الاحتضار.. دراسة تحليلية في نهاية التاريخ

د. وليد سعيد البياتي

مقدمة في سقوط الحضارة الغربية:

ذكرنا في بحوث سابقة معايير النمو والانهيار الحضاري، وهذه المعايير قد لا تتفق كثيرا ونظرية (التحدي والاستجابة) لكنها تكشف ان كل المعاير الحضارية التي تبناها مؤرخو الغرب قد آلت إلى الفشل، فانهيار الاتحاد السوفياتي كان قد قلب كل الموازين التاريخية التي تبنت رؤى (تاريخانية) اعتمدت على التاريخ كمفسر نهائي للاحداث، مهملة الفكر الالهي وناسية موقف الوحي من تفسير الاحداث.

 فالحضارة الغربية التي تخلت عن القيم الالهية تسير نحو الانهيار والفناء. فالحضارة الغربية الغارقة في الذات والتي اسقطت كل القيم وجدت نفسها في زاوية حرجة بعد ان استنفذت كل قواها في التعاطي مع الفكر الوضعي فحلت العلم محل الله وصار الانسان العبد معبودا وبالتالي توقفت كل القيم الروحية وصار الغيب وهما واسطوره لا تتحقق في مفهوم الفكر الغربي.

تقارير من الداخل:

كنت قد أشرت في العديد من البحوث والدراسات السابقة ومنذ باداية تسعينات القرن الماضي إلى نهاية الحضارة الغربية والان تشير الدراسات من داخل الولايات المتحدة إلى نبؤتي هذه فقد نشرت وكالة الـ (BBC) البريطانية قبل أيام على موقع الوكالة البريطانية وفي صفحتها الاليكترونية تقريرا صادرا عن الاستخبارات الامريكية يشير إلى تقلص النفوذ السياسي والاقتصادي للولايات المتحدة الامريكية وتراجعه امام ظهور قوى سياسية واقتصادية فاعلة وبالتالي نهاية مرحلة الحكم الفردي، وقد قالت الـ (بي بي سي) .

(خلص تقرير للاستخبارات بالولايات المتحدة، إلى أن النفوذ السياسي والإقتصادي للولايات المتحدة سيتراجع خلال العقدين المقبلين.

واشار التقرير الذي نشر يوم الخميس تحت عنوان "التوجهات العالمية 2025" الى إن الدولار سيفقد دوره كعملة رئيسية في العالم بينما سيشهد العالم مزيدا من الصراعات بسبب شح موارد المياه والطاقة.

ويستند التقرير -وينشر كل خمس سنوات- الى دراسة شاملة قام بها خبراء ومحللو المعلومات الاستخباراتية الأمريكية.

وجاء في التقرير: "إن السنوات العشرين المقبلة مليئة بالمخاطر والصراعات"، لكنه يضيف ان هذه الصراعات ليست حتمية ويتوقف احتمال نشوبها على مواقف وافعال القادة الساسيين.

كما يتوقع التقرير ان تشكل كل من الصين والهند وروسيا تحديا لنفوذ الولايات المتحدة على الصعيد العالمي وتنافسها اكثر على رأس نظام عالمي متعدد الاقطاب.

وجاء في التقرير انه رغم احتفاظ بتفوقها العسكري خلال هذين العقدين لكن "التقدم العلمي والتقني واستخدام تكتيكات عسكرية غير تقليدية وانتشار الاسلحة البعيدة المدى الدقيقة وحروب الانترنت سيحد من قدرة الولايات المتحدة على التصرف كقوة عظمى".

عالم متعدد الاقطاب

ويشير التقرير الى ان تعدد الاقطاب في العالم سيجعل العالم اقل استقرارا وسيقوي احتمال نشوب صراعات دولية بينما "سيشهد العالم مزيدا من المنافسة حول التجارة والاستثمار والاختراعات والحصول على التقنية" وأن يعود العالم إلى الوضع الذي كان عليه إبان القرن التاسع عشر، الذي تميز بالسباق نحو التسلح وبالتوسع الاستعماري وبالمنافسة العسكرية.

ويتوقع التقرير ان يؤدي الصراع على الموارد الطبيعية الى انهيار حكومات في القارة الافريقية وجنوبي القارة الاسيوية ونمو الجريمة المنظمة في وسط وشرقي اوروبا.

وبينما يستبعد تقرير المجلس أن يتعاظم نفوذ روسيا، يتوقع في المقابل أن تحقق إيران وتركيا وإندونيسيا بعض التقدم في هذا المجال).

يشير التقرير الاستخباراتي الامريكي إلى قرب نهاية العصر الامريكي بل قرب نهاية النظام الليبرالي الراسمالي وهو بالضبط ما اشرت اليه في سلسلة بحوثي التي نشرتها صحيفة الحياة في اواخر التسعينات من القرن الماضي. فالانظمة الليبرالية قد استنفدت كل مقوماتها التي أوجدتها، كما تظهر التقاريرالاخيرة مدى التهافت في السياسات الخارجية والاقتصدادية التي اتبعها كل من الادارة الامريكية والانظمة السياسية البريطانية بالذات.

خسارة الانكلوسكسون:

فبريطانيا التي شعرت ان الانظمة الاوربية تقف على النقيض من سياساتها الخارجية وخاصة في حربي العراق وافغانستان لانسياق السياسة البريطانية ورارء السياسة الامريكية وخضوعها التام لاوامر البيت الابيض، قد وجدت ان الارتباط بالولايات المتحدة هو ارتباط أنكلوسكسوني بالدرجة الاولى وهو ماعبر عنه خبراء السياسة في المراكز البحثية البريطانية، وهذا الارتباط كان يبعث نوعا من الراحة في نفوس ساكني الـ (تين داوننج ستريت) فرئاسة الوزراء البريطانية كانت قد شعرت بالعزلة الاوربية التي هي من اوجدها بعد ان تخلت عن الاتحاد الاوربي لصالح الادارة الامريكية. فانهيار امريكا هو انهيار للانكلوسكسون والانكليز يدركون هذا الامر جيدا.

معادلة الاقطاب:

لقد برهنت التجربة منذ اوائل التسعينات على فشل نظرية القطب الواحد التي قادتها الولايات المتحدة على اثر إنهيار الاتحاد السوفياتي، فالولايات الامريكية لم تدرك التجربة التاريخية في التطور الحضاري وظنت امتلاكها المعرفة العلمية الوضعية والاقتصادية كفيلة بمنحها الحصانة والقدرة على الاستمرار في وجه المتغيرات الدولية التي وقفت على النقيض من الاتجاه الامريكي، فالصين وجنوب شرق آسيا وأيران كل واحدة منها يمكن ان تشكل قطبا فاعلا، هذا غير الاتحاد الروسي الذي بدا يتشكل كبديل للاتحاد السوفياتي السابق.

لقد خسرت الولايات المتحدة اكثر من (85%) من الملفات الدولية واصبحت ضعيفة التأثير حتى في القضية الفلسطينية. من جانب آخر فان الدول التي ربطت سياساتها واقتصادها بالاتجاه الامريكي ستشهد سقوطا ذريعا ولعل اوالدول التي ستتأثر بشكل كبير هي الدول العربية الخليجية مثل (السعودية والامارات وقطر والبحرين)، فالتغير السياسي قادم لا محالة بعد الانهيار الاقتصادي الحادث، والسعودية ستكون اول الدول التي ستشهد هذا التغيير السياسي، وما محاولة الانقلاب العسكري الاخير إلا مثال على ذلك، وسنخصص دراسة معمقة لاسباب انهيار الانظمة العربية والخليجية خاصة.

* المملكة المتحدة – لندن

wsialbayati50@hotmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 27/تشرين الثاني/2008 - 27/ذي القعدة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م