اوباما والحرب على الارهاب: تكتيكات الترويع قد تأتي بنتائج عكسية

الانطباعات بقرب نهاية العالم خطيرة على اوباما كما كانت مُهلِكة لبوش

اعداد: صباح جاسم

شبكة النبأ: قد يتصور الرئيس الامريكي باراك أوباما ان استخدام كلمات مثل، كارثة، وأزمة، ونكبة، ستساعده على تمرير خطط الانقاذ الاقتصادي التي يتبناها لكن التاريخ الامريكي أثبت ان تكتيكات الترويع خاصة بالنسبة للأمريكيين قد تأتي بنتائج عكسية، فبعد ان أقام حملته الانتخابية على وعد بالامل والتصدي لما وصفه "بسياسات الترويع" للرئيس الامريكي السابق جورج بوش قد يرتكب أوباما خطأ سياسيا فادحا في حق نفسه وفي حق سياساته اذا لجأ الى نفس التكتيك.

وفي غمار سعيه للضغط على الكونجرس والحصول على تأييد شعبي لمقترحاته المكلفة استخدم الرئيس الامريكي الجديد لغة سياسية بالية للتخويف ورسم سيناريوهات رهيبة على امل اقناع المتشككين بالحاجة الى ضرورة التحرك السريع. وقد يفلح هذا وقد لا يفلح.

ويقول كريس ادواردز مدير دراسات السياسة الضريبية في معهد كاتو "التعبيرات التي من شأنها اعطاء الانطباع بأن نهاية العالم قربت ليست جيدة بالنسبة لثقة قطاع الاعمال."

وهاجم منتقدون بوش ونائبه ديك تشيني لاشاعة الذعر بين الشعب الامريكي لتمرير برامج انتهكت الحريات المدنية باسم الامن القومي.

واستغل بوش وادارته خوف الامريكيين من حدوث هجمات اخرى على غرار هجمات 11 سبتمبر ايلول عام 2001 لتبرير الحرب في افغانستان ضد حركة طالبان وتبرير غزو العراق بزعم امتلاكه اسلحة دمار شامل وتبرير اقامة السجن الحربي الامريكي في خليج جوانتانامو بكوبا لاحتجاز مئات الاشخاص الذين تشتبه واشنطن في انهم ارهابيون دون محاكمة. بحسب رويترز.

وتولى أوباما الرئاسة الامريكية في 20 يناير كانون الثاني ليواجه أزمة مختلفة.. انهيار اقتصادي أغرق شركات كبيرة محترمة وأفقد مئات الالاف لوظائفهم خلال شهر ودفع البنوك الى فرض قيود على القروض التي تعتبر مولدا رئيسيا للنمو الاقتصادي.

وحتى يخرج الاقتصاد الامريكي من أزمته طرح أوباما خطة انقاذ مالي لتحفيز الاقتصاد كما وضع خطة جديدة لانقاذ البنوك.

وقال أوباما هذا الاسبوع "بذل القليل من الجهد او عدم القيام بأي جهد على الاطلاق سيؤدي الى مزيد من العجز ومزيد من الخسائر في الاقتصاد ومزيد من فقدان الثقة. هذا العجز من النوع الذي يمكن ان يحول الازمة الى كارثة."

واستخدام أوباما للغة تلعب على مخاوف الشعب قد يجعل المواطنين الامريكيين يهرولون من الخوف لتأييده لكنها قد تدفعهم ايضا في الاتجاه المعاكس.

وقال داريل وست مدير دراسات الحكم في معهد بروكينجز "انه سيف ذو حدين. انها طريقة للضغط على الكونجرس حتى يتحرك لكن اذا تملك الخوف فعلا من الناس سيحجمون عن انفاق المال وهذا سيطيل امد الكساد. هذا سيف ذو حدين."

وقال أوباما في حديث مع شبكة (ايه.بي.سي) التلفزيونية الامريكية انه يعي تماما انه يسير على حبل مشدود. وقال "أحاول دوما ان اشق طريقي بحذر بين من يثيرون المخاوف وينبهون الى الاخطار وبين حرصي على جعل الشعب الامريكي يعرف الظروف التي نعيشها."ولعب رؤساء أمريكيون سابقون بورقة التخويف من قبل وبعضهم خسر من هذه اللعبة.

وحاول الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر تناول أزمة الوقود التي أجبرت كثير من الامريكيين على الوقوف في طوابير طويلة في محطات البنزين ودفعت معدلات التضخم الى عنان السماء في الخطاب الذي القاه عام 1979 "أزمة ثقة."

وقال كارتر في خطابه "أزمة الطاقة حقيقية. وهي أزمة عالمية. هي خطر واضح وحالي يتهدد أمتنا. هذه حقائق وعلينا ببساطة ان نواجهها."ودفع هو ثمن "أزمة ثقة" بأن قضى فترة واحدة في الرئاسة.

وفي المقابل حاول الرئيس الامريكي الاسبق فرانكلين روزفلت الذي تولى الرئاسة خلاف فترة الكساد العظيم في الثلاثينات انتشال الامريكيين من قاع اليأس خلال خطاب توليه السلطة حين قال "الشيء الوحيد الذي علينا ان نخاف منه هو الخوف ذاته."وفاز روزفلت في الانتخابات أربع مرات.

وقالت كارلين بومان من معهد المشروع الامريكي ان اللعب بمخاوف الناس "لعبة خطرة جدا" لانه على الرغم من قلق الرأي العام الشديد على الاقتصاد الا ان نحو 20 في المئة فقط يثقون في نجاح المقترحات الخاصة بتحفيز الاقتصاد.وأضافت "الناس الآن متوترون وخائفون للغاية لكنهم أيضا لا يثقون كثيرا في قدرات الحكومة الاتحادية."

الحرب ضد الارهاب.. هل تنتهي هذه العبارة المميزة لبوش؟

على خلفية نوايا الاحتواء السلمي التي يهم بها اوباما من خلال سياساته التي اعلن انه سينتهجها فقد ذهب لفظ "محور الشر" الذي كان سمة مميزة لعهد الرئيس الامريكي السابق جورج بوش... فهل يمكن أن يلحق به مصطلح "الحرب ضد الارهاب"..

فمع اتجاه الرئيس الامريكي باراك اوباما لانهاء خطاب سلفه جنبا الى جنب مع سياساته بدأت العبارة التي جاءت لتعريف نداء بوش بعد هجمات 11 سبتمبر ايلول لحمل السلاح تفقد جاذبيتها في حرب الكلمات.

وفي حين لم تسقط الادارة الجديدة عبارة "الحرب ضد الارهاب" من مفرداتها فهناك مؤشرات على أنه تم الحد من استخدام هذا التعبير عمدا فيما يسعى اوباما الى تحسين صورة الولايات المتحدة في الخارج خاصة في العالم الاسلامي.

وقال ديفيد جرينبرج المؤرخ وخبير الاتصالات الرئاسية بجامعة راتجرز في نيوجيرزي "قد يكون هذا رمزيا لكنه مؤشر على أن اوباما جاد بشأن تجنب نوعية السياسة الخارجية التي كان بوش ينتهجها والتي أثبتت أنها كانت السبب في الكثير من الانقسامات."بحسب رويترز.

وتحدث بوش للمرة الاولى عن "الحرب ضد الارهاب" بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 حيث حولها الى عبارة خاصة بادارته تختزل ما تصور أن يكون قتالا عالميا واسع النطاق تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم القاعدة والجماعات الاسلامية المتعاطفة معه.

لكن سرعان ما أثار هذا النهج جدلا بسبب ما اعتبرها منتقدون دوليون فلسفة "من ليس معنا فهو ضدنا" المتعجرفة التي تفرط في الاعتماد على القوة العسكرية وما ندد به الكثير من المسلمين باعتباره هجوما على الاسلام.

وأثار غزو العراق عام 2003 وفضيحة ارتكاب انتهاكات بحق السجناء في ابو غريب ومعتقل جوانتانامو العسكري الامريكي مزيدا من الانتقادات الخارجية لسياسات بوش.

ومنذ تولى اوباما الرئاسة في 20 يناير كانون الثاني سارع الى الغاء بعض ممارسات بوش حيث أصدر أوامره باغلاق معتقل جوانتانامو ووقف استخدام الاساليب القاسية في استجواب المشتبه في صلاتهم بالارهاب وأوفد مبعوثا للسلام بالشرق الاوسط.

كما تواصل مع العالم الاسلامي حيث يرى أن خفض حدة الخطاب ضروري لكسب تأييد المعتدلين.الا ان هذا لا يعني أن "الحرب ضد الارهاب" حذفت من قاموس الادارة الجديدة بل ان اوباما في الواقع استخدمها مرة علنا منذ توليه الحكم كما رددها المتحدث باسم البيت الابيض روبرت جيبس عدة مرات.

لكن الاستراتيجية هي تجنب خطاب ادارة بوش الذي اتسم بالتعميم وتركيز العبارات القاسية على جماعات اسلامية بعينها الى جانب تحويل افغانستان وليس العراق الى جبهة القتال الرئيسية.

وقال مارتن ميدهيرست استاذ الخطاب بجامعة بايلور في تكساس "هذا الرئيس لن يصف أحدا بالفاشيين الاسلاميين" مشيرا الى استخدام بوش لهذا التعبير لفترة قصيرة والذي أثار الغضب العميق للكثير من المسلمين.

وذكرت مجلة نيوزويك هذا الاسبوع أن مسؤولين بالادارة يعكفون على حملة عصف أفكار للتوصل الى بدائل "للحرب ضد الارهاب." ولم يؤكد البيت الابيض هذا.

غير أن اوباما ومساعديه أوضحوا أنه يريد توصيل رؤية واقعية عن قتال طويل ضد الارهاب وليس حربا بلا نهاية.

انه يصف المعركة حتى الان بتعبيرات مثل "صراع مستمر" وعانى لتجنب الخطاب الاكثر قسوة الذي كان يستخدمه سلفه بوش الذي اشتهر باطلاقه على نفسه لقب صاحب القرار الحاسم.. وصف العراق وايران وكوريا الشمالية ذات يوم بأنهم "محور الشر" وهو الوصف الذي سخر منه المنتقدون ويرفضه اوباما.

وعلى الرغم من هذا يحذر محللون بأنه اذا توقف اوباما عن وصف مكافحة الارهاب بأنها حرب على الاطلاق فسيواجه رد فعل عنيفا من المحافظين حيث سيتهمونه بالرضوخ لاعداء امريكا. وقال ميدهرست "يجب ان يتحرك بحذر."

ان هذا هو ما فعله اوباما بالضبط وهو ما يتفق مع أسلوبه القائم على التأني. ولدى سؤاله عن عبارة "الحرب ضد الارهاب" قال اوباما لشبكة سي.ان.ان التلفزيونية هذا الاسبوع "من الاهمية الشديدة بمكان بالنسبة لنا أن ندرك أن امامنا معركة او حربا ضد بعض المنظمات الارهابية. لكن هذه المنظمات لا تمثل المجتمع العربي او المجتمع الاسلامي الاوسع نطاقا."وأضاف "تكون الالفاظ أهمية في هذا الوضع لان أحد الاساليب التي ستمكننا من الفوز بهذا الصراع سيكون من خلال معركة القلوب والعقول."

واذا قرر اوباما سحب العبارة فربما يجد أن الكلمات والاختصارات لها أهمية ايضا في خضم البيروقراطية التي يقودها الان.

وداخل الحكومة والجيش الامريكيين لم تتخذ عبارة "الحرب ضد الارهاب" شكل العملية الامنية فحسب بل مجموعة من الاحرف الاولى التي ترمز لعبارة "الحرب العالمية ضد الارهاب" والواردة في كل شيء من البيانات الصحفية الى المذكرات الداخلية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 22/شباط/2009 - 26/صفر/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م