الشيرازي... قدوة حسنة

السيد مصطفى الموسوي - الكويت

يصادف الأول من شهر شوال الذكرى الأولى على رحيل العالم الرباني الجليل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي - قدس سره - الذي أرتحل الى الرفيق الأعلى بعد عمر مديد بالعطاء والتضحية والجهاد في سبيل الله ..

أن وفاة هذا العالم الرباني أحدث فراغاً ثقافياً وفكرياً في عالم الأسلام والتشيع وخسارة كبرى للحركة الأسلامية العالمية وخسارة أيضا لمشروع السلام واللاعنف ..

وحقاً أن هذا الفقية الفذ والعالم المتواضع كان مرجعاً متميزاً في دنيا المرجعية الشيعية كان شعلةً من الحركة وبركاناً من النشاط والحيوية، كان رحمه الله يتحلى بنشاط عجيب وأخلاق رفيعة وفكر عميق والبراعة في تعامله مع كافة المستويات من الناس كان فناناً في مداراة الأخرين كان  يتعامل مع الفقراء ومع الأغنياء والطلبة والصغار وكبار السن والمفكرين بشكل متواضع وحتى مع أعداءه ولقد ضرب أروع الأمثلة في الأخلاق حينما كان يواجههم ولا ننسى كيف كان يواجه العلمانيين والبعثيين حينما كان مقيما في كربلاء المقدسة .

أستطاع الفقيد أن يشق طريق الجهاد والبطولة بإخلاصه وتقواه لم يكن مرجعاً بمفهومه التقليدي بل  كان فقيهاً ومرجعا في الفقه ومهندسا في العمل الأسلامي والساحة الأسلامية تشهد بذلك ولو نظرنا الى خريطة الشيرازي على أرض الواقع سنشاهد الكثير من تلك المشاريع الخيرية موزعة على أجزاء واسعة من بقاع الأرض .

وكان من أهدافه الأساسية خلق أرضية ثقافية في المجتمعات الأسلامية وغير الأسلامية وكان يؤمن بأن الثقافة والوعي يتمكن الأنسان بهما من بناء وإصلاح دنياه وأخرته ونجده رضوان الله عليه دائما وبشكل مستمر يحث الشباب على القراءة والتأليف، وكان من أهتماماته في المشاريع الخيرية بناء المكتبات ودور العلم والحوزات وطباعة الكتب ونشرها بمختلف اللغات، وكذلك أصدار مجلات دورية وموسمية وحيث كان يركز كثيرا على التبليغ والخطابة وتربية خطباء متميزين ومحترفين من أجل سرعة وسهولة توصيل المعلومات للأخرين .

ومن أهدافه أيضاً -قدس سره- رفع القيود والقوانين المصطنعة عن المسلمين في الشرق والغرب، لان تلك القوانين التي وضعها المستعمر سببت الكثير من المأسي والويلات للشعوب المسلمة وأن الحل يكمن في محاربة هذه الأوضاع  عبر نشر فضائل آهل البيت عليهم السلام .

ومن جملة أهدافه -رحمه الله- إخراج الدين من الجمود والتحجر وتحويله الى أداة تبعث السعادة والحيوية في النفوس وإنه كان يعتبر جلوسه في زوايا غرف التدريس هدراً للطاقة وهروباً من المسؤلية فالعالِم عليه تعبئة طاقات المجتمع وإستخدام تلك القوة المخفية لإسعاد المحرومين والضعفاء .

وكان السيد الشيرازي -رحمه الله- يركز كثيراً على النظام والتنظيم سواءا في البيت أوفي العمل أوفي السوق، اذ أن سر نجاح أي عمل يكمن في مدى تنظيم العمل وكذلك في العبادات وأنه كان يوصي المؤمنين بتنظيم أعمالهم ومعاملاتهم لضمان عدم حدوث أخطاء قد تسبب في حدوث مشاكل في حياتهم الأجتماعية والأقتصادية وغيرها وكما وصي أمير المؤمنين عليه السلام وهو على فراش الموت (( الله الله بنظم أمركم)).

كان الفقيد السعيد من دعاة السلام وكان ينبذ العنف بكل صوره وأشكاله حيث كان يدعو الى الحوار بأسلوب عقلاني وكان يرفض أسلام الأغتيالات وخطف الطائرات واحتجاز الرهائن وعندما نقرأ سيرة معلم الأنسانية الرسول الاعظم عليه الصلاة والسلام نجده عليه السلام كان كتلة من الأخلاق  تشع منه الفضائل والرحمة وسط بيئة جاهلية خشنة قاسية متخلفة في أرض الجزيرة العربية. لقد كان عليه السلام عبارة عن مخزون أخلاقي هائل حتى تمكن من كسب قلوب الأخرين ومازالت البشرية وبعد أربعة عشر قرناً ينهلون من فضائله وأخلاقياته.

 إذن السيد الشيرازي لم يكن يؤيد العنف بل كانت حركتة المباركة وحركة سلمية لان القلوب والعقول تتقبل الامور الحسنة (( ولو كنت فضاً غليظ القلب لآنفضوا من حولك)). إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنشر والتبليغ بأسلوب راقي وجذاب أسرع الى القلوب سيجذب المنافق والعدو الى بر الهداية في نهايةالمطاف والتأريخ مليء بالعبر والقصص .

إن هذا المرجع الجليل القدر قد سلك هذا المسلك وسار على خطى أجداده الميامين حتى بلغ هذه المرتبة من الشموخ والعزة والرفعة وسيخلد في التأريخ وينبغي علينا ونحن نعيش في هذه البرهة من الزمن الملئ بالمظالم والفجائع والرعب، وعلينا أن نحافظ على سلوكنا وأستقامتنا ونسير على نهج الأنبياء والأئمة الأطهار وعلمائنا الأبرار ..