مجتمعات تتحمل مسؤوليتها في محاربة العنف والجريمة

شبان يرشدون اليافعين وينتشلونهم من براثن العصابات

 

شبكة النبأ: عصر يوم ثلاثاء في الماضي القريب كان الفتى تروي روبنسون يسير في أحد متنزهات مدينة بولتيمور حينما أطلق عيار ناري على إبن عمه الذي كان واقفا الى جانبه فأصاب منه مقتلا. وفي اليوم التالي تحدث تروي، 14 عاما، وكان وجهه الأسمر متجهما نتيجة للحادث الذي شاهده بأم عينيه، الى موقع أميركا دوت غوف عن نشأته في أحد أفقر أحياء المدينة،  قال تروي: "إنني أشاهد كثيرين وهم يتمنطقون بأسلحة ويبيعون المخدرات—وهي أمور لا ينبغي أن أشاهدها."

في مدينة حيث عدد الشبان الذين يمضون عقوبات في السجن يفوق عدد الذين يتوجهون للدراسة في الكليات، كما ذكر تروي، ثمة قوة إيجابية تسلحه بالأمل وهي تنظيم صغير وخاص يعمل مع صغار السن من أمثال تروي ممن كانت لديهم مشاكل مع القانون. والتنظيم الذي يدعى "الوصول الى كنيسة التواصل مع من لا يصلهم أحد" يشرف عليه  أندريه همفري، وهو قس معمداني يبلغ من العمر 52 عاما وترعرع في نفس هذه الأزقة الخطرة وخالف القانون نفسه حينما كان في سن المراهقة. وعنه يقول تروي: "إنه يحاول أن يعلمني الأمر السديد."

والبرنامج المذكور الذي يتمحور على أحد الأحياء الواقعة شرقي المدينة ذي المنازل المتلاصقة والذي تتفشى فيها الجريمة يلقن الفتيان والفتيات على استخدام أجهزة الكومبيوتر، وآلات الخياطة، كما يساعد الراسبين في المدارس على الحصول على دبلومات معادلة للشهادة الثانوية، ويلقن الشبان والشابات على كيفية تقديم أنفسهم إلى أرباب العمل وأيجاد وظائف.  وما يساوي ذلك أهمية هو أن البرنامج يوفر ملاذا مأمونا في فترة ما بعد اختتام اليوم المدرسي – بعيدا عن اجتذاب العصابات التي تبيع المخدرات – لأحداث ربما لا يقدرون على الإيواء الى منزلهم قبل حلول المساء. بحسب موقع أميركا دوت غوف.

ويستدعى القس همفري مرتين في الأسبوع الى مستشفى او مشرحة لتقديم إرشادات أو مواساة  أسر مفجوعة لوّعها فقدان ولدها نتيجة للعنف. كما يستدعى للتوسط في نزاعات بين العصابات وذلك قبل أن تنفلت الأمور وتتحول عنفا.  وقال القس، وهو رجل بدين يبدو أصغر من سنه الفعلي، إنه قادر على التحدث الى أعضاء العصابات لأنه كان نفسه "وغدا". ولأنه كان ضالا كشاب، اكتسب همفري "مصداقية الشارع" وهو شيء قد يفتقر إليه بعض عاملي الخدمات الاجتماعية من ذوي خلفيات وقيم الطبقة المتوسطة.

تلقى برنامج همفري الذي يساعد عددا يصل الى 100 شاب وشابة في كل عام تبرعات مالية من مؤسسات خاصة وبلدية بولتيمور وحتى من دائرة الشرطة فيها.  وترى تلك المؤسسات أنه بإعطاء صغار السن ما هو بديل للتعاطي مع العصابات فإن برنامج القس همفري وبرامج من أمثاله تجعل الأحياء أكثر سلامة.  وبولتيمور، وهي ميناء كبير على ساحل الولايات المتحدة الشرقي، كانت منذ عهد بعيد إحدى مدن أميركا الأكثر عنفا.  وعلى مدى عدة عقود احتلت موقعا متقدما في قائمة أعنف عشر مدن أميركية، من ناحية معدلات الجريمة. اذ ترتكب فيها حوالي 300 جريمة سنويا.

لكن بعد سنوات شهدت المدينة اتجاها نحو انخفاض معدلات الجريمة، ويبدو انها سجلت انخفاضا في عدد الجرائم بنسبة 20 في المئة في عام 2008.

وتعزو سلطات المدينة الفضل في تراجع الجريمة في البلاد جزئيا الى العدد المتنامي من المبادرات المحلية.  فمثلا تقوم دوريات حراسة غير مسلحة بالسير على الأقدام في أحياء المدن، لإثبات وجودها ولإبلاغ الشرطة عن أي نشاطات مشبوهة. كما أن الكنائس والجمعيات الأهلية تستضيف نشاطات خاصة بالأطفال وتسدي النصح للأسر.  أما الجمعيات المعنية بضحايا الجريمة فتدعو وتضغط من أجل إطالة الفترات التي يقضيها المجرمون وراء القضبان.

والواقع أن الأشقياء السابقين ينالون إهتماما خاصا لجهودهم لوضع حد لأعمال العنف الذي تنغمس فيه العصابات ولعملهم مع المراهقين الضالين.  فقد كان إدوارد "تيد" ساتون جلادا مأجورا لجماعات إجرامية. وهو يقول إنه بدل حياته تماما قبل 15 عاما بعد أن شاهد إغتيال أصدقاء حميمين.  ففتح منزله امام أعضاء العصابات ممن كانوا يحاولون تقويم حياتهم وانخرط في الكلية تحصيلا للعلم. والآن  يعمل مرشدا لطلاب ضالين في مدرستين حكوميتين برعاية منظمة غير ربحية تدعى "التوقعات العالية".

ويقول ساتون عن صغار السن الذين يعمل معهم: "بعضهم لا يعقتد أنه سيعمر طويلا، لذا فإنهم لا يرون فائدة في توظيف وقتهم وطاقتهم لمتابعة العلم." ويساعدهم ساتون في محاولة تطوير مواهبهم وقد ساعد البعض في بدء مجالات رزق كفنانين وكمطربين وكمتعاقدين مع شركات أمن. ويضيف ساتون: "أحاول أن أبين لهم ان بيع المخدرات ليس الخيار الوحيد المتاح أمامهم."

ويقول فيليب ليف مدير مركز الوقاية من العنف الشبابي التابع لجامعة جونز هوبكينز إن بعض المجرمين المصلحين ممن أعيد لهم الإعتبار هم "فعالون حقيقة" في الإرشاد وفي التدخل حينما يبدو أن العصابات المتناحرة تتجه الى التصادم. وعنهم يقول ليف: "هؤلاء ليسوا مزودين بوسائل القيادة والضبط لكنهم على معرفة بالأشخاص المسلحين بها."

واشار ليف الى أنه على مدى حقبة طويلة من التاريخ الأميركي كان المهاجرون والعمال ورعايا الكنائس وغيرهم يشكلون جمعيات لتعزيز مصالحهم. وفي الأعوام الأخيرة زادت هيئات حكومية من دعمها لمثل هذه المبادرات إذ اعتبرت جماعات من هذا القبيل على أنها ضرورية  لتقليص الجريمة."

وزاد بالقول: "من الجلي أنه كان ثمة إقرار بأنه كلما زاد عدد التنظيمات المحلية كلما تحسنت قدراتها على التعرف على إحتياجات السكان المحليين. والهدف هو حفز الناس على تحمل مسؤولية استقرار شوارعهم بالذات."

وقال ليف ان من التحديات الماثلة على الدوام أمام أولئك الذي يعملون مع صغار السن الأميين في الأحياء الفقيرة إيجاد فرص عمل لهم يمكن أن توفر بعض الدخل والمكانة لهم كبديل للنقود التي يسهل عليهم جنيها من تجارة المخدرات غير المشروعة.

وفي الوقت الذي يحاول تروي روبنسون تحديد مسار مستقبله، طرح له مصرع إبن عمه سببا لنبذ العصابات التي تمارس سطوتها على الكثير من الأحداث في حارته. وعن ذلك يعلق قائلا: " لا أريد أن ينتهي بي المطاف في اللحد كما كان مصير إبن عمي ."

شبكة النبأ المعلوماتية- االخميس 5/شباط/2009 - 9/صفر/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م