زيد الشهيد لـ (شبكة النبأ): الشاعر خير معبِّر عن اختلاجات الإنسان ودواخله

حاوره: علي فضيله الشمري

 

شبكة النبأ: بين الشعر والكلمات، مسافة اتقاد في جمع اللحظات المتوهجة، فما يدل على الشعر غير الكلمات، فهي وسيلة لغاية أسمى، ألا وهي الشعر، وهنا نجد علاقة الشاعر بالكلمة والمفردة، كيف ينتقيها، وكيف يصوغها، وكيف يروم وصول هدفه. الشعر اليوم ما عاد وسيلة مديح، او هجاء او رثاء، فقناع الوظيفة سقط عنه، بمجرد ما تطورت الآلة، لنجد الخلاصة القائلة بكينونة الشعر، واستقلاله بذاته.

هو يجمع بين الشعر والسرد والنقد والترجمة.. يجمع بين الإبداع ورقّة المعشر. هو القائل عن نفسه أنني شمعة أعجُّ بالاحتراق لأضيء ولو بصيصاً من وهدة البشرية وعتمة الإنسانية بدلَ أن ألعن الظلام وأستكين لعبثية الحياة.. التقيناه على هامش (مهرجان التربويين الأدباء) الذي أقامته وزارة التربية في محافظة واسط والذي نال فيها الجائزة الأولى للشعر من بين عديد المتنافسين الذين جاءوا من مختلف محافظات العراق.. لم نثر فيه همَّ السردي بل أخذناه في درب الشعر فقط، وكان لـ (شبكة النبأ) هذا الحوار معه.

س: متى يكتب زيد الشهيد نصّه الشعري؟

- النتاج الشعري مخاض عسير يبدأ بومضة تكبر يوماً بعد آخر حتى تشكل هالة تقض ابتهاج الشاعر وتلح على دواخله من أجل أن تولد نصّاً شعرياً فيريح ويستريح. الشعر اعتلاج داخلي ومؤثرات خارجية تجتمع وتنسكب وتتفاعل في بوتقة ذهن الشاعر؛ حتى اذا جاءت اللحظة المؤاتية انهالت الروح مسكوبة مفردات وعبارات وصور على أديم الورقة.

س: هكذا إذاً علاقتك بالقصيدة؟

هكذا.. ولكن! ليس كل نص شعري يولد كاملاً بلحظة انسكاب واحدة؛ فقد تستغرق عملية إتمام إنتاج النص أياماً وأسابيع، ذلكَ أن الروح لا تدلق كل محتوياتها بلحظة، والدواخل قد لا ترتضي إعطاء كامل الخزين الشعوري، مندفعةً من أن النص الذي يتشكَّل لا يعبر عن انجازاته بل يتطلب زمناً يتجاوز اللحظة إلى الساعات والأيام. ويوم يرى خالق النص أن الفكرة أو الموضوع الذي ألح عليه أدرك منتهى دلالته يتوقف من شعور أنه أتم المهمّة.

س: بمَن تأثرتَ شعرياً؟

- التأثر لدي جاء من قراءات كثيرة استغرقت أعواماً طويلة متهافتة شكلت خزيناً ثرّاً من الصور والتراكيب والمفردات. لقد قرأت الكثير: شعر الجاهلية وما بعد الإسلام ووقفت طويلاً عند مملكة المتنبي الشعرية وما زلت اقرأ للمتنبي. فديوانه الذي اشتريته من شارع المتنبي في بغداد وأنا صبي صغير في عمر الحادية عشرة ما زال هو هو لدي. يتكىء على المنضدة التي تحتوي حاسوبي. وكلما شعرت بالملل من الكتابة استللته لأرحل مع شعر هذا العملاق الذي ما زال شاغل الناس بسحر مفردته وجمال صوره. ولا أخفيك سرّاً أن شعر المتنبي العمودي هو الذي عمّقَ لدى زيد الشهيد قصيدته النثرية.

س: هل أنصف تاريخ الأدب العربي المعاصر كبار الشعراء العراقيين أمثال الجواهري ومصطفى جمال الدين؟

- لا شك أن الجواهري قامة شعرية عملاقة نال الحفاوة والتكريم عبر عقود طويلة وشعره تحفظه الذاكرة العربية وتردده في عديد المناسبات؛ إلا أن مصطفى جمال الدين لم ينل الحظوة ولم تسلط عليه وعلى شعره أضواء القراءة، ربّما هو آثر عدم الظهور في المحافل الشعرية والأدبية بحكم كونه أولاً رجل دين يؤثر عدم الظهور وثانياً أنه رجل أكاديمي. والمعروف عن الأكاديمي أنّه ينشغل في البحوث والدراسات فتأخذانه عن الشعر، وقراءة الشعر.

س: هل كتبتم دراسات عن الشعراء الكبار؟

- كما أشرت لك أنني استعذب شعر المتنبي. واستعذاب كهذا لا بدَّ أن يترك رغبةً في التعبير عنه. فكتبت رؤى عديدة عن هذا الشاعر المميز ولكن ليست بصيغة البحوث أو الدراسات الطويلة. كتبت دراسات معمقة عن الشعر الذي يحوي سرداً، قاربتُ في أحدها بين السياب والحطيئة وكانت بعنوان (توليفة السرد في النص الشعري).

س: اغتربت عن الوطن ما يزيد عن العشرة أعوام؛ كيف كانت نشاطاتكم الإبداعية في الدول التي نزلتم عندها؟

- الغربة في أفضل أحوالها أنها تضعك في تحدي مع القدر والظروف التي يخلقها. لذلك كانت علاقتي حميمة ومتواصلة مع أدباء اليمن حين قضيت ما يربو على الأربعة أعوام هناك. وقد ساهمت في عدد من المناسبات الأدبية التي كانت تقام في اتحاد أدباء اليمن في العاصمة صنعاء. وكانت نصوصي تنشر على الدوام وتنال حظوة من القراء والأدباء. وظلت علاقتي بالوسط الثقافي اليمني مستمرة بفعل شبكة الانترنيت التي جعلتني أواصل نشر نصوصي لحد الآن. أما في ليبيا فقد قضيت ستة أعوام ولي علاقات واسعة ونشر مستمر مع الأدباء الليبيين الذين ما زلت أتواصل بالحديث والنقاش وتصلني نصوص بعض الأدباء الذين يستأنسون برأي قبل أن يبعثوا نصوصهم للنشر.

س: من الصعب أن يشير الشاعر إلى مَن يكتب في مدينة مثل السماوة خصوصاً إذا كان الشعر يمس الوجدان. بتعبير آخر أقول لِمَن تكتب؟

- الكتابة عملية أبداعية تلح مواضيعها على الكاتب أن تنزل إلى دائرة البوح. والشعر كأحد أوجه الكتابة لا بدَّ أن يتناول ما يمس الوجدان وما يثير في النفس من تأثير. ونصوص أكتبها تأتي من عِداد التناول الذي يمس المواضيع الإنسانية وما يجري ويدور أما الباصرة.. الشاعر ابن بيئته ، وما يكتبه لا بد أن يعبر عن ضمير الناس. ومن هنا تناولت في نصوصي الشعرية ما يعانيه الفرد البشري وما يقاسيه وما يريد التعبير عنه حتى وهو في بهجته وانشراحه ذلك أن الكاتب مرآة عاكسة لحركة المجتمع. فليس المعاناة هي ما عليه تقديمها إنما الانشراح والسرور والتطلع الجميل نحو المستقبل. وفي شعري جاءت السماوة كثيراً وتمثلت مهيمنة أزلية لتعبيري وتصويري.

س: هل يمر الشعر بأزمة كما تتعالى الأصوات النقدية هذه الأيام؟ وإذا كان كذلك هل تشكّل هذه ألازمة منعطفاً في مسيرة الشعر والشعراء؟

هنا.. ضحك زيد الشهيد.. وتوقف قليلاً قبل أن يبرر ضحكته؛ قائلاً:

-   الشعر لا يمر بأزمة شأنّه شأن أي مسار حياتي. لكننا نحن العرب نحب الأعراف ونتشبث بها كثيراً حتى لتغدو مقدسة عندنا، ويكاد الخروج عنها يستحيل كفراً. وهذا قصر نظر فضيع نتصف به، وأعتقد انه آتٍ من حبنا للماضي وتقديسه وخوفنا من المستقبل وضبابيته. وحسبي أن هذه ثقافة انهزامية متوارثة تثير التوجس من القادم الذي نعتقده يطيح بهيبتنا. لذلك نناصبه العداء حتى وهو يقدم خدماته وندرك ونحن ننظر بموضوعية له ونتوصل أنه لصالحنا حتى إذا مرَّ زمن اكتشفنا خطأ نظرتنا وصواب القادم الجديد الذي سيغدو قديماً بالتأكيد. وهذا سبب تأخرنا عن الأمم الأخرى المتحضرة وفي جميع المجالات.

لذلك أقول أن الشعر ليس في أزمة؛ بل هو في تطور يتوازى وتطور الإنسان وتفكيره. إذ ليس من المعقول أن نظل نكتب القصيدة العمودية بمفردات ما قبل ألفين سنّة مبررين أنه النظام الامثل الذي لا يوجد غيره نظام.

إن الذائقة يا صديقي اختلفت؛ ووسائل العيش تغيرت وصار التعبير عن اليومي في القرن الواحد والعشرين مثلاً لا يُشبع تعبير إنسان ما قبل ألفي سنة أو أكثر. يجب أن ننظر بعين الموضوعية، ونقر أن الحياة تتغير ومعها تتغير ذائقة الإنسان وأساليب تعبيره وتصويراته. مازلت اسمع من يكتب الشعر فيستخدم توصيف السيف والدرع والحصان والبيداء وكيف يلتقي المتبارزان، لكأننا نعيش قبل أربعة آلاف عام. لذلك بات شعرنا جافّاً جامداً لا يُرضي الذائقة المعاصرة. لذلك ترى وسائل الثقافة المقروءة والمسموعة والمرئية تحاول إعادة الروح إلى جسد ميت. وأقولها صراحة: إذا أريدَ للشعر العمودي أن يستمر على كتابه ومحبيه أن يتوجهوا إلى تطوير المفردة والصورة وجعلها تتواءم واليوم الذي نعيشه. إنني أشاهد الآن وأسمع نخبة من الشعراء الشباب عندنا في العراق ينحون هذا المنحى فكونوا لهم لافتة متميزة جعلتهم متميزون، وهم عمر السراي ومروان عادل واحمد الويس و وياس السعيدي والساعدي وجاسم بديوي.

س: يعني أنت ترى في هؤلاء ازدهار الشعر؟

- العمودي منه.. هذا ما أقصده. أما شعراء قصيدة النثر أو ما أشرت لي قبل اللقاء بأنهم شعراء الحداثة فهم كثيرون وتتفاوت جودتهم وتميزهم، خصوصاً وأن هذا النمط من الكتابة يتطلب التكثيف والتركيز والاختزال وجمالية التعبير. وكتابة الشعر عندهم همٌّ يومي لحظوي لا بد أن يمثل عصره بمفردات عصرية.

الهوية الشخصية للشاعر والروائي زيد الشهيد؟

بكلوريوس آداب / لغة انكليزية           

عضو اتحاد الادباء العراقيين

عضو اتحاد الادباء والكتاب العرب

أصدر مجموعة (مدينة الحجر) عن اتحاد ادباء العراق عام 1994

صدرت له مجموعة (فضاءات التيه) عن دار ألواح في اسبانيا عام 2004

صدرت له مجموعة (حكايات عن الغرف المعلقة) دار أزمنة العام 2004

صدرت له مجموعة شعرية بعنوان (أمي والسراويل) عام 2004

في النشر الآن رواية (سبت يا ثلاثاء)

مارسَ النقد والترجمة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 22/كانون الثاني/2008 - 23/ذي الحجة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م