الوصف الطبقي لغالبية المرشحين لمجالس المحافظات

اراء وملاحظات حول انتخابات مجالس المحافظات

حميد لفته

إكمالا للصور والملاحظات التي ذكرناها في مقالاتنا السابقة حول انتخابات مجالس المحافظات في دورتها الحالية نحاول أن نلقي الضوء على الوصف الطبقي لغالبية المرشحين لنيل أو شغل مقاعد هذه المجالس والذي يمكن أن يدلنا على مستقبل ((العملية السياسية)) في العراق في قادم الأيام ومستقبل الأيام ((الديمقراطية)) المزمع بناءها في عراق الاحتلال والاختلال وما بعده.

يمكننا إن نؤشر العديد من محددات العمل السياسي للمواطن العراقي المنتمي للشرائح ذات الدخل المحدود ناهيك عمن يعيشون تحت مستوى الفقر والبطالة السافرة والمقنعة ومنها:-

أولا:- يلزم المرشح (الفرد) إن يدفع مبلغ (25) مليون دينار كأمانات انتخابية سوف تصادر من المرشح إن لم يحقق الحد الأدنى من الأصوات، وان كان هذا الشرط يبدو معقولا لوضع ضابط مانع ورادع بوجه بعض المتطفلين وهواة البروز والمشاركة العبثية في الترشيح إلى مجالس المحافظات أو مجلس النواب القادم.

 الا انه يعتبر عائقا كبيرا وسدا مانعا قامعا لذوي الدخل المحدود من الشرائح الاجتماعية المسحوقة والمظلومة والمسلوبة حقوقها وصاحبة المصلحة الحقيقية في البناء الديمقراطي الحقيقي وبناء دولة المؤسسات. كالعمال والفلاحين والموظفين الصغار والمتقاعدين والنساء كذوات حرة ويمتلك الكثير منها قدرات فكرية وثقافية وخبرات إدارية وعلمية كبيرة كما إن العديد منها يمتلك تاريخ سياسي وطني وتاريخ كفاحي مشرف بالإضافة إلى تميزه بالنزاهة والنظافة والحماس والاندفاع والجدية للعمل من اجل إرساء القيم الحقيقية للديمقراطية وتحقيق الرفاهة والتقدم للشرائح والطبقات الاجتماعية المحرومة طوال عشرات السنين،مما يعطي الحراك السياسي والاجتماعي مزيدا من المصداقية والتوازن والرقي والتقدم ويعيد للمجتمع استقراره وتأكل أحزمة الفقر مولدة حالات الفورات والثورات هذه الأحزمة البائسة المحيطة بضياع الرفاه والأبهة والبذخ للقوى الطفيلية باذخة الرخاء والثروة،إن انحياز هذه القوى لصالح إعادة الحياة للعمل الصناعي والزراعي والفكري والتجاري والثقافي والتعليمي المنتج.

للإجابة على سؤال معترض قائل إذا كانت هذه الشريحة أو هذه الفئة كما ترون تمثل شرائح واسعة وكبيرة في المجتمع العراقي فهل يصعب عليها تامين دعم مالي يعتبر تافها في حسابات أهل الثروة والمال؟؟؟

نقول إن الفرد من هذه الفئات والشرائح لا يكاد يتوفر على قوت يومه في ظل غلاء فاحش وبطالة مستشرية تتجاوز الـ50% من الأيدي العاملة، ومن يعمل منها فإنما هو واقع تحت ضغط أصحاب لثروة والجاه والسطوة سواء في مؤسسات الدولة أو في القطاع الخاص مما يجعل نشاطه السياسي واقعا تحت عين ومراقبة ((أولياء النعمة)) وسياط السلطة ومافيات المتنفذين في علاقة خاضعة لسياط الضرورة الكابحة لحيز الحرية في القول والفعل.

إن هذه الشرائح والطاقات والفئات الموضوعة على هامش الحراك السياسي والاجتماعي بسبب ميوعة وتداخل وبؤس واقعها الطبقي بسبب بؤس وطفيلية وسكون موضوعها في ظل سيادة طبقة كمبرادورية تابعة للرأسمال العالمي وعمل لا منتج استهلاكيي تابع في ظل دولة ريعية تعتمد اعتمادا كاملا على واردات البترول.

هذا الحال يكاد يكون عاملا قاتلا لقيام منظمات مهنية ونقابية أو ما يسمى بمنظمات مجتمع مدني واعية لمهامها وواجباتها ومولدة لكوادرها الكفوءة ومدهم بالدعم والإسناد المالي والمعنوي لخوض العمل السياسي لتكون قادرة على الدخول في منافسة شبه متكافئة أو معقولة على الأقل مع القوى صاحبة المال والجاه والسلطة في مثل هذه الفعاليات الهامة لتأخذ مكانها في مجالس المحافظات ومجلس النواب.

نستطيع إن نخلص مما تقدم إلى إن ممثلي أوسع طبقة اجتماعية سيكونون مشلولي الحركة والفعالية مصابين بالعجز عن المشاركة في مثل هذه الفعاليات مما يشكل شرخا كبيرا في المسيرة الديمقراطية إن صح هذا الوصف في عراق اليوم والبناء السليم لمؤسسات الدولة الديمقراطية وخصوصا التشريعية منها،حيث إن اغلب هذه الجماهير ستنقاد صوب الرموز الدينية أو العشائرية أو ممثلي القطط السمان من حديثي النعمة من الحواسم وحائزي الغنائم والموالين لقوى الاحتلال والاستغلال ومن ممارسي العمل التجاري الطفيلي،كل هذه القوى تسعى بكل ما أوتيت من القوة والنفوذ لإبقاء الحال على ماهو عليه وديمومة أقنعتها الطائفية والعرقية والقبلية التي أصبحت متهرئة وغير قابلة للحياة لو تيسر للقوى الفاعلة أسباب العمل والفعل الحر.

حفاظا على مكاسبه ومغانمه والتستر على مفاسده وفضائحه التي أصبحت تزكم الأنوف في داخل العراق وخارجه إذ تقدر الأموال المهدورة والضائعة بسبب الفساد المالي والإداري بما يقارب (300 مليار دولار) حسب تقدير بعض منظمات النزاهة الدولية!!!

ثانيا:- تم وضع شرط شهادة الإعدادية أو الجامعية لمن يرشح لهذه المناصب وهو لاشك شرط مطلوب وخصوصا في ظل أوضاع الاستقرار والازدهار وليس في ظل مجتمع تهيمن عليه الأمية بنسب عالية وخصوصا لأبناء الطبقات المسحوقة والفقيرة إذ بالكاد يستطيع إن يكمل دراسته الابتدائية أو المتوسطة-علما إن الواقع يشير إلى إن العديد من هؤلاء يملك من القدرة والذكاء والاستيعاب الفكري والعلمي ما يفوق كثيرا قدرات حملة الشهادات الأكاديمية العليا لان الكثير منهم ليس مثقفا هذه الشهادات التي غالبا ما تكون إما مزورة أو حاصلا عليها بقوة وقدرة المال والجاه والسلطة وليس بقوة وكفاءة الحامل، هذا الأمر يفتح الأبواب مشرعة لأصحاب الثروة المال والمزورين وطالبي المناصب والألقاب في حين سيكون عامل طرد للكفاءات والقدرات الفكرية والإدارية الحقيقية غير الأكاديمية ليكون لها دور في هذه المؤسسات والتي هي مختصة بقيادة وبناء وتحول وليس مسئولة عن تخرج طلبة في دور العلم الأكاديمية.

كما إننا نرى أن تكون هناك مقاعد خاصة في مجال قصور بقصور ومجلس النواب (للعمال والفلاحين والطلبة) تتناسب أعدادها مع عدد هذه الطبقة أو الشريحة الاجتماعية التي يمثلونها على إن تجري عملية الاختيار لهذه الشخصيات والقيادات عن طريق تنظيم انتخابات حرة ونزيهة لكل طبقة وشريحة لاختيار ممثليها في هذه المجالس استثناءا من شروط الانتخابات العامة من حيث الشهادة والمبلغ المادي وتكاليف الدعاية الانتخابية دون إن يكون هذا مانعا لمشاركة هذه الطبقات والفئات في الانتخابات العامة ولكن من يرشح منها لا يجوز أن يرشح نفسه في الانتخابات العامة لمجلس المحافظة أو مجلس النواب ليكون الاصطفاف طبقيا وطنيا بدل أن يكون عرقيا قبليا طائفيا.

ثالثا:- نظام الكوتا المتبع في مجالس المحافظات ومجلس النواب.

من الملاحظ إن هذا النظام المقصود منه معالجة قصور بقصور ممارسة وخصوصا بالنسبة للمرأة ففي الوقت الذي تبلغ نسبة النساء من 60% من المجتمع العراقي الحالي؟، أعطيت ضمن الكوتا لا تتجاوز الـ 25% ضمن قوائم الكتل والأحزاب السياسية مما يجعلها في واقع الأمر تابعا وليس فاعلا تلاحقها الهيمنة الذكورية من البيت والمطبخ ومحل العمل إلى مجلس المحافظة ومجلس النواب وهذا الأمر يعد إجحافا بحق المرأة وتأبيد الواقع بتبعيتها للرجل الذي سيحاول بكل تأكيد استقطاب النساء(الحريم) ممن يقرن بتبعيتهن للرجال والمدجنات داخل أقفاص عبوديتهن وأساور قيودهن البراقة، الم يكن الأجدى والأنفع أن يعمل إلى الأخذ بالواقع الاجتماعي المتردي والنظرة الدونية للمرأة والموانع المعطلة لقدراتها للتكون ذات فاعلة خالعة لرداء الخنوع والتبعية لتكون عدد الأصوات المطلوبة لتأهيل المرأة لمجلس النواب أو مجلس المحافظة تساوي عدد الأصوات المطلوبة من الرجل مقسومة على عدد الكوابح والموانع والعوائق للمرأة التي تحد من قدرتها على ممارسة دورها السياسي والثقافي والاجتماعي والقيادي في مختلف مؤسسات الدولة كان يكون مقسوما على(2 أو 3 أو 4) بعد الأخذ بوصايا علماء النفس والاجتماع المحايدين لتحديد الرقم المناسب للقسمة، وعندها تلغى الكوتا النسائية وفسح المجال أمام المرأة الفاعلة ولتكون ذات فاعلة واعية لتأخذ دورها الحقيقي دون تبعية أو وصاية.

ومن السلبيات الأخرى الكبيرة كردة إلى الوراء وضع نسب وكوتا للأقليات القومية والدينية بنسب مجحفة في ظل محاصصة تأبد التخلف والشرذمة حيث يجب إن تكون المواطنة العراقية هي الوصف الأول والأخير للمرشح إلى مناصب مجالس المحافظات أو مجلس النواب فقد يكون عضو الأقلية القومية أو الدينية رئيسا لوزراء أو رئيس لمجلس النواب أو رئيس للجمهورية أو إي من المناصب السيادة الأخرى بحسب الكفاءة ومبدأ المواطنة على العكس من مبدأ المحاصصة والكوتا الذي لا يسمح لأي من المسميات الموصوفة أعلاه لشغل أي المناصب السيادية في عراق المحاصصة والكوتا الدينية والطائفية والعرقية الحالية ومن المؤسف حقا إن بعض من يحسبون أنفسهم بالانتماء إلى هذه القوميات أو الأقليات الدينية والعرقية يطالبون بذلك طمعا منهم لتحقيق مكسب ضيق لأنفسهم كإفراد وقد انجرت بعض القوى العلمانية واليسارية المنخرطة في ((العملية السياسية)) في هذا التوجه وروجت له متخلية بذلك عن مبادئها وطبيعتها التنظيمية كقوى تظم كافة القوميات والأديان على حد سواء ودون تفريق.

فالملاحظ إن الوصف المهني والطبقي للمرشحين هي لا تتعدى( رجل الدين أو شيخ العشيرة أو التاجر أو رجل السلطة أو رئيس الحزب) وكل هذه العناوين والأسماء استترت تحت غطاء الاستقلالية والاستقلال حيث يتبعها وصف(المستقلة،المستقلين، المستقل) على الرغم من كون هذا الادعاء بالاستقلالية إنما هو ادعاء يدل على عدم نضوج رؤيا أو تصور أو برنامج ناضج واضح لقيادة عملية البناء الديمقراطي والاجتماعي والاقتصادي الزراعي والصناعي في العراق فعلى إي أساس أو إي دالة سوف يجري اختياره من قبل الناخب سوى الانتماء للعشيرة والقبيلة أو الطائفة أو الرمز الذي يقف خلفه.

 وهنا يستمر الحال على ماهو عليه وسرعان ما سيتم نزع قناع الاستقلالية ليظهر المرشح على حقيقته في حظيرته الحزبية أو العشائرية بعد فوزه. وعلى الرغم من زيف هذه الادعاءات إلا إنها تعتبر تحولا ايجابيا يقر بفشل أحزاب الطائفة والعرق والقبيلة في قيادة العملية السياسية خلال الفترة السابقة وقد يقود هذا التحول إلى بروز وظهور وانتعاش الأحزاب على أساس التمثيل الطبقي والوطني إي على أساس مكونات المجتمع المديني وليس على أساس المجتمع الأهلي ألما قبل حداثي وهو الحال الذي تحاول القوى الكمبرادورية والمتنفذة حاليا تأييده ،وهذه الأمنية مرتبط تحقيقها بوجوب إعادة الحياة لمؤسسات العمل والإنتاج كالمصانع والمعامل والمزارع ودور العلم والثقافة المتخادمة مع هذا الهدف لينتقل المواطن العراقي من إنسان مستهلك إلى إنسان منتج على مستوى الثقافة والفكر والزراعة والصناعة ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات والحركات السياسية وعندها يمكن أن يتخلص المجتمع العراقي من حالته الكتلوية والهلامية عديمة اللون والوصف والميوعة إلى انتظام حالة الرصف الوطني والطبقي القادر على التحرر من نير الاحتلال والاستغلال وبناء دولة المؤسسات الديمقراطية وبناء الدولة المستوظفة لدى المجتمع وليست المتسلطة والمتكرمة عليه بعطاياها وهباتها وعندها يمكن أن تتقلص الفجوة بين السلطة والشعب إي ارجحية بناء دولة\سلطة على سلطة \دولة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 26/كانون الثاني/2009 - 28/محرم/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م