الانتهازية في العمل الديني

ياسر محمد

ثمة إخفاقات نعيشها في واقعنا نكون السبب المباشر أو المتسبب في حدوثها فنحاول أن نغطيها ببردة النجاح ونكللها بباقات الامتنان والتعظيم. فما أكثر الإخفاقات المتكررة والسلبيات الدائمة على الصعيد الاجتماعي والديني في المشاريع الخدمية والخيرية أو غير المادية بشكل أشمل.

فأمورنا تُسير على البركة والعشوائية وعدم الإعداد المسبق خاصة فيما يختص بالعمل في المجالات الخيرية، فكم من البرامج الدينية والاحتفالات التي يصرف عليها طائل الأموال لإنجاحها وتقديمها بكل الكيفيات الممكنة إلى الجمهور لتحظى بدرجة عالية من الاستحسان ولكنها تفتقد لعنصر التقدير ولو بوردة سوداء ذابلة للعاملين الذين هم الشريك الرئيس في النجاح.

لقد تعود المشاركون في البرامج الدينية أن يقدموا خدماتهم غير مأخوذة ولا مدفوعة الأجر، فالناشط نذر نفسه طواعية لخدمة مجتمعه، والقائمين على البرنامج كيفوا برامجهم وأنفسهم على عدم مكافأة ذلك المتطوع حتى لا يفقد العمل الأجر والثواب أو يكون عملاً من أجل المال، هكذا يعتقدون.

إن الأجر والثواب مبدأ يحصل عليه كل من عمل بتفاني ولو كان موظفاً حكومياً يعمل لقاء مرتب شهري مادام يقدم خدمة حسنة، إلا أن العمل الديني بات يعتمد في تكريم الآخر على: أجركم على الله، مأجورين، جزاكم الله الخير مولانا.. الخ لتكون هذه العبارات التقدير الوحيد في العمل الخيري لنغطي بها على فشلنا في واجباتنا الحقيقية وما علينا القيام به تجاه من يقدمون خدمة للمجتمع، فلا المجتمع يقيم وزناً لمن نذر نفسه لخدمته ولا المؤسسات الدينية تسعى للتقدير والعرفان بشيء آخر سوى الشكر غير الموجود في أحيان كثيرة.

فما الذي يمنع أن يُعطي الفرد المشارك أو المنظم حصة من المال مستقطعة من المبالغ الكبيرة المصروفة على الكماليات والضيافة على شرف صاحب المناسبة أو سماحة الضيف الكبير؟ ولماذا لا يعامل كل من يقدم معلومة لعامة الناس معاملة الخطيب فيعطى قيمة المجلس والمشاركة؟

صحيح أن من يقدم عملاً خيرياً فإنه بالطبع لا يطمح لا لأجر ولا مكافأة مقابل كل مجهد يصرفه و قد يفقد العمل خيريته إذا كان هدف المنتمي له الحصول على حفنة من المال، لكن بالمقابل هذا لا يعطي مسوغاً لاستهلاكه وعدم مكافأته، فالشعراء مثلاً والفنيون والعرفاء والمنشدين والمقرئين من أهل المنطقة غالباً ما يكونوا الجنود المجهولين في أي عمل، بينما عندما يُعطى الدور لمن من هو قادم من خارج البلاد فإنه يُغدق عليه من مختلف أنواع التقدير المادي والمعنوي ما يُحمِل الجهة المنظمة عبئاً وديوناً من أجل المبالغة في تكريم ذلك الضيف وإعطاءه حقه أو يزيد حتى لا تظهر هذه الجهة بمظهر المقصر!

لقد أصبحت برامجنا الدينية تواجه الانكفاء والضعف بل وأصبحت نسخاً مكررة من بعضها البعض نتيجة لعدم وجود أفكار جديدة يكون المنتجون لها أولئك الناشطين بسبب غياب الحوافز المعنوية بالأصل فضلاً عن المادية كتعويض الناشط الاجتماعي ما يقدمه من مصروفات من جيبه الخاص لإنجاز مهمته من اتصالات ومواصلات وغيرها.

ولو نظرنا إلى هذه الفئة المهضومة من الناس فإنها تبدو أقل ثقافة ومستوى علمي ومهني، لأنها ولعلها وأخواتها كانت تعطي جل اهتمامها لإنجاح برنامج ديني أو ثقافي دون أن يقدم الفرد منها شيء لنفسه وبنفسه. كما نجد أن من يعمل متطوعاً يكون موظف مجاني تحت الطلب في مركز طوارئ عليه إعداد نفسه وتقديم ما يطلب منه بمجرد مكالمة هاتف مستعجلة وفي وقت ضيق.

وهنا يلزم على الجهة الدينية المحافظة على الناشط الاجتماعي وتأهيله وبناءه علمياً وثقافياً بل وأكاديمياً إن تطلب الأمر من أجل أن يستمر في عطاءه ويقدم دوراً أفضل مع ضرورة وضع دستور لكل مؤسسة خيرية يوضع ما لـ/ على الجهة الدينية من حقوق وواجبات حتى يعرف كل طرف ماله وما عليه.

فلماذا نجعل الدين شماعة لفشلنا وتقصيرنا؟ ولماذا باسم الدين نغوص في وحل الخطأ ونفتقد الذوق في معاملتنا وتقديرنا لبعضنا البعض؟ ألا ينبغي أن يكون المتصدي للعمل الديني مسئولاً ومسئولاً عنه وعلى مستوى رفيع من المكانة والاحترام؟

إن الحديث عن تقدير أفراد العمل الديني مالياً ومعنوياً بما هو ملموس لا يعني تغيير الهدف المرجو من العمل وتحصيل المال بدل الثواب، وإنما هي دعوة لتفعيل هذا الدور وتطويره إلى ما هو دافع يحرك من هو في إطاره إلى الإنتاج الفاعل واستحداث آليات جديدة لتطوير العمل المؤسسي غير الربحي حتى يكون مبدأ التقدير الكلامي مبدأ صحيحاً له محفزات من نوع خاص.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 13/كانون الثاني/2008 - 14/ذي الحجة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م