شبكة النبأ: يبدو ان العنف المتبع
كمنهج ضد الأطفال في أفغانستان لم تنتهي حلقاته المتسلسلة، بل انها
توسعت لتشمل أطفال المدارس في محاولة من الزمر الإرهابية للقضاء
على الحركة الطلابية المدرسية ولاسيما الاعتداءات الاخيرة التي
طالت فتيات المدارس، ظناً من هذه العصابات العودة إلى الوراء
بالوقت لإشاعة الخوف بين صفوف الأفغان، في الوقت الذي كان محرّماً
للفتاة دخول المدرسة.
(شبكة النبأ) في سياق التقرير التالي تسلط الضوء على موضوعة
الاطفال في افغانستان، والتي تتراوح بين الفقر والاستجداء
والاعتداء عليهم، في حلقات عنف متكررة:
تزايد العنف ضد الاطفال
ذكر تقرير للامم المتحدة ان انتهاكات حقوق الاطفال تتزايد في
افغانستان مع زيادة الهجمات على المدارس ومقتل مزيد من الاطفال
وظهور مزيد من الادلة على الاستغلال الجنسي للاطفال.
واستخلص تقرير المنظمة الدولية نتائجه مستندا الى بيانات من
وكالات تعمل في انحاء افغانستان وتقارير او مزاعم عن الانتهاكات ضد
الاطفال. بحسب رويترز.
وقالت هيلدا اف. جونسون نائبة المدير التنفيذي لصندوق الامم
المتحدة للطفولة (يونيسيف) لرويترز: التقرير يبين حقا مدى صعوبة
الوضع وأنه يتفاقم الى حد ما.
واضافت، هذا ينطبق على عدة انتهاكات وخصوصا الهجمات على المدارس
والمراكز الصحية والقتل والتشويه والعنف الجنسي الخطير كما ينطبق
الى حد ما على تجنيد الاطفال (في الجماعات المسلحة).
وذكر التقرير الذي اعده يونسيف للامين العام للامم المتحدة بان
جي مون حالة طفل عمره 12 عاما استخدمته طالبان كمفجر انتحاري يوم
16 مايو ايار 2008.
وقال الصندوق ان العمليات العسكرية الغربية تقتل مزيدا من
الاطفال واشار الى هجوم جوي في يوليو تموز قتل فيه 47 مدنيا من
بينهم 30 طفلا.
واحتوى التقرير على حالات موثقة تفيد بقيام قوات الامن
الافغانية بتجنيد اطفال اعمارهم بين 15 و17 عاما لكن جونسون قالت
ان الاطفال يخطفون ويجبرون على الانضمام الى الجماعات المسلحة الا
نادرا وان الفقر هو ما يدفع أغلبهم للانضمام اليها.
وقالت جونسون قبل اجتماع مع وزير الداخلية الافغاني الذي تتوقع
ان تناقش خلاله نتائج التقرير: عندما يتيتم الاطفال او يكونون في
وضع لا يجدون فيه القوت أو يعانون شدة الفقر وليس لديهم بدائل يصبح
من السهل جدا تجنيدهم.
واشتركت الحكومة الافغانية في اعداد التقرير وقالت جونسون ان
التعاون كان جيدا واشارت الى ضرورة معالجة المفاهيم الثقافية بخصوص
الاطفال في افغانستان.
وذكرت جونسون انه وفقا للتقاليد في افغانستان يعتبر الاطفال فوق
15 عاما بالغين بينما يعتبرهم القانون الدولي أطفالا حتى يبلغوا 18
عاما.
الطفولة الأفغانية وظاهرة الاستجداء
تبدأ فتاة الحادية عشرة ربيعاً الأفغانية بانافشا يومها
بالاستيقاظ باكراً في كوخها الطيني وتتناول كأسا من الشاي لتنطلق
خارجاً إلى عالم مجهول لا تعرف ما يحمله لها معه نهارها.
بانافشا، هي كما الآلاف من صغار أفغانستان التي مزقتها الحروب،
المعيل الوحيد للأسرة وأخوتها الصغار.
فعودتها المتأخرة للمنزل دون الرغيف الذي تستجديه من الغرباء
لسد رمق أخواتها وشقيقها الرضيع وأمها، مسألة مصيرية لها. بحسب
(CNN).
وبغياب والد بانافشا المدمن على المخدرات فإن كامل المسؤولية
تقع على عاتق الصغيرة التي تتوجه كل يوم بعيداً عن منزلها لتجوب
الأحياء الغنية في العاصمة الأفغانية كابول بأمل أن يعطف عليها أحد
الأثرياء وتأمين لها بعض الطعام أو المال.
وتقول الصغيرة إنها لا تشعر بالمرارة رغم ظروفها، وتهوّن بالقول
إن شقيقتيها: تستجديان أيضاً وتبيعان اللبان.. ليس لدينا خيار.
وعندما تقترب من منطقة وزير أكبر خان التي تعج بالدبلوماسيين
وموظفي وكالات الإغاثة تلتفح الصغيرة بوشاح مصنوع من كيس رز، وتطلب
بصوت صغير: سيدي هل لديك بعض الخبز.
وخلال جولتها التي تمتد على فترة ست ساعات من منزل لآخر، تشاهد
بانافشا متمسكة بشدة بكيس غلتها مدركة أن الخطر قد يكون متربصاً
بها عند كل منعطف تسلكه حتى في الأحياء الغنية.
وتشرح بطريقة تشعرك أنها أكبر من سنواتها الـ11 بعقود: قبل عدة
أيام، تم خطف بعض الفتيات في هذه المنطقة، كما فقد عدد من الأشخاص،
مازالت أمهات هؤلاء الفتيات تأتين إلى هنا بحثاً عنهن، لكنهن مازلن
في عداد المفقودين.
ومع غياب الشمس مبكراً بسبب فصل الشتاء، إلا أن الصغيرة لا تأبه
بذلك، وتجدها تستجدي في شوارع مظلمة معولة على حلول الساعة السادسة
وهي وقت الذروة للتوفيق بتعبئة كيسها.
لكن رغم الدموع المجمعة في حدقتيها رافضة إطلاق العنان لها،
تقول وهي تمسح وجنتيها وتضع إبهامها بين شفتيها كأي طفلة في وضع لا
يحسد عليه، إنها تصلي كل يوم وتتضرع لربها قائلة: يا الله أخرجني
من هذا الفقر وأجعل أبي يعمل كي أتمكن من الذهاب للمدرسة.
بانافشا لها أحلام أيضاً، فهي تأمل أن تصبح في يوم من الأيام
معلمة، خاصة وأنها تخصص كل يوم ثلاث ساعات بعيداً عن الاستجداء
لدخول صف تابع لإحدى المنظمات الأفغانية غير الحكومية يطلق عليه
اسم "أشيانا" يوفر قدرا لا بأس به من التعليم يقابله قدر كبير
بالحلم بمستقبل جيد.
يُذكر أن أول مركز من هذا النوع كان قد افتتح عام 1995 لمائة
طفل وطفلة، وبحلول العام الجاري أصبح هناك ثمانية مراكز تضم 7600
من أطفال أفغانستان في كابول لوحدها.
وكانت المنظمة التي تدير هذه المراكز قد اعتقدت أنها نجحت في
تأمين بعض التمويل في مارس/ آذار الماضي عبر بعض الاتصالات، إلا
أنها مازالت تنتظر قدومها حتى الآن، وأضطرت في يونيو/ حزيران على
إغلاق أربعة مراكز، معيدة أربعة آلاف بريء إلى الشوارع دون إنقاذ
الساعات الثلاث المخصصة لمستقبلهم.
وحتى الحصول على مساعدات إضافية تنقذ باقي المراكز وتبعد أطفال
أفغانستان عن الشوارع والاستجداء، تواصل بانافشا حياتها كالمعتاد
وتعود لحضن أمها ببداية المساء مرهقة.. لكن سعيدة بغلتها من الخبز
وفي حال حالفها الحظ، ببعض المال الذي قد يصل إلى 50 سنتاً.
لكن عندما يغفو جفنا الصغيرة بعد يومٍ مضنٍ بانتظار الغد الذي
سيحملها إلى شوارع كابول المكتظة بـ60 ألف طفل وطفلة يستجدون، تحل
الأحلام الكبيرة بمستقبل مختلف في خيال بانافشا.
الهجوم على الطالبات الافغانيات لحرمانهن
من الدراسة
قالت احدى ضحايا هجوم بمادة كاوية على تلميذات في أفغانستان
إنها عاقدة العزم على البقاء في المدرسة واتمام تعليمها حتى لو كان
ذلك يعني المخاطرة بحياتها.
وكانت الفتاة التي ذكرت ان اسمها شمسية هي التي لحقت بها اخطر
اصابة ضمن مجموعة من الفتيات اللاتي تعرضن لهجوم أمام مدرستهن على
يد رجال مجهولين في مدينة قندهار بجنوب أفغانستان. بحسب رويترز.
وقالت شمسية من على فراشها في مستشفى أفغانستان العسكري الرئيسي
في كابول: سأواصل دراستي حتى لو حاولوا قتلي. لن اكف عن الذهاب الى
المدرسة.
وتعرضت شمسية (17 عاما) لاصابة في احدى عينيها عندما نزع الرجال
اغطية الرأس التي ترتديها الفتيات والقوا بمادة كاوية على وجوههن.
وجرى نقل شمسية الى مستشفى في العاصمة للعلاج.
ولم تعلن اي جهة مسؤوليتها عن الهجوم لكنه يحمل بصمات طالبان
التي حظرت على الفتيات الذهاب الى المدارس خلال فترة حكمها التي
امتدت بين عامي 1996 و2001.
وهاجم مقاتلو طالبان مئات المدارس في انحاء البلاد ودمروها منذ
الاطاحة بهم من السلطة في عام 2001 بعد هجمات 11 سبتمبر ايلول على
الولايات المتحدة.
ورغم مقتل البعض من المدرسين وعمال المدارس الا ان معظم الهجمات
على المدارس جرت ليلا ونادرا ما وقعت اعمال عنف ضد اطفال.
وقالت شمسية التي كان معظم وجهها مغطى بمرهم اصفر انه يتحتم
عليها ان تنهي دراستها حتى يتسنى لها مساعدة بلادها.
وابدت نجيبة نورسستاني وهي مسؤولة كبيرة بالتعليم موقفا ينم عن
التحدي ايضا اثناء زيارة شمسية في المستشفى.
وقالت: هذه الحوادث وهذه الهجمات الانتحارية لا يمكن ان تمنع
التعليم في أفغانستان خاصة بالنسبة للفتيات.
وقال الطبيب محمد والي الذي يشرف على علاج شمسية ان الفتاة
تعاني من اصابة في احدى عينيها لكنها في حالة طيبة. واضاف ان لجنة
طبية ستقرر ما اذا كانت تحتاج للسفر الى الهند للعلاج ام لا.
الإعاقة تحرم الأطفال من التعليم
فقد عبد اللطيف ساقيه في انفجار لغم أرضي في عام 2002 بعد وقت
قصير من بدء دراسته الابتدائية في إقليم قندهار بجنوب أفغانستان.
وهذا الانفجار لم يسلبه فقط ساقيه ولكن حرمه أيضا من فرصة التعليم.
و في مقابلة له مع إيرين في كابول تساءل عبد اللطيف: كيف يمكنني
السير إلى مدرستي الآن؟ وكيف يمكنني صعود السلم؟ وكيف يمكنني اللعب
مع الأولاد الآخرين؟ ومن الذي سيأخذني إلى المرحاض؟.
كل ما يتذكره فقط هو انفجار كبير في يوم مشمس عندما وضع قدمه
على لغم أرضي مدفون. وقد أخبر الجراحون عبد اللطيف أنه من أجل
الحفاظ على حياته ليس لديهم خيار سوى بتر ساقيه.
وقد قال عبد اللطيف مشيرا إلى أطرافه الصناعية: لقد كنت حزينا
ولكن الأطباء أكدوا لي أنهم سوف يعطونني ساقين صناعيين وأنني سوف
أتمكن من السير بسهولة.
ولكن فعلياً لا يتمكن عبد اللطيف سوى السير بصعوبة شديدة
ولمسافة قصيرة حتى باستخدام عكازيه. وهو يعتمد بصورة دائمة على
كرسيه المتحرك الذي يدفعه بيديه. ويقول عبد اللطيف أن أطرافه
الصناعية والعكازين والكرسي المتحرك ثبت عدم جدواهم في مساعدته على
صعود السلم أو القفز فوق جدول صغير للمياه.
طبقا لدراسة يرجع تاريخا لعام 2005 أجرتها منظمة الإعاقة
الدوليةHandicap International وهي منظمة غير حكومية تدعم متحدى
الإعاقة، يوجد على الأقل 200 ألف طفل في أفغانستان يعيشون بإعاقة
دائمة (اعتلال جسدي أو ذهني أو حسي).
وقد ذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن ثلاثة عقود من
النزاعات في البلاد خلفت ورائها ألغاما أرضية ومتفجرات من مخلفات
الحرب مبعثرة في أرجاء البلاد وهو ما يتسبب في قتل أو تشويه ما
يقرب من 60 شخص شهريا معظمهم من الأطفال.
وما زال على أفغانستان الانضمام إلى 134 دولة أخرى قامت
بالتوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقات
والتي تطلب من الدول الموقعة عليها ضمان: عدم استثناء الأطفال
المعاقين من التعليم الابتدائي الإلزامي المجاني أو التعليم
الثانوي.
وقد ذكر المسئولون أن نقص الموارد والتوعية والدعم الحكومي
الهزيل قد ساهم في خلق موقف وجدت فيه المدارس نفسها دون الحد
الأدنى من المرافق اللازمة للأطفال المعاقين.
وفي تصريح له لـ "إيرين" قال باروين أزيمي خبير قضايا الأطفال
في اليونسكو في كابول أن حوالي 75% من الأطفال المعاقين لا يذهبون
إلى المدارس.
وصرح مسئولون بوزارة التربية والتعليم أن نقص المرافق الخاصة
بالأطفال المعاقين كان العقبة الرئيسية أمام تعليمهم.
وفي تصريح له لـ "إيرين" قال عظيم كربلائي مدير التخطيط في
وزارة التربية والتعليم أنه: بسبب نقص الموارد والخبرة فإن
استراتيجيتنا لدعم تعليم الأطفال المعاقين ظلت فقط حبرا على ورق.
على الرغم من عدم وضوح العدد الحقيقي للمواطنين الأفغان ذوي
الإعاقات، فقد قدرت دراسة أجرتها منظمة الإعاقة الدولية تعدادهم بـ
800 ألف معاق في عام 2005، مشيرة إلى أن أكثر من نصف هذا العدد
تتراوح أعمارهم دون التاسعة عشر. ومنذ عام 2005 ومع اتساع الصراع
في البلاد وتدفق العائدين إلى الوطن فقد زاد هذا العدد طبقا لما
ذكره الخبراء.
وإذا كان من الصعب بما فيه الكفاية على الدول الغنية التعامل مع
قضية الإعاقة، فإن صعوبة الأمور تكون مضاعفة عندما يعيش أكثر من
نصف السكان على أقل من دولارين في اليوم في دولة كأفغانستان.
ويقول حضرت جول وهو رجل معاق في كابول: نحن نشعر بأنه قد تم
إقصاؤنا من المجتمع، مضيفاً كل شيء من وظائف وتعليم ومواصلات
وترفيه معد للشخص سليم البنية أما نحن فليس أمامنا سوى الشارع
نتسول فيه لكي نعيش. |