الآثار العراقية.. كنوز حضارية تشكو الإهمال والنهب والإندثار

إعداد: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يتميز العراق بوفرة مواقعه الأثرية والتراثية المنتشرة في جميع مناطقه على نحو متساو وكثيف، لكن تلك الآثار على الرغم من قيمتها الحضارية والمادية لم تحصل على المقدار الكافي والحقيقي من الرعاية والاهتمام، رغم  مناشدات المنظمات الدولية ذات الصلة وتحذيراتها المستمرة لهذا الاهمال المتعمد من قبل العراقيين.

فضلا عن تعرض العديد من تلك المواقع الأثرية للسرقة عقب الانفلات الأمني التي كانت تعاني منه البلاد، والتدمير الذي لحق بالبعض منها نتيجة استخدام القوات الأمريكية كمواقع عسكرية، أو تعرضها لأعمال تخريبية على يد بعض الجماعات المسلحة كتنظيم القاعدة.

معرض بريطاني يعرض الأضرار التي لحقت ببابل

اختتم مؤخرا معرض جديد عن أساطير وحقائق مدينة بابل القديمة بعرض يلقي باللوم على الجيش الامريكي في الحاق أضرار لا يمكن اصلاحها بالموقع الاثري اثر غزوه العراق عام 2003.

وجون كيرتيس أمين مجموعة مقتنيات الشرق الاوسط لدى المتحف البريطاني في لندن من أشد منتقدي قرار اقامة معسكر لقوات التحالف في الموقع الاثري الواقع قرب بغداد والذي كان يوما المدينة مترامية الاطراف للملك البابلي نبوخذ نصر.

وقال في تعليق شارحا القاعة الاخيرة في المعرض الذي يقام من 13 نوفمبر تشرين الثاني الى 15 مارس اذار من العام القادم "هذا يعادل اقامة معسكر حول هرم مصر الاكبر أو عند ستونهنج في بريطانيا."بحسب(رويترز).

وتعرض على جدار القاعة صور زيارة كيرتيس الى أحد أهم المواقع الاثرية في العالم عام 2004 لتظهر كيف بنيت مهابط طائرات الهليكوبتر والطرق بصرف النظر عما قد يقبع تحتها أو بالقرب منها.

وقال المتحف ان حركة المركبات الثقيلة واستخدام حصى معالج كيميائيا ساهما في الضرر الذي لا يمكن اصلاحه كله.

وخلص كيرتيس في تقرير بشأن زيارته تلك الى أن حوالي عشرة خنادق قد حفرت حيث عثر على قطع فخار وشظايا من الاحجار عليها نقوش بالكتابة المسمارية وأن أجولة قد ملئت برمال اجترفت من الموقع الاثري.

وأشار المتحف أيضا الى أن الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي كان يضع نفسه في صفوف القادة التاريخيين للبلاد ساهم في المشكلة باعادة تشييد مبان في موقع الهياكل الاصلية.

وقال أمين المتحف مايكل سيمور "بعدما تبين للناس لماذا ينبغي أن يهتموا بشأن بابل أردنا أن يحصل الناس على نهاية قاتمة نوعا ما للعرض.

"لم نفكر قط في عدم القيام بذلك. نسخ هذا المعرض في باريس وبرلين لم تفعل ذلك لكن بريطانيا أكثر ارتباطا بحرب العراق. كانت لدينا فرصة لقول شيء بشأن الضرر."

اليونسكو تدرج مدينة سامراء على لائحة التراث العالمي

من جانبها ادرجت منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) مدينة سامراء (شمال بغداد) التي تعتبر من ابرز المواقع الاثرية في العراق الى لائحة التراث العالمي حسبما افاد بيان حكومي.

ونقل البيان عن فوزية مهدي مديرة قسم النشر في دائرة الدراسات والبحوث ان "لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو اقرت في اجتماعها الدوري ال31 المنعقد في نيوزيلندا قبول مدينة سامراء الاثرية وادراجها في لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر نظرا للقيمة العالمية الاستثنائية وفق المعايير التي اقرتها اتفاقية التراث العالمي".

وتضم لائحة التراث التابعة لليونسكو 851 موقعا بينها 600 موقع ثقافي و166 موقعا طبيعيا و25 موقعا مختلطا.

وكانت سامراء (120 كلم شمال بغداد) عاصمة للعباسيين بعد بغداد وقد بناها المعتصم العباسي سنة 221 لتكون عاصمة دولته.

بدورها رحبت وزارة الاثار والسياحة "بجهود منظمة اليونسكو في متابعة المواقع الاثرية في العراق وضم قسم منها الى لائحة التراث العالمي".

واكد عبد الزهرة الطالقاني المتحدث باسم الوزارة لفرانس برس ان "ضم مدينة سامراء الى لائحة اليونسكو يعني ان المدينة ستنال رعاية عالمية وصيانة لمعالمها الاثرية تحت اشراف المنظمة الدولية". واشار الى ان "المواقع الاثرية لا يجوز صيانتها الا باشراف اليونسكو".

وقال ان "مدينة بابل الاثرية سبق ان ضمت الى اللائحة لكن اعمال الصيانة التي اجريت في زمن النظام السابق شوهت معالهم واخرجتها منها". واكد ان "اهتمام المنظمة ورعايتها للمدينة يعطيها قيمة عالمية اضافة لقيمتها المحلية".

واكد الطالقاني ان تاريخ المدينة يعود الى الالف السادس قبل الميلاد حيث تضم موقع تل الصيوان الذي يبعد عن المدينة عشرة كليومترات جنوبا.

ويرى الطالقاني ان "المعالم الاسلامية هي اكثر ما بقي من ارث لهذه المدينة واهمها مسجد الجامع الذي يضم الماذنة الملوية والتي شيدت في زمن الخليفة المعتصم (833-842 م)".

واكد "تعتبر الروضة العسكرية اهم المعالم الباقية في المدينة وانشأ في (1200 هجري) بني على شكل صحن مكشوف ويضم اروقة وماذنتين وعدد ضريحي الامامي علي الحادث والحسن العسكري".

وكان المرقد يضم اكبر قبة من الذهب في العراق والشرق الاوسط قبل تفجيرها من قبل الارهابيين بحسب الطالقاني.

وتم تشييد مقامين في سامراء حيث دفن الامامين العاشر علي الهادي الذي توفي عام 868 وابنه الحسن العسكري الامام الحادي عشر الذي توفي عام 874 وفوق القبو الذي اختفى فيه الامام الثاني عشر محمد عندما كان لا يزال في السادسة من عمره (عام 878).

وكانت القبة الذهبية لمرقد الامامين تعرضت للتدمير جراء تفجير في 22 شباط/فبراير 2006. وتلى الحادث اندلاع اعمال عنف طائفية بين الشيعة والسنة اسفرت عن مقتل الاف العراقيين.

أمريكا تعيد أكثر من ألف قطعة أثرية منهوبة إلى العراق

 كما اعلنت الحكومة العراقية ان الولايات المتحدة اعادت اليها اكثر من ألف قطعة اثرية تم تهريبها الى خارج البلاد بعد الغزو الامريكي للعراق عام 2003.

وافاد بيان صادر عن مركز الإعلام الوطني العراقي ان "وزير السياحة والآثار قحطان عباس الجبوري اثنى على قرار السلطات الأمريكية بإعادة أكثر من 1046 قطعة أثرية مهربة الى السفارة العراقية في واشنطن.

واضاف الوزير ان "هذه المبادرة ستجعل الكثير من اصدقائنا في العالم يتخذون خطوات مماثلة لتسهم في اعادة ارث العراق الحضاري وشواهد تاريخه العريق".

واشار الجبوري خلال استقباله السفير الأمريكي في بغداد رايان كروكر وقائد قوات التحالف السابق ديفيد بتريوس قبيل مغادرته بغداد الى ان "هنالك اجراءات سيتم اتخاذها بالتنسيق مع السفارة العراقية في واشنطن لغرض اعادة هذه القطع".

من جانبه اعرب السفير الأمريكي خلال تجواله في المتحف العراقي بصحبة وزير السياحة والآثار عن استعداد الولايات المتحدة "لتقديم الدعم لتأهيل المتحف العراقي".

يشار الى أن أرض العراق تختزن آثارا لأبرز حضارات العالم القديم وخصوصا السومرية والبابلية والاشورية والاكادية.

وكانت سوريا سلمت قبل فترة 702 قطعة اثرية نهب معظمها من المتاحف العراقية خلال غزو بغداد والعراق.

يشار الى ان المتاحف العراقية فقدت اكثر من 15 الف قطعة اثرية وتاريخية خلال الغزو تم اعادة اعداد منها من قبل سوريا والاردن.

وقد اعاد الاردن نهاية حزيران/ يونيو نحو 2500 قطعة اثرية كانت سرقت من المتاحف والمواقع الاثرية وصادرتها الجمارك الاردنية.

وتشمل الاثار المسروقة مسكوكات ومخطوطات وحلى وفخاريات وتماثيل والواحا مكتوبة بالخط المسماري يعود بعضها للعصور السومرية والاشورية والبابلية والاسلامية تم نهبها خلال الفوضى التي رافقت دخول القوات الأمريكية الى بغداد عام 2003.

ويجري العراق اتصالات مع اسبانيا وفرنسا وتركيا وايران ودول خليجية بهدف التعاون معها في مكافحة سرقة الاثار.

كنوز متحف بغداد لا تزال محجوبة عن الانظار

في سياق متصل قالت اميرة عيدان مديرة دائرة الثقافة والاثار ومديرة المتاحف " لا يمكن المجازفة باعادة افتتاح المتحف في ظرف امني قلق. لا يمكن المجازفة مرة اخرى بعرض كنوز ما لدينا من قطع اثرية اذا لم تأتينا ضمانات بأن الوضع الامني مستقر في بغداد وفي المنطقة التي حول منطقة المتحف العراقي 100 في المئة." بحسب(رويترز)

وما أصبح العراق الآن كان موطنا لامبراطوريات شهدت فترات ازدهار وتدهور على مدى الاف السنين في ميزوبوتاميا وهي مهد لحضارة بين نهري دجلة والفرات.

ولاتزال احدى اكبر المجموعات العالمية من كنوز ميزوبوتاميا حبيسة الصناديق الى حد كبير منذ الغزو عندما اظهرت لقطات تلفزيونية عراقيين ينقلون في مركبات ما تقع عليه ايديهم.

وقالت عيدان "تعتبر جريمة ثقافية من افظع الجرائم التي مر بها القرن الحديث." وتولى الامريكيون حراسة وزارة النفط وتركوا المتحف دون حراسة. وكان رد وزير الدفاع الامريكي وقتها دونالد رامسفيلد "هذه الاشياء تحدث."

ويعد جناح يضم الفن الاسلامي واخر مليء بجداريات ضخمة من قصر الملك الاشوري سارجون الثاني الصالتين الوحيدتين اللتين شارفتا على الاكتمال. لكن حتى في الصالة الاشورية يوجد بالسقف اثار اضرار ناجمة عن هطول الامطار.

واغلق المتحف لسنوات منذ عام 1980 بسبب الحروب العراقية مع الغرب وايران. وكان صدام وحاشيته من بين قليلين يسمح لهم بالدخول.

وقالت مريم رمزي وهي مرشدة سابقة بالمتحف فيما كانت تمر بالردهات الفارغة "افتقد عملي كثيرا كمرشدة اثرية... كان يأتي زوار من المدارس واجانب ايضا." واسترجعت تلك الذكريات وهي غارقة في دموعها عندما شاهدت اثار النهب.

واشارت الى مكان حيث كسر الناهبون احدى الجداريات التي تصور الملك سارجون الثاني ربما في محاولة لانتزاعها من على الحائط.

وبالقرب من افريز الملك يوجد رأس مقطوع اخر وهو نحت حجري ضخم فصله سارقون من تمثال في بقايا قصر الملك سارجون الثاني عام 1996 .

والرأس البشري كان ملتصق في وقت من الاوقات بجسم ثور مجنح وهي رموز توضع عادة بشكل مزدوج في المداخل لصرف الشر وحماية الملوك الاشوريين وممتلكاتهم.ويوجد الرأس الآن على الارض يشخص في السقف الذي يسرب المياه.

منحة امريكية لاصلاح المتحف الوطني

كشف مسؤولون امريكيون إن حكومة الولايات المتحدة أعلنت عن منحة قدرها 13 مليون دولار للمساعدة في تجديد المتحف الوطني العراقي.

واعلنت مساعدة وزيرة الخارجية لشؤون الثقافة والتعليم جولي امري عن المشروع في مؤتمر صحفي عقدته مع مسؤولين عراقيين داخل مبنى المتحف الخرب الذي لا يزال مغلقا امام الجمهور. بحسب (رويترز)

وتعرضت القوات الامريكية لانتقادات لاذعة في اعقاب الغزو مباشرة لاخفاقها في منع نهب قطع أثرية لا تقدر بثمن من المتحف في الوقت الذي ارسلت فيه الجنود لحماية مواقع اخرى مثل وزارة النفط.

وستستخدم المنحة في مشروعات متعلقة بالاثار والتدريب على العمل المتحفي الى جانب ترميم وتجديد المتحف.

وفقد ما يزيد عن 15 الف قطعة اثرية من المتحف اثناء عملية النهب وتم اعادة حوالي ستة الاف منها فقط.

حملة لإعادة ترميم بوابات بغداد التاريخية

مؤخرا قامت ملاكات من أمانة بغداد مؤخراً بعملية تنظيف ورفع للأنقاض في المنطقة المحصورة بين ساحة النهضة ومقبرة الغزالي بالقرب من شارع (محمد القاسم)، واثر ذلك تمكنت من الوصول الى أساس باب الطلسم التاريخي الذي يعد من أقدم أبواب بغداد في العصر العباسي.

وأشار الإعلامي في امانة بغداد عادل العرداوي إلى أن “أساس الطلسم موجود كونه يقع تحت مسار جسر المرور السريع (محمد بن القاسم) في قاطع الرصافة، إلا ان كثرة الباعة واصحاب الأكشاك التي تبيع الخردة وعدم التفات دائرة الآثار والتراث شجع هؤلاء على البناء والإستفادة من حائط الطلسم الذي أصبح خفيا ولم يكن بالامكان رؤيته إلا بعد تنظيف المنطقة”. بحسب اصوات العراق

وأضاف أن “هناك فكرة لدى امانة بغداد بعمل حديقة حول المكان وممكن ان يكون محطة او متنزه سياحي لاستقبال الوفود والباحثين التاريخيين وطلبة قسم التاريخ في الجامعات العراقية”.

وطالب العرداوي وهو رئيس تحرير صحيفة (صوت بغداد) التي تصدر عن الأمانة “بتعاون وزارة السياحة والآثار التي بإمكانها تطوير المشروع”.

الباحث المتخصص في الآثار الإسلامية حميد محمد الدراجي قال  “كُتب الكثير عن الطلسم وتم التنقيب عنه قبل عام 2003، حتى ان طريق شارع محمد القاسم تم تغييره – قبل افتتاحه- لأجل الحفاظ على الباب وكلف هذا في حينها الدولة كثيراً”.

وبين الدراجي أن “الباب فجرت أثناء الحرب العالمية الاولى بانسحاب القوات التركية، وفي التسعينيات عينت الدولة حراساً على المنطقة، إلا ان الاهمال طال الباب”.

وأضاف أن “عدة مطالبات ومكاتبات رُفعت للعناية بالمنطقة ومافيها من آثار، واثر ذلك تم الكشف عن الأسس التي تخصه كونه احد أبواب بغداد الأربعة وهي (باب المعظم) قبالة قاعة الشعب، والباب الوسطاني (مقبرة الشيخ عمر) وباب الشرقي (كلواده) من البتاويين باتجاه الكرادة داخل، وباب الطلسم (النهضة)”.

وعبر الباحث الدراجي عن اعتقاده بأن “هناك نية لإعادة بناء الباب من جديد،لأن الصور والمخططات موجودة، غير اننا لا نعرف متى تعتزم الحكومة وهيئة الآثار والتراث القيام به”.

وأوضح الدراجي أن “باب الطلسم يعود الى العصر العباسي والى عهد الناصر لدين الله، ورُسم فيه وبشكل بارز تنين فوق الباب، ومنه جاءت تسمية (الطلسم) الطارد للشر، لكن ليس صعباًَ اعادة رسمه لأن مخططاته موجودة ولدينا خبرات تستطيع ان تنجز ذلك”.

وعدّ الدراجي أن “الإهتمام بإعادة الأبنية الأثرية والتراثية يشكل جزءا من تاريخ البلد ومكانته الحضارية، والطلسم واحد من هذه الشواخص الواقعة في بغداد (الشرقية) وليس في بغداد المدورة التي تقع في جانب الكرخ”.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 23/تشرين الثاني/2008 - 23/ذي القعدة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م