عندما يتقاسم الإسلامي والعلماني الرمز والشعار

د. نضير الخزرجي

زعم أحد المروجين لإحدى الكتل السياسية في انتخابات مجلس النواب العراقي التي جرت في 15/12/2005م، إن قائمته على اطمئنان بالحصول على عدد من المقاعد يفوق أصابع اليدين.

قلت: اشك فيما تذهب إليه كثيرا، فالظروف لا تسمح لهذه القائمة بالفوز ولو بمقعد واحد، بل أنها أعجز من أن تفوز بـ (پاية) (قائمة) من قوائم المقعد في مدينتها فما بالك بكل العراق!

قال: مظهرا يقينا هشاً، بان الظواهر تكذّب ما تذهب إليه.

 قلت: دلّني على ظاهرة واحدة اقتنع بها، حتى أتراجع عما اقرأه في الخارطة العراقية وأستغشي ثيابي عن تقاسيمها!

 قال: إن فلان الفلاني القادم من إحدى دول الجوار وفي جعبته كمية من أموال المتبرعين ودافعي الأخماس والزكوات وزع باسم القائمة مواد غذائية وهدايا عينية ومالية على أكثر من مائتي مجلس وموكب حسيني في المدينة الفلانية وحدها، وإن زعماء هذه المواكب وعدوه خيرا، وإنهم سيشجعون الجميع على التصويت لهذه القائمة، ثم ذهب صاحبي يضرب ويقسم بالأصوات حسب مزاجه، وكأن أصوات المجالس ومن يرتادها صارت في الجيب بلا منازع.

قلت له: لا تذهب أحلامكم بعيدا، فان المواكب والمجالس الحسينية تستقبل كل مساعدة، غذائية أو عينية أو مالية أو معنوية، لأنها مجالس عامة دلت اسمها على مرادها، تفتح أبوابها للجميع، وتستقبل المساعدات من الجميع، وهي الجهة الوحيدة التي لا تسأل عن المصدر المالي لمقدم العون، مسلما كان أو غير مسلم، إماميا كان أو غير إمامي، حزبيا كان أو غير حزبي، إسلاميا كان أو علمانيا، لان المواكب والمجالس تعمل ضمن مساحات العواطف والمشاعر، على إن في بعضها أدوات غير شاخصة للعيان توجه هذا المجلس أو ذاك المأتم وفق ما تريد.

قال: هل تعني أن مسؤولي المجالس والمآتم سيقفزون على وعدهم ويضربونه عرض الحائط؟

قلت: المشكلة فيكم لا فيهم، لأنكم تطلبون منهم ما ليس بمقدورهم، لان المتبرعين أكثر من واحد، وإن من ديدن مسؤولي الموكب أو المجلس إستقبال التبرعات بكلمة طيبة ووعد أطيب، ولكن حينما يجد الجد، فان كل موكب يعمل وفق متبنياته وولاءاته، وهذا حق مشروع لهم، ربما أعطوا الصوت لكم، ولكن لما كانت الانتخابات عامة والناس في مثل هذا الظرف تبع المرجعية الدينية، فإنهم سيصوتون للقائمة المدعومة من المرجعية، ولن يصوت لكم  إلا اللمم.

قال: أراك متشائما ومتحاملا على القائمة؟

قلت: إنكم تحبون من يزوق لكم الأمور، وتوقرون الآذان عمن يفطمكم على الواقع.

وانتهت الانتخابات ولم تحصل هذه القائمة وأخواتها من الدائرة الفكرية الواحدة على مقعد، وهي اليوم تكرر التجربة نفسها.

هذه الحادثة ربما أعطت صورة عن الثنائية بين الولاء الحسيني والولاء السياسي لهذه القائمة أو تلك، فالولاء للإمام الحسين (ع) لا يقتصر على قائمة بعينها، بل ويعلم الجميع أن الحزب الشيوعي العراقي المصنف فكريا على العلمانية بنسختها العربية لا الغربية، له على سبيل المثال في مدينة كربلاء المقدسة أي مدينة الحسين (ع) ومهوى جثمانه ومرقده، موكبا حسينيا يعد من المواكب الكبيرة ليس على مستوى كربلاء المقدسة فحسب بل على مستوى العراق ككل، وشعاراته المرفوعة (ردّاته) حسب المصطلح العراقي، أشهر من نار على علم، لان الشيوعيين فهموا الحسين (ع) فهما يقترب أو يبتعد قليلا أو كثيرا من دائرة فكرهم، فرفعوا الحسين (ع) رمزا بوصفه مصلحا وثائرا وشهيدا، أو ربما وجدوه أقرب إلى ضمائر الناس وهو كذلك، فاقتربوا منه حتى يقتربوا من الناس ويضمنوا عدم الممانعة والمقاطعة، بخاصة وأن المجتمع  العراقي اعتاد على لفظ العقائد المستوردة من خارج الدائرة الإسلامية.

 فلا يملك أحد الحق في مصادرة هذه الرمز من اليسار العراقي بمجرد كونهم يتقاطعون مع الإسلام في بعض المفاصل، أو يتقاطعون معه كليا كما في اليسار الملحد، فالحسين رمز البشرية، فمن الخطل  مصادرته أو الإدعاء من هذه الجهة أو تلك أنها تمثل الحسين (ع) تمثيلا كليا، فتضرب يمينا ويسارا كل من يدعي وصلا بالحسين (ع)، كما إن استغلال الشعائر الحسينية لضرب المنافسين ليس من رسالة الحسين (ع)، نعم من الصحة أن تتم الاستفادة من المنبر الحسيني ومن الشعائر الحسينية في دفع الناس إلى الانتخابات والتمتع بحقهم، لان الحسين (ع) إنما خرج لطلب الإصلاح في هذه الأمة، وإذا تمتع المصلح بالسلطة السياسية أمكنه تطبيق مراده بصورة أفضل، ولو تمكن الحسين (ع) من السلطة لفعل كما فعل من قبل أخوه الإمام الحسن (ع) وأبوه (ع)، لكن الشهادة كانت قلادته وتاجه، ولأن رسالة المرشح في أي انتخابات، محلية كانت أو وطنية، هي إصلاح ما اعوج من أمور الحياة بجلب المنفعة الناس ودفع المضرة عنهم، وهذه لعمرك رسالة الأنبياء، فان الحسين (ع) هو في ضمير كل مرشح مسلما كان أو غير مسلم، ما دام الإصلاح وخدمة المجتمع في مركز دائرة اهتمامات المرشح أو القائمة.

وإذا كان الحسين (ع) في وعي الجميع، مرشحين أو ناخبين، قوائم أو منفردين، أفندية أو معممين، فان الرمز الكبير وهو الإمام علي (ع)، هو الآخر في ضمير الجميع بوصفه إمام العدل والحق كما قال النبي الأكرم (علي مع الحق والحق مع علي يدور حيثما دار) ولأنه نصير المظلومين والمحرومين، وعضيد اليتامى والأرامل، ولأنه القائل والفاعل: (لو أعطيت الأقاليم السبعة ـــ الدنيا وما فيها ـــ على أن أعصي الله سبحانه في نملة أسلبها جلبة شعير ما فعلت)، ولأنه القائل والفاعل: (ولو شئت لاهتديت الطريق، إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حرّى أو أكون كما قال القائل:

وحسبك داء أن تبيت ببطنة *** وحولك أكباد تحن إلى القد

أأقنع من نفسي بأن يقال: هذا أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش ..).

وقد لاحظ الناس أن زعماء القوائم والكتل الانتخابية الكبيرة والحاكمة التي زارت المحافظات العراقية وبخاصة في الوسط والجنوب، كان الناس تهتف لهم جميعا بلا استثناء: (علي إوياك علي) أي (تقدم والإمام علي (ع) وربه معك)، لأن الناس تريد في المرشح أن يكون كعلي بن أبي طالب (ع) في عدله وحكمه وقربه من الناس، فلا تنظر الى قائمته ورقمها وفيما إذا كان الزعيم أو المرشح معمما أو حاسرا، بقدر ما يطمعون فيه خدمته للناس ونفعه لهم.

 بل إن رفع هذا الشعار في المحافظة الواحدة ولقوائم عدة من الناس أنفسهم، يعطيك الانطباع بان عليا (ع) ليس حكرا على قائمة بعينها، فهو ظهير من يصطف مع المجتمع، ولذلك أرى أن كل قائمة ترفع رمزا من رموز العدالة الإنسانية والتحرر من ربقة الجبت والطاغوت، فإنها مسددة ومؤيدة ما وصلت إلى الناس وتواصلت معها، لأن الناس كما يقول الإمام علي (ع): (إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)، ويعظم مصداق هذا النص في الأمة العراقية المتكونة من أطياف مختلفة ومتنوعة.

من هنا فليست العبرة في الشعارات والتمترس خلفها أو الرموز والتحلق حولها، بقدر ما يكون الشعار مترجما إلى إنجاز على أرض الواقع يلحظ الناس آثاره، وبقدر ما يكون الرمز حاضرا في صميم عمل المرشح يلمس الناس تماثل فعله قوله، وعند ذاك يصح القول للمرشح المسلم والمسيحي، السني والشيعي، الكردي والعربي، التركماني والفيلي، الشبكي والصابئي (علي إوياك علي) ما دام مع علي نصير المصر وأهله، محدودبا على الناس تحدّب الأم على أولادها.

* الرأي الآخر للدراسات – لندن

alrayalakhar@hotmail.co.uk

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 26/كانون الثاني/2009 - 28/محرم/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م