حرس الحدود العراقية: صراع مع التهريب والإرهاب وقسوة الطبيعة

 

شبكة النبأ: كانت أمطار الخريف تنهال منذ الصباح الباكر بقوة على قرية هلالاوة، إحدى قرى محافظة السليمانية في إقليم كردستان العراق والواقعة على الحدود الايرانية.. لكن الحارس حسن فرمان لم يتوقف عن الغناء بصوت عال، ويقول مازحا "ليس أمامنا سوى الغناء لكي ننسى البرد، أو على الأقل لينسانا".

يقول حسن فرمان، 27 سنة، وهو أحد أفراد حرس الحدود بعد أن يلقي نظرة على طول الحدود التي تفصله عن إيران والتي بدت له طويلة هذا اليوم "لو كانت مع هذا الغناء دبكة كردية صاخبة لكان بإمكاننا أن نحول هذا الشتاء إلى صيف" لكنه يستدرك أن "المطر أهون من الثلوج، والاثنان أهون من كمائن الإرهابيين".

لم يستمر مزاج فرمان رائقا مع نزول المطر إذ سرعان ما تذكّر مع رفاقه في الفوج الثالث،11 زميلا لهم فقدوهم خلال السنتين الماضيتين، جراء تصديهم للمسلحين الذين يعبرون الحدود، ويعلق بالقول "كلما نظرت إلى صور رفاقي الراحلين شدني الإخلاص والحرص على أداء الواجب". بحسب تقرير لـ نيوزماتيك.

شفلات إيران تحفر على الحدود

يملك هذا الفوج الذي ينتمي إليه فرمان أربعة مراكز رئيسة قرب قرى آزادي، وهلالاوة، وكاني خان، وهي تشرف على 12 مخفرا موزعة على 47 كيلو مترا تمثل الحدود العراقية الإيرانية في مناطق قضاء بنجوين الجبلية الوعرة، ومهمتها حراسة الحدود.

يقول المشرف على مركز هلالاوه الحدودي الملازم دانا رحمن رحيم إن "الحدود آمنة منذ عدة شهور، ولم يحدث خلالها أي تسلل للإرهابيين" مشيرا إلى أن "الأوضاع الآن اختلفت لأن القوات الإيرانية بدأت منذ أسبوع بحفر الخنادق على طول الحدود في قرية هلالاوة ومناطق أخرى".

أما مسؤول حركات الفوج الثالث لقضاء بنجوين الرائد أركان محمد رستم فيشير إلى أن "ما يهمنا هو سلامة أراضينا ومتابعة الخارجين عن القانون، أما في ما يتعلق بالذين يقفون على الطرف الآخر فمن حقهم اختيار ما يناسبهم لتأمين الحدود"، ويؤكد "أننا نتابع كل حركة غير طبيعية ويتم التنسيق بشأنها مع اللواء في كل شيء حولها".

بين تعاون السكان ومطاردة المهربين 

وتنحصر مهمة حرس الحدود برصد وملاحقة محاولات العبور بشكل غير قانوني من وإلى الحدود الإيرانية سواء أكانوا من الأشخاص أو من المواد الغذائية المارة أو من المواد المخدرة التي انتشرت في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ في إقليم كردستان العراق، ويؤكد رستم أن "مهمة الفوج هي المتابعة الدقيقة للمهربين وتجار المخدرات لاعتقالهم وتسليمهم إلى الجهات المختصة".

وكانت طرق ووديان قرى هلالاوة، سياكويز، كونة ورج، كاني خان، شهدت في العام الماضي عددا من العمليات المسلحة ضد حرس الحدود التي راح ضحيتها 11 من حراس الحدود أغلبهم من سكان قضاء بنجوين.

ويشدد الملازم نوشيروان محمد إن "سكان المنطقة هم السند الأساسي لنا لا في مساعدتنا ورفع المعنويات لدى أفرادنا فحسب، بل أنهم يدافعون عنا كذلك أثناء تعرضنا للهجوم". ويتابع قائلا "في الأعوام الماضية وأثناء سقوط الثلوج وقطع طرق السيارات حملوا لنا الذخيرة والمحروقات عبر الطرق الوعرة" ويقول أنهم "لن ينسوا أنهم جزء منا ونحن كذلك".

أخبار الصحف غير دقيقة

وينتقد أفراد الوحدة بعض القنوات الإعلامية الكردية لنشرها أخبارا غير دقيقة عن أمن الحدود وبعض القضايا المتعلقة بواجبات حرسها.

ويقول رئيس الحركات في الفوج الرائد أركان محمد رستم إن "بعض الصحف لاتعلم شيئا عما يجري هنا وكيف يتم التعامل مع المخاطر التي تحيط بالمنطقة، ومع هذا يقومون بنشر أخبار غير دقيقة" ويضيف "على الرغم من تعاوننا المستمر مع الصحفيين إلا أن بعض الصحف والمجلات تلجأ إلى نشر أخبار لا أساس لها من الصحة حول نقاطنا الحدودية والمسؤولين في الأفواج".

القبض على 20 إيرانيا خلال شهر واحد

وعلى مسافة ليست بعيدة، يتوزع أفراد الفوج الثاني من اللواء الثالث لحرس إقليم كردستان في قضاء حلبجة، 89 كم جنوب شرق السليمانية، على مسافة 96 كم وهي تمثل طول حدود قضاء حلبجة مع إيران، وتوجد لهذا الفوج أربعة مراكز حدودية في بالامبي، أحمد آوا، سوسكان، موردين حيث تشرف تلك المراكز على 10 مخافر حدودية موزعة على طول حدود القضاء.

ويشير الرائد أشرف غفار آغا مسؤول مركز سوسكان المطل على ناحية بيارة الحدودية إلى أن "الحركة التجارية بين الإقليم وإيران في هذه المناطق ضعيفة بسبب عدم وجود منافذ حدودية رسمية بين العراق وإيران في هذه المنطقة، وكل ما يحدث هنا هو المحاولات المتكررة للمهربين لتهريب البضائع والأشخاص" لافتا إلى أن "المركز تمكن الشهر الماضي من اعتقال 20 إيرانيا حاولوا اجتياز الحدود بشكل غير قانوني وتم تسليمهم إلى الدوائر المعنية".

وتحسباً للظروف الجوية القاسية للمنطقة تم توزيع الذخيرة الحية والمواد الغذائية والماء لثلاثة أشهر، بسبب البرد القارس في مناطق حلبجة وبنجوين، وعلى هذا الصعيد يقول المقدم نجيب محمد مولود إن "كافة الاحتياطات اللازمة تم وضعها من أجل سلامة منتسبينا من مأكل وملبس وذخيرة" ويوضح أن "أفراد حرس الحدود لهم روحية البيشمركة في أداء الواجبات إلا أن اللواء مع هذا يقدم كافة التسهيلات الضرورية من أجل سلامتهم وبالتالي سلامة أمن الوطن".

وتنشط بين إقليم وكردستان والأراضي الإيرانية تجارة تهريب المحروقات على طول الحدود، ويقول المقدم نجيب إن "الفوج لديه قائمة بالممنوعات ومن بينها المحروقات حيث أن الفوج يسمح بدخول المحروقات ويمنع عبورها عبر الحدود" ويضيف أن "المنطقة شهدت في ثمانينيات القرن الماضي عمليات زرع ألغام من قبل الجيشين الإيراني والعراقي مما يعرقل الحركة في المناطق غير رسمية للعبور".

بعضنا يبعد 50 مترا عن القوات الإيرانية

ويبلغ مجموع واجبات اللواء الثالث لحرس الحدود في السليمانية 520 كم تبدأ من مناطق كرميان مرورا بمناطق حلبجة وبنجوين وجوارتا وقلعة دزة، إلا أن 38 كم من تلك الحدود، كما يشير إلى ذلك مصدر طلب عدم الكشف عن اسمه "تسيطر عليها قوات حزب العمال الكردستاني. وكثيرا ما شهدت تلك المناطق عمليات عسكرية بين تلك القوات والجيش الإيراني".

وحزب العمال الكردستاني هو تنظيم مسلح يعارض الحكومة التركية منذ تأسيسه عام 1984 وذلك في إطار مساعيه للحصول على استقلال الاكراد عن تركيا، ويثير وجوده في شمال العراق أزمة سياسية وعسكرية بين العراق وتركيا التي تتهم الحكومة الكردية بايواء افراد الحزب وتقديم الدعم لهم، وشنت القوات التركية غارات جوية على مواقع حزب العمال داخل الاراضي العراقية عدة مرات. وكان البرلمان التركي قد صوت في تشرين الاول الماضي على تمديد التفويض الذي منحه للجيش التركي بملاحقة عناصر الحزب خارج الأراضي التركية، وذلك بعد العملية التي نفذها عناصر الحزب على منطقة سمديناني الحدودية، وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 15  جنديا تركيا.

ويشير آمر اللواء الثالث لحرس الحدود أحمد غريب محمد أمين إلى أن "بعض السرايا من قواتنا لاتبعد سوى 50 مترا عن القوات الإيرانية"، ويضيف "ولهذا فإن عمليات حفر الخنادق التي يقوم بها الإيرانيون نراها بالعين المجردة. وحسب معلوماتنا هي بعمق أربعة أمتار وعرض اربعة أمتار ويجري الحفر حاليا في أغلب خطوط التماس".

عندما غادرنا قرية هلالاوة كان المطر قد توقف وانقشعت الغيوم فيما تحاول خيوط الشمس ان تجد طريقها لسفوح الجبال التي يحرسها حسن فرمان ورفاقه لكي تحقق رغبته برقصة الدبكة الكردية لتبدد وحشة المكان وإنتظار الخطر المجهول.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 7/كانون الثاني/2008 - 8/ذي الحجة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م