
شبكة النبأ:
يوقن العديد من المراقبين للشأن العراقي ان الافراط في
التصريحات المبالغة في استقرار اوضاع العراق، التي تصدر من المسؤولين
العراقيين ما هي الا ستار لتغطية الصراعات الداخلية التي تعصف بالبلاد.
فحجم الهوة التي تتسع يوميا بين الكتل السياسية اصبحت كما يراها
البعض تمثل تهديدا جديا للعملية السياسية برمتها، سيما بعد الانشقاقات
والخصومات التي وقعت بين حلفاء الامس القريب.
فيما يبدو ان شكلا جديدا من الاصطفافات السياسية بدأت تتبلور خلف
الكواليس تهدف الى تمرير بعض الاجندات التي تعد من ضروريات عراق مابعد
الانسحاب الامريكي.
حيث بدت ورقة الاصلاح السياسي مجرد حبر على ورق كما اعلن احد
البرلمانيين في مجلس النواب العراقي بعد التلكؤ الواضح لدى بعض من صادق
عليها اثناء تمرير اتفاقية انسحاب القوات الاجنبية مؤخرا.
فالصراع على السلطة والثروة في العراق يجده المراقبون لا يزال يمثل
خطرا محدقا بالمشهد السياسي العراقي، الامر الذي دفع بالحكومة الى
محاولات الهيمنة على اهم مرافق الدولة الحساسة.
فقد اتت عملية اعتقال الضباط لتعكس مدى هشاشة الوضع اجمالا والحذر
المفرط للحكومة بعد اصداء محاولة الانقلاب المزعومة.
الا ان البعض يرى في ماحدث مجرد عملية تصفية ولاءات لا اكثر في صفوف
الاجهزة الامنية والعسكرية للحد من نفوذ الاحزاب المعارضة.
حيث نقلت صحيفة نيو يورك تايمز The New York Times، عن النائب قاسم
داود، الذي وصفته بالنائب الشيعي المستقل، قوله إن “وزير الداخلية
يحاول الوقوف ضد رئيس الوزراء”، معربا عن اعتقاده أن “قصص الانقلاب
العسكري مجرد صراع بين حزبين سياسيين”، بحسب الصحيفة.
فيما اشارت صحيفة لوس انجلس تايمز Los Angeles Times إلى أن هذا
الأمر “يكشف عن مدى الخلافات في العراق حتى بين السياسيين الشيعة”،
ويثير “مخاوف بين أوساط نواب من أن حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي
كانت تستخدم تكتيكات تذكر بنظام صدام لتعزيز سلطتها والقضاء على
الخصوم”.
حيث يرى البعض ان اصرار المالكي على المبالغة بانتهاج ما يعتبره
تصحيح مسار العملية السياسية، في مثل هذا الوقت، ودعواته المتلاحقة
لتعديل الدستور، فضلا على تأكيده ضرورة تقوية الحكومة المركزية
وافضليتها في القرار بالنسبة الى علاقتها بالاقاليم والمحافظات، امسى
بنظر البعض خطوات ممهدة لانقلاب سياسي على ما تم الاتفاق عليه مسبقا
بين زعامات المكونات الاساسية للعراق، الشيعة والكرد والسنة عقب انهيار
النظام السابق.
خصوصا ان تلك الزعامات لا تزال نفسها من الذين وصلوا الى السلطة بعد
عام 2003، وتميزوا بعطشهم الشديد لها وبالعزم على البقاء.
وما عزز من تلك الشكوك لدى الفرقاء السياسيين التعنت الحكومي
المستمر امام ما تعتبره تجاوزات دستورية من جانب الاكراد فيما يتعلق
بالعقود النفطية، فضلا عن اتخاذه بعض الخطوات الاستفزازية، كتشكيل مجاس
الاسناد في المناطق المتنازع عليها، التي اثارت حفيظة الساسة الكرد
ودفعتهم الى اتخاذ مواقف مغايرة عن السابق تجاه المالكي.
فالاحزاب الكردية باتت تشعر بالقلق بعد ان اصبح لهذه المجالس وجود
قوي في منطقة كركوك الكردية الغنية بالنفط وفي محافظة نينوى.
بالاضافة الى ما اعقب العمليات الامنية في ديالى، التي حيدت القوات
الكردية التي كانت مسؤولة عن حفظ الأمن في مدينة خانقين المتنازع
عليها، قبل ان يتم ابعادها عن المباني الرسمية.
الامر ذاته تلقاه المجلس الاسلامي الاعلى احد اهم اركان الائتلاف
الحاكم، الطامح الى تشكيل اقليم الوسط والجنوب، حيث انعكست سلبا على
نفوذ المجلس الاعلى في المناطق الشيعية صورة الرجل القوي للمالكي بعد
توفير الامن في العديد من المناطق المضطربة في المنطقة الجنوبية واهمها
مدينة البصرة الميناء البحري الوحيد في العراق.
حيث نال فيها ثقة وثناء سكانها المحليين لتخليصهم من العناصر
المسلحة، ولاسيما في احياءها الفقيرة التي كانت تُعتبر قاعدة لقوة
الميليشيات.
كما كان لتشكيل مجالس الاسناد في المحافظات الجنوبية والوسطى التي
يتلقى اعضاؤها رواتبهم من مكتب المالكي، امرا لا يستسيغه المجلس
الاسلامي الاعلى ويرفضه بشدة، معللا ان المالكي استخدم اعضاء هذه
المجالس دون ضرورة تذكر.
في نفس السياق كان في التقاء فصائل الصحوة ذات الشعبية الواسعة
المكون السني مع الحكومة في العديد من النقاط المشتركة ومد جسور
التعاون والثقة تهديدا مباشرا للحزب الاسلامي باعتبار ما يجري بمثابه
سحب البساط من من تحت قدميه.
حيث تتناقل بعض التسريبات عن نية خصوم المالكي بالدفع الى اجراء
انتخابات تشريعية مبكرة تخلف انتخابات مجالس المحافظات التي يعد لها في
يناير 2009 وحصر حكومة المالكي بتصريف الاعمال.
في سياق متصل اعقبت تصريحات جورج بوش وجوردن براون بخصوص الشأن
العراقي خلال زيارتهما الاخيرة سلسلة من الانتقادات، حيث يرى البعض ان
المبالغة في تحسن الاوضاع قد يقود الى نتائج سلبية في البلاد.
فيرى توبي دودج المحاضر في سياسات الشرق الأوسط في جامعة الملكة
ماري في لندن إن الرئيس الأمريكي جورج بوش قام بزيارة العراق وتبعه
رئيس الوزراء البريطاني جوردن براون. وكان بوش حريصا على التأكيد على
التقدم الذي حدث في العراق.
يقول دودج أن "هناك خطرا كبيرا من أن تعظيم الأخبار الجيدة القادمة
من العراق، من قبل بوش وبراون، سيجعل من إمكانية العودة إلى الحرب
الأهلية أمرا قائما بقوة."
ويضيف "يجب التعامل بحذر مع التصريحات المبالغ في تفاؤلها من قبل
بوش وبراون حول الوضع في العراق"
ويكتب دودج قائلا إن "الإعلانات الانجلو أمريكية عن التقدم
والاستقرار يجب التعامل معها بحذر. فحتى اليوم، مازال العراق بعيدا عن
السلام. في المتوسط يقتل 500 شخص كل شهر، ما يجعلها واحدة من أخطر
البلدان في العالم. بغداد في نهاية 2008 مدينة مقسمة بشدة. فالأحياء
جرى تطهيرها عرقيا ودينيا من خلال موجة من العنف التي اجتاحت المدينة
قبل 2007، وقد جرى التأكيد على هذا التقسيم الطائفي من خلال التمترس
خلف صفوف من الحوائط الأسمنتية التي تهدف إلى امتصاص الانفجارات."
ثم يعرج دودج على دور الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما في حل
الأزمة العراقية وينصحه في النهاية بالطلب من الأمم المتحدة والمجتمع
الدولي مساعدته في الاشتراك أكثر في الملف العراقي وإنقاذ البلاد من
دوامة الانقسام الطائفي بدلا من التصريحات المبالغ في تفاؤلها من قبل
بروان وبوش. |