شبكة النبأ: في ظل الظروف القاسية
تطفو سمات الانسان فوق سطح اعماله واقواله، فيظهر ما كان خافيا من
ملامح شخصيته، ذلك ان الكثير من علماء النفس وضعوا الانسان في المرتبة
الاولى من بين الكائنات في التحكم بسلوكه ولغته التي تشكل رد فعل مباشر
للاحداث الجسيمة التي تمر به.
فالخوف كما هو معروف غريزة تطبع الكائنات على انواعها، بيد ان
الانسان قادر على التحكم بها وتطويعها لصالحه، كذلك لدينا حالة اليأس
التي قد تساور الانسان في ظروف معينة، فهناك من يخضع لهذه الحالة تحت
تأثير عقبة كأداء واجهته او قد تواجهه في حياته وهناك من يستميت من اجل
ان يتجاوزها.
ان التفاؤل هو مصدر قدرة الانسان على مواجهة حالة اليأس وتحويلها
رويدا الى نجاحات متواصلة. كما نقرأ ذلك في كتاب (كيف تتربع على القمة)
لكاتبه هادي المدرسي حيث يقول: (من التفاؤل ينبع الامل، ومن الامل يولد
العمل، ومن العمل تنبعث الحياة).
نلاحظ في هذه الكلمة انها تشكل سلسلة متصاعدة من الدوافع والنتائج
التي تتمخض عنها، فالتفاؤل حالة نفسية تتلبس الانسان لتجعله قادرا على
العطاء والتعامل مع العقبات بصورة متوازنة، حيث يقوده ذلك من الحالة
الشعورية المجردة الى الحالة العملية الفاعلة، فاذا كان التفاؤل حالة
شعور خالصة، فإنها تقفز بإنسانها الى حالة اخرى اكثر واقعية وهي حالة
العمل، إذ غالبا ما يؤدي التفاؤل الى فاعلية العمل التي تؤدي بدورها
الى نشر بواعث الحياة وادامتها، ذلك ان العمل (الصالح) او الايجابي
سيسهم بصورة او اخرى في بعث الحياة وتنشيطها .
يقول الكاتب الامريكي ذائع الصيت كارنيجي في كتابه الموسوم (دع
القلق وابدأ الحياة) ان الحياة واليأس نقيضان لا يلتئمان قط (فلا حياة
مع اليأس ولا يأس مع الحياة)، من هنا فإن حالة التفاؤل هي العنصر
الفاعل في مقارعة اليأس أيا كان نوعه او مصدره.
وكما يقول العلامة الباحث هادي المدرسي، إن (صاحب التفاؤل مشرق
القلب والعقل والضمير، لأنه يرى دائما الجانب الجميل ونقاط الضوء
والألوان البيضاء، وبهذه الروحية يعرف الطريق الى امتلاك الحقيقة بينما
المتشائم لا يرى إلاّ الظلام الحالك، فلا يتقدم الى امام ولا يرى
الحقائق).
ولأن التفاؤل حالة شعورية تتحكم بها التركيبة السايكلوجية للانسان،
فهي من الخطورة بمكان بحيث يتطلب الوصول اليها جهدا تربويا مهما يبدأ
منذ بواكير حياة الانسان، ذلك لأنها جزء لا يتجزأ من مكونات المحيط
وعلاماته، فالطفل الذي يولد محبطا تحت واقعه الاسري المحبط سيعاني
كثيرا في محاولاته للقفز على حالات اليأس والتشاؤم وصولا الى التفاؤل،
غير ان هذا لا يعني عدم القدرة على اكتساب حالة التفاؤل، لأن الامر
سيظل دائما مرتبطا بالاردة الانسانية وقدراتها على التغيير.
حيث يمكن زرع حالة التفاؤل في أشد النفوس احباطا ويأسا، من خلال
عمليات التحفيز والتسويغ والاقناع والتشجيع وتقوية الروح المعنوية
للمعني بالامر.
لذلك يرى المؤلف هادي المدرسي ان (المتفائل حينما يكون امام كأس
نصفه ماء فإنه ينظر الى الجانب الممتلئ منه، بينما المتشائم يرى النصف
الفارغ فقط).
لذا يتطلب الامر من المعنيين، في المحيط الأسري والحياتي عامة، أن
يتنبّهوا لأهمية زرع حالة التفاؤل لدى الافراد الذين ينتمون الى الاسرة
او المؤسسة او المصنع او الفريق او الى اية جهة ذات صفة جمعية وذلك عبر
خطوات كثيرة منها:
1- أن يتحلى المحيط الأسري بروح عملية تنزع الى الانتاج عبر الحوار
المفتوح وفق اطار من الحرية الملتزمة.
2- أن يتخذ رب العمل خطوات عملية متواصلة لزرع وادامة حالة التفاؤل
لدى فريق العمل عبر المحفزات المتاحة وضروة الموازنة هنا ما بين
الواجبات والحقوق.
3- أن يتنبّه ذوي العلاقة في مؤسسات التعليم وما يشابهها الى أهمية
دور الباحث الاجتماعي المتخصص بتذليل حالات التشاؤم والتذمر وفق خطط
نظرية مقرونة بالعمل والتطبيق.
4- أن يتطرق المصلحون من العلماء والمثقفين وغيرهم الى اهمية زرع
ونشر حالة التفاؤل لدى الناس لاسيما الشباب منهم عبر محاضرات غنية
تتمتع بالقبول والاقناع.
5- أن تسهم المرأة بدورها في هذا الصدد لما تتمتع به من ارادة
انسانية قائمة على الصبر والمطاولة والحث المتواصل على التفاؤل النجاح.
|