يصور البعض إن الوضع في العراق بعد التغيير السياسي في ابريل 2003
كان متجها الى حرب أهلية لا محالة ولم يكن بحاجة إلى القشة التي قسمت
ظهر البعير والتي تمثلت بتفجيرات سامراء في شباط 2006.
هذه الرؤية الظلامية لم تكن متواجدة على ارض الواقع بقدر ما حاول
البعض تصويرها وإلهابها في النفوس بطريقة وأخرى، فبقاء الوضع هادئ بشكل
كبير على مساحة البلاد لمدة الستة أشهر الأولى من دخول القوات
الأمريكية الى العراق، كان خير دليل على رد الفرضية تلك، رغم الفراغ
الأمني الذي نتج من حل المؤسسة العسكرية.
الطارحون لنظرية العنف الطائفي في العراق حاولوا جهد الإمكان تشنيج
المواقف والأطراف بوسائل عدة ولم يكن تفجير سامراء إلا محطة كبيرة
وواضحة في دفع الجهات الى الاصطدام المباشر .
حيث يقول الكاتب الأمريكي (مايك وايتني) في إحدى مقالاته (إن تفجير
مرقد سامراء شكل حجر الزاوية في عمليات الحرب النفسية التي شنت في
العراق).
ويستطرد قائلا(..هذا التفجير نفذه أناس يعتقدون ان بمقدورهم التحكم
في الرأي العام وتوجيهه الوجهة التي يريدون عبر التحكم في وعيه
وقناعاته وإدراكه، أما كيف يتم هذا في التطبيق العملي؟; فإن هؤلاء
يقومون بخلق وقائع وأحداث تقود في نهاية المطاف إلى خدمة عقيدتهم
وتحقيق ما يريدونه من أهداف....).
إن من أهم الأهداف التي حاول المنفذون لهذا الإجرام بحق أقدس بقع
المسلمين عامة هي تفجير الصدام بين الطوائف الرئيسية في البلاد، وهم
يعرفون بان الفرصة سنحت لهم بتصوير حالة الخوف المتبادل لدى الطرفين،
من ماض دكتاتوري خلق الاحقاد والكراهية .
تهيئة النفوس وشحنها الى مستوى الحدث كان واضحا في سلسلة الخطابات
التي كان يطرحها البعض القليل هنا وهناك، والبرنامج الذي سار فيه منفذو
التفجير كان مرتكزا على الدفع الى سحب الثقة المتبادلة وإبدالها
بالشكوك والاندكاك في بودقة التطرف المذهبي والطائفي.
اليوم وفي الذكرى السنوية الثالثة على تلك الفاجعة الكبيرة على امة
الإسلام وبعد تحسن امني يشهد الجميع بوجوده وفشل المشروع الطائفي
التقسيمي المصدر الينا من خارج الحدود بلباس الدين والمذهب، فان
للحديث اهمية كبيرة عن أعمار النفوس وبناء المراقد ، فالحل الأمثل لأي
مشكلة ينتج من دقة تشخيص الخلل كما يعبرون.
حيث يقول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) ما مضمونه (ما ضعف البدن
عما قوية عليه النية)، وإذا ما صدقت النفوس في تقبلها للآخر فإننا
سنقبل على أعمار القلوب وبنائها البناء الصحيح بالاضافة الى أولوية
بناء المراقد لما لها من أهمية كبيرة في رمزية التحدي والاحترام
والتقديس.
نحن بحاجة لجعل ما جرى في يوم سامراء رمزية للتفاعل الايجابي بين
مكوناتنا المختلفة، فكما أن الجميع شملته كارثة (الأربعاء الأسود) سواء
بشعوره بانتهاك مقدساته أو خوفه من حالة الانفلات الأمني الى غير ذلك،
فان الجميع مدعو للمشاركة بإحداث يوم تاريخي متقابل من الانعتاق من
حالة الاحتقان النفسي، والانطلاق نحو حركة متجددة من البناء الروحي
والقيمي مرتكزة على التصدي لأصحاب الأفكار المتطرفة التكفيرية والعنفية
.
هذا المشروع لا يمكن أن تقوده حكومة لوحدها أو طائفة دون أخرى أو
حتى برلمان من المفترض أن يمثل الشعب ، فالحالة اكبر من ذلك بكثير
ومسؤوليتها موزعة بين الجميع بنسب معينة.
1- فمراجع الدين وعلماؤه الذين أثبتت التجارب إنهم صمام الأمان في
كل الأوقات لهم الخطاب العلوي في إرشاد الأمة الى هدفها المنشود
بالتآزر والتكاتف ونبذ كال ما هو مخل بوحدة الإسلام والرسالة المحمدية،
والابتعاد عن أي أسلوب يجعل من العنف طريقة للوصول الى أهدافه وجمع
أبناء البلد على كلمة الأخوة والتوحد.
2- القضاء العراقي والذي كان من المفترض إن يخصص محكمة خاصة ولجنة
مختصة بمقاضاة المنفذين لهذا الإجرام وجعل محاكمتهم علنية كمجرمي
النظام السابق، ليطلع أبناء الشعب على مدى خطورة ما يراد من وراء تلك
الجريمة.
3- القيادات والأحزاب السياسية بجميع ألوانها تتحمل مسؤولية الدقة
في برامجها وخطاباتها القادمة وان تجعل من يوم سامراء فاتحة الخير
لأعمار كل ما تم تدميره في تلك الكارثة.
4- الجانب التوعوي في الإعلام عموما والحكومي خصوصا مازال قاصرا
ومقصرا تجاه هذه الحادثة بالشكل البناء الايجابي ويكتفي بإيراد الذكرى
كمادة إعلامية بطريقة تفننية تحاول جلب أكثر متابعين، بدون هدف واضح
واستراتيجي في إحداث نقلة نوعية باتجاه الحفاظ على المقدسات وبيان
مكانتها الروحية لدى جميع الطوائف.
5- منظمات المجتمع المدني لم يكن لها تحرك بالمستوى المطلوب في
عملية حماية المقدسات ورأب الصدع وتقليل الهوة بين أطياف المجتمع
وتقديم المشاريع ذات الصبغة البناءة في مد جسور الثقة فيما بين
المكونات المختلفة.
ان عملية بناء واعمار سامراء المقدسة كمدينة لها قدسية تاريخية
عراقية ودولية يجب ان تحتل أولوية هامة في برامج مختلف المؤسسات
الحكومية وغير الحكومية لما للأمر من اهمية في تحقيق السلم الاجتماعي
والاستقرار السياسي والوحدة العراقية، وبالتالي نجاح المشروع
الديمقراطي التعددي القائم على احترام كرامة الإنسان وحقوقه وحرياته.
* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://shrsc.com |