الآفات الأخلاقية وعلاجها في رؤية المرجع الديني السيد صادق الشيرازي

الباحث: عبد الكريم العامري

 

شبكة النبأ: إن لطلاقة الوجه والبِشر والتواضع كما لجمال التعبير وحسن الاستماع والحلم، اثراً كبيراً في نفوس الناس يفوق تأثيراً الاقوال التي تنطلق من افواهنا وألسنتنا.

هكذا الكلمة شعلة متقدة عند المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي(دام ظله) وهو يوجه اجيال الشباب للطريق الصحيح وكيفية الابتعاد عن مظاهر الغرور فيؤكد سماحته وهو يوصي الشباب على العديد من المعاني التربوية المهمة في الحياة، ومنها قوله: هَبْ انك لست متكبراً ولكن هذا وحده لا يكفي، بل ينبغي ألا تترك انطباعاً يوحي بذلك.

ومتى أيقنّا ان طريق الاخلاق صعب وشائك، وشعرنا انه بحاجة الى تفرغ ومثابرة وصبر، بل واستمداد من الله قبل ذلك كله، وان علينا ان نحذر الانزلاق دوماً، نعلم حينئذ أننا بدأنا بسلوك الطريق، وأننا سوف نصل بالتوكل على الله الى الغاية المتوخاة من بعثة الرسول الاعظم (ص) حيث قال (إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق).

ان عدد الشباب واليافعين في بلادنا في تزايد قياساً الى مجموع فئات سكان البلاد الاخرى، فلو تمتع هذا العدد الكبير بالفاعلية المطلوبة فأنهم سيبشروننا بمستقبل مشرق، ألا ان الوصول الى هذا المستقبل المشرق يتوقف على شرطين:

1) التخطيط، التوجيه، الهداية، الرقابة التي على الاوصياء والمسؤولين في المجتمع ان يقوموا بها بدقة.

2) معرفة الذات واكتشافها، والشعور بالمسؤولية والالتفات الى القابليات والكفاءات، وهذه الامور حساسة وعلى الشباب واليافعين انفسهم ان يقوموا بها.

بما ان الشباب طبقة استثنائية وهناك اعداء في الداخل والخارج كأمينين بغية الهجوم عليها هجوماً غادراً.. فأننا نتناول آفة من الآفات الاخلاقية التي ترتبط بالدرجة الاولى بالشباب والتي تفتك بهم وبالمجتمع المسلم.

أ) آفة الغرور والعجب:

أن الغرور والعجب مريض نفسي ينخدع به الانسان فيقع فريسة التوهم و التطورات غير الواقعية، فلا يعود مدركاً لحقائق الحياة، والغرور والعجب ناشئان من الجهل، لذلك كلما زدت القدرة الفكرية والعقلية لدى الانسان واتسعت معلوماته وتجاربه واصبح واعياً وعالماً، قلت عنده نسبة الغرور والعجب والانانية.

ان هذه الصفة قبيحة وقد تكون لها جذور وراثية وتساعد عليها الظروف الخاصة لمرحلة الشباب، ولكن لكي يسعى الانسان الى معالجتها والوقاية من اخطارها عليه ان يبحث عن جذورها في وجوده بغية القضاء عليها.

قال الإمام علي (ع) بشأن خصلة الجهل القبيحة: (اعظم الجهل، جهل الانسان امر نفسه).

ان المغرور يبتلى بنوع من السذاجة والانانية المفرطة، ويذهب به الخيال الى درجاته القصوى، فيتصور نفسه عظيماً وعالماً وفاهماً وانه اعقل من الجميع، ويرى غيره متخلفاً وجاهلاً ولا يعدل شيئاً، وبذلك يحرم نفسه من الاستفادة من تجارب غيره، ولا يسعى الى رفع نواقصه .

وقد وصف الإمام علي (ع) الغرور بأنه نوع من السكر المزمن وقال : ( الغفلة والغرور ابعد افاقة من سكر الخمور) .

ان اهم عوارض الغرور واضراره:

1) الأنانية والاعتزال:

ان المغرورين يقعون في اسر التصورات الخاطئة ويحبسون انفسهم في بيوت عنكبوتية من الاوهام حتى يفكرون كل ما سواهم.

وفي ظل هذه يرى المغرور نفسه ممتازاً عن الآخرين، مما يؤدي بالآخرين الى تجنبه والاستياء منه، وبذلك يبقى وحيداً فريداً، ومن ثم تجره هذه الوحدة الى الامراض النفسية والعقد الروحية.

2) الجهل:

أن منشأ الغرور وان كان هو الجهل وانعدام الوعي، الا ان التمادي في الغرور وحب الذات يؤدي بالمغرور سواء أكان شاباً متعلماً أو في أي مستوى آخر الى الوقوع في شباك التكبر والنخوة والاستغناء عن الآخرين فيمتنع حتى من الاستفهام والاستفسار من الآخرين برغم جهله واحتياجاته لعملية في الحياة، فيبقى على ما هو عليه من الجهل، فعلى هؤلاء الاشخاص الالتفات لأمرين.

1) يرى الامام علي (ع) الجهل مساوياً للموت، ويرى الجاهل ميتاً بين الاحياء، وان اعتبر نفسه حياً، قال الامام علي (ع): (الجهل موت)، وقال: (الجاهل ميت بين الاحياء) .

2) علينا ان لا نغتر بما تعلمناه من دروس ومصطلحات أو حصلنا عليه من معلومات وتجارب قليلة وإنما علينا ان نذعن بأننا لا نزال نجهل الكثير من جزئيات مسائل الحياة وكلياتها، ولا يزال امامنا طريق طويل وشاق لبلوغ كننها.

يقول الدكتور (جان لا باك أفيبوري) العالم الطبيعي الانكليزي: لو كنا نعرف العالم اكثر من معرفتنا الحالية، او كان بأمكاننا قياس معلوماتنا الى مجهولاتنا، لكان لنا رأي اخر، الا ان الحقيقة هي ان معلوماتنا اذا قيست الى مجهولاتنا ستكون نسبتها المئوية ضئيلة جداً، اذ اننا نعيش في؟ علل وقوى مختلفة لا زلنا نجهلها، اذ لا زلنا في مدرسة الطبيعة الكبيرة نعد بمنزلة الاطفال المبتدئين، فنرى كثيراً من الاشياء دون ان ندرك اسرارها، وان معلوماتنا بمثابة قطر الدائرة وان مجهولاتنا بمثابة محيط الدائرة، فكلما اطلنا قطر الدائرة، نكون قد سعينا في محيطها، لماذا نذهب بعيداً؟ فلا زلنا نجهل انفسنا ولا نعرفها وما هي علاقتنا بالطبيعة؟ بل اننا لا نعلم شيئاً، ويتعين علينا ان نضع علامة استفهام امام كل شيء.

3) اختلاف المعاذير:

ان من اضرار الغرور الكبيرة جداً اختلاف الاعذار التي تحول دون تهذيب النفس والتكامل المادي والمعنوي، وذلك لأن الشخص المغرور حينما يرى نفسه كبيراً وفاهماً وخالياً من العيوب والنواقص، فأنه نادراً ما يتقبل النقد، وقلما يسعى الى محاسبة نفسه والتعرف على عيوبها والحيلولة دون وقوعها في الاخطاء، وبذلك يظل قابعاً في أودية الانحراف والانحطاط والجمود والتخلف.

قال الامام الصادق (ع): (فمن اعجب بنفسه وفعله فقد ضل عن منهج الرشاد وادعى ما ليس به).

وقال الشاعر:

ملأى السنابل تنحني بتواضع                  والفارغات رؤوسهن شوامخ

طرق العلاج:

اما معالجة هذا المرض الخطير، فعلى الافراد في الدرجة الاولى ان يلتفتوا الى الامام الصادق (عليه السلام) يرى ان المتكبر شخص مسكين جدير بأن يرثى له، ولذا فعلى المتكبر وفقاً لوصية الامام ان يتوب توبة صدقة، وان يذعن بعجزه امام الله، وان يسعى الى التعرف على عيوبه، وان يزيد من معلوماته وبناء نفسه، بغية القضاء على ضم العجب الكامن في سريرته، وان يفكر بواقعية ليعتدل من الناحية النفسية.

يقول الدكتور (الكسيس كاريل) العالم الفرنسي في الاحياء والحائز على جائزة نوبل في الطب حيث قال: (ماهي الفائدة التي نرجوها من الحياة اذا كانت مقصورة على الرقص والصخب وقطع الشوارع بالسيارات وليس هناك منطق من اهدار الحياة باللهو).

ان حاجات الانسان هي تلك الامور التي تساعده على بلوغ حياة سليمة وشريفة فيها الايمان بالله وحب الآخرين والطمأنينة والرقي للوصول الى التكامل الانساني.

معرفة النفس:

الآن اصبحت تقريباً معرفة النفس بالنسبة للشباب واضحة والمراد تحديد القابلية الكامنة في وجودنا من اجل اشتثمارها، وهذه العملية تكون في أو أمرها مصحوبة بالصعاب، إلا انه كما لا حظنا فأن فورة الشباب وما يتمتع به من جرأة وإرادة راسخة تعينه على تذليل هذه الصعاب، بل انها تمكنه من صنع المستحيل.

ليس هناك من هو اقرب الى انفسنا وأعلم بذواتنا منا، وعليه يتعين علينا ان نبدأ بأنفسنا في كل خطوة نخطوها، وعند وضع الدواء لأي داء.

قال الامام أمير المؤمنين علي (ع) في ما نسب أليه:

دواءك فيك وما تشعر            وداؤك منك وتستنكر

وتحسب انك جرم صغير            وفيك انطوى العالم الاكبر

وانت الكتاب المبين الذي           بأحرفه يظهر المضمر

هذا النوع من معرفة النفس صعب وسهل في آن واحد، فهو صعب لانه يستدعي جهوداً كثيرة، وسهل لأن الله تعالى قد منح الشاب قلباُ طاهراً يتقبل الحقائق والافكار السليمة والخبرة بسهولة، وللشاب في هذا الجانب تأثير حاسم ومصيري.

ب) آفة سوء الظن:

يعد سوء الظن من تبعات مرحلة الشباب، واذا تجذر سوء الظن وتحول الى صفة ملازمة، فينبغي عدة مرضاً نفسياً وآفة اخلاقية .

وقد وصف الامام علي (ع) الشخص المبتلي بسوء الظن بالآخرين بأنه مريض وعليل وعد سوء الظن آفة التدين، وقال بشأن واحد من اضرار سوء الظن في مجال العلاقات الاجتماعية: (من غلب عليه سوء الظن لم يترك بينه وبين خليل صلحاً).

كما ذكر الامام علي (ع) في مواطن اخرى ان سوء الظن يفسد العبادة و يشل حركة الحياة ويؤدي الى ظهور الفساد والشر والضياع في العلاقات الاجتماعية.

ان سوء الظن مشكلة نفسية، وان بوادره كامنة في وجود الاشخاص، ولمعالجة هذه المشكلة وتغيير رؤية الانسان لأبناء جيله والاستفادة من مواهب الحياة بشكل طبيعي وأيجابي على الانسان ان يتقدم بوعي وتفكير وأيمان.

التهرب من المسؤولية

نشاهد في هؤلاء الاشخاص وعلى الخصوص الشباب منهم، ان سوء الظن يتجلى فيهم كذريعة للتهرب من المسؤولية، ولكي يخفوا نواقصهم الاخلاقية ويتهربوا من السعي وراء الاعمال الايجابية فإنهم يلقون باللائمة على غيرهم ويتهمون الاخرين بعدم الوفاء ويتهمون حتى أولياء امورهم بالعداوة وعدم الاخلاص لهم.

ومثل هذه التطورات في غاية الخطورة، وان الاستمرار عليها لا يحل لهم أية مشكلة، بل ستضاعف من مشاكلهم على مر الايام.

العلاج

فعلى هؤلاء الافراد ان يلتفتوا أولاً الى ما قاله الامام علي (ع) من انهم يفسدون عبادتهم، وثانياً انهم سوف لا يحصلون من المخلصين لهم الا على خيبة الامل وثالثاً انهم مع ابتلاءهم بهذا المرض سوف لا يبقى لهم سوى امل قليل بالنجاة.

ومن هنا تتجلى ضرورة تحطيم الغرور وبناء النفس من خلال العثور على العيوب والنواقص، والاستفادة من النقاط الايجابية لدى الاخرين.

وأما بشأن علاج هذا المرض النفسي فعلى الانسان ان يختلي بنفسه في وقت مناسب وفي جو هادىء يكون فيه مسيطراً على اعصابه، فيبدأ بطرح الاسئلة التالية على نفسه:

1) هل انا بريء من العيوب والنواقص؟

2) ألم يصدر مني خطأ تجاه الاخرين؟

3) هل ان جميع افعال من نسيء الظن بهم خاطئة؟

4) الا توجد في الشخص الذي نسىء الظن به نقطة ايجابية؟

وعلينا ان نعثر على اجوبة ترضى وجداننا وتقنعنا، وان قصة عيسى (ع) بهذا الشأن قابلة للتأمل، اذ يروي انه كان يمشي مع جمع من اصحابه فصادفوا جثة كلب ميت، واخذوا يتأففوا من رائحتها الكريهة، وسائر الجهات المقززة فيها، الا ان عيسى (ع) الذي كان يتمتع بروية ربانية، اخذ يطيل النظر في نقطة خاصة من الكلب وهو يقول : ما اجمل بياض اسنانه، فهلا ذكرتم هذه الصفة فيه؟

الرؤية الواقعية

تحدثنا عن اضرار (سوء الظن) ولكن من جهة اخرى نجد ان الاحاديث قد ذمت (حسن الظن) الذي يؤدي الى التصديق الساذج والانخداع بمظاهر التزوير والنفاق الذي يضر بالانسان مادياً ومعنوياً.

قال الامام موسى بن جعفر (ع): (اذا كان الجور اغلب من الحق، لم يحل لأحد ان يظن بأحد خيراً  حتى يعرف ذلك منه).

فعليه ماذا ينبغي ان نفعل؟ فأن سوء الظن يعد معصية ومفسداً للدين والعبادة والعلاقات الاخلاقية والاجتماعية ويحول دون الرقي والكمال، وان حسن الظن في الظروف الحساسة يؤدي الى الانخداع والضياع بل و السقوط احياناً.

يبقى هنا طريق عقلاني ثالث اشترط فيه الامام علي (ع) الحزم والاحتياط.

اشترط الامام موسى بن جعفر (ع) ان يكون مصحوباً بالاختيار والمعرفة، وهو نعبر عنه بـ(الواقعية).

اذن كل من سوء الظن وحسن الظن المفرط غير مقبول، بل لا بد من النظر الى الامور بواقعية ووعي، فإن النظرة الواقعية صفة ايجابية مؤثرة وبناءة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 20/تشرين الثاني/2008 - 20/ذي القعدة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م