هكذا يرحل الكبار... |
كتب : عمار البغدادي
ويموت الرسول جسماً ولكن.. في الرسالات لن يموت الرسول.. هل حقّاً رحل الإمام عنّا أم أنّه غادر هذه الدنيا ليستقرّ هناك مع الأنبياء والصديقين والشهداء؟ وهل يمكن أن يرحل الرجال الأفذاذ والفقهاء المجاهدون الذين أفنوا حياتهم في سبيل الإسلام وشريعة الثوار والقادة الميامين.. أفنوا النفوس الكبيرة من أجل هدف كبير وطموح أكبر؟ وكيف يموت الرجال الحقيقيون الذين عاشوا الإسلام في كل ذرة من كيانهم وأرواحهم، عاشوه روحاً كبيرةً ومشروعاً ربانياً وإسلامياً وقرآنياً فذّاً وحركة جماهيرية في حياة الناس؟ هل حقاً مات الإمام الشيرازي؟ كل العظماء الذين عاشوا حركة الأنبياء بجوارحهم وأرواحهم لا يموتون والإمام رجل رباني لا ينتهي! وكيف ينتهي رجل رسم البداية والمشوار الطويل وعبده بتضحياته ونبله وسماحة روحه وتراثه الفكري والفقهي والسياسي وتحوّل من فقيه مشتغل بأدوات العلم والمعرفة والفقه الإسلامي المتحرك إلى مشروعٍ إسلامي كبير تشهد لهذا المشروع المؤسسات والمشاريع الإسلامية الحركية والعلمية والمعرفية وآلاف العلماء والفقهاء والمنتديات والمراكز الدينية والثقافية والمعرفية ما لا يمكن للزمن وسكتة القلب الكبير أنه تتجاوز مشروعه وتمحو أثر شخصيته الربانية. منذ أن كان نبض الحياة حيويّاً في قلبه الكبير نذر هذا الإمام الرباني حياته للإسلام وحركته وللتشيع ونبضه الأبدي، وخلال تلك الفترات العصيبة التي عاشها العراق والعالم الإسلامي كان الإمام يعيش حركة الأمة وهمومها ومحنتها الكبيرة. ولأنه عرف مكامن خطر المحاولات التغريبيّة الاستعمارية والالغائية التي استهدفت الشعوب العربية والإسلامية انطلق الإمام في الفقه والحركة والمشروع والنهج الحركي والحضاري لكي يبنى قاعدة الارتكاز الأساسية التي تضع الأمة في قلب التحدي وتعرفها مكامن تلك الأخطار. كان الإمام وإلى حين استقراره في الملكوت الأعلى الداعية المحمدي والحسيني الأول المدافع عن الشريعة والحياة الإسلامية المقارع الأول لمحاولات النيل من المشروع الإسلامي والأمة ومكانتها في العالم، كان التجسيد الحقيقي لحياة النبوات والرسالات واختصر بروحه النبوية الكبيرة وصبره الأيوبي وجلادته المحمدية وأناقة تصوره للإسلام روح الإسلام العظيم... فهل هكذا فقيه يعيش امتداد الإسلام وحركيته الفقهية والقرآنية والسياسية والحضارية يموت بسكتة قلبية؟ أي قلب محمدي حمل هذا الفقيه القادم من فضاء المدينة الكربلائية العظيمة! هذا الفضاء الذي احتضن الثورات والانتفاضات ووجوه الشهداء من أهل البيت (عليهم السلام)... واحتضن وجه النبوة التي تعفرت بتراب كربلاء الحسين بن علي (عليه السلام)؟ هل انتهى الحسين بالسهم السفياني الذي استقر في قلبه وهل انتهت الأسطورة الكربلائية المحمدية يوم داست خيول السفيانية على صدر محمد المستقر بصدر الحسين في العاشر من المحرم؟ في روح كل فقيه حسيني قلب يتسع للشهادة والفداء وهو يواجه مشروع ذبح الأمة وقلب يمنحه لتراب كربلاء وقدسيتها ومركزيتها الإسلامية. والإمام الشيرازي (رضوان الله تعالى عليه) حمل القلبين معاً، قلب الاستعداد طيلة السنوات السبعين من حياته والقلب الذي سيعيش إلى الأبد يتوسد التراب الكربلائي ما بقي الدهر ومرت السنوات وإن كان جسد الإمام سيدفن بعيداً عن الرمضاء الكربلائية. هذا اليوم... هو اليوم الفاصل في حياة الشعب العراقي الذي عرف هذا الفقيه الكبير ونقطةً فاصلةً في حياة الحركة الشيعية والإنسانية وستتحول وفاة الإمام إلى جزء حيوي من حياة المشروع الرباني الإسلامي القادر بهمّة الفقهاء المجاهدين وفي مقدمتهم شهيد الثورة والجهاد والتاريخ العريق الإمام الشيرازي (رضوان الله تعالى إليه) سلام عليك أيّها الإمام البرّ التقي المجاهد في سبيل عزة الإسلام.. سلام عليك يوم ولدت وعشت الإسلام بكل جوارحك وروحك الكبيرة ويوم رحلت إلى الملكوت الأعلى... وإنا على عهدك ماضون. |