التلكّؤ في البطاقة التموينية: تأكيدات متكرِّرة وحجج غير مبرَّرة

تحقيق: حسين السلامي

شبكة النبأ: تجاوزَ العراق، خلال السنوات الست المنصرمة التي أعقبت التغيير، العديد من الأزمات الخانقة التي كانت تحيط به من كل جانب وكادت في مرحلة مأساوية أن تودي به الى مهالك الحرب الاهلية، ورغم الشوط الكبير الذي قطعته الحكومة العراقية في سبيل فرض القانون في البلد وحصر السلطة والسلاح بيد الدولة إلا ان العديد من الملفات الحيوية ظلّت تحت ركام التركة الثقيلة التي خلّفها النظام البائد، ويُعتبر ملف البطاقة التموينية الذي هو على تماس مباشر بالفقراء وهُم الشريحة الأكبر بين العراقيين، من اهم الملفات التي كانت ولازالت مثار جدل كبير بين وزارة التجارة والمواطن دون أن تكون هناك بوادر واقعية تؤشر تحسين مفردات البطاقة كمّاً ونوعاً.

كما ان لغة الارقام تفيد بأن المبلغ المرصود للبطاقة التموينية لهذه السنة قد ارتفع الى ستة مليارات دولار، وهو ما يكفي لسد 80% من قيمة المفردات التموينية، وأن تكون هذه المواد بصورة جيدة، لكن الواقع غير ذلك فكثير من المواد لا توفِّرها وزارة التجارة ولشهور احياناً، وإن توفّرَ البعض منها فإنه ذو مناشئ ضعيفة ونوعية رديئة او انه يتعرض للإستبدال في السوق العراقية بنوعيات تالفة او منتهية الصلاحية!!، ولحيوية الموضوع تنشر شبكة النبأ المعلوماتية هذا التحقيق الذي نشرته مجلة الروضة الحسينية.

اعتماد كامل على الحصة التموينية

السيدة أم كاظم، من أهالي كربلاء قالت، نحن نعتمد على البطاقة التموينية بصورة أساسية لأن زوجي معوّق وأولادي صغار السن وهم طلبة في المدارس، فأي تلكؤ بمفردات البطاقة التموينية سيجعل من حياتنا صعبة جدا، خاصة في ظل استمرار صعود اسعار المواد الغذائية دون رقابة او تحديد من قِبل الحكومة، لذا نناشد المسئولين وعلى رأسهم السيد رئيس الوزراء بدعم البطاقة وتقويتها والتاكيد على وزارة التجارة بضرورة توزيع المواد في اوقاتها، لأن الوضع الحالي دائما ما يشهد تاخيرا في توزيع الحصة.    

تَبيع جزء من الحصة لأجل سداد نفقات أخرى

واشتركت معنا بالحديث المواطنة أم احمد، من أهالي حي الغدير بكربلاء قائلة، انا اليوم بعتُ بعضاً من مواد الحصة التموينية لأن أولادي طلبة مدارس وهم في حاجة الى  ملابس وقرطاسية وحقائب وحتى دفاتر، حيث ان التربية لم توزع سوى ثلاث دفاتر لهم بينما تحتاج المواد التي يدرسونها الى اكثر من عشرة دفاتر..

فسألناها كيف ستقضين الشهر وقد بعتِ القسم الأكبر من الحصة التموينية فقالت، سأقوم بشراء المواد الغذائية من محل بجوارنا بالآجل (الدَين) لحين استلام الحصة في الشهر القادم.. وهكذا ندير شؤون حياتنا.

المواطن جعفر، صاحب محل لبيع المواد الغذائية قال، ان أي نقص بمفردات الحصّة يسبب إرباكاً في السوق، فالمادة التي تنقص سيزداد سعرها أضعافاً، مما يؤثر بشكل كبير على المواطنين.

واضاف جعفر، والله يا أخي لو إني أطلعكَ على سجل الديون التي على الناس لقلت الله يكون في عونهم، وأنا اطلب من الدولة الاهتمام بمسألة البطاقة التموينية لأنه لا سمح الله اذا صدر أي قرار بحجبها او رفع الدعم عنها ستحصل كوارث انسانية لا يعلم عقباها إلا الله.

عبد الله عاشور، صاحب وكالة مواد غذائية ووكالة طحين، حدَّثنا عن التلكؤ بتجهيز مواد الحصة التموينية قائلاً، نحن نستلم ما تجهّزنا به المخازن فيحصل في بعض المرات ان الكمية الموجودة لمادة معينة لا تكفي  لجميع الوكلاء، فيتم التجهيز حسب تسلسل المناطق، فتنفُذ الكمية، فيكون هنا إرباكاً لدى الوكلاء فضلا عن ان بعض المناطق ستبقى تنتظر لأيام وربما اسابيع حتى تصل الكميات المطلوبة.

وفي معرض ردّه عن كل ما تقدم من علامات الإستفهام حول البطاقة التموينية ومفرداتها قال الاستاذ يوسف عباس مراد، مدير الرقابة التجارية في الشركة العامة لتجارة المواد الغذائية في كربلاء: أن وزارة التجارة لديها جهود كبيرة في توزيع هذه المواد المهمة، وهي مهمة فعلاً لأنها قوت المواطنين والتي لا يمكن الإستغناء عنها في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها بلدنا العزيز.

وأود أن أبين الجهود الكبيرة التي يبذلها الموظفون وتبذلها الدوائر المختصة في هذه المحافظة المقدسة، بخصوص التوزيع الحمد لله لا توجد لدينا مشاكل في المخازن أو التوزيع، وأية مادة تصل إلى المخازن توزَّع بشكل سليم وتوزَّع وفق قياسات معينة، كما ان أية مادة لا توزَّع إلا بعد بيان صلاحيتها للإستهلاك البشري، وهذه الصلاحيات تُحدَد من قِبل مختبرات مركزية عائدة لوزارة التخطيط ووزارة التجارة ووزارة الصحة، وأحياناًً تحصل سلبيات وهذا وارد لأن المختبرات تتعامل بألاف الأطنان، وأود أن أوضح ذلك بالأرقام، فبالنسبة لمادة الحنطة هناك 11000 طن من هذه المادة تُفرغ في سايلو كربلاء المقدسة وكل سيارة فيها شهادة مشاهَدة مختبرية، وتُحَمل مرة أخرى إلى المطاحن الأهلية والحكومية ومن ثم تصنّع، فتكون خلاصتها بحدود 9000 طن اما الباقي فيُصنَّف كشوائب، وهذه مادة واحدة.

واضاف يوسف، اما المواد الأخرى من سكر وشاي وغيرها فتصل إلى 42000 ألف طن من المواد التموينية، التي تفرَّغ وتحمَّل وتوزَّع إلى المواطنين، وأحياناً تحصل مشاكل لأن الدائرة لا تتعامل مع مواد او كميات بسيطة، كما ان التاجر أحياناً قد يجلب بضاعة ويكتشف أنها متضررة فكيف ونحن نتعامل مع مواد بألاف الأطنان.

وتابع يوسف، قام وزير التجارة بتشكيل لجنة يرأسها مدير الرقابة، وعضوية النزاهة ومجلس المحافظة، ودائرة صحة كربلاء والسيطرة النوعية. وواجب هذه اللجنة التدقيق في سجلاّت وموجودات المخازن أو الوكلاء أو أية معلومات اخرى، وهناك إجراءات صارمة من الوزارة تجاه أي تاجر يتبيّن أن بضاعته رديئة أو غير مطابِقة للمواصفات، وفعلاً حصلت هناك غرامات مالية كبيرة على التجّار، والكثير من المواد أتلفت من قبل الوزارة، وتم تغريم التجار مبالغ كبيرة..

وعند الإستفسار عن مادة الحليب الجاف التي وُزعت في البطاقة التموينية مؤخرا وأكتُشِف انها تالفة، برَّر يوسف هذا الامر قائلاً: هناك نوعيات من الحليب منها الجيد ومنها الرديء ويمكننا تحديد رداءة نوعية الحليب من خلال مختبرات الفحص التابعة لنا في بغداد، ومنذ حدوث الحادثة أوعز وزير التجارة بإيقاف تسليم مادة الحليب وإرسال نماذج منها إلى المختبرات المركزية في  بغداد، وستتحمل أي جهة كانت مسؤولية تقصيرها إذا ثبت ذلك.

وتابع، الوزارة ترفض نهائياً توزيع أي مادة تالفة أو متضررة، ونحن نريد من الأخوة الوكلاء والمواطنين إخبارنا بأية معلومة عن طريق دوائرنا في المحافظات، فقبل فترة ـ وهذه المعلومة كثير من الناس ووسائل الإعلام لا يعلمون بها ـ  تم إتلاف 950 كيس رز مستورد، أشتبه بأنها ملوثة بمادة الكاز فتم أتلافها، وتغرمت الشركة الناقلة قيمتها، وكثير من المواد لا تتضمن الصفات التعاقدية ـ هي ليست تالفة ـ ورغم ذلك قام التاجر برفع بضاعته والتي تقدر بمئات الأطنان من الزيوت والمساحيق..

تعويض نقص الحصة التموينية بمبالغ نقدية

أما بخصوص التعويضات المالية التي من المفترَض أن تصرفها الجهات المختصة للمواطنين عن نقص المواد التموينية التي لم يستملوها لهذه السنة فبيّن يوسف: ان الوزارة جادة بهذا الموضوع  ففي الأعوام 2004 و 2005 عوضت الوزارة المواطنين بمبالغ مالية لقاء المواد التي لم توزَّع، اما في سنة 2007 فكان هناك بعض المواد الغير مجهَّزة، فجاء توجيه من الوزارة بتعويض المواطنين بمبالغ نقدية، وذلك بعدما نجمع الإحصائيات ونرسلها في 15-11 من العام الحالي، الى الشركة العامة لتجارة المواد الغذائية لكي تعرف المواد الغير مجهزة، وعلى ضوئها ستُحَدد المبالغ النقدية، وكل مواطن له حق مضمون إن شاء الله.

وأنا أتمنى من كل مواطن وكل مسؤول أن يتجه إلينا في دوائرنا ويتكلم معنا فيما يشكل عنده، ونحن نوضح له الصورة ونضع أمامه الأرقام وكل شيء.

أما بالنسبة لمواد التجهيز وهل ان توزيعها يتم على أساس النسبة المئوية أم توزَّع على الوكلاء بالتسلسل الى أن تنتهي المادة، حيث ان هناك مناطق تستلم مواد معينة بينما نجد ان مناطق اخرى لم تستلم تلك المواد نفسها، فبين يوسف قائلاً: ان عمل وزارة التجارة يبدأ من مراكز التموين وينتهي بالمواطن الذي لدى وكيله التمويني أرقاماً، يجهَّز على اساسها بالمواد من قِبل الشركة العامة للمواد الغذائية والشركة العامة لتصنيع الحبوب، وعلى ضوء الأرقام التي تأتي من التموين، يصير القطع بالغذائية، حيث ان المخازن الغذائية لديهم جداول تبدأ من منطقة العباسية وتنتهي بناحية الجدول الغربي، وبالنسبة لتوزيع الحبوب فيكون بالعكس فيبدأ من الجدول الغربي وينتهي بالعباسية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 3/كانون الثاني/2009 - 6/محرم/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م