تحية إلى من راهنوا على باراك أوباما، فلم يكن يتصور كثيرون أن
يتمكن أوباما الشاب ذو الجذور السوداء والمهاجرة أن يلقي اليوم
خطاب فوزه في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وأن يشاهد العالم على
شاشات التلفاز دموع الفرح لا دموع الحزن تتلألأ في عيون الأفارقة
الأميركيين.
الرهان على أوباما كان نوعا من المجازفة، فأوباما شاب حديث
العهد بالسياسة الأميركية تحده بشرته السوداء وأبوه الكيني المسلم
وسنوات قضاها في طفولته في اندونيسيا، بالإضافة إلى مواجهته خصوم
لا يستهان بهم داخل حزبه وخارجه.
فمن كان يتصور أن يتمكن أوباما من إيقاف آل كلينتون أو من
مواجهة سياسات التخويف الجمهورية وكل ما روجته من شائعات واتهامات
ضد أوباما حتى قالوا أنه "جزء من مؤامرة إسلامية لتقويض أميركا من
الداخل"، وقالوا مرة أخرى أنه "اشتراكي" و"صديق للإرهابيين.
ولكن أوباما تفوق على الجميع وترفع عن صغائر السياسة الأميركية
بفضل كاريزميته غير المعهودة، وبفضل فضائح الجمهوريين ومشاكلهم
التي ملئت أميركا من الشاطئ الشرقي إلى الساحل الغربي، وبسبب من
راهنوا عليه منذ البداية من أبناء حزبه وملايين الأميركيين الذين
شعورا بأن أوباما سياسي جديد من نوع مختلف.
عموما الرهان على أوباما كبير ولم يحسم بعد، فقد راهن قادة
الديمقراطيين على أوباما لأنهم رءوا فيه القائد السياسي الجديد
الشاب القادر على تجديد دماء الحزب باجتذاب الشباب والأقليات
والمهاجرين، وتبني خطاب جديد يترفع على خطاب الستينيات السائد
المليء بالصراعات السياسية والثقافية والحزبية، والقادر على
استخدام الإنترنت في التواصل مع الناخبين وجمع تبرعات غير مسبوقة،
وعلى تبني سياسات جديدة ترضي المستقلين وبعض المتدينين وقواعد
الحزب التقليدية، وعلى الحديث عن القوة الأميركية دون إفراط مع مد
جسور الجوار والدبلوماسية بين أميركا وشعوب العالم.
عموما أوباما نجح في أول اختبار وهو الفوز بالرئاسة الأميركية،
ويبقى الرهان الأكبر، وهو قدر أوباما على تطوير "أجندة سياسية
ليبرالية جديدة" تطبق الأفكار السابقة وترتقي لمستوي التوقعات
الكبيرة المعولة عليها وعلى أوباما.
فلا يخفي على أحد أن أوباما واجه خلال حملة الانتخابات الرئاسية
- التي امتدت على مدى عامين كاملين - ضغوطا عديدة بعضها نابع من
قلة خبرة أوباما، وأخرى نابعة من حزبه المنقسم على نفسه، وضغوط
قادمة من اليمين الأميركي والجمهوريين، وضغوط لا تحصى من جماعات
الضغط ولوبيات واشنطن.
كل هذه الضغوط دفعت أوباما لتبني سياسات مختلطة إن لم تكن
متضاربة أو ضعيفة وباهتة أحيانا، سياسات ومواقفه لا ترتقي لحجم
"الرهان" على أوباما.
لذا نعود ونؤكد أن الرهان على أوباما لم ينتهي أو يحسم حتى
الآن، فقد نجح أوباما في الاختبار الأول، وبقى عليه الاختبار
الأصعب وهو تحويل خطابه البراق لسياسات حقيقة ترتقي لتطلعات مئات
الملايين من شعوب العالم الذين وثقوا في أوباما وأمنوا بخطابه،
وملايين الأميركيين الذين منحوه أصواتهم ومنحوا حزبه أغلبية لا
يستهان بها، وأعتقد أن غالبية وسط هؤلاء مازالت تخشى من أن يهدر
أوباما والديمقراطيون ثقتهم وأصواتهم.
فمنذ عامين منح الأميركيون فوزا كبيرا للديمقراطيين بانتخابات
الكونجرس ومع ذلك لم يشعر كثير من الأميركيين والمتابعين حول
العالم بأن فوز الديمقراطيين في انتخابات 2006 غير الكثير بواشنطن،
وقد يقول البعض أن الديمقراطيين خلال العامين الماضيين لم يمتلكوا
الأغلبية الكافية ولا القيادة ولا البيت الأبيض، أما الآن فلم يعد
أمام الديمقراطيين كثيرا من الأعذار أو التبريرات الواهية ليحتموا
ورائها.
لذا يبقى الرهان قائما، فهل يتمكن أوباما والديمقراطيون من
"بناء الأجندة السياسية الليبرالية الجديدة" على الساحتين الداخلية
والخارجية، أم أن "عصر التمدد الليبرالي المنتظر" سيتحول إلى كارثة
تعمق الجراح وتأكد مخاوف من يظنون أن الديمقراطية الأميركية باتت
عاجزة عن الخروج من بوتقة الضحالة والديماغوغية وآسر جماعات
المصالح السياسية، وباتت عاجزة عن إيجاد حلول حقيقة لمشاكل المواطن
الأميركي والمتأثرين بالسياسات الأميركية عبر العالم.
* مؤلف كتاب باراك أوباما والعالم العربي
www.alaabayoum.com |