباً – بأزمةٍ مزدوجة؛
|
فهو ومنذ
خمسسين عاماً ينتقل من أزمةٍ إلى أزمة، ومن أمر شديد إلى أمر أشد،
ومن صعب إلى أصعب.. وفي الوقت الحاضر تضاعفت هذه الأزمة بالنسبة
إلى كل فردٍ عراقي.. والجميع يعلم سواءٌ من طريق وسائل الإعلام
العامة، أو من طرقهم الخاصة، أن العراق يمر بأوضاع معقدة جداً،
لا يعلم مداها، ومنتهاها إلا الله.
مضى أربعون عاماً ونيف، وهذه الأزمة
مستمرة. هناك الكتب التي ألفت، والتقارير التي نُتشرت، والأشخاص
الكثيرون – رجالاً ونساءً – الذين تحرروا من معتقلات النظام
الديكتاتوري، فتحدثوا عن المصائب العظيمة التي لاقوها في الأقبية
والطوامير المرعبة، وأحياناً تخرج امرأة من المعتقل وتكتب، بعد
مرور عدة سنوات، قصصاً عما جرى لها ولنساء أخريات على أيدي
جلاوزة النظام الغاشم. في الواقع أنها قصص فضيعة ومهولة.
والآن، قد تضاعفت مأساة الشعب العراقي،
وفي الحقيقة أن لهذه المأساة نظير في تاريخ الأئمة المعصومين
(ع)؛ ولذا يجب علينا أن نأخذ الدرس من أئمتنا (ع)، ونتعلم منهم،
ماذا علينا أن نفعل؟ وما هو طريق الخلاص؟
الذاكرة الإسلامية.. وقصص
الصمود والتغيير
إن قصة النزاع والحرب بين بني أمية وبني
العباس قد جرت زمان الإمامين الباقر والصادق – عليهما السلام -،
حيث كانت سائر البلاد الإسلامية خاضعة لسيطرة بني أمية، على مدى
ثمانين عاماً ونيف، فعلوا خلالها كل ما أرادوا.. بعد ذلك جاء بنو
العباس بذريعة تخليص الناس من ربقة الحكم الأموي، وكان شعارهم
الذي تستروا به هو (ندعو إلى رضا آل محمد - ص -)، وقد كان مجرد
غطاء لأهدافهم وأطماعهم منذ بداية أمرهم، كما انكشف ذلك في ميدان
العمل والتطبيق.. فما عسى الأئمة الأطهار (ع) – الإمامان الباقر
والصادق (عليهما السلام) – أن يفعلوا في تلك البرهة الحساسة؛
أفهل يدعون الشيعة للوقوف إلى جانب بني أمية ليستمر مسلسل القتل
والإرهاب بحقهم، أم يدعونهم للوقوف إلى جانب بني العباس، وهم
يعلمون كذبهم وخداعهم، وأن أوضاع الشيعة ستتفاقم وتزداد سوءاً في
ظل الأدعياء الجدد؟!
المتتبع للتاريخ الإسلامي، يعرف أن هناك
شيئاً واضحاً في أدق دقائق تاريخ الأئمة المعصومين (ع)، ألا وهو
بعد النظر والتقصي بالفكر؛ فهم لم يقصروا فكرهم على ذلك اليوم،
بل أخذوا في الحسبان، ما بعد ذلك اليوم، وما بعد مئة سنة، وحتى
ما بعد ألف سنة، في كيفية قيادتهم للشيعة، وطريقة أمرهم ونهيهم
وتوجيههم لهم.
لقد عمل الإمامان الباقر والصادق – عليهما
السلام – في تلك البرهة التاريخية، عملاً كان السبب في أننا
نستطيع اليوم أن نعمل، وأن نعرّف العالم بالإسلام الصحيح. لقد
استفاد هذان الإمامان – عليهما السلام – من تلك الفرصة وقد كانت
فرصة طويلة جداً؛ ذلك لأن حكومة بني أمية التي كانت أكبر حكومة
على وجه الأرض، تمكنت من أن تخضع سائر البلاد الإسلامية تحت
سيطرتها، كما لم تكن في ذلك الوقت طائرات ودبابات وصواريخ وقنابل،
بل لم تتعد الأسلحة وقتذاك الرمح والسيف والجياد؛ ولذلك عالج
الأئمة (ع) التصدعات التي عمّت الكيان الإسلامي المترامي الأطراف،
قطعة قطعة ولبنةً لبنة، فاستغرق الأمر سنين طوال، حتى تحول إلى
تيار.. لقد سجل التاريخ أن آخر ملوك بني أمية هو مروان الملقب
بمروان الحمار، تمييزاً له عن مروان بن الحكم، والذي قُتل على يد
السفاح.
وأول من دشن حكم بني العباس، السفاح أخو
المنصور الدوانيقي؛ فكان أول الملوك العباسيين، وثم جاء بعده
المنصور.. هذه المرحلة امتدت لسنوات متمادية، استطاع خلالها
الإمامان الباقر والصادق – عليهما السلام – أن يعرّفا الإسلام
الصحيح للناس، إسلام رسول الله (ص)، إسلام الإمام أمير المؤمنين
(ع). ورغم المشاكل الكثيرة التي واجهها الإمام الصادق (ع)، قبل
وأثناء حكم السفاح الذي دام أربع سنوات، وبعده أثناء فترة حكم
المنصور الدوانيقي الذي استمر في مضايقة الإمام (ع)، إلا أنه (ع)
تمكن من أن يربي أربعة آلاف تلميذ؛ ما يعني أن الإمام (ع) استطاع
تفهيم أربعة آلاف عالم ومتعلم وطالب علم أحكام الإسلام الصحيح؛
أصول الدين وفروعه، واجبات ومحرمات الإسلام، المستحب والمكروه
والمباح، موارد صحة الصلاة وموارد بطلانها، أين يقع الحج صحيحاً
وأين يقع باطلاً؟، من هو المستطيع ومن هو غير المستطيع؟، من يجب
عليه الخمس؟، وبيّن أحكام البيع والعقد والنكاح والطلاق
والمواريث والديّات والحدود والقضاء والشهادات، كما بين أخلاق
الإسلام وآدابه، وكذلك الأحكام السياسية للإسلام، والأحكام
الاقتصادية والاجتماعية للإسلام.. و....إلخ.
المتتبع للتاريخ الإسلامي يستطيع أن يلحظ
بسهولة أن أكثر من خمسين بالمئة من مجمل روايات وأحاديث الأئمة
الأربعة عشر المعصومين (ع)، التي بين أيدينا، تعود لهذين
الإمامين (الباقر والصادق) – عليهما السلام -، وما دون الخمسين
بالمئة منها، يعود للأئمة الإثني عشر الآخرين (ع)...
وهكذا استفاد الإمامان الباقر والصادق –
عليهما السلام – من فرصة تحارب بني أمية وبني العباس، على الوجه
الذي استطاعا به حقن دماء الشيعة من جهة، وتعريف الإسلام الصحيح
الذي وصل إلى أيدينا اليوم، من جهة أخرى؛ فإذا صلى أحدنا صلاة
صحيحةً فالفضل في وقوعها صحيحة يعود – على الأكثر – لهذين
الإمامين المعصومين – عليهما السلام -، وكذلك إذا حججنا ووقعت
حجتنا صحيحة، وأدينا الخمس، وحسن خلقنا، وتحلينا بالصبر والحلم
والصدق، فهو يعود – في أكثره – لتلك الفترة.
كربلاء المقدسة قلعة
حصينة في مواجهة الثقافة الفيروسية
أتذكر بعض الوقائع التي تعود لزمان
الشيوعيين، ولعل الكثيرين يتذكرونها، وللفترة ما بين 1978 و1979م
على عهد عبد الكريم قاسم، حيث اجتاحت الشيوعية العراق، وغزت صحفه
ومجلاته ووسائله الإعلامية الأخرى من راديو وتلفزيون.. بل نفذت
حتى إلى الهيئة الحاكمة آنذاك، وكانوا يوزعون الكتب بالملايين
مجاناً، وقد كان أحد الكتب التي توزع على الشباب مجاناً، حتى في
المدن المقدسة مثل كربلاء والنجف، وقد وصلتني أيضاً نسخةً منه
وطالعت بعض صفحاته التي تتجاوز الثلاثمائة صفحة، يحمل عنوان (أين
الله؟)، ومؤلفه (مكسيم غوركي)، فيه حشو كلام غير مناسب، يُفتتح
بكلمة (أنا ابن الخطيئة – أي من أبوين غير شرعيين)!!، بدلاً من
الافتتاح ببسم الله – بلا تشبيه -. ما يعني أن المؤلف يعرّف نفسه،
ويبين من هو؟. ومن هنا لك أن تعلم ماذا يريد أن يقول مؤلف الكتاب
المذكور. وهكذا ملأوا العراق بكتب الشيوعية، ومنها كتاب (رأس
المال) لكارل ماركس، وكتب أخرى لقادة الشيوعيين، وكتب كبيرة
الحجم وصغيرة، ومفصلة ومختصرة.. مما أحدث موجة جارفة، بحيث راح
البعض يعبر عن جزعه ويأسه من بقاء أية قائمة للدين أمام ذلك
التيار العنيف.
وكان الشيوعيون آنذاك يقومون بأعمال وحشية
ضد من يخالفهم، بأن يقيدوا المخالف من أطرافه، ويرسلونه في
الأزقة والأسواق – وقد كرروا هذا العمل في مدن البلاد - وينهالوا
عليه بالضرب المبرّح حتى يسقط جثةً هامدةً أمام أعين الناس.
وهناك قصص شبيهة كثيرة قد عاصرتها بنفسي.
بإزاء هذه المعضلة، اقترح السيد الوالد –
رحمه الله – وقد كان المرحوم أخي (سماحة آية الله العظمى الإمام
السيد محمد الحسيني الشيرازي – قدس سره -) حاضراً وقتذاك أيضاً –
اقترح على أهل العلم، أن يستغل كل واحد منهم المسجد أو الحسينية
المجاورة له في محل سكناه، لإقامة حلقة درسية يبين خلالها للشباب
أصول الدين وفروعه، ويردّ على شبهات الشيوعيين الذين كثرت
إلقاءاتهم المشبوهة وسمومهم من خلال الراديو والتلفزيون والمجلات
والخطب، في المدارس الابتدائية
والمتوسطة والثانوية، وفي الجامعات والكليات.. وهكذا كان الشباب
يختلفون إلى العلماء في حلقاتهم الدرسية تلك، ويطرحون أسئلتهم،
ويتلقون الجواب، فإذا عجز أحد العلماء عن الردّ الشافي،
يذهب ليسأل بدوره من هو أعلم منه، حتى إن بعض مدرسي البحث الخارج،
كانوا قد شــــكلوا
حلقات
توجيهية لتلاميذ المدارس
الابتدائية.حتى أنا الذي كنت يومذاك أحد طلبة المقدمات في
الدراسة الحوزوية، أقمت مجلساً عادياً في خمس مناطق من مدينة
كربلاء، في الأسبوع الواحد، كما كان يصنع أخي المرحوم السيد
محمد (الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي – قدس سره -)،
وكذلك أخي المرحوم السيد حسن (آية الله الشهيد السيد حسن
الشيرازي – قدس سره ). |
الغربيون يخططون لبناء (25) ألف مدرسة وتوزيعها على
سائر مناطق العراق فلنقدر كم هو عدد التلاميذ الذين
ستتولى تربيتهم هذه المدارس. |
|
كان المرحوم السيد الوالد، يؤكد على
مواصلة بيان أصول الدين وفروعه، وجميع المسائل المتعلقة بهما،
والإجابة على جميع الأسئلة التي تدور في أذهان الناس، أمام
الموجة الشيوعية.. هذه الحركة الإسلامية التثقيفية، فضلاً عن
المجالس والمنابر الإسلامية الأخرى، أدت إلى تجفيف جذور الشيوعية،
في مدينة كربلاء المقدسة، ونأت بأهلها وشبابها من هذا الفكر
الخطر، بحيث صرنا نرى أن العديد من أولئك الشباب الذين كانوا
يحضرون تلك المجالس والحلقات الدرسية، أصبحوا بين مدرس البحث
الخارج، ومجتهد، وإمام جماعة، وبعضهم أعرفهم شخصياً فقد كانوا
يحضرون مجالسي، وبعضهم كان يحضر مجالس أخرى أيضاً.
صحيح أن هؤلاء الغربيين عبارة عن حكومات لديها إمكانات
وأموال هائلة، بيد أننا لدينا شيئاً يفتقدون له، ألا وهم
أهل البيت (ع) |
|
إن الإمام الباقر والإمام الصادق –
عليهما السلام – قد أحدثا في تلك الفترة الفاصلة، تياراً
عظيماً امتد أثره إلى يومنا هذا.. لو دقق أهل العلم في
التاريخ قليلاً لوجدوا أن |
أكثر المسيحيين واليهود والمجوس
والمشركين الذين أسلموا على عهد الأئمة المعصومين (ع) هم من
تلامذة الإمام الباقر (ع)، أو الإمام الصادق (ع)، أو الأئمة
المعصومين (ع) الذين أعقبوهم؛ أي إن هذين الإمامين الهمامين قد
أحدثا موجةً عظيمة، بحيث أن الإمام الصادق (ع) وحده ربّى أربعة
آلاف عالم ومحدّث، والبعض قالوا أكثر من ذلك، فهؤلاء الأربعة
آلاف عالم أخذوا الإسلام الحقيقي من الإمام المعصوم (ع) وراحوا
ينشرونه في كل مدينةٍ، وفي كل قرية في البلاد الإسلامية
المترامية الأطراف.
إن سعد الخير – وهو حفيد مروان بن الحكم -
قد تحول إلى شيعي ملتزم ومثالي، بحيث أن الإمام الباقر (ع) قال
في حقه: (أنت منّا أهل البيت)؛ رجل أموي يصبح من أهل البيت
(ع)!!.
شخص آخر يدعى (سن سن) وهو أحد رهبان
النصارى، كان من رجال الحديث، على عهد الإمام زين العابدين
(ع)، ولقد تتلمذ أبناؤه وأحفاده - وكانوا أكثر من خمسة
|
يلزمنا جميعاً أن نمسك بزمام المبادرة ونعمل بنفس
الدرجة من الإحساس بالمسؤولية التي نحسها بإزاء أسرنا
وأبناءنا، لضمان مستقبل العراق. |
|
عشر فرداً - على أيدي الإمامين الباقر
والصادق (ع) وصاروا مسلمين شيعة.. زرارة بن أعين، حمران بن أعين،
هما من أحفاد (سن سن) إن هذا التيار العظيم استمر أثره في
الأجيال التالية أيضاً، فليحقق أهل العلم في تلك الوقائع،
وسيجدون أنهم يستطيعون أن يؤلفوا منها كتاباً كاملاً بل موسوعة.
ولعل أكثرنا سمع أو قرأ عن علي بن مهزيار
الذي تشرف غير مرة بلقاء الإمام المهدي المنتظر (عج)، وله مزار
وبقعة مباركة في منطقة خوزستان. وقد كان مسيحياً؛ فنتيجة للموجة
التي أحدثها الإمامان الباقر والصادق (ع)، أسلمت عشيرة ابن
مهزيار عن آخرها، وقد ورد ذكر عدة رجال بنفس هذا الاسم، في
التاريخ؛ فأحد أعمام ابن مهزيار، اشتهر بنفس هذا الاسم أيضاً،
وكان من خيرة أصحاب الإمام الجواد والإمام الهادي – عليهما
السلام -.
عراق اليوم والغد، يحتاج إلى مثل هذه
الموجة. ونسأل الله عز وجل أن تعود له العافية سريعاً، وتنقشع
عنه كل المظالم التي عاناها على مدى أكثر من ثلاثين عاماً..
الثقافة الإسلامية أولاً:
إن ما نسبته 41%، أي أكثر من (10) ملايين
إنسان، من مجمل سكان العراق الذين يبلغ عديدهم – حسبما يقال –
أكثر من (25) مليون نسمة، هم من الفتية والشباب، جاءوا إلى
الدنيا وعاشوا بعيدين عن الثقافة الإسلامية الأصيلة، ولا يعلمون
عنها شيئاً، ويريدون أن يتعلموا ويفهموا حقيقة الدين.. فلنا أن
نعرف، إذا ما تهيأت الأرضية اللازمة، كم يحتاجون من الكتب
والأقراص الممغنطة وأشرطة الكاسيت الدينية؟! وكم يحتاجون من
المربين والمبلغين ومن المدارس الدينية والحوزات العلمية؟ لقد
سبقنا (الأغيار) في التفكير بهذا الأمر؛ إذ قرأت قبل أيام منشوراً،
جاء فيه أن الغربيين يخططون لبناء (25) ألف مدرسة، وتوزيعها على
سائر مناطق العراق، فلنقدر كم هو عدد التلاميذ الذين ستتولى
تربيتهم كل واحدة من تلك المدارس؟!! فإذا ما قدرنا أن المعدل
العام هو مئتي طالب، فالناتج الإجمالي لذلك العدد من المدارس،
سيكون (5) ملايين طالب، جلّهم طبعاً من الشيعة، وبالطبع، فإن
الغربيين لديهم من الإمكانات المادية ما يجعلهم قادرين على إجراء
مثل هذه البرامج؛ فهل العراق عراقهم، أم هو عراق الإسلام وأهل
البيت (ع)، وعراق الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)،
وعراق الإمام الحسين، والإمام الباقر، وموسى بن جعفر، والإمام
الجواد والهادي والعسكري وصاحب الزمان الإمام الحجة (عليهم
السلام)، وعراق أبي الفضل العباس ومسلم بن عقيل، عراق الشيعة
والمسلمين ؟!.
فمن هم الأولى بإعادة إعمار العراق؟ لا
يتصور أحد منّا أننا لسنا قادرين أن نفعل شيئاً حيال مستقبل
العراق. صحيح أن أولئك عبارة عن حكومات لديها إمكانات وأموال
هائلة، بيد أننا لدينا شيئاً يفتقدون له، ألا وهم أهل البيت (ع).
إذن فنحن نتحمل مسؤولية خطيرة، وعلينا أن نعتقد بأنها مسؤوليتنا
جميعاً وبلا استثناء؛ فلو مرض لأحدنا طفل – مثلاً – فستراه يترك
عمله، ويدع برامجه ومشاريعه، ويضحي بوقته وراحته ليصحبه إلى
الطبيب، وكذلك يفعل إذا ما واجه ابنه مشكلة معينة في المدرسة، أو
احتاج شيئاً ما؛ إذ يبذل ما بوسعه لتسوية تلك المشكلة، أو رفع
هذه الحاجة، فِلَم يفعل ذلك؟ لأنه يحسّ بمسؤولية إزاء أولاده..
فلنسع لأن تأخذ المسؤولية إزاء العراق موقعها في نفوسنا..
هناك في العراق، حاجة ماسة إلى برامج
تثقيفية وتوجيهية، فكما ينقل أن الشباب العراقي لديهم تعطش للدين
ولكنهم يفتقرون لمن يقوم بتعليمهم وتربيتهم.
الغربيون يستعدون لبناء (25) الف مدرسة في
العراق، فكم نستطيع أن نبني نحن؟! فإذا لم يفعل أولئك، لكان من
المفترض أن نفعل نحن، فكيف والحال أنهم بصدد أن ينفذوا مشروعهم
هذا؟! إنهم يهيئون أطباءهم ومهندسيهم وخبراءهم في الاقتصاد
والسياسة والاجتماع وعلم النفس، للعمل في العراق، بل قيل أنهم
يعطونهم رواتب ابتداءً من الآن؛ فهم – إذن – استخدموهم رسمياً،
ليتمكنوا من إرسالهم فوراً إلى هناك عندما يحين وقت الحاجة إليهم..
فهل سيقوم هؤلاء ببناء المساجد والحوزات العلمية لشبابنا في
العراق؟! لعلنا نستطيع أن نعلم مسبقاً طبيعة المشاريع المزمع
إقامتها في وطننا من قبل الغربيين.
إن الإنسان الذي يكون الله سبحانه معه،
ولديه التصميم والجدية، لا بد أنه سيوفق؛ إذ (ما كان لله ينمو).
وبالطبع، ليس معنى ذلك أن الطريق معبدة، وأنه لا وجود لمشكلات
ومتاعب؛ إذ إن رب أسرة من أربعة أو خمسة أفراد أو أكثر، تراه
يصرف غير قليل من جهده وصحته، لأجل إدارتها على النحو المناسب،
فكيف ببلد مثل العراق عانى عقوداً طويلة من العزل والإرهاب
والبطش والتجهيل وما إلى ذلك، في ظل أعتى ديكتاتورية في العالم؛
فعندئذٍ، من البديهي القول بأن العراقي الذي عاش سنين متمادية في
ظلام حالك، تطوقه الاحتياجات الكثيرة من كل الجهات؛ عراق
المستقبل يحتاج إلى الملايين من الكتب والمجلات الدينية، وإلى
المدارس والحوزات العلمية، والخطباء والوعّاظ والمربين للعمل في
هذا المجال. كما أن العراق بحاجة إلى المئات والمئات من
المستشفيات والمراكز الصحية.
فيلزمنا جميعاً أن نمسك بزمام المبادرة،
ونعمل بنفس تلك الدرجة من المسؤولية التي نحسها بإزاء أسرنا
وأبناءنا، لضمان مستقبل العراق.
والعراق كذلك يحتاج إلى المئات من صناديق
القرض الحسن لإسعاف الملايين من المعوزين، الأمر الذي يحتاج إلى
تخطيط وعمل سريع جداً؛ فهناك قد شمل الدمار والخراب كل شيء؛
القلوب والأبدان، فضلاً عن الأبنية والممتلكات.
على كل فردٍ منّا أن يفكر ماذا يستطيع أن
يفعل بشأن مستقبل العراق، ومن الضروري أن تنشأ مجالس بهذا الصدد،
بغية تدارس أوضاع الشعب العراقي، وتؤسس لجان ذات مهام وتخصصات
مختلفة، بحيث تغطي احتياجات هذا الشعب، دون أن يفكر أحد بأن هناك
جهات أخرى قامت بتأسيس لجان مشابهة؛ لأنه مهما خططنا وهيأنا
لمستقبل العراق، فهو قليل في سائر الأحوال، على أن يجري الشروع
من المدن المقدسة، ومن ثم إلى المدن الأخرى؛ فسائر هذه المدن
بحاجة إلى مساجد وحسينيات ومدارس وحوزات؛ لأن الدمار هناك شمل كل
شيء؛ فالكثير من المراكز والأماكن الدينية متداعية، وبعضها مجرد
أطلال..
نؤكد على أهمية أن يبادر الأخوة المؤمنون
إلى إنشاء لجان تتألف من شخصين أو ثلاثة أو أربعة أشخاص، تأخذ
على عاتقها مهمة التخطيط وتهيئة الأموال اللازمة والعمل بسرعة،
ومن المهم جداً أن لا يترك الميدان لجهات أخرى لتقوم بإعادة
إعمار العراق، فنحن أولى منهم للقيام بهذه المهمة؛ فتتكرر علنيا
المصائب لثلاثين أو أربعين سنة أخرى.. وعلى الجيل الحاضر أن لا
يتأخر في أي خدمة أو عمل يمكن أن يقوم به لأجل الأجيال القادمة،
على أن لا يجري بنحو بحيث تعود نفس المشاكل والمسائل لجيل
المستقبل. ولا يغيب عن أذهاننا أن المسلمين والشيعة سيأتون
لزيارة العراق من جميع نواحي الدنيا، وسيكونون مستعدين لتوظيف
أموالهم في المجالات الثقافية والاجتماعية والسياسية والصحية في
العراق.
وعلينا أن ننتبه أيضاً إلى قضية مهمة، وهي
أن هناك الآن في العراق ملايين الشباب والشابات بلا زواج، فيلزم
التفكير بأمر هؤلاء، وتأسيس لجان تزويج، دون انتظار الغربيين
ليأتوا بالملاهي ويقيموا مراكز الفساد، فعلينا الإمساك بطرف
الخيط ونبدأ بالعمل سريعاً، وهناك الملايين في العالم من محبي
الإمام الحسين (ع) والإمام أمير المؤمنين (ع)، سيأتون إلى العراق،
ويقبلون على الإسهام في هذا المشروع الاجتماعي الكبير، فلا ندع
الآخرين – من غربيين ووهابيين – يستلمون زمام المبادرة بهذا
الشأن ولدينا تقارير تؤكد بأن الوهابيين في صدد إعداد الخطط
والبرامج لمستقبل العراق، وعلمنا من خلال الانترنيت أن هؤلاء
سيأتون إلى العراق بإمكانات هائلة، علماً أن العراق ليس عراقهم،
إن العراق عراق شيعة أهل البيت (ع)، فعلينا أن لا ندع هؤلاء
يصنعون بالعراق خلافاً لما يريد أهل بيت النبي (ص)؛ الأمر الذي
يتطلب منّا التحرك والعمل من فور، لأن البيوت بيوتنا، والأرض
أرضنا.
أسأل الله تعالى أن يوفق جميع الأخوة
المؤمنين في هذه الأعمال، ببركة مولانا الإمام علي بن أبي طالب،
والإمام الحسين والأئمة الأطهار – عليهم السلام -، وأن يوجد
الإحساس بالمسؤولية فينا فرداً فرداً تجاه عراق اليوم وعراق ا
لمستقبل.
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
المسؤولية تشريع وحكمٌ وإحساس كما يفهم من الأحاديث
والروايات الشريفة. |
|