يزدحم الشارع العراقي هذه الأيام بموضوع الانتخابات المحلية
الثانية من نوعها، بعد أن جرت الأولى في كانون الثاني عام 2005
والتي يعتقد اغلب المراقبين بأنها ستمثل منعطفا مهما في نوع القوى
والشخوص الفائزة والأداء المستقبلي لهم.
المجالس السابقة وكما هو معروف لدى الكثير لم تكن سوى صورة
انعكاسية مصغرة شابهت تشكيلة البرلمان العراقي، والذي كان التقسيم
الطائفي معيار لانتخابه، ورغم إن اغلب مجالس المحافظات كانت من نفس
المكون الديموغرافي والاثني لتلك المحافظة إلا إن اغلبها فشلت
بتقديم ما هو مفيد لأبناء جلدتها.
أما من جانب الحكومة المركزية فإنها عانت من صعوبة واضحة
بالتعامل مع تلك المجالس التي كان من المفترض أن تكون بمثابة العضد
المتين لسابقتها لمساعدتها في تنفيذ مشاريع الأعمار و البناء
كونها مختصة تنفيذيا أكثر منه سياسيا، إلا إنها لم تحقق انجازات
معتد بها في ذلك إلا القليل جدا.
اليوم وبعد أن أصبحنا على مسافة زمنية قريبة جدا من موعد
الانتخابات المحلية، نحتاج الى وقفة تأملية وتدقيقية لتشخيص ما
نحتاجه في القادم من الأيام، كون التجربة الحالية ستظهر مدى
استفادتنا من أخطاء سابقتها أم لا، وكيفية المعالجة لطريقة
الاختيار العشوائي مضافا الى نظام القائمة المغلقة في السابق.
المتغيرات كثيرة ومهمة أولها النظام الجديد للقائمة المفتوحة
والتي تمكن الناخب من معرفة الشخص المرشح بذاته، وثانيها معرفة ما
نحتاجه مستقبلا وهو الوطني الكفء في إدارة المنصب الذي سيشغله عن
قدرة وكفاءة ونزاهة وان يكون قد ولد من رحم المعاناة التي عاشها
هذا الشعب ليفهم لغة المظلومين حين يتحدثون، ولا يشغله اللغط
السياسي عن دوره المناط به ويكون ممن يتحدث القليل ويعمل الكثير.
ومن هنا لابد لنا وكلا من موقعه إن نؤدي واجبنا الأخلاقي تجاه
الممارسة الانتخابية كثقافة ومفهوم واستحقاق وطني يساهم مساهمة
فعالة في إحداث توازن سياسي و مقدمة مهمة لتغيير الأوضاع وتهيئة
الجو المناسب لاحتمالية النجاح المقبل ونرى ذلك من خلال:
1- يجب أن نعرف إن الانتخابات تقع في طرفي معادلة مفادها إن من
ينتخب له حق في المشاركة في التغيير والنقد والانتقاد والاعتراض
آنيا ومستقبلا كونه طرفا مهما في الممارسة وهو شريك حقيقي في تجارة
الانتخابات بسهم (صوته)، وهذا الحق سيفقده من لا ينتخب كونه لم
يدخل المعادلة منذ البداية فليس له الحق مستقبلا أو حاضرا في
انتقاد الأوضاع كونه لم يساهم في محاولة التغيير، بل هو في حقيقة
الأمر جزء من تسييرها نحو الاسوء لعزوفه عن الانتخابات.
2- قد لا تكون المحاولات الأولى دائما مصيرها النجاح ولكن حتمية
نجاحها في التكرار، فلم نجد تجربة نجحت منذ المحاولات الأولى بل إن
اغلبها تكرر عشرات المرات وهنا يكمن سر المطاولة والصبر في قطف
الثمار، لذا ما نحن بحاجته اليوم هو أن يكون لدى مواطنينا مفهوم
الثبات على المطلب ولو بعد حين حتى الوصول الى النتيجة، وترجمة ذلك
بعدم ترك مواقعنا الانتخابية شاغرة .
3- إن آلية الانتخابات السابقة لم تكن مركزة على اختيار الشخص
بذاته وبمقاييس عملية او معيارية بقدر ما كانت تظاهرة شعبية
بمواصفات عاطفية موجهة ضد الرافضيين لعملية التغيير السياسي في
البلاد والحكم الشمولي السابق، مركزة على أهمية إنجاح التغيير
الجديد وتثبيته بغض النظر عن شخوص المرشحين وهذا ما لا يوجد الآن
بعد زوال حالة الاحتقان الطائفي والتحسن الأمني الواضح.
4- إن موضوع الانتخابات يجب أن يكون مبدأ ومنهاجا لكل الفئات
العمرية ليكون ممارسة دائمة حتى في مدارسنا الابتدائية والثانوية
ولو بشكل مبسط وغير رسمي لتنمية قدرات الصغار والناشئة على التهيؤ
المستقبلي لها وإعطاء النبذ المختصرة عن الشعوب الممارسة لتجربة
الانتخابات وانعكاسها الايجابي في بناء الأوطان.
5- إن إخفاق شخص أو أكثر في المناصب الحالية لا يعني بالضرورة
فقدان الممارسة لقيمتها الذاتية بل هي حالة طبيعية لآلية الانتخاب
السابق الذي اجمع الأغلب على خطأه، فما نحن بحاجته الآن التدقيق
في من سننتخب مستقبلا؟، وهو واجب وطني وأخلاقي وشرعي ويترتب عليه
فشل أو نجاح التجربة القادمة أيضا.
6- مضافا إلى ما تقدم يجب فهم شيء مهم وهو إن الانتخابات لن
تكون العصا السحرية التي ستغير كل سيء الى ايجابي في ليلة وضحاها
بل هي خطوة من خطوات التغيير الكثيرة التي يحتاجها كل فرد منا
يبتدئ بذاته فيغيرها ومن ثم عائلته وتأثيره الايجابي في المجتمع،
باحترامه للقوانين والأنظمة والمثابرة على العلم والمعرفة والنشاط
في بناء بلده، وكل من موقعه يساهم بتغيير الواقع لمزري الحالي الى
واقع آخر بمقدار ما يجيده من فن في الكتابة أو الإدارة أو الدراسة
أو السياسة وغيرها وهي بجميعها خطوات تكمل بعضها بعضا في البناء
الجديد.
لعل الكثير يرى في الانتخابات القادمة فرصة كبيرة للتغيير
والإصلاح ونحن نتفق معه في ذلك، فعناصر القوة مازالت قائمة ومعززة
بإيجاد البديل الأفضل لمن لم يكن على مستوى المسؤولية المناطة به،
أما غير ذلك من العزوف عن الانتخاب والأعذار غير المنطقية فلن يكون
مصيرها إلا ثمرة غير طيبة، مترجمة بشخوص ليس بمقدورهم تقديم شيء في
مجالس المحافظات القادمة وهذا ما لا نتمناه.
* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://shrsc.com |