الاخلاص في العمل أقصر الطرق للنجاح

علي حسين عبيد

شبكة النبأ: ماذ يعني الاخلاص في العمل؟، إنه سؤال ذو أوجه عدّة، فالاخلاص لا يتعلق بالعمل وحده، بل في النوايا والسلوك وما شابه، واذا قُيِّض لنا أن نبحث في مفهوم الاخلاص، فإننا سنحصره في حقلي الاتقان والصدق، بمعنى أن من يمتلك خاصية الاخلاص، فإنه يتمتع بفطرة الصدق والإتقان في جميع المجالات التي يخوض فيها.

وفي هذا الصدد نقرأ بكتاب المجدد الثاني السيد محمد الحسيني الشيرازي (قده) الموسوم بـ (الاخلاص سر التقدم):

(إن الإخلاص في العمل ـ أيّ عمل كان ــ سيؤدي إلى الوصول إلى الأهداف المرجوة من ذلك العمل، بل هو أقرب الطرق وأكثرها استقامة إلى تلك الأهداف، لأنه طريق لا تعتريه عثرات الجهل، ولا يخيم عليه ظلام الشر، ولا يقود مرتاديه إلى مهاوي الردى والضلال).

إذن ثمة ربط بين الاخلاص من جهة وبين الاستقامة من جهة ثانية، بكل ما تعنيه هذه المفردة من معان واسعة، فالاستقامة تعني الابتعاد عن اللف والدوران والخداع والتزلف والمراءاة والتملق وصحوة الضمير وما الى ذلك من مواصفات وخصال اخلاقية وسلوكية لا يشوبها الانحراف كونها تنبع من الذات التي تنتهج الاستقامة في نشاطاتها الفكرية والتطبيقية في آن واحد.

لذلك جاء هذا الربط بين الاخلاص والاستقامة حيث يؤدي هذا الترابط بدوره الى حتمية الاتقان، إنها تبدو كسلسلة حلقات بعضها يقود الى الآخر، فالاخلاص ستدعمه الاسقامة التي ستقود بدورها الى اتقان الهدف المنجز عمليا كان أم نظريا.

وسمة الاخلاص لا تتعلق بمتطلبات آخرة الانسان، فهي طريق النجاح في الحياة الأولى، وطالما ان هدف الانسان هو النجاح وفق الاساليب المشروعة، فإن الاخلاص من ادوات تحقيق النجاح المؤكد، وفي هذا الصدد نقرأ في كتاب المجدد الثاني (قده) نفسه:

إن (الإخلاص ليس طريقاً إلى ثواب الآخرة فحسب، بل هو طريق إلى تقدم الإنسانية، وهو سرُّ كل تطور يشهده البشر).

بهذه الرؤية المخلصة الثاقبة ينبغي أن ننظر الى اهمية الاخلاص ودوره في بناء الذات والمجتمع كونه سر تقدم البشرية، وكلنا يعرف أن السبب الرئيس الذي يقف وراء تطور الامم قديما وحاضرا هو مدى الاستعداد الفردي والجماعي للتعامل مع واقع الحياة بسمة الاخلاص، وقد نقل لنا كثيرون ممن خالطوا الامم المتطورة كيفية تعاملهم مع العمل بجميع انماطه الفكرية او تلك التي تتطلب جهدا عضليا، وكيف يضعون الاخلاص معيارا حتى لأخلاقهم، ولعل أهم ما يتمتع به انسان الامم المتطورة هو تفعيل الرقابة الذاتية.

بمعنى ان ضمير الانسان هو رقيبه الاول في العمل واتقانه في الوقت المحدد وضمن المواصفات المتفق عليها، ولعل هذا الامر يتعلق بنشأة الانسان ايضا، فالطفل عندما يفتح عينيه وحواسه وملكات الذكاء لديه في محيط يتعامل بسمة الاخلاص في جميع مفردات الحياة عند ذاك سيتوافر للامة جيل بل اجيال تأخذ على عاتقها رفع المجتمع من حال الى حال أكثر رقيا وسموا.

وفي هذا المجال نقرأ ايضا بكتاب الامام الشيرازي (قده): إن (الإخلاص في تربية الأبناء يبني مجتمعاً متماسكاً وقادراً على البقاء والتقدم والرقي.

والإخلاص في التعليم والتعلُّم يسمو بالمجتمعات إلى مراتب عالية في الحضارة والعلم.

والإخلاص في النصيحة والمشورة يؤسس أرضاً خصبة لنمو شجرة الأخوة الإنسانية بين أفراد المجتمع).

إذن فإن سمة الاخلاص تتداخل مع جميع الأنشطة البشرية ولا تنحصر في فئة عمرية محددة بل تشمل مراحل الطفولة والشباب والكهولة صعودا الى المراحل العمرية اللاحقة، لذا ينبغي أن نعتمد سمة الاخلاص في تنشئة الغرس الجديد وهم اطفالنا، لأننا بذلك (سنبني مجتمعا متماسكا) حيث الطفل سيتحول الى فئة عمرية اكبر وسيكون لدوره في الحياة مجالا اكبر واذا ما غُرست سمة الاخلاص في تربة طفولته ستنمو لاحقا معه وسيكبر دوره الايجابي في بناء المجتمع نحو التطور والازدهار القائم على السمات الانسانية الايجابية.

ولعل القول بأن الاخلاص سمة متداخلة في جميع الانشطة البشرية على تنوعها، يؤكد أهميتها بل دورها الكبير في البناء النفسي والعملي في آن، وإلاّ كيف تصل هذه السمة الى مرتبة السر الذي يقف وراء تقدم الأمم وتطورها.

من هذه الرؤية الدقيقة يستحسن أن نتعامل مع الاخلاص وربما ينبغي التعامل معه على أساس هذه الاهمية تحقيقا للتطور المنشود في الحياة الدنيا لحاضرنا ومستقبلنا، وأملا بالفوز برضا الله سبحانه وتعالى في الدار الآخرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- االاثنين 9/شباط/2009 - 13/صفر/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م