جميل جداً أنْ نشاهد على الفضائيّة العراقيّة، صباح يوم السبت
8/11/ 2008، وقائع نقل مؤتمر النخب والكفاءات. و من المفرح جداً،
أنْ تبادر الحكومة العراقيّة بذلك، و يتفضل رئيسها السيد المالكي
برعاية هذا مؤتمر. وأجمل من كلّ ذلك، أنْ يعترف منظم المؤتمر
الدكتور همام حمودي، بأنّ هناك تشابكاً في التشريعات ينبغي تفكيكها،
وهناك تشابكاً في تشريعات قانون المحافظات رقم (21) ينبغي أيضاً
تسويتها، وهناك تشابكاً في الموازنات الماليّة، بيّن المحافظات
والمركز يجب فكّها، وهناك عقدة عند كبار الموظفين في المحافظات من
التبعيّة إلى المركز يجب ملاحظتها. و بعد ملاحظات الدكتور همام
حمودي، القى السيد رئيس الوزراء كلمة مركّزة، سجّل فيها ملاحظات
غاية في الأهميّة، يمكن اعتبار الإعلان عنها، بداية مرحلة من
الممكن أنْ نسمّيها (مرحلة التصحيح).
برأيي كان ينبغي أنْ تبادر بعقد هذه الندوة (قبل هذا الوقت)،
الأطراف التي كتبت الدّستور العراقي، ومنها (الأيادي المتوضّئة)، و
بعد ستة أشهر من تولي السيد رئيس الوزراء، مهام مسؤوليّته في إدارة
شؤون الدّولة العراقيّة. لتكون بذلك ندوة تقييميّة، لتجربة
دستوريّة وليدة، في تاريخ العراق السياسي المعاصر. دون الالتفات
بأنّ هذه التجربة خاض غمارها أشخاص لا يملكون أدنى خبرة في سنّ
الدساتير، ومن المعروف عالميّاً أنّ هناك أكاديميّون مختصّون في
هذا الشأن. وهناك فرق كبير، بيّن من يعتلي المنبر الحسيني أو منبر
صلاة الجمعة، وبيّن من يقنن أسمى قانون لدوّلة، أنتجها ظرف دوليّ
خاصّ، ومماحكة اقليميّة من نوع متميّز، وظهرت إلى الوجود في ليلة
وضحاها، على أنقاض دوّلة سابقة، اعتمدت في جميع مفاصل كينونتها،
على الحكم الفردي الصارم. بلا شكّ أنّ المهمة صعبة جداً، والقضيّة
عويصة إلى حدّ كبير.
إضافة لذلك فالرجال الذين تقلدوا المسؤوليّة، تنقصهم تجربة
الحكم، وخبرة بناء الدّولة، وهذا أمر متوقع في تجربة، تداخلت في
رسمها تصورات ومصالح غير منسجمة من الأساس. وربّما سرق الوقت
وأحداثه المتسارعة، فكرة المراجعة من أذهان القيّمين على تجربة حكم
العراق الجديد، فخسر العراق الكثير من الدماء، وضاعت منه الكثير من
الأموال، وحرم من الكثير من فرص الاستثمار والتنمية والبناء، في
وقت وصل فيه سعر برميل النفط الخام إلى أكثر من 170 دولار.
نعم لقد عُقدت هذه الندوة في وقت متأخر جداً، وحتى انعقادها في
هذا الوقت المتأخر، لم يأت تحت مسمى (مؤتمر التصحيح) أو (مراجعة
تقيميّة لمواد الدستور)، وإنّما رحل الموضوع إلى عنوان آخر هو
مؤتمر(النخب والكفاءات).
فياترى هل هذه النخب والكفاءات، هي التي كتبت الدستور، و رسمت
به ملامح دوّلة العراق الفدرالية ؟. الإجابة مع الأسف كلا. فأغلب
الذين كتبوا الدستور، لا يريدون مواجهة الشعب ليقولوا له : (اننا
اخطأنا في تجربتنا). فليس لهم هذه الشجاعة في مواجهة الواقع.
إنّ تعليق الموضوع على عاتق النخب والكفاءات، محاولة للهروب من
المسؤوليّة، بالرغم من أنّ المؤتمر يعتبر نقله نوعيّة، في مرحلة
بناء دّولة الديمقراطيّة والمؤسسات المدنيّة. لكن بقيت أسئلة
محيّرة تجول في الذهن، تبحث عن إجابات صريّحة، كصراحة انعقاد
المؤتمر (ولو جاء متأخراً كما اسلفت) هي:ـ
1. لماذا لم يُعلن عن انعقاد هذا المؤتمر، بوسائل الإعلام
المختلفة، قبل فترة مناسبة، وتُطلب مشاركة النخب والكفاءات
العراقيّة في هذا المؤتمر، باختلاف توجهاتها ؟.
2. لماذا اقتصر هذا المؤتمر على نخب وكفاءات معينة دون غيرها؟.
وكما ظهر من على شاشة التلفاز، كان عدد المؤتمرين قليلاً جداً، قد
لا يتجاوز الثلاثين شخصاً، ومن ضمنهم شخصيات من المسؤولين
الحكوميين، إن لم نقل غالبيتهم.
3. هل العاملين في الأحزاب السّياسيّة أو المنتمين إليها، إضافة
لمن يقع في الدائرة المقربة، من هذا النائب أو ذاك المسؤول في
الحكومة، يعتبرون من النخبة، وما سوى ذلك ليس من النخبة بشيء ؟.
4. هل انعقاد هذا المؤتمر، محاولة لذر الرماد في العيون، من أجل
التموية على الحقائق، لغرض تمرير الفشل والضعف، في صياغة النصّ
الدّستوري، ومحاولة صناعة رأي معارض لهذا النصّ، من خارج أطراف
الكتل السياسيّة التي كتبته، لغرض رفع الحرج عن هذا الطرف أو ذاك
؟.
5. لماذا لا تُحدّد معايير دقيقة، يتمّ بموجبها، تعريف النخب
والكفاءات ؟. فمسمى النخب والكفاءات على إطلاقه، عنوان فضفاض، تضيع
فيه معالم كثيرة. فيجب أنْ تحدّد هويّة النخبة وكفاءتها وماهيّتها،
و دورها أيضاً. فالمطلوب :
أ- نخبة أو كفاءة سياسيّة تمتع بوعي فكريّ و إدراك ثقافيّ،
يتعلقان بفهم متطلبات الشعب العراقي، وفق نظرة شموليّة تأخذ في
الحسبان، تنوعات الطيّف الإجتماعي العراقي، ومصالح ومطالب وطموحات
كلّ طرف فيه.
ب- أنْ تكون النخبة والكفاءة، ذات حسّ وطني عالٍ، وشعور عميق
بتحمّل مسؤوليّة بناء الحاضر والمستقبل.
ج- أنْ تكون نخبة وكفاءة صادقة مع نفسها أولاً، مستعدّة لتحمّل
الأمانة الإنسانيّة والأخلاقيّة ثانياً، نزيهة و بعيدة عن تحقيق
أيّة مكاسب نفعيّة ماديّة أو معنويّة ثالثاً.
فالاستاذ في كليّة الطب، وحامل شهادة الدكتوراه في علوم البيئة
أو التاريخ أو اللغة أو أيّ اختصاص آخر، بلا شكّ وريب كلّ منهم
يعتبر من النخبة ومن الكفاءات في مجال اختصاصه. لكن هل يمتلك
المعني منهم، امكانيّة من نوع خاصّ؟، هل يمتلك مواصفات تختلف عن
اختصاصه؟، هنا لبّ الموضوع. أيّ بمعنى توفّر امكانيّة فهم بناء
دوّلة، و ليس الجلوس على كرسي الدّولة، إنطلاقاً من واقع شائك
ومعقّد، خاض تجارب استبداد النظام السابق، و عاش حالات التهجير
والقتل على الهويّة ونهب مال الغير... الخ من السلبيات. إذن النخبة
و الكفاءة المطلوبة من نوع خاصّ، و خاصّ جداً أيضاً. أودّ أن اسوق
مثالاً واقعياً يتجلى فيه هذا النمط الخاص جداً. السيد محمد باقر
الصدر(قدس سره) واحد من الفقهاء، لكنه من نخبة الفقهاء(فهو خاص)،
إضافة لذلك، هو أوّل من وضع اللبنات الأولى لدستور الجمهورية
الاسلاميّة الإيرانيّة، و اعتبرت كتاباته هي الأساس في كتابة
الدستور الايراني، (فهو نمط خاصّ جداً). فيا ترى هل تمّ الوصول
والاتصّال بهذا الخاصّ(على أقل تقدير)، أمّ أريد تحويل العامّ (وربما
الشائع) إلى خاصّ، لغرض تمرير غاية معيّنة. إذا كان كذلك فيعني
الوقوع في مشكلة أكبر من الأولى؟.
المطلوب نخبة سياسيّة، وكفاءة سياسيّة في آن واحد، لكن من طراز
خاصّ، لها طروحاتها وآرائها الموثقة عمليّاً، من خلال المشاركة في
تشخيص المشاكل، ووضع الحلول لها أيضاً. هذه هي النخبة والكفاءة
المطلوبة، والتي يعوّل عليها في معالجة افرازات تجربة سياسيّة
سابقة، أقل ما توصف به، أنّها تجربة مريرة. نعم تُطعّم هذه النخبه
الخاصّة، بألوان أخرى من النخب المختلفة، لغرض إثراء ساحة العمل.
لكن كلّ التعويل يجب أنْ يكون على النخبة الخاصّة، التي لها آراء
منشورة، وتاريخ مشهود، في النقد والتقييم وتشخيص المشاكل، وتحديد
المعضلات وطرح الحلول.
أنا شخصيّاً أثمن هذه الخطوة، واعتبرها نقلة في الإتجاه الصحيح،
ولكن سيكون اعتباري لها عظيماً، لو تفضل السيّد رئيس الوزراء،
الايعاز بفتح مكتب تنتسب إليه النخب والكفاءات العراقيّة، على ضوء
مواصفات معيّنة، تعتمد في معاييرها بشكل أساس، على تقديم المنجز من
الأعمال الناضجة والبنّاءة، التي تصبّ في خدمة بناء المجتمع
والدّولة. وبذلك نكون قد حدّدنا نوع النخب والكفاءات، التي تدلي
بآرائها الصائبة، لوضع العلاجات لما استعصى من الأزمات، وبذلك نكون
قد اقتربنا كثيراً من الواقعيّة، في البحث عن الحل المنشود،
وبالوقت نفسه ابتعدنا كثيراً، عن الشكليّات والمسمّيات الطنّانة،
التي لا تسمن و لا تغني من جوع.
مُلاحَظاتٌ عَلى مُؤتَمَرِ
النُخَبِ و الكَفَاءآتِ (الحلقة الثانية)
بينما كنت أكتب هذه الحلقة من هذا المقال، تلقيت (وبدون اتفاق
أو موعد)، رسالة من أخ عزيز، تعوّدت أنْ أُرسل له ما أكتب من
مقالات، أسوة بجميع الأخوة الكرام، اللذين أتبادل معهم الكتابات،
وكان من ضمن هذه الرسالة، ما يتعلق (بمؤتمر النخب والكفاءآت)، حيث
كان هذا الصديق، أحد الحاضرين من المدعويين. وأجد من المفيد أنْ
أذكر نصّ الرسالة المتعلق بموضوع هذا المقال. و اليكم النصّ بهذا
الخصوص كما هو، (و الله على مـا أقول شهيد):ـ
(... لعل من الصدف أو كما نسميها (اللطف الالهي ) ان اكون
متواجدا في قاعة الزوراء يوم الخميس 6\11 أثناء عقد الجلسة الأخيرة
من المؤتمر الخاص بـ(تنمية الاقاليم) حيث انه وقبل اسدال الستار عن
هذا المؤتمر اعلنت المسؤولة عن ادارة اعمال المؤتمر ان هناك مندوبا
عن الدكتور همام حمودي يود ان يبلغ الحضور امر هام، وفعلا نهض شخص
الى المنصة وأبلغ المشاركين وجميعهم كانوا من أعضاء مجالس
المحافظات او من المحافظين او وكلاءهم ونقل اليهم تحيات الشيخ همام
حمودي ودعوته لهم لحضور المؤتمر الخاص بالنخب والذي سوف يقام في
نفس الفندق وعلى نفس القاعة يوم السبت 8\11 وأبلغهم بان بامكانهم
البقاء في الفندق حيث تم تأمين كافة الحجوزات، والحقيقة لا ندري هل
ان جميعهم قد بقي لتكملة المؤتمر ام غادر وعاد.
من خلال اطلاعنا على جانب من المداخلات ومعرفتنا للسيرة الذاتية
لبعضهم نجزم ان معظم الحالات ليس لها علاقة لا بالنخب ولا
بالكفاءات مع احترامنا للمقامات فهل من كان (نائب ضابط مشاة) هو من
هذه الكفاءات والنخب، ام هل ان المعايير التي اعتمدت في تحديد هذه
النخب والكفاءات قدعدلت لتشمل هكذا كفاءات!
أعتقد ان كلمة كفاءة و نخبة لايتجرأ اي شخص مهما أوتي من
قابليات على ان يدعي على ان شروطها تتوافر لديه لان الكل يعلم ان
هؤلاء عادة يكونون من الندرة النادرة وضمن ضوابط ومعايير يصعب
تحقيقها....)(انتهى).
والآن، أبدأ من حيث انتهيّت، في الحلقة الأولى من هذا المقال،
مستكملاً متابعتي لمؤتمر (النخب والكفاءآت) الذي عقد في بغداد، يوم
السبت الموافق 8/11/2008، فأقول :ـ
بالرغم من شجاعة السيد رئيس الوزراء، في مواجهة المواقف، لكنّه
بقى يداري مشاعر الآخرين، عملاً بمبدأ الإبقاء على شعرة معاوية.
فالظاهر شعر أنّ كلمته سيتحسّس منها الأكراد، فاستخدم إسلوب (إياكِ
اعني واسمعي يا جارة)، فقال في كلمته بالمؤتمر : (...واسمحوا لي ان
أقول ناقداً وقبل ذلك، أتمنى ان لا يكون الكلام محسوباً على أحد،
حينما تتحدث المحافظات دفاعاً عن صلاحياتها ويتحدث من في المركز
دفاعاً عن صلاحياته، ينبغي ان لا يكون ذلك من انطلاق و حسابات لأن
الجميع يستبدلون بآخرين ويبقى الوطن ويبقى الدّستور وتبقى
المسؤولية ولا يبقى أحد في المركز أو محافظة، إنما هذه هي دورة نمر
بها ومن خلالها نقدم ما نقدم على أساس دستوري واضح)(انتهى).
وجدير بالذكر أنّ السيد برهم صالح، الذي ألقى كلمته بعد كلمة
السيد رئيس الوزراء مباشرة، أشار صراحة، أنّ المقصود من تلك
الإشارات هو إقليم كردستان. و أنّ مبدأ التوافقات السياسيّة، هو
أساس العمليّة السياسيّة، للابتعاد عن نهج الدكتاتوريّة.
أقول :ـ إنّ الذي الحق الأذى الكبير في العراق، في ظل النظام
الديمقراطي الجديد، هو المجاملة ومداراة البعض، على حساب مصالح
الكلّ. وتحديداً أنّ المجاملة و المداراة كانت دائماً لصالح الأخوة
الأكراد، بينما مسؤولي إخوتنا الكرد، يظهرون الصلابة دوماً، في
المواقف التي يتخذونها، لذا نجحوا بتحقيق مكاسب كبيرة للأقليّة على
حساب الأكثريّة.
لقد تحوّل هذا الدّستور (المريض)، مارداً بيد الأخوة الأكراد،
يلوّحون بالرجوع إليه، في كلّ موضع خلاف مع الآخرين، ولمَ لا ؟،
وقد وضع الدّستور على مقاسات تلائمهم، تمام الملائمة. و لنقرأ في
ما يلي، التصريح الصحفي للسيّد برهم صالح، على هامش مؤتمر النخب
والكفاءآت، كما نشر في موقع (كركوك نت) :ـ (وأوضح صالح في تصريحات
للصحفيين حضرته "نيوزماتيك" أن "الدّستور واضح في مجال الصلاحيات
الحصرية للدولة وصلاحيات الأقاليم، وهو المرجعية والأساس لحسم أي
مشاكل وخلافات تبرز بين الأقاليم والمحافظات من جهة وبينها وبين
المركز من جهة أخرى".. وأشار صالح إلى "وجود رؤى متباينة بين إقليم
كردستان والحكومة الاتحادية، وخلاف آخر بين المحافظات والحكومة حول
عدد من المواضيع" مشيرا إلى أن "بعض المحافظات تطالب بحصتها من
الموازنة العراقية والخدمات ومن التعيينات وتريد أن تشارك بسياسة
التنمية" واصفا هذه المطالب بـ"المشروعة".
ولفت نائب رئيس الوزراء إلى انه "لم يتم التوصل لحد الآن إلى
كيفية تنظيم العلاقة بين الحكومات المحلية والاتحادية" غير انه وصف
ما "تحقق بين الحكومة المحلية والمركز بالمهم". يذكر أن هناك خلافا
بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان حول عدد من المواضيع
أهمها الصلاحيات التي يجب أن تعطى للمركز وللإقليم، حيث تطالب
الحكومة المركزية بصلاحيات واسعة، بينما ينظر إقليم كردستان إلى
هذه الصلاحيات بأنها عودة للنظام المركزي، فضلا عن خلافات أخرى
تتعلق بالعقود النفطية التي وقعتها حكومة إقليم كردستان مع بعض
الشركات الأجنبية)(انتهى).
أنا لا أريد أنْ أخطئ السيّد رئيس الوزراء، فهو شخص جدير
بالتقدير والاحترام، لكني أريد أنْ أنقد مرحلة حسّاسة، من التحوّل
السياسي في تاريخ العراق المعاصر. لقد قال السيد المالكي في كلمته
:ـ
(وقلت أكثر من مرة اننا كتبنا الدّستور وسط أجواء كان فيها
استعجال،وهو طبيعي جدا، وفي أجواء بلغت فيها نغمة المحاصصة ذروتها،
كما كانت الحاجة فيها لكتابة الدّستور في ذروتها، ولم يكن هناك من
المتسع الا لكتابة الدّستور، وانا اتذكر ان الاخوة الذين شاركوا
كانوا يتحدثون عن مثل الاجواء التي رافقت كتابة الدّستور و كانوا
يرون ان المسألة تحتاج الى مزيد من الوقت والجهد ولكن العراق لابد
ان يستقر على دستور يحكم المرحلة وعلى اساس التطور وقد وضعت فيه
المواد التي تتعلق بالتعديلات هو أمر طبيعي جداً والحمد لله، كان
الدّستور أساساً لبناء الدولة وكان الدّستور نتاجا عراقيا بكل ما
فيه ولا نقول بانه كامل ولكن لا نقبل ان يقال عنه، ليس فيه ملامح
لبناء الدولة.).... (اذن البداية ان نقول ما هو شكل الدولة التي
نريد، نريد دولة اتحادية قائمة على اساس ديمقراطي انتخابي والنظام
الفيدرالي وهذا النظام معمول به في العالم ؟ هل نريد دولة موحدة
قوية سيدة قادرة على ان تجمع اطرافها وتحمي الكوادر الوطنية كافة؟،
هل نريد نظاما برلمانيا، النظام البرلماني معروف ام نريد نظاما
رئاسيا ؟ وطريق النظام الرئاسي معروف وآلياته محددة ام نريد نظاما
خليطا لنقرر ماذا نريد وان لاتأخذنا مرة اخرى المطالب والشكوك
والمطامح ندخل من باب الفيدرالي الاتحادي وننتهي بالتقسيم او
بمركزيات متعددة ودكتاتوريات متعددة..انا اقول تحديد شكل الدولة هو
الذي يجعلنا نقنن لها لا ان نقنن وشكل الدولة بالنسبة لنا
غائب.)(انتهى).
ولعدم الإطالة والاستغراق، في الخوض بالنصوص وتحليلها والردّ
عليها، فمقصد الكلام واضح، ونتائج الواقع المعاش هي الفيصل القاصم،
والميزان الحاسم، فسأختصر الموضوع في النقاط التاليّة :ـ
1. كتب الدّستور على عجل، ومن غير رويّة، ولا رؤية واضحة، لما
ستؤول إليّه الأمور فيما بعد، وكتابته كانت تجربة غير موفقة، كان
بالامكان تفاديها وعدم تعريض مستقبل العراق للمجهول.
2. أصبحت الأخطاء الدّستوريّة، سلاحاً بيد الأقليّة الكرديّة، و
أصبح إقليم كردستان، الإقليم الوحيد في العراق( المقر دستورياً
بموجب المادة 117، فجاز لهذا الإقليم ما لا يجوز لغيره) بمثابة
دوّلة داخل دوّلة، فضلاً عن المحافظات التي تفشى فيها الفساد
الاداري و المالي، بحكم ضعف رقابة المركز عليها، وعدم وجود قوانين
محدّدة، تبيّن الصلاحيّات والعلاقات والروابط القانونيّة بين جميع
الأطراف، إضافة لحداثة تجربة القائمين عليها. ولا أدري ما المسوّغ
من تطبيق نظام جديد (وهو النظام الفدرالي)، قبل تهيأة كادر إداري
ناضج، يعي المهمّة الموكلة إليه، ويفهم أصلاً فكرة الفدراليّة بشكل
صحيح ؟.
3. في جميع دول العالم، تكون فيها الدساتير موحّدة للشعوب، لكن
دستورنا أصبح أساساً لإثارة المتاعب والمشاكل، التي تهدد مستقبل
الشعب العراقي ووحدته. لابلّ استخدم كسلاح للشحن القومي والطائفي
والمناطقي، الذي عصف بالعراق على مدى سنين أربع، وما زالت بعض
آثارها ماثلة للعيان لحدّ الآن.
4. كتب الدّستور، والظاهر أنّ (الكرام الكاتبين)، لا يعرفون شكل
وماهيّة الدّولة التي يضعون القانون التشريعي لها، وهذا ما اعترف
به السيّد رئيس الوزراء، كما جاء في كلمته :ـ (... انا اقول تحديد
شكل الدولة هو الذي يجعلنا نقنن لها لا ان نقنن وشكل الدولة
بالنسبة لنا غائب).
5. تأكيداً على عدم فاعلية الدّستور، لمّ يستطع المشرّع العراقي،
من حسم وانتاج الكثير من القوانين، الأمر الذي جعل مجلس النواب،
يقوم بتأجيل سَنّ القوانين المهمّة، التي نصّ الدّستور على سَنّها
بعد تطبيقه، و اللجوء إلى ترحيلها للمستقبل، وهذا يعني تأجيل
الكثير من العراقيل و الأزمات إلى المستقبل، و لا أحد يدري هل في
المستقبل ضمانة لتأمين الحلول المرجوّة ؟، أم ستكون في المستقبل
دورة صراعات جديدة ؟..
6. أصبح الدّستور علّة إنقسام آراء أعضاء مجلس النواب، إضافة
إلى علّة ضعف كفاءة الكثيرين من أعضاء هذا المجلس، المعتلّ أساساً
بمرض المحاصصات الطائفيّة والقوميّة.
7. كان بالإمكان اعتماد الدّستور العراقي المؤقت، (بعد إجراء
التعديلات اللازمة عليه، بما يلائم المرحلة الجديدة)، لحين تهيأة
الظروف المستقرة، و إتاحة الوقت الكافي لكتابة دّستور جديد رصين لا
وهن فيه ولا ضعف.
8. تغيير بعض فقرات الدّستور الحالي، ستضع العراق في مخاض صعب
جداً، و سيدفع الشعب العراقي الكثير من المعاناة والمصاعب من أجل
تحقيق ذلك.
من وجهة نظري، وأتمنى أنْ لا أكون متشائماً ؛ إنّ الدّستور
الحالي لابدّ وأنْ تتغيّر فيه الفقرات، التي تفتت وحدة العراق مثل
المادّة(119، التي أُسمّيها مادّة تقسيم العراق)، وبقيّة الموادّ
التي تضعف من حكومة المركز، والتي تحجب الرقابة وتعطي الإستقلالية
(غير المبررة)، على مستوى أنْ لا صلاحيّة لرئيس الوزراء ولا لأيّة
جهة، في عزل محافظ فشل في ضبط وإدارة محافظته، (كما جاء في المادّة
122 خامساً).
العراق يختلف عن الدّول التي تبنّت النظم الفدراليّة، بحسب
طبيعة بنيته الإجتماعيّة و الثقافيّة، و موروثه الفكري و الحضاري،
في الممارسة السّياسية لشكل الدولة وهويّتها. فتاريخ الدّول
الفدراليّة يشير إلا أنّها، كانت دّول متفّرقة، فتوحّدت في نظام
فدرالي. و تاريخ أوربا يؤكدّ أنّها كانت لغاية منتصف القرن السابع
عشر، أكثر من 1750 مقاطعة و إقليم و دوقيّة، كلّ منها يحكمها نبيل
أو أمير أو عائلة حاكمة. وكذلك الحال في أمريكا، فرابع رئيس
للولايات المتحدة (جيمس ماديسون) (1809– 1817) الذي عُرف بأبى
الدّستور الأمريكي، قام بمضاعفة مساحة الدّولة، عندما عقد صفقة
شراء ولاية (لويزيانا) من فرنسا.
• أتمنّى كعراقي، أنْ لا يقسّم العراق إلى أقاليم ومحافظات،
باسم الدّستور والقانون، ولابأس من توسيع الصلاحيات الإدارية
للمحافظات.
• و أتمنّى أنْ لا أرى (الموادّ المُلغّمَة) كــ(المادة 115 في
الدّستور المريض)، و شبيهاتها في الدّستور العراقي المعدل اللاحق
(الذي عكفت على رسمه النخب والكفاءآت، التي جمعها الدكتور الشيخ
همام حمودي، في مؤتمر النخب والكفاءات !!).
• وأتمنّى أنْ تكون كلّ معاني الإخلاص للعراق وشعبه مغروسة في
أعماق الجميع.
• وأتمنّى أنْ لا تتحكّم الأقليّة بالأكثريّة، و تفرض نظام
الدّولة التي تريده، فتطبّق الدكتاتوريّة بأسم الدّستور، والله
المستعان على ما يكتبون.
* كاتب وباحث عراقي
Mj_sunbah@hotmail.com |