قصر شمعون أثر يأبى الزوال

عدسة وتحقيق: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: إذا ساقتكَ الصدف أو توافرت لك الظروف لزيارة عين التمر ذلك القضاء المترامي الأطراف على بادية العراق الغربية سوف تلحظ بالتأكيد أطلال (شمعون) ذلك الأثر المهيب الشاهد على أمجاد قوم رعوا هذه الأرض كما رعت ذكراهم.

أطلال إن زرتها واقتربت منها فانك سوف تستنشق من عبق غبارها زهو الماضي التليد فيما تستشعرك عظمة الأولين، حيث تقودك دون إرادتك لسبر أغوار الماضي السحيق فتسترجع بمخيلتك حضارة نهضت ثم افلت بعد أن عفت عليها الأزمان والدهور.

إلى الشمال الغربي من مدينة كربلاء بمسافة تبلغ 80 كيلو مترا تقطعها بين أمواج الصحراء الضاربة في الأعماق ينتصب قضاء عين التمر تلك الواحة الموغلة في القدم والمتربعة في بادية العراق الغربية، التي لا تزال تشخص بين أجنابها أطلال تشهد على سيرة الأولين ومنجز الماضين وتؤرخ للعصور الغابرة لتلك المدينة التي لم تستسلم لقسوة السنين.

الأطلال

عند مدخل القضاء الجنوبي ووسط احد أحياء المدينة تتوسط الأطلال منازل الأهالي حيث لا تفصلها عنها سوى بضع أمتار امّنها الخوف من الانهيار عدم تجاوز السكان للاقتراب منها أكثر، سيما إن أركان القصر المتبقية تشهق إلى الفضاء بارتفاع لا يقل عن سبعة أمتار وسمك ما تبقى منها يبلغ 8 أمتار مربعة تفصل بين الركنين مسافة 20 مترا على الأقل يتصل بينهما أساس الجدار وبقايا البوابة كان واقع حال ما بقى يرمز إلى إشارة السلام للحد من الاعتداء عليه، فيما أخفى ورائه مجموعة من السرادق وفتحات السراديب وبعض الأسس شبة المندثرة، التي لا تزال تساند الأركان في صمودها.

قصر شمعون التاريخ والتسمية

قصر شمعون تسمية لا تزال متداولة بين أهل المدينة للاستدلال على تلك الأطلال حيث تنسب كما يروي لنا أهل القضاء إنها بقايا السلالة اليهودية التي كانت أول من استوطن المدينة حتى سقوطها بيد الجيوش الإسلامية في الفتوحات الأولى ولم يتبقى من قراها سوى بعض الآثار المترامية حول أطلال القصر. تنسب تسميته إلى آخر ملوك المدينة الذي كان يدعى شمعون.

حيث ينسب لنا الحاج حسن هادي فرحان احد سكنه القضاء تسمية شمعون إلى ما تواردت من الأنباء عبر الأجيال كون المكان الذي تشخص وسطه الأطلال هو عبارة عن قصر لأحد الملوك وبلاطه الذي كان يتولى من خلاله حكم المدينة والرعية.

ويضيف أيضا حسب ما يقال إنها كانت مملكة عامرة يقطنها أبناء الجالية اليهودية حتى دخول جيش المسلمين لها أثناء الفتوح الإسلامية حيث جرت معركة ربحها المسلمون بقيادة خالد ابن الوليد بعد أن اقتحموا القصر الذي تحصن به اليهود.

الأساطير لا تزال حاضرة

أما المواطن محمد سهيل أشار لنا خلال حديثة إلى بعض الظواهر الغريبة التي تحدث بين فترة وأخرى مؤكدا إن هناك من شاهد بعض الشخوص الشبحية وهي تتنقل عبر الأطلال حيث يقول: ( إن بعض العوائل قطنت السرادق الموجودة خلف الأطلال ولكنهم هجروها بعد فترة قصيرة لمشاهدتهم الأشباح تتنقل ليلا في المكان بالإضافة إلى سماع بعض الأصوات الغريبة مما اضطرهم إلى الرحيل).

وأضاف أيضا( إن أساسات القصر كانت شاخصة للعيان حتى وقت قريب لكن تجاوز بعض المواطنين عليها عبر الاستيلاء على الصخور وبناء المساكن فوقها تسبب بطمر تلك الأساسات، ونتيجة للإهمال والعوامل البيئية هدم الطاق الرابط بيم ركني القصر المطل على البوابة).

تتسلّقه النساء للتبرُّك

كما جرت بعض الأعراف والتقاليد المورثة والمتداولة لدى السكان المحليين في التبرك بهذا الأثر كما حيث جرت العادة خصوصا لدى النساء بالتبرك من خلال تسلق الأطلال خصوصا لجلب الرزق أو استعجال الولادة).

حيث قال سهيل أيضا: ( بعض النسوة يجازفن بتسلق أعلى الأطلال على الرغم من صعوبة وخطورة الأمر ويلقين عباءتهن من فوقها لاعتقادهن بان ذلك التصرف يجلب الرزق أو لاستعجال الحمل وهو تقليد متوارث عند أهالي المنطقة).

غياب الحماية المطلوبة

من جانبه عزى السيد إبراهيم شلال آمر حرس المواقع الاثرية في قضاء عين التمر قلّة التخصيصات وغياب الرعاية المناسبة من دائرة الآثار في الحفاظ على هذا الإرث التاريخ .

حيث يقول ( تم تشكيل قوة حماية الآثار بعد سقوط النظام السابق وكان التجاوز والإضرار قد لحق بالجزء الأعظم من القصر ودورنا في الوقت الحالي يقتصر على الحراسة فقط، علما إننا لا نملك الوسائل الكافية لحماية هذه الآثار نحاول أن نحد من تجاوز المواطنين ولكن كما شاهدتم إن المكان غير محمي بعازل كسور حديدي أو أي شيء آخر، فضلا إلى إن عددنا غير كافي لتغطية المواقع الأثرية الأخرى كحصن الاخيضر وغيره).

إهمال للآثار غير الإسلامية

وتعود تاريخ الأطلال حسب ما أعلمتنا السيدة جنان المشكور مديرة آثار كربلاء إلى احد القصور المشيدة في القرن السابع الميلادي وينسب بناءه إلى الملك اليهودي شمعون بن جابر اللحمي.

حيث تقول جنان: ( نستدل من اسلوب البناء فخامة القصر فسمك الجدران يبلغ مترين عرضا وبارتفاع سبعة أمتار، فضلا عن احتوائه على العديد من الباحات والقاعات الكبيرة، حيث تتضح للعيان بقايا الجدران والأسس وفتحات السراديب).

فيما كشفت لنا جنان تعمد المؤسسات الحكومية التي تعنى بشؤون تلك الآثار الإهمال هذا الموقع الأثري لكونه اثر غير إسلامية، ولم يتلقى الاهتمام المناسب طيلة الفترة الماضية حيث تؤكد: (لحد الآن لا نملك المخطط الكامل للقصر لعدم إجراء أي تنقيب خلال الفترة الماضية، كل ما تم إجرائه هو تصنيفه كأحد المواقع الأثرية فقط).

في نهاية المطاف ودّعنا المكان والمرارة تعتصر قلوبنا لحجم الإهمال والأضرار التي تلحق بهذا الموقع الأثري الفريد من نوعه في المنطقة بسبب عوامل الزمن وتجاوز الجهلة آملين أن تمتد له يد الرعاية قبل أن تختفي الأطلال أيضا.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 22/تشرين الثاني/2008 - 22/ذي القعدة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م