عندما كنا في المعارضة العراقية، كنا نفكر، دائما، وبجدية؛ أنه فيما
لو تسلمنا مقاليد الحكم في العراق؛ كيف لنا أن نخدم العراقيين، ونعوضهم
عن آلامهم وأحزانهم؟ وكيف يمكن أن نطوي صفحة الماضي، ونفتح صفحة جديدة
من الأمل والتفاؤل؟ خصوصا العراقيين الذين تضرروا من سياسيات النظام
البعثي .
وكنا نقول للعراقيين المجاهدين بأنفسهم وأموالهم: إن صدام والبعث
ظلموكم وقتلوا آبائكم وأبنائكم وإخوانكم، وإنما يفعل ذلك؛ لأنه نظام
علماني وطائفي وعائلي. وبالتالي، عليكم أن تساعدونا لكي نغير هذا
النظام ونُبطل قوانينه، ونحن إذا ما أسقطنا حزب البعث وصدام فأنكم
ستعيشون"ملوكا" محترمين، حياتكم مأمونة، ودمائكم مصونة، وأموالكم
محفوظة، وتتمتعون بحريتكم..
كنا نقول لهم في رسائلنا الجهادية: إن دماء شهدائكم في رقابنا؛
ونحن أولياء دماء أبنائكم؛ لن نتخلى عنها ولن نخذلكم. وكنا حينذاك نقيم
للشهداء احتفاليات وفعاليات كبيرة؛ نستذكر شهدائنا ونحفز الاخرين على
المضي قدما على ما سار عليه شهداء.
كان هذا من توجيه قياداتنا في المنفى، وكان هذا مشروعنا في الغربة،
وعليه أدرجت أحزاب المعارضة في مشروعاتها السياسية لمستقبل عراق ما بعد
صدام بنودا بهذا الاتجاه، يتم بموجبها إعادة الاعتبار لشرائح اجتماعية
محددة كالمهجرين قسرا وهم مئات الالوف، والمهاجرين وهم قرابة أربعة
ملايين موزعين على دول الجوار والعالم، وعوائل الشهداء والسجناء،
والمختفين والمعاقين بما في ذلك أولئك الذين قُطعت آذانهم، ووشمت
جباههم ...
ولكن ليس كل ما كنا نفكر به، ونسعى من أجله قد تم، ولا أغلبه ولا
نصفه ولا ربعه، فها هو قد سقط النظام المستبد، وحُكم بعض قادته، وأُعدم
صدام شنقا، ونحن اليوم؛ وبعد مضي حوالي خمس سنوات على تسلم أحزاب
المعارضة والمعارضة الإسلامية التي ننتمي إليها دفة الحكم والأمر
والنهي في العراق، مازالت تلك الشرائح المظلومة زمن النظام السابق هي
الاكثر تضررا، والأكثر بؤسا وفقرا، في زمن حكمنا فيه أحزابنا، بينما
التحق بركبهم بعد 2003 مئات من العراقيين ضحايا الارهاب والقاعدة
والجماعات المسلحة والرافضين للنظام السياسي، ناهيك عما وقع من ضحايا
مدنيين وعسكريين لقوات الاحتلال . فما عدا مما بدأ؟
لايمكن لاي واحد منا، مؤمن بدينه وعقيدته، صادق مع شعبه وجماهيره،
أن يقف أمام ذوي الشهداء أو السجناء، ويقول لهم " إن الارهاب والخارجين
عن القانون وفلول النظام البائد والفساد هم وراء تعطيل حقوقكم المشروعة
في رد الاعتبار والتعويض العادل؟
لأن هذا الكلام لا يُعقل ولا يُصدق إلا في حدوده، وفي ظروفه
المعينة، وأن هناك الكثير من الفرص والصلاحيات والامكانيات التي أتيحت
للقيادة الحالية والقيادة ذات التوجه الإسلامي، ولكنها أضاعتها وظلت
عاجزة عن حماية من قضى عمره وفنى شبابه في الدفاع عن الوطن والدين من
الشهداء والسجناء والمهجرين، وغيرهم ممن استبشروا خيرا بسقوط ظالم
وصعود مدافع عنهم.
وإذا قال قائل: إن أحزاب المعارضة الحاكمة، اليوم، وأحزابنا
الإسلامية قد أنصفت عوائل الشهداء والسجناء والمهاجرين؛ بان شرعت لهم
قوانين، ومنحتم أراضي، وسلفتهم مالا، وغيرها، اقول إن قوانين الشهداء
والسجناء والمهجرين والمهاجرين مازالت شبة معطلة من الناحية الفعلية،
اللهم إلا في نطاق دائرة ضيقة من المستفيدين " أبن خالك وأبن عمك، وأبن
حزبك".
مازلت مؤمنا أشد الإيمان وأقواه، بتلك الأفكار الإسلامية التي كنا
ومازلنا نحملها، وتلك القيم الانسانية التي تربينا عليها، في كنف
علمائنا وقادتنا الدينيين، الذين هم اليوم أكثر ألما منا لما يرونه
ويسمعونه، وها هم بين الحين والحين يوجهون نداءاتهم، "أسمعت لو ناديت
حيا.. ولكن لا حياة لمن تنادي"
كما وأنني أعتقد بخلاص بعض قياداتنا السياسية التي مازلت تزهد
بالمناصب والعناوين والرتب.. وتسعى لتدارك الأوضاع وتشيد خيمة الإصلاح
والتغيير المطلوب قبل فوات الاوان، ولكنني أشكك وبقوة بعمل أولئك الذين
تسلموا المناصب في البرلمان أو الحكومة، سواء أخوتنا الذين كانوا معنا
في خندق المعارضة، أو أولئك الذين انتهزوا الفرصة، ودخلوا السلطة من
الابواب والشبابيك، ولم يقدموا خدمة واضحة لعوائل الشهداء والسجناء،
خصوصا من تبوأ المناصب التي يفترض أن تخدم هذه الشرائح، مثل: وزارة
الهجرة والمهجرين، ومؤسسة الشهداء ومؤسسة السجناء، ولجان المفصولين
السياسيين، ولجان الشهداء والسجناء في مجلس النواب، وغيرهم ممن يفترض
أن يخلصوا العمل ويودوا الأمانة، فبالله عليكم؛ كم مستغل للمال العام
ومبذر ومختلس؛ حتى اللحظة في مؤسسات أسساها وبناها الشهداء والسجناء
بدمائهم وتضحياتهم؟ والجواب كُثر للأسف؟!.
أظن أن الإسلاميين في الحكومة العراقية، وباعتبارهم أكثر من أعطى
الشهداء والسجناء، وأكثر من يجب أن يتحملوا المسؤولية الشرعية
والانسانية والاخلاقية ليس أمامهم إلا واحد من أثنين لا غير:
إما رد الاعتبار لعوائل الشهداء والسجناء وتعويضهم تعويضا عادلا
وباسرع وقت، وبعيدا عن الدعاية الانتخابية، وإعادة النظر مجددا بكل
الإجراءات الحكومية التي تتعلق بالشهداء وأسرهم، وبالسجناء، والمهاجرين
والمهجرين، لنرى هل بالفعل قدمنا لهذه الفئات المستضعفة الحد الأدنى
المطلوب من الخدمات؟ هل كنا منصفين في قوانيننا وإجراءاتنا وخدماتنا أم
لا؟
وإما الاعتذار الصريح عن كل قطرة دم سقطت، وعن كل لحظة الم عشناها
طوال ثلاثين سنة، لعل الله -سبحانه وتعالى- يغفر لهم، ولعلنا في يوم من
الايام نسامحهم. |