أيهما أفضل لتمثيل الانسان ظاهره أم جوهره أم كلاهما؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: كثيرا ما يتردد في الأذهان تساؤل مفاده، أيهما الأفضل للتعبير عن حقيقة الانسان، هل الجانب الذي يمثل ظاهره في أقواله، أم الجوهر الذي يمثل شخصيته الحقيقية في شكلها ونواياها وأفعالها الملموسة، أم التقارب والتماثل بين الاثنين؟.

ربما تتقاطع او تتقارب الآراء بهذا الصدد، وقد نجد من يفضل ظاهر الشكل في القول المعسول والفعل المتملق على الجوهر غير المرئي لأنه يتماشى مع رغباته الآنية ويشبع غروره السطحي، ولكن أكثر الآراء صلاحا وفائدة للانسان كما يرى المصلحون هي تلك التي تذهب الى أهمية التطابق أو التقارب بين الاثنين، أي أن يكون الظاهر معبرا أمينا عن الداخل او المضمون الانساني الذي يشكل طبيعة الانسان الحقيقية.

ان الشكل الخارجي للانسان ربما يكون جميلا كصورة ومظهر وكلام، لكن ليس بالضرورة ان يكون جوهر هذا الشكل مطابقا لشكله والعكس صحيح ايضا، كما ان الاقوال قد تكون مموهة ولا تقترب من النوايا الخفية للانسان لا سيما لدى الشخصية التي تتخذ من المحاباة سبيلا او نهجا لعلاقاتها الانسانية في محيطها العملي او الاجتماعي، فعلى سبيل المثال، هناك كثير من الناس مروا في حياتنا وتركوا لنا آثارهم السلوكية او الفكرية، فمنهم من كانت افعاله تتناقص مع صورته الخارجية او اقواله المقنعة، فيكون (برغم جماله الخارجي، وأقواله المقبولة) قبيحا بأفعاله او نواياه معنا، ولعلنا مررنا بمثل هذه التجارب في كثير من المواقف الحياتية، كما ان هناك من يبقى خالدا في الذاكرة بسبب منظومة السلوك الرائعة التي يملكها ويتصرف في ضوئها مع الآخرين لأنها تمتلك صفة التطابق بين الاقوال والافعال، فلا يقول شيئا ويفعل نقيضه كما هو الحال مع المنافقين، الذين حذر منهم القرآن الكريم والانبياء والائمة الطاهرين عليهم السلام.

وفي هذا الجانب يقول الامام أمير المؤمنين عليه السلام: (مثل المنافق كالحنظلة الخضرة اوراقها، المرّ مذاقها) -1-.

لهذا يمكن القول ان التطابق بين ظاهر الانسان وباطنه عنصرا مهما بل وأساسيا من عناصر نجاحه، كما ان الروح وسموّها وترفعها عن الصغائر هي التي تمثل حقيقة الانسان في ظاهره وجوهره، وكلما كان التطابق بين الاقوال والافعال متوافرا كلما كانت شخصية الانسان اكثر وضوحا وقبولا ومحبة من لدن الآخرين.

ويرى علماء وباحثون ومفكرون راسخون، إن التطابق بين ظاهر الانسان وجوهره يحقق له قيمة انسانية متكاملة وشخصية ناجحة.

في الوقت الذي تنتقص من قيمته حالات التناقض بين ظاهره وباطنه، فيكون كلامه منمقا معسولا وفعله معولا يضرب اعناق هذه الكلمات، فيتحول في ذلك شاء أم أبى الى خانة المنافقين، وقد قال الامام علي عليه السلام في مثل هذا الصنف من الناس: (المنافق قوله جميل، وفعله الداء الدخيل)-2-.

لذلك فإن نجاح الانسان في محيطه الاجتماعي يتطلب مبدأ التطابق بين الاقوال والافعال، لأنهما يمثلان وجهين لصورة واحدة تشكل شخصية الانسان ظاهرا وجوهرا، فإن اختلف أحدهما عن الآخر تشوهت هذه الصورة وان تطابقا تكاملت وظهرت بأفضل حالاتها.

......................................................

هامش:

1- غرر الحكم، ج6، ص152.

2- المصدر نفسه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 11/كانون الثاني/2009 - 14/محرم/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م