ظاهرة السجال والتشظّي السياسي في مجلس النواب العراقي

إعداد: ميثم العتابي

شبكة النبأ: في ظاهرة عدّها البعض صحية والبعض الأخر غير مجدية، بل ذهب في وصفه بأنها مفبركة ومصطنعة عبر سيناريو درامي، هذا ما عبر عنه الشارع العراقي بتنوعه وتلونه، واصفاً الجلسة الاخيرة لمجلس النواب العراقي، حيال الإتفاقية الامنية، والمشروع العراقي الامريكي، حيث تطورت لتصبح كلاما خارج الحدود المعتادة، أو لتصل في بعض الاحيان إلى الإعتداء كما جرى مؤخراً.

(شبكة النبأ) في سياق التقرير التالي تسلط الضوء على تداعيات جلسة مجلس النواب الاخيرة التي شهدت مختلف انواع الفوضى والتعدي وعدم اللياقة، مع عرض لآراء الشارع العراقي:

المجتمع البغدادي ومسرحية السجال المتواصل

اعتبر عدد من البغداديين السجالات الدائرة في مجلس النواب، بشأن اتفاقية سحب القوات الأمريكية من العراق بأنها مظهر للديمقراطية وتطبيق حقيقي لحرية الرأي، فيما وصفها مواطن بأنها أشبه بعرض مسرحي درامي.

وقال نزار الهاشمي ( 46 عاما) وهو صحفي مستقل من أهالي بغداد: إن ما حصل في جلسة البرلمان أمر ذو وجهين، الوجه الأول يؤكد أن العملية الديمقراطية وحرية الرأي والرأي الآخر تسير باتجاهها المتصاعد في العراق. بحسب أصوات العراق.

وأردف: أما الأمر الثاني فقد يشير إلى عدم ترسيخ الممارسة للعملية الديمقراطية لدى عدد كبير من السياسيين حيث مازال هناك فرض للرأي من خلال الخطابات الحماسية ومحاولة التأثير على الرأي الأخر ، وعدم التدليل على الرأي المعارض بالحجة القانونية.

وشهدت جلسة البرلمان، سجالات بين النواب حول دخول أفراد الحمايات إلى داخل قبة البرلمان وهم مسلحين، واستهلت الجلسة بمطالب بعدم إدخال عناصر حمايات النواب الذين يحملون السلاح داخل قبة المجلس، واثر ذلك دعا رئيس المجلس محمود المشهداني أفراد الحماية الذين يحملون السلاح إلى الخروج من الجلسة، ليثور الجدل بين نواب من الكتلة الصدرية والمشهداني لاعتراضهم على القراءة الثانية للاتفاقية مع الولايات المتحدة.

وكانت جلسة البرلمان قد شهدت الكثير من السجال والمواقف المحتدمة بين النواب بشأن اتفاقية سحب القوات الأمريكية من العراق من جهة، وبين عدد من النواب ووزير الخارجية من جهة أخرى، كما شهدت الجلسة ما وصفته الكتلة الصدرية باعتداء حماية الوزير على أحد نوابها، لتتطور الأمور بعدها إلى الحد الذي اضطر رئيس المجلس لرفع الجلسة.

ويرى بلال محمد ( 30) عاما ، معلم في إحدى المدارس الابتدائية في حي الشرطة جنوب غربي بغداد، أن السجالات الدائرة في مجلس النواب حول اتفاقية انسحاب القوات: دليل واضح على الاهتمام العالي لممثلي الشعب بالقضايا المصيرية.

واعتبر محمد أن هذه السجالات تدل على وجود ديمقراطية حقيقية داخل البرلمان وحرية الرأي والسماع للرأي الآخر، لكي لا تمرر مثل هذه الاتفاقيات بسهولة، خصوصا وان هذه الاتفاقية مثيرة للجدل.

وأضاف محمد إن قرار هيئة رئاسة مجلس النواب بعرض جلسات البرلمان على شاشات التلفزيون: قرار صائب ليطلع الشعب العراقي على كامل التفاصيل والمجريات، وهو بالحقيقة ظاهرة صحية.

وقررت هيئة رئاسة البرلمان في الجلسة عرض الجلسة كاملة من دون حذف مثلما جرت العادة خلال المدة الماضية التي كان يتم فيها عرض الجلسات بتأخير أكثر ساعة بعد حذف مقاطع منها حين تكون هناك سجالات بين النواب وممثلي الكتل.

على الجانب الآخر يرى الحاج علي صكر علي (62 عاما) وهو متقاعد يجلس في مقهى بشارع السعدون وسط بغداد، وهو يمارس لعبة الدومينو مع أقرانه، بينما تبث قناة العراقية بشكل مباشر جلسات البرلمان خلال التلفاز: السجالات في البرلمان أشبه ما تكون بمسرحية درامية فيها مشاهد لحوارات ساخنة ومؤثرة ومشاجرات ومشادات كلامية. وأضاف، إنه صراع بين جهتين مختلفتين في وجهات النظر والكل يعتقد أنه على حق.

وتدعو الكتلتان الرئيسيتان المشاركتان في تشكيل الحكومة، الأئتلاف العراقي الموحد بنوابه الـ 83، والتحالف الكردستاني بنوابه الـ 55، إلى تمرير الاتفاقية في البرلمان، فيما اشترطت جبهة التوافق العراقية (38 نائبا) وهي الكتلة الثالثة المشكلة للحكومة التعهد بإطلاق سراح المعتقلين من السجون للتصويت إيجابيا للاتفاقية، فيما أعلنت الكتل المعارضة للحكومة في البرلمان (التيار الصدري بنوابه الـ 29، والقائمة العراقية بنوابها الـ 19، والكتلة العربية للحوار الوطني بنوابها الـ 18، وحزب الفضيلة بنوابها الـ 15) عن عدم رضاها على تمرير الاتفاقية. ويبلغ عدد أعضاء البرلمان العراقي 275 عضوا.

وأضاف الحاج علي: نحن ننتظر الفصول الأخيرة من المسرحية، أي النهاية، التي نتوقع من خلالها أن يكون هناك توافق كالمعتاد، والخروج بقرار نهائي مفاده إضافة تعديلات أخرى على الاتفاقية، بعد أن تعاد المسودة إلى مجلس الوزراء ثم تعود إلى البرلمان مرة أخرى.

أما السيدة أم تحسين (44 عاما)، وهي بائعة خضار في احد الأسواق الشعبية في مدينة الصدر شرقي بغداد، فتعترف بأنها لا تتابع نقاشات البرلمان التي تنقلها فضائية العراقية وتقول: أنا لا أفهم أي شيء عن الاتفاقية، لكنني اسمع من الناس في السوق بأنها ستجعل من أمريكا وصية على العراق.

الشارع البصري يبحث عن النضج في الخطاب السياسي

وصف بصريون السجالات التي دارت في جلسات مجلس النواب بأنها سجالات تفتقر للرؤيا الواضحة و النضج السياسي لكنها على الرغم من ذلك فهي دليل عافية، فيما حمل احدهم الحكومة مسؤولية ذلك لعدم تمتعها بالشفافية في عرض بنود الاتفاقية على البرلمانيين والمواطنيين في وقت مبكر، على حد قوله.

وقال كريم جخيور 45 عاما (موظف) يسكن القبلة غربي البصرة قال: أرى بصراحة عدم وجود رؤيا واضحة لجميع الكتل السياسية في البرلمان، وأن النواب الذين تجمعوا لإدارة دفة البلد انشغلوا بالتراشق بالكلام وغيره عبر حاضناتهم الحزبية والطائفية والعرقية ولم تتبلور لديهم اي فكرة واضحة عن مصلحة العراق ومستقبله. بحسب أصوات العراق.

وأوضح: من خلال ما شاهدت على شاشة التلفاز استطيع ان أقول ان ليس لدى اغلب النواب ابسط اشكال النضج السياسي الذي يسعى لتوحيد البلد بل صراعا حادا سيلقي بظلاله على الشارع العراقي.

وأشار إلى أن احد الاحزاب القريبه منه قالوا لانوقع على الاتفاقية عن قناعة أو عدمها لأنها مسؤولية تأريخية، مستدركا ارى ان هذا الموقف يفتقر للشجاعة لأن عدم توقيعها إذا كانت جيدة فهي مسؤولية تاريخية ايضا.

وقال ابراهيم البطاط 56 عاما (نقيب المعلمين في البصرة): هناك سجالات سياسية لكنها ليست مبدئية واقل ما يقال عنها هي مجرد مزايدات من اجل الانتخابات.

وأضاف، أن وزير الداخلية السيد زيباري لم يكن دبلوماسيا وهو رأس هرم الدبلوماسية العراقية ويجب ان يبرهن على هذا الاساس الرؤيا الصحيح للنهج الديمقراطي الجديد الذي ننشده في العراق.

وأشار إلى  ان جميع السجالات داخل البرلمان مهما كانت اذا لم تكن نتيجتها استعمال الايدي  كما حدث بين النائب المسعودي وحماية وزير الخارجية فهي سجالات صحية وتعبر عن مظاهر عافية في الحراك السياسي .

لافتا إلى أن كل برلمانات العالم تحدث فيها سجالات سياسية مستدركا، ولكن ليس كما حدث اليوم والامس في مجلس النواب.

من جانبه عباس الجوراني 50 عاما موظف يسكن منطقة الجمهورية أن: ماحدث هو درس مهم للحكومة اذ انها لم تطلع الشعب ولا البرلمان على بنود الاتفاقية الامر الذي تسبب بمثل هذه التصرفات التي لا نحسد عليها من قبل بعض النواب.

واستطرد: ارى أن هذا الهرج والمرج والتوتر والتخندق ينطلق من حسابات خاصة وبالتحديد حسابات حزبية وفئوية خلفيتها الانتخابات القادمة.

وحمل الجوراني الحكومة نتيجة ما حدث موضحا: تتحمل الحكومة جزء كبير من هذا لانها لم تطلع حتى الفعاليات السياسية على بنود الاتفاقية باكرا، مما خلق المزيد من التأزم حد الاعتداء والتشابك بالايدي. معتبرا هذا السلوك يفتقر الى الشفافية سيفضي بالاساس لخلافات اشد.

الموصليون يستهجنون أفعال البرلمان وطريقة حسمه للقضايا المصيرية

في مقهى شعبي بمنطقة الدواسة وسط الموصل يتقاطع صوت المعلق الرياضي مع ضجة الجالسين وصوت قطع الدومينو. وسط هذا اتخذ إحسان محمد (28 عاما)  ركنا قصيا في المقهى وقال معلقا على الجلسة الأخيرة لمجلس النواب: هل هؤلاء هم من انتخبناهم ليرسموا سياسة البلد ومستقبله، هل هم هؤلاء الذين يتخذون القرارات التي تمس مصيرنا عبر الصراخ والعراك في مكان يجب ان يكون مقدسا؟ بحسب أصوات العراق.

وقال د.صهيب عبد القادر، (42 عاما) أستاذ جامعي: ان عملية التعبير عن الرأي أمر جيد وأن اختلاف الآراء والرؤى تجاه قضية معينة وبالتالي عملية التعبير عن هذه الآراء المتنوعة امر جيد تنم عن بدء نضوج التجربة الديمقراطية في العراق.

وأضاف ان اي اتفاقية إستراتيجية او اي قرار مصيري: يحتاج إلى مواقف صلبة في إقناع الآخر و إثبات أحقية صاحب المعبرعن رأيه”. مستطردا وان الاتفاقية الأمنية التي ترسم مستقبل العراق الأمني لثلاث سنين قادمة يجب ان تتبلور فيها الأفكار حتى النضوج.

وأشار إلى ضرورة اتخاذ القرار بعد طرح كافة المؤشرات السلبية والايجابية أو ربما تصل حالة التعبير بالرأي الى حالة من الاحتدام والتصادم، والتشنج.

لافتا إلى أن الخلافات التي حصلت في مجلس النواب تحصل في برلمانات دول أخرى، وقد تصل الى حد التماسك بالأيدي وربما تبادل اللكمات وفي دول متقدمة.

وشدد: أن من يصل قبة البرلمان عليه ان يكون أكثر اتزانا وعقلانية في التعبير عن الرأي وإقناع الاخر وليس عدوانيا يفرض رأيه بالتشنج.

ورأى ان الاتفاقية الأمنية سواء اختلف عليها أعضاء مجلس النواب او اتفقوا فأن رأي الحكومة في تمريرها سيكون نافذا مستدركا واعتقد ان مجلس النواب على الرغم من الصراخ والنزاع سيوافق عليها لان الكتل النيابية الكبيرة هي المتحكمة وقد حسمت الامر منذ ايام.

من جهته رأى رعد ياسين (34 عاما) مدرس ثانوي ان: عملية التعبير عن الرأي والاختلاف امر جيد في مجلس النواب حتى يتم تغطية وإضاءة الفكرة او القرار من جميع جوانبه السلبية.

وأضاف ان عملية التعبير عن الرأي يجب ان تكون اكثر جدية خصوصا في مجلس النواب لان عملية الموافقة او رفض الاتفاقية الأمنية يعد قرارا مصيريا، مشيرا إلى أن على مجلس النواب ان يكون واعيا بدرجة كبير في مثل هذه المواقف لانه يحدد مصير شعب بأكمله مع دولة اخرى وليس قرارا داخليا يمكن تعديله او إلغاءه اذا وجد انه غير جيد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 27/تشرين الثاني/2008 - 27/ذي القعدة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م