الديموقراطية ومستقبل التعليم في العراق

د. حسن السوداني

تبدو اليوم عملية دراسة بعض المفاهيم المتباعدة اصطلاحيا جزءً من تكامل معرفي مطلوب لا تتم عملية الفهم والاستيعاب إلا من خلالها, فمصطلحات مثل التعليم والبعد العالمي وحقوق الإنسان وغيرها تدخل ضمن الموضوعة السياسية أكثر منها في موضوعات التعليم إذا ما حاولنا التحقيل أو التصنيف. ومن هنا تبرز بعض الأسئلة عن مدى العلاقة بين المفاهيم" التعليم والديموقراطية" ومدى ضرورة تلازمهما وفي أي المواضع؟ فإذا ما عرفنا أن منهجية التعليم في العراق قد اعتمدت ومنذ بدايات دخول المدرسة بمعناها الحديث في بدايات القرن الماضي على نمط تعاملي متوارث من الحياة التعليمية في قرون الدولة الإسلامية وما تلاها من انقطاع خطير عن التواصل المعرفي وبالتحديد في أبان الاحتلال العثماني والذي عرف عنه قسوته وطول فترته وممانعته الكبيرة من توسيع دائرة العلم والمعرفة وبالذات تحريمه طباعة الكتب لأكثر من ثلاثمائة عام مما حرم العالمين العربي والإسلامي ـ الجزء الواقع في دائرة الاحتلال العثماني ـ من التطور العلمي والثقافي على مدى ثلاثة قرون, وبعد دخول الإنكليز بغداد عام 1917لم يكن هناك سوى أربعة مدارس فقط.

 وقد اعتمدت الدراسة عموما على(نظام الكتاتيب كما هو الحال في بداية العصر العباسي, وحتى ما بعد تأسيس الدولة العراقية لم يبلغ عدد طلاب الكليات الحكومية إلا (99)  طالبا في العام 1921ـ 1922 الذي ازداد إلــــــى (1218) طالبا في العام 1940ـ1941 وإلى(8565) في العام 1958ـ 1959 وارتفع عدد طلاب المدارس الحكومية من (229 إلى 13969) ثم إلى (73911) في السنوات نفسها) (1) وبالرغم من ارتفاع عدد الطلاب والمدارس بشكل متزايد وصل إلى رقم بالملايين قبل سقوط النظام في العراق في التاسع من أبريل عام 2003 إلى أن طيلة هذه العقود من الحياة التربوية في العراق  ظلت طريقة التعليم والعلاقة بين الطالب والأستاذ مرهونة بالإرث القديم من التعاملات المبنية على مفاهيم مثل" من علمني حرفا ملكني عبداُ" وهي مفاهيم قد حددت نمط العلاقة التسلطية بين المعلم والطالب وساهمت بدرجة أساس في بقائها متواصلة مع فترة الكتاتيب والمقتصرة على نمط بدائي من التعليم يعتمد الحفظ أساس التعلم دون الغور إلى منطقة الفهم والمناقشة والاستنتاج مؤكدةُ في الوقت ذاته على نظام الثواب والعقاب وهو من المفاهيم المستمدة من التأثيرات القديمة في العملية التعليمية والتي يأخذ العقاب فيها أحيانا درجات من العنف  تتصاعد أحيانا مع ارتفاع درجات التسلط التي يشعر بها المعلم وبالأخص أولئك الذين يتولون مناصب إدارية, وبالرغم من أن التعليم قد توسع في العقود الأخيرة من القرن الماضي وزاد عدد الجامعات إلى أكثر من عشرين جامعة وآلاف المدارس والمعاهد إلا أن هذا التوسع قد صاحبته مشكلات كبيرة تتعلق بتوفير الكادر المتخصص والمدرب وبالتحديد في الجامعات العراقية التي تستقبل أعداد كبيرة من التدريسيين البارعين في حقول تخصصهم والذين يفتقدون في الوقت ذاته الكيفية أو الطريقة الحديثة في التدريس ويعتمدون بالدرجة الأساس على مدرسيهم القدماء أو إحدى طرق التدريس التي انتهجها أحد ما قبلهم وقد أعجبتهم لسبب ما أيضا!!

وقد وجد الباحث أن نسبة 82% من المدرسين المنظمين لدورات التأهيل في الجامعات العراقية ليست لديهم خبرات في طرق التدريس الحديثة وأن نسبة 98% منهم لم يطبقوا الطرق الحديثة في التدريس مثل طريقة التعليم المبرمج والتعلم الذاتي والتعليم الالكتروني والافتراضي(2). ولعل هذه النتائج تثير أكثر من تساؤل عن مدى تأثير كل ذلك على العلاقة بين الطالب والأستاذ, والطالب وطريقة التدريس, ومعلم المستقبل في العراق.

الديموقراطية وطرائق التدريس:

 إذا ما كانت الديموقراطية في جزء من تطبيقاتها إعطاء الأخر حق الرد وحسن الإصغاء واحترام رأي الأخر أو حسب قول فولتير" أنا لا أتفق معك في كلمة واحدة مما قلت ولكني سأدافع عن حقك في الكلام وحرية التعبير عن أفكارك حتى الموت" فأن ذلك كله لا يأتي من فراغ حتما دون أن يؤسس له في المنهج التعليمي ويطبق في طريقة التدريس , سواء أكان ذلك عبر المناهج أو الدورات التأهيلية أو التطبيقات الحياتية المختلفة.

وإذا كنا هنا نعنى بموضوعة التعليم والديموقراطية فأننا نود أن نتفحص مفردات العملية التعليمية ومدى علاقة كل مفردة منها بموضوع الدراسة. فالطلاب على اعتبارهم أحد الأركان الثلاثة في العملية التعليمية بلغ عددهم في العراق أكثر من خمسة ملايين طالب موزعين على المراحل الدراسية المختلفة, وهو رقم يعادل نفوس بعض الدول العربية وأحيانا يعادل  نفوس أكثر من دولة, وتشير الإحصائيات أن النسبة الأعلى من هذا الرقم تنحصر في المراحل التمهيدية للتعليم في العراق, لوجود قانون إلزامية التعليم في العراق مما يحتم دخول جميع الأفراد الذين يبلغون ست سنوات من العمر.

والحديث عن الطالب في مختلف المراحل الدراسية في العراق يحتم الحديث عن عائلة الطالب أيضا وانعكاسات الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للعائلة عن الطالب. فلم يعد الطالب مواطنا في مجتمعه المحلي فقط، بل أصبح مواطنا في مجتمع دولي، وأصبح يعيش في عصر سريع التغير يتطلب مهارات ومعلومات تساعده على العيش في عصر المعلومات. من هنا ازداد الاهتمام لدى التربويين بطرح مقررات في الدراسات الدولية أو العالمية أو إضافة بعد عالمي إلى المقررات المختلفة كاللغات والدراسات الاجتماعية والأدب والتجارة وإدارة الأعمال والاقتصاد والزراعة والجغرافيا والتاريخ) في مختلف المراحل (من الروضة حتى الجامعة) خاصة في السنوات القليلة الماضية (انظر دراسات ويرنر Werner (1996)، زيفين Zevin (1993)، باتريك Patrick (1990)، بوشل وداير Bushell and Dyer (1994)، فلمنج Fleming (1990)، باول Powell (1992)، بندر-سلاك Bender-Slack، ناش Nash (1997)، كروزل Kruzel (1992)، (براندا Branda (1991)، كروفورد Crawford (1993)، Peters, (1991), Debeauvais (1992)(3). وهو الأمر الذي تفتقر له المناهج الدراسية العراقية لخضوعها إلى تغيرات مستمرة بفعل التدخل السياسي للنظام السابق ومحاولته أدلجة التعليم وفرض أفكار الحزب الواحد ذات الطابع القومي اوالتعصبي فضلا عن إدخال عسكرة التعليم كجزء من مفردات الحياة اليومية للطالب وإلغاء فترات العطل الصيفية وإبدالها بقسرية التدريب العسكري والتحاق الطلاب في معسكرات الجيش والتعامل معه على أساس كونه جنديا ينطبق عليه التعليمات الصارمة التي تنطبق على الجنود المحترفين ففي عام 1987- مثلا - تم فصل اكثر من 500 طالب من كلية الفنون الجميلة وحدها من الدراسة كونهم قد تغيبوا عن ساحات التدريب لمدة سبعة أيام فما فوق وتم إلحاقهم بوحدات الجيش النظامي وقتل الكثير منهم فيما بعد في الحرب العراقية الإيرانية.

وقد انعكس هذا الأمر على الحالة النفسية للطالب الذي أصبحت هذه المواد عبئا نفسيا ثقيلا عليه يتمنى أن تطول فترة الدراسة كي لا تأتي العطلة الصيفية ويزج به في أتون الحرب. وأصبحت عملية إكمال المنهج الدراسي أو تحديثه  وإدخال البعد العالمي أليه موضوعة ليست ذات أهمية ما دام التفكير متجه من قبل الطالب والأستاذ على حدٍ سواء للدفاع عن أنفسهم في عملية الموت هذه.  ولعل الخلل يكمن في نوع التعليم وطرائقه، ومدى تأثيرهما في أنماط السلوك وفي تغير عمليات التفكير، فنظام التعليم وبرامجه وطرائقه لم يستطع أن يؤثر في السلوك، ولا يغير النظرة إلى الواقع والمحيط المادي التي اكتسبها التلميذ منذ طفولته في أسرته ومحيطه الاجتماعي, لأن العلوم ليست مجرد مجموعة من المعارف يحفظها المتعلم ويقوم بتذكرها وتقديمها في اختبار تحريري، كما أنها ليست سلسلة من تجارب يتم أداؤها في المختبر فقط، بل إن العلوم نشاط تعليمي يتناول القيام بمجموعة من الأنشطة العلمية تتضمن الملاحظة والتمعن في الكون، والبحث والاستقصاء بعمليات علمية يمارسها التلاميذ للوصول إلى تأكيد لحقائق ومفاهيم معروفة أو إلى حقائق جديدة، وربما حقائق أفضل، وتصحيح مفاهيم خاطئة.

تجارب سابقة:

 اهتم التربويون  في العالم كثيرا بموضوعة الديموقراطية والتعليم وتكنولوجيا الاتصال  وكيفية تضمين المنهج الدراسي ما يعزز هذه النقطة, وقد تم أجراء بحوث في المناطق التي تحتوي على تنوع عرقي ومذهبي ومن بين تلك الدراسات:

 قامت ديموفسكي ونيموث Demovsky and Niemuth (1999) بتصميم برنامج هدف إلى زيادة المهارات العالمية وزيادة وعي طلاب الصف السادس والمرحلة الثانوية ممن يعانون من صعوبات في التعلم بالتنوع العرقي في الفصل وإشاعة مفاهيم الديموقراطية وحقوق الإنسان. حيث ركز البرنامج على استخدام التدريس المباشر المعتمد على مهارات استخدام الخرائط والأحداث الجارية والتعليم التعاوني، والتسامح، ووضع الطلاب في مواقف تساعدهم على فهم القضايا العالمية. وأظهرت نتائج التدريب ازدياد احترام الطلاب للاختلافات الثقافية. وأصبحوا أكثر قدرة على التواصل مع بعضهم البعض، وتحسن فهمهم للجغرافيا البشرية(4).

 وفي دراسة ثانية استخدم أنجري (Angry 1992) برنامجا تدريبيا لزيادة الوعي العالمي لدى طلاب المرحلة المتوسطة. حيث قام بتدريب الطلاب على مهارات تحديد المواقع التي يحتاج إليها الطلاب في تعلم القضايا العالمية وأماكن حدوثها. وقام الطلاب بتجميع حقائق عن اعتماد دول العالم على بعضها البعض، وكتابة تقارير ومقالات بالاعتماد على مراجع من المكتبة، وتابعوا الأحداث العالمية في كراسة خاصة طيلة مدة التدريب. فأظهرت نتائج التدريب زيادة في معلومات الطلاب عن اعتماد دول العالم على بعضها البعض. وأصبح الطلاب أكثر اهتماما بالشؤون العالمية والأحداث الجارية في العالم (5).

 ومن بين الأسئلة التي تطرحها هذه الدراسات:

1/ هل تقدم مقررات الدراسات الاجتماعية  لطلاب المرحل المختلفة موضوعات عالمية؟

 2/ وفي أي صف تدرس الموضوعات العالمية؟

 3/ ما نسبة الموضوعات العالمية إلى الموضوعات المحلية في كل صف؟

 4/ ما المحاور التي تركز عليها الموضوعات العالمية في كتب الدراسات الاجتماعية ؟

أي هل تركز كتب الدراسات الاجتماعية على:

(1)الأنظمة الثقافية والبيئية والاقتصادية الخ

(ب) القيم الإنسانية والديموقراطية

(ج) القضايا الملحة

(د) تاريخ العالم. وما درجة تركيزها على كل محور من المحاور السابقة؟

الديموقراطية والبعد العالمي في المنهج التعليمي:

  يشير البعد العالمي إلى ما يتعلق بالبلدان الخارجية بالنسبة لبلد الطالب من موضوعات وبرامجيات وبصريات تتضمنها الكتب التعليمية للمراحل الدراسية كافة. ويمكن أن تدور الموضوعات العالمية حول النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتاريخية والجغرافية والبيئية والثقافية والدينية في الدول الأخرى في العالم (غير بلد الطالب). واقرب مثال إلى ذلك هو كتاب الأطلس التعليمي الذي كان يوزع على الطلبة في مادة الجغرافية ولكنه ظل محصورا في التضاريس الجغرافية دون التطرق للعادات والتقاليد واللغات والأديان التي تسكن في هذه المناطق.

الديموقراطية والموضوعات العالمية في الدراسات الحديثة: 

تتكون قائمة موضوعات الدراسات الاجتماعية العالمية ما يلي:

 الموضوعات التي تركز على الأنظمة العالمية وتشمل:

1/ موضوعات تركز على الأنظمة الثقافية   cultural systemsمثل الموضوعات التي تعرض الأنساب والحكايات الشعبية والفنون واللغة والملابس والطعام والعادات والأعياد والمساكن والأديان والتربية والجغرافيا والأسرة والرياضة والألعاب والممارسات الطبية.

2/ موضوعات تركز على النظام البيئي ecological systems مثل التلوث الهوائي والمائي والتخلص من النفايات وقطع أشجار الغابات وتأثير البيوت المحمية وتخطيط المدن والفصائل المعرضة للانقراض وحرائق الغابات والتغيرات التي طرأت على الطقس وطبقة الاوزون.

3/ موضوعات تركز على الأنظمة الاقتصادية مثل التجارة الدولية والاقتصادية والسياحة والمهن والمصادر الطبيعية.

4/ موضوعات تركز على الأنظمة السياسية كالأنظمة الديموقراطية والشيوعية والاشتراكية، والعمليات السياسية وتقويمها لتنمية المهارات اللازمة للمساهمة كمواطنين مسئولين.

5/ موضوعات تركز على الأنظمة التكنولوجية وتشمل استخدام الفيديو واسطوانات الليزر وبرامج الحاسب ودوائر المعارف الالكترونية وقواعد المعلومات الالكترونية ونظم الاتصالات.

6/ موضوعات تركز على المنظمات العالمية مثل الأمم المتحدة والمنظمات المتفرعة عنها، منظمة الدول المصدرة للنفط، الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الإفريقي، منظمة المؤتمر الإسلامي...الخ

7/ موضوعات تركز على القوانين الدولية.

8/ موضوعات تركز على النظم الصحية.

9/ موضوعات تركز على النظم التعليمية والتربوية.

10/ موضوعات تركز على النظم الاجتماعية مثل الضمان الاجتماعي، رعاية كبار السن، التقاعد، التسريح من الخدمة، التأمينات الاجتماعية، رعاية المعوقين، رعاية الأحداث(6).

والمتتبع لهذه القائمة يجد أن الفقرة الرابعة منها تكاد تكون مغيبة تماما من مفردات المناهج العراقية ومحصورة في درس الثقافة القومية (الملغى حاليا) وقد كان من الدروس الإجبارية المقررة على الراحل الدراسية كافة وتحديداً في المرحلة الجامعية والذي يتضمن رؤية حزب البعث لهذه المصطلحات وإضفاء الكثير من التشويه عليها ومحاولة زرع اتجاهات مضادة لها وخاصة تلك التي تتعلق بالدول الغربية ذات النفوذ العلمي والاقتصادي الكبير في العالم اليوم.(6)

 ولا يكفي لأجل تجديد التعليم إدراج مواد جديدة في المناهج، بل الأمر يحتاج إلى تصور دقيق للتفكير العلمي، وتطوير خصائص المتعلم، وطرائق التدريس التي ما زالت تقليدية, لا علاقة لها بأية نظرية علمية، ولا تتأسس على معرفة حقيقية بنفسية التلميذ أو بقدراته العقلية والمعرفية،  فما هو شائع في مدارسنا طرق تدريس تقليدية متوازنة تعتمد أساسًا على محورية دور المعلم الذي يلقن ويقرر ويحدد وينظم، وعلى تصور المتعلم وسلبيته في مواقف النشاط والتعلم لكونه عنصرًا منفعلاً فقط، وعلى تجزيئية المواد الدراسية وترتيبها وفق اعتبارات منطقية.

فالمعروف أن هناك الكثير من طرق التدريس و يمكن تقسيمها حسب الجهد المبذول إلى الطرق التالية: 

1- طرق تعتمد على جهد المعلم: مثل طريقة الشرح والعرض والمحاضرة والتقديم وتعرف بالطرق الإلقائية.

2- طرق تعتمد على جهد الطالب: مثل طريقة المشروعات،طريقة الاكتتاب،التعليم المبرمج، طرائق تفريد التعليم.

3- طرق تعتمد على جهد المعلم والطالب معا: مثل الطريقة الحوارية، طريقة التعينات، طريقة حل المشكلات، طريقة المحاكاة.

4  - طريقة قراءة الصور وهي طريقة حديثة يمكن تفصيلها بما يلي:

 من التطورات  المهمة في مجال علم النفس المعاصر هو اتفاق فريق من العلماء مختلفي الاتجاهات والاهتمامات النظرية امثال: بياجيه وبرونر وكولبرك وفيكوتسكس واوزبل في مدرسة واحدة اطلق عليها علم النفس المعرفي اذ اهتموا بكون الانسان مخلوقا عاقلا  مفكرا وباحثا عن المعلومات ومجهزا لها ومبتكلاا فيها. وعلاقة ذلك بموضوع النبهات والاستجابات واختلفت تصوراتهم في تفسير هذه العلاقة, وبرز اتجاهان لهذا الاخالاف , الاول يؤكد على النوذج النبه والاستجابة, اي عللا ان السلوك هو المؤير الرئيسي لدراسة العلاقة بيت النبه والاستجابة وءؤكد الانجاه الثاني على نموذج المبه ـ الكائن الحي ـ الاسنجابة , اذ اكد وجود حالة وسطلا بين النبه ـ الاستجابة ـ وسميت بالعمليات الوسيطة التي تشير الى ما يحدث الكائن الحي عند تلقيه التنبيه. (7)

وعلى ذلك انصب ميدان دراسة علم النفس المعرفي على الانسان وطرق تحصيله للمعرفة وكيفية حفظها وتحويلها مما يستدعي دراسة ما يجري داخله من عمليات عقلية وخاصة عمليات التفكير والادراك والانتباه ودراسة العملية التي يتم بها اكتساب المعرفة بصورة دقيقة وتفسير كيفية تطبيقها في الحياة اليومية ومن ثم فان العلم يجمع بين جوانب الحركة الوظيفية في علم النفس بتأكيدها العمليات العقلية وعلم النفس الجشتالتي في تاكيده الادراك والتفكير والانتباه وعلى منهجية السلوكية في الطرق الموضوعية المتبعة.(8)

ويعبر مصطلح المعرفة  عن جميع العمليات النفسية التي يتحول بواسطتها المدخل الحسي فيفسر ويختصر ويختزن لدى الفرد  الى ان يتم استدعاؤه او التعرف اليه لكي يستخدم في المواقف المختلفة. ومن هنا ياتي ارتباطه بالمواد التعليمية التي تشكل مع نشاطه العقلي المعرفي اساسيات العملية التعليمية ذلك ان اي موقف تعليمي موجه بالدرجة الاولى الى النشاط العقلي للمتلقين ولذلك فان اغلب الدراسات التي ظهرت في تطبيقات علم النفس المعرفي اعتمدت في مادتها الرئيسية على الاختبارات المصورة او المجسمة او المتحركة التي ترتبط بتكولوجيا التعليم.

 ويمكن ان نلخص في هذه المقدمة الى ان علم النفس المعرفي يتعمد على امكانية تطبيق النظريات والبحوث في الحياة اليومية , اي امكانية  تعميم هذه النتائج ويناقش طبيعة هذه الاحداث او الوقائع الجسمية في الجهاز العصبي او الدماغ التي ستكون لها امكانية التحليل النفسي لاسسها المكونة والاستفادة من معطيات التحليل الفسيولوجية.(9) ويحدد (عثمان وابو حطب) المفاهيم المستخدمة في مجال العمليان المعرفية باربعة وخمسين مفهوما تشتمل العمليات انفة الذكر وغيرها والتي لامجال لذكرها هنا تفصيلا لذلك سيتناول الباحث هنا عملية التعرف من بين عمليات الذاكرة  فقط محاولا تسليط الضوء على كيفية بناء هذه العملية.

الذاكرة

تكاد حياتنا اليومية تعتمد بشكل اساسي على الذاكرة في مختلف مفرداتها سواءاكانت تلك المفردات اعمالا جسمية او فكرية, فنحن لانبدأ حياتنا من جديد كل يوم وكل ساعة وكل لحظة بل هي عبارة عن سلسلة ارتباطات الحاضر بالماضي القريب او البعيد, وكلما ضعفت حلقات هذه الروابط ضعفت شخصية الانسان وتضاءلت حتى تفقد تسميتها كشخصية ولا ينفرد الانسان بالذاكرة فقط بل نجد لها دلالات واضحة لدى الكثير من الحيوانات الراقية التي ينسب اليها نوع من الذكاء الانساني مثل ـ الكلب ـ  الذي لايميز  اصدقائه فقط بل يذكر تفاصيل عاداتهم كالقفز والجلوس على ارجلهم او بين ايديهم, كما اثبتت التجارب ان القرود وبعض الحيوانات المائية والطيور تمتلك نوعا من الذاكرة. ومنذ اقيمت المدرسة كنظام للتعليم كانت الذاكرة  السلاح الذي ينبغي ان يمتلكه الطالب كي يرتقي سلمها بصورة صحيحة واصبحت حياته الدراسية تعتمد على مدى قدرته في استظهار هذه المواد بقدر كاف ونسبة معينة هي ما تعرف بنسب النجاح فاذا خانته الذكرة قررت المدرسة فشله ذلك الفشل الذي  له ابعد الاثر في حياته ومستقبله. واهمية الذاكرة لا تنصب في جانب معين من الموضوعات المعرفية دون غيرها , فدراسة الارقان والرموز ومركباتها في مادة الكيمياء تتطلب جهدا لا يفوق دراسة اللغات الاجنبية مع اختلاف اسلوب التعلم وبعض المتغيرات كالسن والظرف النفسي والاجتماعي والبيئة.... الخ.

وتؤدي الذاكرة دورا مهما في دراسة الفنون وبالذات تلك التي تعتمد على درجة كبيرة من المهارة اليدويةو فضلا عن ان هذه المهارة هي نوع من الذاكرة العملية, فان الفنان التشكيلي يحس بان مهارته في محاكاة الطبيعة تعتمد على قدرته في الاحتفاظ بالصورة البصرية الخاصة بموضوع صورته.(10)

 وتعرف الذاكرة بانها تلك الميزة لدى الكائنات الحية التب بفضلها تترك الاشياء المختبرة خلفها اثارا تقوم بتعديل التجربة والسلوك في المستقبل, وتاريخ الانسان سجل بفضل ما تسجله الذاكرة بما تشمله من التذكر والاسنحضار والادراك الجيد.(11) ولكن هذا التعريف شأنه شأن التعريفات الاخرى للذاكرة يقع في مطاف العمومية برغم صحة بعض اجزائه, ومن خلال استقراء الباحث للعديد من الدراسات التي اوردت تعريفات للذاكرة يمكن ان نخلص الى تقسيمها الى اربعة اقسام او مراحل تقود كل منها الى تلك التي تليها ولا تستكمل الذاكرة عناصرها الا باستكمال هذه الخطوات جميعا وهي:

1\ التعلم

2\ الحفظ

3\ التذكر

4\ التعرف

فالتعلم هو مجموعة التجارب المكتسبة والمبنية على معرفة حقيقة تصبح مادة  للذاكرة ومع ذلك ان الذاكرة ليست لها القوة لتغيير ميولنا الطبيعية واستعداداتنا النظرية فالطالب ربما ينسى جدول الضرب لكنه لا ينسى الطعام عندما يمسه الجوع , والحفظ هو الخطوة التالية في عملية الذاكرة وهو يشكل حالة استقرار لاننا لانكرر ما تعلمناه كل دقيقة حرصا عليه من الضياع بل ان نظرو واحدة تكفي في بعض الاحيان لنتذكر حادثا من دون ان نحاول الاحتفاظ به قصدا, اما التذكر فهو عملية استرجاع تجربة من تجاربنا السابقة ويكون ذلك عادة بربط هذه التجربة  مع تجاربنا السابقة المعروفة وعندما يكتشف المتعلم ان ما نذكره لايطابق الواقع وان كان يشبهه نحو الاجابة عن سؤال تاريخي مثل سنة سقوط بغداد 1528 م بدلا من 1285 م فذلك دليل على ان الخطأ يرجع الى عدم استكمال الذاكرة احد اصولها او مرحلها وهو التعرف وهو محاولة ارجاع ما نتذكره الى زمان ومكان معين وفي هذه العملية لا نحتاج الى جهد كبير من تذكر حقيقية منسية بل يكفي ان نعرف شيئا من بين مجموعة اشياء غير معروفة  وتبدو هذه الحقيقية  للوهلة الاولى سهلة ولكن صعوبتها  تكمن في الاجابة عن كيفية حدوثها وهذا ما سيحاول هذا الموضوع ان يقدمه.

كيف تحدث عملية التعرف البصري:

لقد شغل موضوع التعرف علماء النفس وبذلت جهود كبيرة للوصول الى الكيفية التي يتم فيها التعرف وعلاقة ذلك بعمليلت الذاكرة الاخرى ومن بين المدارس الحديثة التي  اهتمت بدرجة عالية بدراسة العمليات القلية العليا ومن بينها الذاكرة هي المدرسة المعرفية في علم النفس ومن تجاربها تلك التي قام بها مركز وسكنس لبحث وتطوير التعلم المعرفي.  واستغرقت فترة جاوزت الخمس سنوات من البحث المتواصل مكنتها من تحديد خمس مهارات اساسية لعملية التعرف ما قبل القراءة ونشرته شركة الموسوعة البريطانية التربوية في حقبيتين تعليميتين عام 1974 وقسمت هذه المهارات الى ثلاث مهارات بصرية ومهارتين سمعيتين وهي مهارات ضرورية لتعلم القراءة عن طريق التعرف, وتشمل المهارات البصرية:

1 ـ الانتباه الى ترتيب الحروف في الكلمة مثل زار ـ  راز ـ ارز

2 ـ الانتباه الى تفاصيل  حروف الكلمات مثل جار ـ حار ـ حاز

3 ـ الانتباه الى اتجاه شكل الحرف ونقاطه مثل  ب ـ ت  ـ ث ـ ن (12)

وبما اننا في صدد الحديث عن استخدام البمهارات البصرية في التعرف فلا بد لنا من معرفة العمليات الاداركية  التي تبرز قابليتنا على تفسير النماذج المرئية, وللاجابة عن هذا التساؤل ينبغي  ان ننظر في عدة طرق استخدمت في تفسير عملية التعرف وهي:

1 ـ طريقة المدرسة الجشطلتية:

تؤكد هذه المدرسة ان اية عملية استرجاع للمعلومات من الذاكرة تتضمن بصورة حاسمة الافادة من مبدأ (التشابه similarity) والحقيقة التي يستند اليها هذا المبدأ هي اننا نتعرف على الشئ الذل سبق ان رأيناه في مناسبة سابقة, فالامر الحاسم في هذه المدرسة بحصوص الذاكرة هو التشابه اكثر من الاقتران او التكرار او التعزيز (13) ويضيف ويرتمير مؤسس النظرية الجشطلتية بعض المبادئ لتنظيم وترتيب عملية التعرف وهي:

1 ـ التقارب  proximity: ان العناصر المتقاربة في نفس الزمان والمكان تنحو ان تعرف سوية.

2 ـ التشابه. similarity: وهي من العناصر الموجودة في نفس التركيب تنحو ان تعرف سوية.

3 ـ الاتجاه direction وهي تلك العناصر التي تنحو ان تعرف سوية و باتجاه واحد مستمر يمكن التعرف اليها بسهولة.

4 ـ الترتيب الموضوعيobjective set: اي ترتيب او تنظيم يدرك في حالة واحدة ينحو ان يرى في شكل متبعا حالات متشابهة.

5 ـ المصير المشترك  commonfate: ان العناصر المتحولة بطريقة متشابهة مع مجموعة اكبر تنحو ان تتجمع وتعرف بسهولة.

6 ـ البركنايزpragranz: ان الاشكال ترى من كونها جيدة بقدر الامكان تحت الظروف التحفيزية , وان الشكل الجيد هو الشكل المستقر الذي لايمكن ان يصبح ابسط تنظيما عن طريق التغير او التحول الادراكي(14)  ويثير الجشطلتيون تساؤلا اخر حول التعرف هو: هل التعرف على الشئ او النموذج يتم من خلاله اجزائه ام نتعرف على النوذج ككل؟ ويجيبون على ذلك بان عملية التعرف ننم من الاعلى الى الاسفل او من خلال الكل وليس عن طريق اجزاء الكل وان البدء بمجموعة الاجزاء تبدو وكأنها عملية تلصيق اجزاء متناثرة لا يمكن ان تعطينا صورة صادقة وحقيقية عن الكل (15).

2 ـ  طريقة التعرف بالملائمة والتماثل:

تعتمد هذه الطريقة في تفسيرها التعرف على اساس الخبرة التي يمتلكها الانسان عبر مراحل حياته المختلفة والتي تكون من خىلها الكثير من النماذج المرية والتشكيلات التي تعدها هذه الطريقة الاساس في منهجها ويفسر روبرت...... التعرف على شكل هندسي بانه الطاقة الضوئية الصادرةمن الشكل تقع على شبكية العين وتتحول الى طاقة عصبية تنقل الى الدماغ او المخ الذي يقارنه بالتشكيلات والنماذج المختزنة واذا ما وجد انه تشكيل يتلائم مع احد النماذج المختزنة فسوف يتعرف عليه حالا. (16) وقد اهتمت هذه الطريقة كثيرا بدراسة التعرف على شكل الحروف والاشكال البصرية ويؤخذ على هذه الطريقة عدة ملاحظات اهمها طريقة التفسير ذلاها فاذا كان التعرف يحدث عندما توجد ملامة بين الشئ المعروض وخزينه الداخلي فان اي شئ يحتوي على اختلاف طفيف في الملائمة بينه وبين الش المختزن سوف لايتعرف عليه ومن هنا يتطلب كي يتحقق صدقها عدد هائل من التشكيلات البصرية المختزنة لكي نتعرف على الاشياء.

3ـ طريقة النموذج الاصلي:

بعد الكثير من التساؤلات التي واجهت طريقة التعرف بالملائمة والتماثل, ظهرت طريقة اخرى سميت بطريقة النموذج الاصلي والفكرة فيها تستند الى ان هناك نموذجا اصليا مخزونا في الذاكرة بعيدة المدى, وان اية فكرة مجردة تعرض للمفحوص ستقارن مع النموذج الاصلي فاذا ما وجد تشابه فسوف يتم التعرف على النموذج البصري, ومثال ذلك  نتعرف على سيارة (الفولكس واكن) حتى لو كانت بالوان او اشكال مختلفة. وبرغم قرب هذه الطريقة للمنطق من سابقاتها الا انها لاتخلو من مواجهة العديد من التساؤلات ومنها:

هل ان ملائمة النموذج الاصلي دقيقة بين الاصل والصورة او التشكيل؟ الا يمكن مثلا ان يكون الشبه تقريب للصورة فقط؟ واذا كان الحال كذلك. كيف يمكننا ان نقوم بالتعرف على الاشياء البصرية الشاعة مثل الحروف(ب, ت, ث, ن) (17) ويجيب ديفيد ماريوس عن هذا التساؤل بالقول " ان النموذج يعرف بواسطة بعض العمليات التيتشاكل او تلائم المعلومات الحسية مع بعض الاثر الموجود في المعلومات المخزونة, ووفقا لذلك فاننا نستطيع ان نتعرف على الاشكال البصرية حتى لو كانت غير مطابقة مع الانموذج الاصلي(18) وقد حاول فرانكس براسفورد لثبات ذلك بتجربة قام بها بتنظيم سلسلة من البصريات كحجوم(8 x 5) بوصة تحتوي على ازواج من الاشكال الهندسية الملونة, يحتوي احدهما على الانموذج الاصلي ولبقية ذات علاقة به, وجاءت النتائج تؤكد ان الاشخاص الذين تعلافوا على الانموذج الاصلي هم الاكثر وعلى درجة عالية من الثقة(19) ويشير جون تلكسون الى ان الصفات البشرية الشاءعة والواسعة الانتشار يمكن استعمالها في جميع الصيغ البصرية وانها قد تكون لديها نزعة لتحويل المعلومات الى شفرة ذات نظام تجريدي عال بالنسبة الى الحقيقة اذ تتلائم المعلومات الجديدة(20) وهذا ما يعزز توجهات هذه الطريقة.

4 ـ طريقة تحليل الهيأة والشكل:

تفسر هذه الطريقة التعرف على النماذج البصرية على اساس المعلومات البصرية المحللة بشكل بسيط مثل كلمة (سهم) لا تترجم او تفسر شكلها الصوري  في ذاكرتنا بشكل مباشر, بل تاخذ صورا مختلفة مثل قوس او (ـ ـ ـ ـ ـ ـ).. الخ.

ومن التجارب التي تسند اراء هذه الطريقة هي التي قام بها كل من هوبل ويسيل عام 1959 ـ1963 والتي تعطي \ليلا مباشرا على نوع المعلومات المنتظمة كلاموز في القرنية البصرية, اذ ادخلوا اسلاكا صغيرة او اقطابا كهربائية دقيقة في القرنية البصرية لقطة وقرد مخدرين بشكل طفيف, ثم قاموا بدراسة الفعالية العصبية التي تنتج عنها وذلك عند عرض نماذج من صور على شاشة ضوئية O.P.H وبشكل مباشر امام عيون الحيوان, وبتسجيل الاشارة التي تحدث في الخلايا العصبية وتنظيم الحافز او الدافع الناتج كهربائيا فقد وجدوا ان بعض الخلايا تستجيب للاشكال الافقية وبعضها يستجيب للعمودية فقط, وبعضها تكون حساسة الى حافات الحافز المرئي, وقسم منها تكون حساسة لبعض الخطوط واخرى الى الزوايا الصحيحة(21) كما اكدت تجربة اخرى لماكامورث وموراندي على مجموعة من الاشخاص طلب منهم ان يقوموا بفحص خريطة غير مألوفة بينما كانت تسجل حركات عيونهم واستنتج منها ان الاشخاص كانوا يجهون اهتمامهم الى ملامح او صور معينة بينما يهملون صور وملامح اخرى , واسباب ذلك تعود الى ان الصور كلما كالنت نحمل معلومات اكثر نحو العيون والاذان او تفاصيل لطفل صغير مثلا زادت مدة ثبات  العيون عليها او اطالت النظر اليها(22). ان خلاصة هذه التجارب تشير الى ان المكننة المعقدة والمربكة تتعلق بكسر النماذج وتحويلها الى ملامح او صور ابسط قد لاتكون في داخل مجال الاحتمالات العصبية فقط ولكنها تكون ضرورية من الناحية العصبية, وهذا معناه ان التحليل الملامحي او التميزي قد يكون مرحلة التحليل المعلوماتي الذي يجب ان يحدث قبل النموذج العالي.

5 ـ طريقة التعرف عن طريق الشعور:

تعتمد هذه الطريقة في تفسير التعرف على الاحساس الداخلي ينتابنا عند مواجهةشئ ليس غريبا علينا, وهو احساس بسيط داخلي لايمكن تحليله ويشيع في النفس الثقة والاعتقاد بالفة الشئ المقابل كما يثير الراحة والسرور الذي يغمرنا عندما نشعر بان ماحولنا قد اعتدنا عليه ولم يعد يثير في نفوسنا القلق والخوف والريبة لغرابته, وتواجه هذه الطريقة الكثير من النقد كون الاشياء التي نراها قد لاتثير فينا السرور قدر ما تثير من كره واشمئزاز في بعض الاحيان , كما ان بعض النماذج المرئية لاتثير في نفوسنا الراحة قدر اثارتها النقيض مثل الخوف والريبة والقلق.

6 ـ طريقة التعرف عن طريق الحركات:

تفسر هذه الطريقة التعرف على اساس بعض الحركات الجسمية البسطة التي تكونت بحكم العادة, وان هذه الحركات التي سبق ان قام بها الشخص من قبل تحت ظروف متشابهة هي التي توحي له انه حيال شئ معروف له من قبل, وتؤكد هذه الطريقة ان الفرق واضح بين حركات الشخص الذي يستعمل شيئأ جديدا او اخر سبق له استعماله, والحقيقة ان هذه الطريقة لا تجيب عن تساؤلات عديدة تخص النماذج البصرية الثابتة التي  لا تستدعي وجود حركات جسمية سوى حركات العيون.

7 ـ  الطريقة الترابطية:

 تعد هذه الطريقة من افضل الطرق في تفسير عملية التعرف لكثرة الادلة التي تؤيدها, فضلا عن بساطتها, وتستند هذه الطريقة في التفسير الى ان اي عملية تعرف تعتمد على ربط الشئ المجهول باشياء سبقت معرفتها فاكتسبت بذلك صفاتها وان اي نموذج بصري  لايمكن التعرف عليه الا بما يتجمع حوله من ارتباطات سابقة  وان كانت في بعض الاحيان غير واضحة بسبب اعتياد الشخص عليها ولكنها موجودة على اية حال,. ويؤكد بالمر (23) في تجربة عرض فيها بعض النماذج البصرية مقسمة الى جزئين الاول يمثل جزءأ من مطبخ والثاني يمثل ادوات مختلفة, وطلب من مجموعة اشخاص التعرف عليها " ارتباطيا" على مقياس ذي خمس درجات وافرزت التجربة ان الاشياء الموضوعة كهدف كانت:

1 ـ  تلاؤم المشهد.

2 ـ غير ملائمة لكنها متشابهة من الناحية المادية.

3 ـ غير ملائمة وغير متشابهة ماديا.

 وفي تجربة اخرى تعرف الاشخاص على الادوات الموضوعة كهدف من دون مشهد,قرينة(24) وتتلخص هذه الطريقة بما يلي:

1 ـ التعرف على المادة ذات المعنى المفهوم اسهل من التعرف على المادة التي ليس لها معنى ويصبح التعرف على المادة التي لها معنى ايسر في حالة عرض اشياء اخرى اقترنت بها.

2 ـ  يصبح التعرف اكثر سهولة اذا كان الشخص في حالة استعدادية مناسبة عند مشاهدته النموذج الاصلي.

ويمكن ملاحظة أن القسم الأول من هذه الطرق(الطرق الإلقائية) هو الغالب في التعليم العراقي في مختلف مراحله حتى الجامعية منها والتي ينبغي أن تؤكد على بناء شخصية الطالب وتمهد لدخوله في المجتمع بصفته مؤهلا للعمل. ومشكلة هذه الطريقة أنها لا تتيح للطالب أن يعبر عن آرائه من خلال مناقشة الأستاذ لسببين رئيسيين: هما عدم وجود الوقت الكافي للمناقشة, والأعداد المتزايدة للطلبة في القاعات الدراسية, فضلا عن عدم بناء الدرس كي يتناسب واستقبال المناقشات. وقد انعكس ذلك على مهارات المناقشة وفن الإصغاء وكيفية تقبل الرأي الأخر وعدم مصادرة الآراء وهي جميعا تشكل ركنا مهما من تطبيقات الديموقراطية.

 بل وما يزيد الطين بلة هو تسلطية الأستاذ وانفراده بالرأي يصل أحيانا من بناء تصورات دائمة عن الطلاب لموقف ما ارتكبه هذا الطالب أو ذاك وقد استشرت في السنوات الأخيرة الكثير من العادات الغريبة في الوسط الجامعي والمتعلقة بالضغط الذي يمارسه بعض الأساتذة على الطلاب للانخراط في دورات التقوية التي يقيموها خارج أوقات الدوام الرسمي مقابل مبالغ كبيرة وانعكاس ذلك سلبا على الطلاب الذين يرفضون الانضمام إلى هذه الدورات, وهو بحد ذاته انتهاك لحقوق الطالب يمارسه الأستاذ نفسه على من ينبغي خدمته وتقديم افضل العون له!! ومن هنا  لا بد من إزالة الشبح المرعب بين الطلاب وأساتذتهم لكي يكون ما يقدم لهم هيناً على أنفسهم وفي ضوء القاعدة التي تقول: لن يستمع الناس لرأيك وفكرتك إلا إذا أحبوك.

 ولا بد من إعداد الأساتذة وتأهيلهم وذلك من خلال تخصيص سنة دراسية كاملة لمن أراد مجال التدريس من غير خريجي الكليات ذات العلاقة بالتدريس، لتدريبه على (مهارات التدريس وكيفية إيصال المعلومة) لا أن يتخرج الطالب من جامعته ثم يعين مدرساً بدون أية خلفية له عن التدريس كما حصل في السنوات الأخيرة. ولا بد من محاربة الأخطاء السلوكية الواقعة في المجتمع من خلال مناهج التدريس، وأن يكون المدرس المربي ممن ينتهي عما ينهى عنه ويفعل ما يأمر به. ويمكننا هنا أن نؤشر عددا من النقاط السلبية في هذا الباب مثلا:

1- اعتماد طرق التدريس في مدارسنا على الطرق التقليدية والتي أظهرت عدم فاعليتها في ظل التقدم العلمي.

2ـ ضعف مستوى ربط المؤسسة التعليمية بالمجتمع وظروفه ومشكلاته.

3- عدم تفعيل دور الأنشطة غير الصفية، بحيث أصبحت في مدارسنا بمثابة مضيعة للوقت والجهد.

4ـ افتقار المنهج الدراسي للبعد العالمي في الموضوعات وعدم تضمنه الجديد من التوجهات الحديثة في المناهج العالمية.

كما توصل الباحث إلى عدد من التوصيات جاء من أهمها ما يلي:

1- ضرورة تطوير مناهج التعليم والاستفادة من الطفرة العلمية والمعلوماتية تمشيًا مع متغيرات العصر واحتياجاته.

2- أن يصبح المنهج الدراسي شاملاً لحياة الطالب، فلا يقتصر الاهتمام على جانب واحد من جوانب شخصيته؛ وهو الجانب العقلي المعرفي، وإنما يوجه الاهتمام إلى الطالب  ككل وإعداده للحياة وسط الجماعة التي يعيش بينها كالاهتمام بجوانب تحصيل الحقائق والمعلومات، وتعلم المهارات المتنوعة، وتعلم أساليب التفكير السليم، والاتجاهات والقيم الصحيحة, وذلك من خلال إدخال البعد العالمي للمناهج وفقا لقائمة موضوعات البعد العالمي المذكورة أعلاه.

3- العمل على إعداد المعلم الإعداد الجيد في المجالين التربوي والعلمي، حيث إن (معلم الضرورة) لم يعد مقبولاً في الوقت الراهن بالنسبة للتعليم العام, لأن نجاح التعليم يشترط فيه توافر المعلم المعد الإعداد الجيد، والذي تقع عليه مسؤولية تبصير الطلاب بالاتجاه السليم وذلك عن طريق التوجيه الصحيح.

4- ضرورة تطوير طرق التدريس والوسائل والتقنيات التعليمية، وعدم التركيز على التدريس التقليدي الذي أظهر عدم فاعليته في ظل التقدم العلمي الذي نعيشه.

5- ضرورة الاهتمام بالديموقراطية وتطبيقاتها في مدارس التعليم العام والجامعات من الطلاب أنفسهم.

6ـ  تأسيس مركز اتصال علمي بين الجامعات السويدية ونظيراتها العراقيات يعمل على تهيئة الفرص أمام الطلبة العراقيين للتدريب في الجامعات السويدية وعقد المؤتمرات العلمية المشتركة بين الهيئات العلمية في البلدين وتنفيذ المشاريع التنموية والاستفادة من الخبرة السويدية في شتى مجالات العلم والمعرفة وبالتحديد في موضوعات حقوق الإنسان والديموقراطية.

7 ـ ضرورة إعادة النظر في العلاقة بين الطالب والأستاذ المبنية على أساس بعض التقاليد القديمة والمتوارثة من نمط التدريس القديم. وضرورة إعادة تقييم برامج أعداد المعلمين وتزويدها بأحدث المستجدات في عالم التعليم الحديث.

* نائب رئيس الاكاديمية العربية في الدنمارك

خبير في تكنولوجيا التعليم

..................................................

الهوامش:

1\ حنا بطاطو, العراق, 52

2\ د. حسن السوداني, نتائج استبانة دورة التاهيل التربوي 49 لاساتذة الجامعة المستنصرية, مركز تطوير طرائق التريس والتدريب الجامعي. 15\11\1997.

3- national council for history education (1997). building a world history curriculum. a   guide to using themes and selecting content. building of a history curriculum   series: guides for implementing the history curriculum recommended by the   bradley commission on history in schools. eric no.  ed422238.

4- national council for history education (2002). building a history-centered curriculum for   kindergarten through grade four: guidelines for using themes and selecting   content. the building a history curriculum series: guides for implementing the   history curriculum recommended by the bradley commission on history in schools.    eric no.  ed460046.

5\ د. ريما الجرف, البعد العالمي في مناهج الدراسات الاجنماعية للمرحلة الثانوية في سنغافورة, كلية الترجمة واللغات, جامعة الملك سعود.

6\ د. ريما الجرف, البعد العالمي في مناهج الدراسات , المصدر السابق نفسه.

7- David G. myers, psychology F.E.I , worth publishers. INS 1986

8 ـ دافيدوف, لندالو مدخل الى علم النفس, ت السيد الطواب ةاخرين , ط2, القاهرة, دار ماركيمور هيل للنشر, 1980.

9 ـ فطيم, لطفي والجمال ابو العزايم, نظريات التعلم المعاصرة, القاهرة, مكتبة النهظة المصرية, 1988.

10 ـ عطية الله , احمد, الذاكرة والنسيان, القاهرة, مكتبة النهظة المصرية, ب ت.

11- Stasheff Edward and others, the TV program its direction and production 5th Ed, itill and wanly 1979.

12 ـ فرج , محمد فرغلي, السلوك الانساني, , القاهرة, دار الكتب, 1977.

13 ـ جورج, ام نمازد واخرين, نظريات التعلم دراسة مقارنة, ج 1, ت علي حسين عجاج وعطية محمود هنا, سلسلة عالم المعرفة, العدد 70 السنة 1983.

14- Robert, solse, cognitive psychology, Prentice by horeourt Brace Jovian vich Inc 1979.

15 ـ 16 ـ جورج, ام نمازد واخرين, نظريات التعلم دراسة مقارنة, ج 1, ت علي حسين عجاج وعطية محمود هنا, سلسلة عالم المعرفة, العدد 70 السنة 1983.

17- Robert, solse, cognitive psychology, Prentice by horeourt Brace Jovian vich Inc 1979, p 58.

18- Ebel, RL. Measuring Educational Aonievemeut, Newjorsey Prention, Hall, 1965, p 256.

19 - Ebel, RL. Measuring Educational Aonievemeut, Newjorsey Prention, Hall, 1965,p 260.

20 - Robert, solse, cognitive psychology, Prentice by horeourt Brace Jovian vich inc 1979,p 65.

21 – Jones, Maine, Attitudes toward four instructional TV series, Ahigh school case study ph.d. University of Wisconsin -

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 7/تشرين الثاني/2008 - 7/ذي القعدة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م