محاولات أمريكا لتحديد خسائر الأزمة المالية

أسواق المال الأمريكية فقدت 40% من نقاطها خلال ثلاثة أشهر

 

شبكة النبأ: ما زالت الأزمة المالية التي تواجه الاقتصاد الأمريكي تُلقي بظلالها على اقتصاديات العالم أجمع ، فمخاوف الإفلاس والانهيار الاقتصادي تهدد المؤسسات المالية العالمية، وما زالت الانهيارات السريعة مستمرة في أسواق المال الأمريكية والعالمية بعد أن فقدت معظم أسواق المال الأمريكية أكثر من 40% من نقاطها خلال فترة لا تتجاوز الثلاثة أشهر.

والسؤال الذي بات يفرض نفسه الآن في دوائر المال والاقتصاد هل فقدت الرأسمالية بريقها على الصعيدين النظري والتطبيقي؟، وهل العالم الآن في طور التحول إلى عالم متعدد الأقطاب اقتصاديًّا وسياسيًّا أم أن الولايات المتحدة لديها القدرة والإمكانيات لتخرج من أزمتها الاقتصادية لتكون أقوى مما كانت؟.

وقد كانت تلك التساؤلات محور حلقة نقاش نظمها مجلس العلاقات الخارجية لمناقشة التأثيرات العالمية للأزمة المالية الأمريكية على الاقتصاديات الناشئة، حضرها كلٌّ من تيموثى أدامز المدير العام لمجموعة ليندسى، وسايمون جونسون أحد كبار الباحثين في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، ورَأَسَ حلقة النقاش روجر ألتمان رئيس مجموعة أيفركور. بحسب موقع تقرير واشنطن.

إنقسام حول الأضرار الأمريكية

انطلقت الحلقة النقاشية من أن العالم يشهد أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد العظيم الذي أصاب العالم في ثلاثينيات القرن الماضي، وأن هذه الأزمة تسببت في انهيار عدد كبير من المؤسسات المالية والبنوك وأسواق المال. وفى سؤال حول التأثير السياسي والجغرافي الدولي لهذه الأزمة ؟، وهل ستؤدى إلى إعادة توزيع للقوة الاقتصادية والسياسية على المستوى العالمي ؟، قال تيموثى أدامز Timothy D. Adams: إن هذه الأزمة المالية التي انطلقت شرارتها من الولايات المتحدة الأمريكية ووصلت تداعياتها إلى الاقتصاديات الأوربية والأسيوية والعالمية ستعمل بشكل كبير إلى إعادة توزيع القوة الاقتصادية والسياسية في جميع أنحاء العالم. وأضاف أن مركز الثقل سيتغير من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا إلى مناطق أخرى في العالم كالصين وروسيا، وقد بدأت عملية التحول بالفعل.

ويلمح أدامز في إجابته إلى بداية انتهاء عصر الولايات المتحدة وبدء عصر جديد تتزعمه الصين. فعلى سبيل المثال في الأزمة الحالية وجدنا باكستان في أزمتها المالية الحالية قد طلبت المساعدة المالية من الصين. وكذلك وجدنا أيسلندا تلجأ إلى روسيا للحصول على الإنقاذ المالي وغيرها من الدول التي بدأت في اللجوء للدول ذات الاحتياطيات النقدية والغنية بالموارد مثل روسيا والصين . فروسيا الآن تكرس سلطتها ونفوذها في أسيا الوسطى. ويضيف أن العالم بدأ الآن في مرحلة التحول من عالم أحادى القطب إلى عالم متعدد الأقطاب. وعلى الرغم أن الولايات المتحدة لا تزال القوة الاقتصادية والعسكرية المهيمنة إلا أن عملية التحول بدأت وبوتيرة سريعة.

وحول السؤال ذاته اتفق سايمون جونسون Simon Johnson مع أدامز في الصورة العامة للأزمة في أنها الأسوأ منذ 1930، وأنها تسببت في أكبر كساد اقتصادي عالمي، ولكنه اختلف مع أدامز في حجم الأضرار التي لحقت بالولايات المتحدة، فعلى عكس أدامز يرى جونسون أنها أكثر إفادة للولايات المتحدة؛ فالأزمة المالية أزمة عالمية أصابت جميع الاقتصاديات العالمية والولايات المتحدة هي مركز الأزمة والتي تعانى من مشكلات كبيرة. وعن مدى تأثر الاقتصاديات الأخرى يقول جونسون :إن اليورو الأوروبي يعانى بشدة الآن من اضطرابات وبدأ يهوى بشدة ووصل إلى أقل من 1.25 دولار وما زال في الانخفاض المستمر بسبب هاجس "حفظ التضخم" وهى سياسة فاشلة. وهو ما دعا تشارلز جودهارت Charles Goodhart وهو مسئول كبير في بنك إنجلترا إلى الاعتقاد أن اليورو الأوروبي في الانهيار وقد يتفكك .

ويضيف أيضًا أن أسعار البترول في تدهور مستمر، ومن المتوقع أن يصل سعر البترول ما بين 20 إلى 30 دولار للبرميل. ومن الواضح كم الأضرار الاقتصادية التي تعود على الدول الناشئة القائمة على صادرات السلع الأساسية والبترول والتي بنت ميزانيتها منذ عدة أشهر على أسعار للبترول بين 50 إلى 60 دولار للبرميل مثل الاقتصاد الروسي والبرازيلي . فجميع الاقتصاديات في العالم خاسرة والجميع يعانى إلا أن جونسون يقول: إن الاقتصاد الأمريكي يتميز بأنه الأكثر مرونة والأكثر قدرة على الابتكار وأن المرحلة الحالية هي مرحلة إعادة تقييم للمؤسسات الأمريكية وسيعود الاقتصاد الأمريكي أكثر قوة خلال 36 شهرًا من الآن . في حين أن الاقتصاديات الأوروبية أكثر معاناة من الاقتصاد الأمريكي بسبب الجمود الهيكلي في أوروبا وصعوبة انتقال العمالة والإنتاج وعدم وجود سياسة مالية موحدة للبنوك المركزية الأوروبية. ويضيف أن صناعة القرار في الولايات المتحدة أكثر مرونة وسرعة عنها في أوروبا فإذا كان الاقتصاد الأمريكي في مرحلة ركود فإن الاقتصاد الأوروبي قد دخل في مرحلة فوضى كبيرة غير منظمة .

أثر الأزمة المالية على الاقتصاديات الناشئة

وحول أثر الأزمة المالية وأثرها على البلدان الأقل نموًّا والبلدان الناشئة من عجز في الحساب الجاري وعودة ذكرى أزمة 1997 أزمة جنوب شرق أسيا . يرى تيموثى أدامز Timothy D. Adams أن الدول الناشئة أصبحت أقل استقلالية في مشكلاتها الاقتصادية وأصبحت تعانى من مشكلات اقتصادية مشتركة لأسباب تتعلق بالعولمة وحرية التجارة وحركة رءوس الأموال والاستثمارات الأجنبية. فقد تلقت الأسواق الناشئة في العام الماضي أكثر من 900 مليار دولار كتدفقات استثمارية ومن المتوقع أن تقل هذا التدفقات إلى النصف في عام 2009 وتكون هذه الاستثمارات على هيئة استثمار أجنبي مباشر في هذه الدول للاستفادة من الموارد الطبيعية أو يكون على شكل قروض للشركات في تلك الدول . ولذا من المتوقع حدوث أزمات كثيرة للشركات قد تصل إلى حد التأميم أو البيع للجمهور في تلك الدول ومن المتوقع أن تعانى ميزانيات الدول التي تعتمد اعتمادًا كبيرًا على رأس المال الأجنبي من عجز كبير في الحساب الجاري لها.

أما سايمون جونسون Simon Johnson فيرى أن الدول الناشئة ستتأثر بشدة من هروب تدفقات رءوس الأموال الأجنبية فحركة رءوس الأموال والاستثمارات تتميز بالسرعة في حركتها ورد فعلها.

كما قد تعاني هذه الدول من عجز كبير في ميزانياتها واحتياطاتها من النقد الأجنبي. وقد قسم سايمون الدول الناشئة إلى ثلاث فئات وهي:

الفئة الأولى: وهى الدول الناشئة التي تعاني من عجز كبير في الحسابات الختامية لها نتيجة هروب تدفقات رأس المال الأجنبي وتضم هذه الدول دول أوروبا الشرقية والوسطى وبعضها منتشر في جميع أنحاء العالم.

الفئة الثانية: وهى الدول التي تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الاحتياطيات النقدية لها عند حدوث هروب لتدفقات رأس المال والاستثمارات ومثال لتلك الدول روسيا التي قامت بسحب أكثر من 200 مليار دولار من احتياطاتها لدعم البنوك في أزمتها.

الفئة الثالثة: وهى الدول التي تعتمد اعتمادًا تامًّا على الصادرات من السلع الأساسية أو الصناعية وتضم هذه الفئة من 80 إلى 90 دولة في العالم حيث الاعتماد الكلى ليس على الاحتياطيات أو تدفق رأس المال ولكن على التدفق النقدي نتيجة لتصدير السلع الأساسية كالبترول أو السلع الصناعية ومثال لذلك الصين.

فبالرغم أن الصين تملك أكثر من 2 تريليون دولار احتياطيات نقدية يمكن لها أن تستخدمها في تلك الأزمة إلا أن المشكلة التي تواجه الصين ليست مشكلة تمويل إنما المشكلة التي تواجها هي مشكلة أسواق تعاني من الجفاف وصعوبات في التصدير لدول تعاني من أزمات مالية.

واستكمالاَ للتأثيرات الاقتصادية على الدول الناشئة أصدرت منظمة العمل الدولية بيانًا أشارت فيه إلى ارتفاع معدلات البطالة في العالم وأن نسبة العاطلين عن العمل قد ترتفع من 190 مليون شخص إلى 210 مليون شخص نهاية العام القادم، كما ارتفعت البطالة داخل الولايات المتحدة الأمريكية لتصل إلى 6.1 % في أغسطس الماضي وهو أعلى معدل منذ سبتمبر عام 2003 كما فقد 159 ألف وظائفهم خلال شهر سبتمبر الماضي فقط.

عالمية التأثير

يمكن رصد عالمية الأزمة وتأثرات دول العالم بالأزمة المالية الأمريكية من خلال عدة عوامل تصب جميعها في غياب الثقة في السياسة الاقتصادية الأمريكية، وتلك العوامل تتمثل في:

العامل الأول: تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مستورد في العالم حيث بلغت وارداتها 1919 مليار دولار أي 15.5% من الواردات العالمية عام 2006 وعند حدوث بوادر الكساد الاقتصادي في الولايات المتحدة ينعكس الأمر على صادرات البلدان الأخرى مثل البترول الذي تنهار أسعاره يوما بعد يوم.

العامل الثاني : حركة رءوس الأموال والاستثمارات في الدول الناشئة وخاصةً في أسواق المال . حيث تعرض أصحاب هذه الأموال للخسائر في بلدانهم يدفعهم إلى تسوية مراكزهم وتعويض خسائرهم ببيع أسهمهم في تلك الدول الناشئة.

العامل الثالث: هبوط أسعار الصرف وخاصة الدولار الذي هبط سعره مقابل العملات الرئيسة. وكثيرًا من هذه الدول يربط عملته بالدولار وكثيرًا من هذه الدول أيضًا تحتفظ بالاحتياطيات النقدية بالدولار وبالتالي عند حدوث أي هبوط لسعر الدولار يعني بالضرورة انخفاض مماثل في عملات تلك الدول .

العامل الرابع: حركة السياحة العالمية، فكثيرًا من الدول الناشئة تعتمد في جزء كبير في ميزانياتها على الإيرادات السياحية وفى مثل تلك الأحوال الاقتصادية الصعبة تقل حركة السياحة العالمية مما قد يسبب ضررًا لهذه الدول.

العامل الخامس: الاحتياطيات الدولية والاستثمارات للدول الناشئة في مؤسسات المال الأمريكية. وبالتالي عند تعرض هذه المؤسسات للانهيارات إلى جانب التخفيض المستمر لأسعار الفائدة من قبل الفيدرالي الأمريكي أصاب الاستثمارات والاحتياطيات لهذه الدول بخسائر كبيرة.

الصين أقل الدول خسارة

في سؤال حول مدى تأثر الصين بالأزمة الاقتصادية، وكيف يمكنها استخدام الاحتياطيات النقدية لمواجهة الأزمة ؟، يقول سايمون جونسون:إن الاقتصاد الصيني يعتبر من أكبر الاقتصاديات في العالم حيث يُسهم بنسبة 10% من الناتج الإجمالي العالمي، ولديه احتياطيات تقدر بمبلغ 2 تريليون دولار وهى قوة شرائية كبيرة يمكنها أن تلعب دورًا كبيرًا في حل الأزمة المالية العالمية، ولكن الصين ليست من الدول التي قد تساعد في حل المشكلات الاقتصادية العالمية. كما أن الاقتصاد الصيني يعاني من عدم المرونة والاعتماد الكامل على التصدير ومع الصعوبات المالية التي يعاني منها العالم بالطبع سيتأثر الاقتصاد الصيني .

أما تيموثى أدامز Timothy D. Adams فيؤكد أن لدى الصين قدرات مالية هائلة واحتياطيات نقدية كبيرة يمكن من خلالها مواجهة الأزمة بالاعتماد على الاستثمارات الحكومية في الداخل فلديها القدرة المالية لبناء كثيرٍ من السكك الحديدية والطرق السريعة والجسور والكباري والمدارس والمباني العامة والمشكلة التي تواجه الصين في الفجوة الزمنية حتى تظهر إثر تلك التدفقات. أما بالنسبة للصادرات الخارجية فإن معدل النمو بالطبع سينخفض بعد أن بلغ 26% العام الماضي منها 40% للولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. وقد ينخفض معدل النمو ليصل إلى 8% وهو معدل منخفض بالنسبة لتحقيقه معدلات تصل إلى 13 و 14%.

مستقبل الاقتصاد الأمريكي

وحول مستقبل الاقتصاد الأمريكي في ضوء الاعتماد الكبير على الاستثمارات الخارجية المباشرة لتمويل العجز في الحساب الجاري وندرة المدخرات المحلية، يرى تيموثى أدامز Timothy D. Adams أن الاقتصاد الأمريكي يتصف بالاعتماد الكبير على الاستثمارات الخارجية بمعدل 2 مليار دولار يوميا وبالإنفاق الاستهلاكي الكبير وندرة الادخار المحلى، ويضيف أن 50% من الأسر الأمريكية أي حوالي 60 مليون أسرة أمريكية مدينة بأكثر ما تملكه من ممتلكات بما في ذلك بيوتهم وسيارتهم وأنهم يعيشون بصفة أساسية على الائتمان فمتوسط عدد بطاقات الائتمان لكل شخص 10 بطاقات ائتمانية ولحل الأزمة المالية مستقبلاً يجب أن تتغير هذه الأمور. ويضيف أيضًا على المواطن الأمريكي أن يعيش في حدود إمكانياته الفعلية وأن يتحكم في استهلاكه وخاصةً عند شراء المساكن وتقليل استهلاك السلع الكمالية المستوردة. كما يجب على الحكومة التركيز على الاستثمارات المباشرة في القطاعات الإنتاجية (الاقتصاد الحقيقي) والتقليل من الاستثمار في قطاع العقارات الذي تضخم بشكل واضح وأصبح هناك فائض كبير به وهو ما أدى للأزمة الموجودة الآن.

أما سايمون جونسون Simon Johnson فقد ركز حديثه على مشكلة الإسكان والرهن العقاري وأن على الحكومة الأمريكية إذا أرادت حلاً للأزمة الاقتصادية تغير السياسة العامة من الاعتماد الكامل على دعم الشركات والمؤسسات المالية خلال الفترة الماضية إلى ضرورة التدخل السريع لكسر حدة الديون العقارية وهبوط أسعار المنازل وإيجاد السبل لإبقاء الناس في منازلهم وإعادة هيكلة الرهون العقارية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 7/كانون الثاني/2008 - 8/ذي الحجة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م