البطالة وهموم الشباب.. مشاكل مستعصية بانتظار الحلول

عدسة وتحقيق: عبد الامير رويح

 

- البطالة تنعكس سلباً على تصرفات الشباب فتخلُق لهم حالة من عدم الثقة بالنفس وقد تتطور إلى مرض نفسي او انحراف

- لا أملك (الرشوة) من اجل التعيين ولم انهي دراستي لذا أرى مستقبلي مظلم... احد الشباب العراقيين

- البطالة دمّرَتنا وهدمت أحلامنا ونتمنى أن يُنصفنا من يقول أنه اعتلى المناصب لخدمتنا

شبكة النبأ: شريحة مهمة من شرائح المجتمع ولبنة أساسية من مكونات بناءه لا بل هي القلب النابض والدم المتدفق في شرايينه. هذه الشريحة هي شريحة الشباب فهم من يخلق الإبداع ويصنع الأمل ويبني الوطن وقد عانى الشباب في العراق شتى أنواع المعاناة وهُمِّشوا إلى ابعد الحدود ولاقوا الإقصاء وعدم الاهتمام من قبل كل الحكومات التي تتابعت على حكم هذا البلد الغني بالثروات والخيرات الفقير حد البؤس في واقع الحال!!.

فقد أُجبِروا على الدخول في حروب ومتاهات أفقدتهم الكثير من الأمل في الحياة وجعلتهم يتحسّرون بألم وهم يرون أقرانهم في باقي المجتمعات وهم يرفلون بخير وافر.

ومع انتهاء زمن الدكتاتورية في العراق عام 2003 تأملت هذه الشريحة الخير. فهل تحقق ما كان يصبوا إليه الشباب العراقي من اجل أن يبدع ويعمل ويثبت وجوده المشروع؟

(شبكة النبأ المعلوماتية) توقفت مع بعض الشباب للتعرف على معاناتهم وهمومهم وما يحلمون به وسط اجواء كنهها البطالة والاحباط. فأخرَجتْ الحصيلة التالية بلسان هذه الشريحة التي من المفروض انها عماد الوطن ومستقبله الواعد.

وقفتنا الأولى كانت مع حسين عبد علي 23سنة، قال: عن ماذا أتحدث.. أهم الأمور هي البطالة التي تخلق المشاكل وتتعب النفوس. أنا اليوم اتبع العمل وأبحث عنه أينما كان من اجل أن أوفر لقمة العيش الكريمة مع غلاء الأسعار الفاحش، لذا تجدني مرتحل بين محافظة وأخرى لأجل الحصول على العمل. هذا إن توفر مع أحد المعارف وارباب العمل.! أتمنى أن أجد فرصتي التي استقر فيها من ناحية العمل من دون معاناة.

(سالم حميد 28 سنة) قال: الحمد لله إني غير متزوج.. لكانت مشكلتي أكبر فعدم وجود عمل في هذه الظروف يخلق المشاكل وقد كنت أعمل في بغداد وأكسب رزقي هناك وأعود بما رزقني ربي كي تقتات به عائلتي.. فقدت هذا العمل بعد تدهور الوضع الأمني فأصبحت كالمقعد العاجز اعمل يوماً واجلس في داري عدة ايام، فأحسست أني أصبت بمرض نفسي، لذا أفضّل الخروج من المنزل والبقاء خارجه لفترات حتى أبتعد عن المشاكل التي تولِّد الشجار أحياناً. واليوم وبعد استقرار الوضع الأمني نسبياً أفكر بالعودة إلى العاصمة لعلي احصل على عمل جديد أقتات منه لأن التعيين الحكومي لأمثالي أمر مستحيل فأنا لا املك (الرشوة)!! كي اقدمها للقائمين على التعيينات، كما انني لم أنهي دراستي المتوسطة.. لذا لن أفكر بتعيين!!.

رياض مالك 30 سنة خريج معهد فني، قال: أنا متزوج ولدي طفلان كنت أسكن في منزل أيجار ولعدم قدرتي على توفير المال أللازم عدتُ مجبراً للسكن مع أهلي. اعمل الان كعامل بناء وهذا يتوقف على وجود وتوفر العمل فأحياناً كثيرة اخرج واعود من دون عمل..  لقد  بحثت عن تعيين فلم أجد لأن ذلك يحتاج الى (واسطة) وأنا ليس لي معارف! لقد تعبت فمتى أجد فرصتي في عمل مستقر.

(مصطفى عادل 27سنة) خريج آخر طرح معاناته قائلا: لقد اجتهدت في دراستي وواصلت الليل بنهار من اجل تحقيق حلمي وحلم أهلي الذين لم يبخلوا عني بشيء موفرين كل مستلزمات الدراسة رغم عسر الحال وبعد أن وصلت إلى مبتغاي. وأنا اليوم عاجز عن رد الجميل لهم  فبعد ذلك الجهد والتعب تجدني اليوم أبحث عن تعين وأطرق الأبواب من دون فائدة.

(حسن) رجل تجاوز الاربعين من عمره تكلم عن حالته بمرارة وألم يختلف عن الجميع حيث قال: أنا أبن العراق ولا أملك شبراً من الأرض فيه ولست متزوجاً حصلت على شهادتي بعد عناء كبير وركنتها جنباً كي أفترش الطريق لبيع ما يتوفر لدي من بضاعة.

وتابع حسن، مكاني الوحيد هو رصيف الشارع الذي أقتات منه لقد يئست من حياتي ومللتها ولم أعد أفكر في المستقبل فحتى شهادتي لم تعد تنفعني في بلدي! لان عمري تجاوز السن القانونية للتعين بحسب الأنظمة الجديدة التي نسمعها عند تقديم معاملاتنا!! أنا أفكر بترك الوطن والسفر خارجه لعلني أجد فرصة للعيش تكون أفضل من حالتي اليوم..

(ناظم خليل 30 سنة) قال: نحن  الشباب مهشمين مركونين جانباً فمشاكلنا يمكن  أن تحل بعد أن يكتفي الجميع ويحقق مصالحة الحزبية ويستفيد أهله وأقربائه من ثم يمكن أن يفكروا بنا كشريحة مهمة يمكن أن تبدع وتصنع المستحيل.

واضاف ناظم، العقل العراقي عقل مميز ليس كباقي العقول حتى غير المتعلم هنا هو قادر على الأبداع في هذا البد والشواهد كثيرة جدا نحن نحتاج للاحتضان والاهتمام من مؤسسات الدولة نحن لانريد أن نكون عاجزين نعتمد على رواتب شبكة الحماية التي تقدمها للعاطلين مع أنها خطوة جيدة لمساعدة الشباب لكن من الممكن أن تصرف هذه الرواتب لهم في وظيفة وعمل في دائرة حكومية حتى يحس ذلك الشاب أن له كيان ودور وليس عالة على المجتمع!!!

نشرب الشاي بالدَين!!

عبد الله 28 سنة، يقول أنا من رواد المقاهي فهي متنفسي الوحيد والجلوس فيها يبعدني عن المشاكل والكلام الذي قد أتعرض أليه من جراء جلوسي في البيت بسبب البطالة وعدم وجود عمل. وفيها تعرفت على الكثير من أمثالي فنتسامر ونشرب الشاي والأرجيلة والحمد لله أن صاحب المقهى صديق ويفتح حساب خاص لزبائنه العاطلين!! يحاسبهم بين فترة وأخرى فتصور عظم معاناتنا كشباب فنحن لا نملك أحياناً حق كوب الشاي الذي نشربه!! 

واضاف اخر، أنا في بعض الأحيان أتهرب من الاصدقاء وأسلك طرق المراوغة للابتعاد عنهم ان كان جيبي فارغ وهو كذلك معظم الوقت!أما أصدقائي من خارج المحافظة فأتحجج لهم بآلاف الحجج للخلاص من نفقات ضيافتهم، وهذا يؤلمني كثيراً لكن ما باليد حيلة فهذا أفضل من المشاكل العائلية التي قد تتولد من حضورهم لداري!  نحن الشباب في خانة النسيان والتهميش ونعتقد أن مشاكلنا لن تُحل أبداً! فبدون عمل أو تعين سنبقى نرتاد المقاهي ونحتسي الشاي بـ(الدين)!!

الشارع هو السبيل

ماجد، 27 سنة، تحدث عن معاناته وتمنى أن تنتهي متاعبه فهو لم يترك عمل يعتب عليه بحسب تعبيره فيقول، لقد عملت في البناء وفي بيع الخضار وفي التحميل والتفريغ لكن من دون فائدة فمتابعة بعض الجهات الرسمية لتجاوزاتنا على الأرصفة والشوارع قد حرمتنا من كسب لقمة العيش وهذا من حقهم، نعم نحن متجاوزون على الحق العام لكن هذه هي الطريقة الوحيدة لنا كي نوفر أبسط متطلبات الحياة لعوائلنا.

أما (سلمان 30سنة) فيقول: الشارع هو المكان الوحيد اليوم الذي يتسع لنا فأنا من محافظة ذي قار في الجنوب آتي إلى هنا كي أكسب رزقي أثناء الزيارات والمناسبات أفترش الأرض كي أحصل على الرزق الذي قسمه الله لي لكن في بعض الأحيان نتعرض إلى المضايقات من قبل رجال الأمن وهذا من حقهم لتوفير السلامة للجميع. لكن ماجعلنا نتجاوز على الشارع هو سعة قلبه الذي احتضننا من دون سؤال فهو يعرف أننا متحاجون له كي نعيش فاستقبلنا بكل حب. وعلى الآخرين أن يفهموا قصد كلامي. فأن طردنا إلى أين نذهب والى من نشكوا فالفقر يقتل كل شيء حتى الأخلاق أحيانا فأتمنى أن يسعفنا من هم في مركز القيادة كي نأخذ دورنا وحقنا في المواطنة!!

علاء كاظم 25سنة يضيف: زاولت عشرات الأعمال من دون فائدة وقدمت عشرات المعاملات للتعين من دون نتيجة. فما بين الجيش والشرطة والتعيين في دوائر الدولة بعقد مؤقت رفضت جميع أوراقي وأُهمِلت لكوني لا أملك المال أو الواسطة ولم أنتمي للأحزاب أو أتملق لمسؤول واطلب عطفه ليكون صاحب الفضل علي.. البطالة دمرتنا وهدمت أحلامنا ونتمنى أن ينصفنا من يقول أنه اعتلى المناصب لخدمتنا!!  

احد الأخوة ممن درس علم النفس يقول أن حالة البطالة وعدم وجود عمل يشغل هذه الشريحة من الشباب سينعكس سلباً على تصرفاتهم ويخلق لهم حالة من عدم الثقة بالنفس وقد تتطور إلى مرض نفسي يصعب السيطرة عليه. لذا قد ترى البعض منهم عدائي متوتر ينفعل لأتفه الأسباب. أو قد يكون منطوي على نفسه متحذراً من الخروج والاختلاط مع المجتمع لشعوره النفسي بأنه غير مفيد ويشعر بأنه عنصر غير منتج فهو غير مرغوب فيه.

وبالتالي سيخسر نفسه ويخسره المجتمع بسبب أمور يمكن معالجتها بالتخطيط لكسب هذه الشريحة المهمة من الشباب. وشيء الأساسي الذي أحب أن أذكره هو الاهتمام بشاب في محيطة العائلي فلا يجب الضغط علية من قبل أسرته فلجوء للانتقاص من شخصيته ومحاسبته باستمرار لعدم حصوله على العمل بمقابل الكبت الحاصل لديه سيولد الانفجار الذي قد يندم عليه الجميع دون استثناء. لذا أدعو من المهتمين الإسراع بإيجاد فرص العمل من أجل احتضان الشباب وجعلهم عنصر يسهم في بناء مجتمع سليم..

بهذه الكلمات انتهت رحلتنا مع عالم الهموم والمشاكل لدى العديد من الشباب العراقي مع علمنا أن هنالك الاف اخرين منهم يتوقون للحديث عن معاناتهم وهمومهم ويتمنون أن يُشعِروا بها الاخرين ويشاركوهم حلّها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 16/تشرين الثاني/2008 - 16/ذي القعدة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م