هجرة العقول العربية والطريق نحو المجهول

حسن احمد عبد السادة

شبكة النبأ: مما لاشك فيه ان الهجرة داء مزمن في وطننا العربي، ذلك مما نراه من اعداد مهولة من الجاليات واللاجئين والهائمين على وجوههم في أرض الله الواسعة. والهجرة مشكلة اجتماعية تعاني منها معظم المجتمعات في العالم، وهي بمثابة احتجاج ضد اللامساواة بين عاملين مهمين، الاقتصادي والسياسي. فسلب حرية التعبير، واحتكار رأس المال، هما مايولد فكرة الخروج والنزوح والهجرة، انها بطريقة أو بأخرى احتجاج واضح وصارخ ضد عملية اللامساواة التي تقوم بها الحكومات.

وتعتبر أسباب الهجرة ودوافعها ونتائجها مترابطة مع بعضها البعض ويذكر أن هجرة الكفاءات قد فسرت بمدرستين هما:

1- مدرسة فردية: تعالج أسباب الهجرة من منظور فردي يتعلق بشروط العمل وامتيازاته وحقوقه.

2- مدرسة يمكن اعتبارها ظاهرة دولية، وترتبط بتدهور الحياة المدنية، أي تدني الأحوال السياسية والقانونية وتردي الخدمات والأحوال المعيشية.

ومن هذا نجد أيضا خطورة هجرة الكفاءات تبرز بمسألتين أيضا:

1- التكلفة التاريخية التي يتكبدها المجتمع في تكوين وتعليم المهاجر حتى وقت هجرته.

2- التجفيف لمعين التطور في شتى المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

وللعلم فأن هجرة الأدمغة العربية تكلف الوطن العربي ما يقارب 2 مليار دولار سنوياً ويؤكد تقرير مركز دراسات الدول النامية بجامعة القاهرة أن الاستبداد السياسي ونظم التعليم الفاشلة وراء هجرة الأدمغة، وأن عدد الكفاءات المصرية المهاجرة للخارج يبلغ 824 ألفا حتى عام 2003م، ويكشف هذا الرقم الخطير المأساة التي تواجهها مصر والكارثة المحدقة بتطورها نتيجة هجرة عقولها المتميزة للخارج، حيث إن عددها الكبير يعمل في أهم التخصصات الحرجة والاستراتيجية.

ولخصت دراسة الدكتورة زينب عبد العظيم أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة أسباب الظاهرة في عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية عدة، وجعلت العوامل السياسية من أهمها، ومن بينها:

1- غياب الديمقراطية وتزايد القمع وانتهاكات حقوق الإنسان.

2- ظاهرة الفساد السياسي.

3- عدم تقدير الكفاءات العلمية والسياسية.

وأما العوامل الاقتصادية فهي:

1- قلة العائد المادي لمختلف الكفاءات العلمية والفنية، الأمر الذي لا يساعد على تحقيق الاستقرار النفسي للعلماء.

2- قلة حجم الإنفاق على البحث العلمي في الدول العربية، وخاصة مصر التي لا يزيد حجم إنفاقها على البحث العلمي 6% من حجم الإنفاق.

3- إلحاق العلماء بأعمال لا تتلاءم مع خبراتهم وتخصصاتهم، وتفشي الإجراءات الروتينية في أعمالهم.

4- الاعتماد المكثف على الخبرات الفنية والتقنيات الغربية على حساب الكفاءات الوطنية.

وأكدت الدراسة أن أهم العوامل الاجتماعية التي تؤدي إلى الهجرة هي :

1- زيادة الوعي السياسي والاجتماعي لدى الشباب.

2- وجود تفرقة بين خريجي الجامعات الوطنية والأجنبية مما أدى إلى تشجيع الدراسة في الخارج. يذكر أن مصر من أكثر الدول العربية معاناة من هذه المشكلة، حيث قدر عدد من تخلف من مبعوثيها إلى أمريكا في العودة إليها في فترة 1970 – 1980 بأكثر من 70%

ويستعرض بحث نجاح التخطيط التنموي المصري بين عام 1980 – 1997 مقارنة مع الدول الأخرى في أمور عدة، وقد احتلت مصر فيها مرتبة جيدة في ميدان الصحة، واحتلت مراتب واطئة في أربعة مجالات أخرى: هي التعليم، ومعدلات النمو الاقتصادي، وتوزيع الدخل، والتحسينات في إنتاجية الأيدي العاملة.

وللعلم أن موضوع هجرة الأدمغة لم يشكل موضوعاً استراتيجياً لغاية الآن، والفضل الأكبر للأوربيين واحتجاجاتهم والضجة التي آثارتها الدول الأوربية عندما لاحظت أنها تخسر أصحاب الكفاءات العالية لمصلحة الولايات المتحدة وتؤكد المعطيات أن أغلبها كانت برعاية وتشجيع أمريكي.

فالمطلوب أن ترسم سياسات اقتصادية وثقافية وعلمية واجتماعية محفزة تشجع أصحاب الكفاءات العلمية والأدبية والفكرية لخدمة بلادهم، باعتبار أن الإنسان أثمن رأسمال، وأن أي عطب في حياته سينعكس على كل الأصعدة، وخاصة في ظل تسارع المنافسة الذي يشهده العالم في موضوعات الثقافة والتحديث... وأن البلاد التي لا تحترم علماءها ومبدعيها سيصيبها الجفاف والموت البطيء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 8/تشرين الثاني/2008 - 8/ذي القعدة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م