إن
من أولويات الإنسان المؤمن هو ابتغاء الوسيلة من خالق الكون
والكائنات، الله سبحانه جل جلاله، والتقرب إليه دعاءً ومناجاةً عبر
التوسل بأسمائه الحسنى تبارك وتعالى، والاعتماد عليه في الخفاء
والعلن، بكل صغيرة وكبيرة، وقد وضع المؤمن نصب عينيه أن يكون تقياً
في سلوكه وبذاك فقط يمكن أن يمهد المؤمن للسير في الطريق القويم وقد
سيطرت على جوانحه سمات الإيمان المطلق بالغيب والتي بدونها لا يمكن
النهوض بنفس الشخصية المسلمة.
* المرتبة الرفيعة
للإنسان الإسلامي المؤمن
منية الإنسان المسلم – المؤمن المريد
للدين الإسلامي العظيم أن يسود على الأرض، ويعمل لتحقيق هذه الغاية
الإنسانية النبيلة حيث يسود العدل بين بني آدم وحواء، من خلال موقعه
العائلي والاجتماعي، سواء كان ذلك الموقع كبيراً أو متواضعاً وبهذا
الصدد يلعب حضور رجل الدين الإسلامي المتصدي دوراً أكبر في عملية
إرشاد الناس، فدوره مكمل لدور الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) إذ أن
مسيرة هذه الحياة الآيلة إلى الفناء الحتمي لا بد وأن تعزز بعمل
الخير لضمان كسب الفوز بحياة جنة الخلد، حيث العمل هو الخلاصة
الأخيرة التي تجيز المرء للقبول في الجنة، أو تمنعه عنها، لذلك فإن
الحكمة التي يتمتع بها الإنسان المؤمن باعتبارها صفة لصيقة بضميره
المؤمن بوحدانية الله سبحانه وتعالى، إذا ما خذلته يوماً في الحياة
الدنيا، فإنها ستكسبه أجراً عظيماً في الآخرة مثابة له، حيث يوم
العدل الأكبر، وبهذا الصدد ينوه الله العلي القدير بذلك، مبشراً
المؤمنين من خلال قوله تعالى في الآية (269) من سورة البقرة (ومن يؤت
الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً).
وتطهير النفس من الشوائب والرذائل..
كالكبر الفارغ، والرياء، والنفاق، والبخل، والمباهات بالباطل،
والتنافس في الخبث، والتكلم بعيوب الناس، والغضب لغير الله... وما
شابه ذلك، هي من خطوات التوكل على الله عز وجل، وفضيلة لا تعادلها
فضيلة ولعل من أول آداب الشخص المؤمن أن يعرف حدود واجباته، وحقوق
الآخرين فبذاك يتم التحكم بالعقل المؤمن ويضعه على محك ذلك الدين
القيم، الذي فطر الله سبحانه وعلت أسماؤه الحسنى أن يكون الناس عليه،
فاتخذوه رباً معبوداً جديراً بعبادته. ولعل من هوان الدنيا أن ينظر
البعض إلى رجل الدين بعين واحدة، بحيث لا يروا أن في رسالة وجوده في
أي مجتمع مصالح روحية تقتضيها شروط إحياء الإسلام من خلالهم،
والتعريف العلمي بمبادئه السامية.
* من مقومات النهوض
بالنفس المؤمنة
ما أكثر تجارب الحياة المعرضة عن
الماديات غنىً في رفع معنويات المؤمن وثباته على دينه الذي يشغل همه
الأول والأخير، ليبقى مستمداً من استجماع مبادئه الإلهية نوراً يضيء
الطريق أمامه عند كل شاردة وواردة تمر بيوميات إيمانه. ولغة القرآن
التي يستمد من دستوره ما يرشده دوماً إلى حفظ توازنه الشخصي، حيث
غلبة العقل على العاطفة في كل معاملاته اليومية، بحسبما تتطلبه كل
حالة.
وللإمام محمد الشيرازي نظرته
الاجتهادية في المآلات التي ينبغي أن تنهض بها النفس الإسلامية
المؤمنة، ففي الكثير من مؤلفاته يركز على الجانب العملي في العديد من
أمور الحياة الدينية البحتة، أن يستوعب المؤمن العبرة مما يميز به من
تجارب تمشياً مع توجه الآية القرآنية الكريمة (111) من سورة يوسف: (لقد
كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) ففي الصفحة (24) من كتيبه المعنون
(فاعتبروا يا أولي الأبصار) الصادرة طبعته الأولى سنة 1419هـ -
1998م، عن مركز الرسول الأعظم (ص) للتحقيق والنشر يستشهد في باب
إسلامية الحاكم العادل، بالبنيان النفسي الرصين عند الصحابي الجليل
سلمان الفارسي، الذي وصفه رسول الله محمد (صلى عليه وآله وسلم) يوماً
بـ (سلمان منّا أهل البيت) تثميناً لإيمانه الفريد، الذي كان لله في
كل شيء، فيذكر: (لما جعل سلمان الفارسي والياً على المدائن ركب حماره...
ولما وصل الخبر لأهل المدائن، هرعوا لاستقباله خارج المدينة... وهو
شيخ كبير وكان يمتطي حماره وقد أصبح وجهاً لوجه مع مستقبليه من أهل
المدائن. فسألوه: أيها الشيخ أنا وجدت أميرنا؟ قال: من هو أميركم؟
قالوا: سلمان الفارسي من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
قال: أنا سلمان ولست بأمير. فترجّل الناس إكراماً وإجلالاً له.
وقدموا له الخيول الأصيلة لركوبه. فقال ركوب هذا الحمار أفضل عندي
ومناسب لشأني. ولما وصل المدينة أرادوا أن يأخذوه إلى دار الإمارة
فقال لهم: أنا لست بأمير حتى أذهب لدار الإمارة، فأستأجر دكاناً في
السوق يدير أمور الدين والدنيا منه، وكان ما يملكه من الأثاث: وسادة
وإناء ماء وعصا.)
وبذاك إذ ضرب الصحابي الفخر سلمان
الفارسي مثلاً رفيعاً في التواضع وهو في قمة مسؤوليته كـ(والي على
المدائن) فقد أعطى ترجمةً كاملة لما ينبغي أن تنهض به النفس
الإسلامية المؤمنة، وهي تخوض معترك أيام حياتها غير آبهة من حطام
الدنيا شيء سوى مرضاة الله.
|