يبدو جليا ان التفاعل العكسي بين الادارتين العراقية والامريكية
يخضع لقاعدة التاثير المتناوب، فمرة يكون الجانب الامريكي متحكما
بشكل شبه كامل بمسارات الحكومة العراقية ومرة اخرى يكون العكس،
فالحكومة العراقية تكون تصريحاتها وتحركاتها محرجة للادارة
الامريكية وهذا ماشهدناه في الايام الاخيرة من تصريحات متقابلة
للطرفين العراقي والامريكي وكان اخرها مادلى به رئيس الوزراء
العراقي نوري المالكي من انسحاب للقوات الامريكية وماتضمنه خطاب
المرشح الديمقراطي (اوباما) من موافقة مبدئية تبدو بشكل اجباري
لصاحب الحظ الاوفر للادارة القادمة.
حيث اشار (اوباما ) في حديث له يوم 11/ 8/ 2008 على موافقته
الكلية على تصريحات رئيس الورزاء العراقي، الامر الذي كان له اثره
لدى الناخب الاميركي. إذ كما هو معلوم ان المسألة التي تشغل هذا
الناخب وان كانت في منافسات الرئاسة الاميركية السابقة تتعلق
بالوضع الاقتصادي الاميركي وما يلتزم به المرشح للرئاسة من تحقيق
امتيازات مالية للمواطن الاميركي، فان اساس الحملة الانتخابية
للمرشح الديمقراطي قائم على اساس الانسحاب الاميركي من العراق
باعتباره الخطوة التي تؤدي الى عدم انفاق مليارات جديدة على الجيش
الاميركي وتحويلها لصالح الشعب الاميركي.
وعلى الرغم من كون المرشح الاخر جون مكين ليس اقل تحمسا من (اوباما)
في قضية سحب او تقليص عديد القوات الامريكية، ولكن( وحسب وجهة
نظرنا) يبقى المالكي حاملاً مفاتيح البيت الابيض يسلمها لمن يشاء
من المرشحين، ودليلنا في ذلك اقواله السابقة التي وجهت الاعلام
الاميركي والمواطنين الاميركان باتجاه المرشح (اوباما) والابتعاد
عن المرشح (ماكين).
ففي الوقت الحاضر بات نزوع الحكومة العراقية وفي مقدمتها رئيس
الوزراء لاتخاذ (مواقف مستقلة) سواء أملتها الرغبة بالتخلص من (تناقضات
نوم السيادة على سطح واحد مع الاحتلال) أو تمليها ضرورات التحضير
لـ (أجندة الانتخابات) المقبلة المحلية والبرلمانية، بات يقلق
الادارة الأميركية بشكل ظاهر وجلي وبدت تنظر إلى (إصراره على
جدولة الانسحاب) على أنه تنكّر لـ (للرعاية الامريكية في تسنمه
رئاسة الوزراء).
وتؤكد صحيفة الغارديان إن (المالكي) ورث الوظيفة الأصعب في عالم
السياسة العراقية في الوقت الحاضر، فـقد أدار الحكومة بأقل مما هو
مطلوب من وحدتها، وأن سلطتها كانت محدودة وربما كانت تنحصر في
المنطقة الخضراء المحمية من قبل الأميركان، بحسب تعبير (جيمس
دينسيلو)، وكان تاثير الجانب الامريكي اول الامر واضحا وببصمات
مميزة ولكن(المالكي) استطاع ان يقتنص الوقت الصحيح لاعادة التوازن
الى المعادلة.
مما تقدم نستطيع القول بان دائرة العلاقات الامريكيةــ العراقية
ستكون متلازمة التاثير حاضرا ومستقبلا وفي العام القادم قد تكون
العملية عكسية بحيث يمسك الرئيس الامريكي الجديد بمفاتيح رئاسة
الوزراء العراقي ويسلمها لمن يراه قريبا منه او على الاقل ليس (راديكاليا)
او متشدد بعقلية او لفكرة معينة.
هذه العلاقة (التنصيبية) قد لاتكون اساسا دائما لطبيعة نوع و
العلاقات ولكنها ستاخذ على الارجح فترة لاباس بها من الزمن
ولاسيما بوجود القوات الامريكية في العراق وعدم وضوح البقاء
المستقبلي للقوات غير القتالية (كما يعبرون)، ولكنها قد تتحول الى
نوع اخر من العلاقات تكتسب اهمية وتاثير كبير ولكن من نوع اخر، قد
يتمثل باجلى صوره في الارتباط الاقتصادي بشقيه الاستثمار الامريكي
في العراق ويكون العراق السوق المفتوحة للبضاعة الامريكية.
افاق العلاقة المرجوة قد ترتبط بعوامل اخرى مقرونة بالتقدم
السياسي في مجال قانون النفط، وكركوك، والفدرلة، والمصالحة الوطنية،
والانتخابات المحلية وغيرها وهي حقبة مهمة جدا من القوانين قد تجعل
من الحكومة العراقية صاحبة امتياز جيد قبال الادارة الامريكية وذات
قوة معتد بها في الحساب الامريكي الحالي والمستقبلي. مما لاشك فيه
بان الامريكيين كان لهم رغبة كبيرة في مردودات اقتصادية هائلة دفعت
بهم كثيرا من اجل دخول العراق وتغيير نظام البعث القائم آنذاك وفي
هذه المرحلة بالذات تطابقت مصالحهم مع مصالح اغلبية العراقيين في
الداخل او الخارج ونفس الفكرة قد تكون اساسا للتعامل المستقبلي في
بناء علاقات متينة في ذلك.
فالامريكيون لم يقدموا بجيوشهم الجرارة للعراق من اجل تكوين
قواعد عسكرية قد يستطيعون الاستغناء عنها بمثيلاتها او اكبر منها
في دول مجاورة للعراق ومنشاة منذ فترة طويلة وبدون مواجهة اي
تشنجات من قبل الحكومات الموجودة في تلك الدول او رفض عام شعبي من
شعوبها، ولكن يبدو ان للوضع قراءة ثانية تكمن في انتاج عصب
استثماري بعيد الامد مهم وقوي في الشرق الاوسط يكون صاحب المنافسة
الاولى او المتقدم عليها في كل من اليابان والصين او المانيا وتكون
بؤرة ومرتكز انطلاقه من العراق صاحب اغنى دول المنطقة بالثروات
المتعددة والاحتياطي الاول في النفط الخام.
ان التجارب التي خاضتها الشعوب التي مرت بازمات مشابهة لما مر
به الوضع في العراق تؤكد جميعها بان سر النجاح في اساس التحول من
خط البناء العسكري والشد السياسي العالمي الى خط اخر مختلف تماما،
هذا الخط قد يكون ممثلا بالتأثير السياسي او العلاقات الدبلوماسية
المتشعبة او غيرها، لكن يبقى المقدم على ذلك كله هو الوضع
الاقتصادي الداخلي وتاثيره على الاسواق العالمية، استثمارا
وتسويقا.
ومن هذا المنطلق فان البعد المستقبلي للعلاقات الامريكيةــ
العراقية لن تكون في مامن من الازمات اذا مابقيت تحت صيغة الدعم
العسكري والسياسي فقط، بل تحتاج الى مقوم رئيسي وسبب وجيه لعلاقة
من نوع اخر يشكل صورة محترمة الى حد ما للجانب العراقي، ويبعده
عن نظريات العمالة او الخضوع والتي تلقى سوقا رائجا في الاوساط
الشعبية في الدول العربية عموما والاسلامية خصوصا.
لذا فان تحويل العلاقات الى ارتباط اقتصادي وتبادل تجاري ودعم
للسوق المحلية لدى الطرفين سيكون هو افضل الطرق في التواصل وتهيئة
الاجواء لاقامة علاقات دبلوماسية مبنية على التقدير الصحيح لكلا
الجانب لثقل كلا منهما، وهو تغيير سكون بمثابة قراءة مغايرة لما هو
موجود من علاقات دبلوماسية (تحت ضغوط القوات العسكرية)، في هذا
الجانب سيكون الطرفان في حالة رضا اكلا شعبيهما وفي حالة اكثر هدوء
من الشد السياسي الذي نشهده الان بين الفينة والاخرى.
مايؤكد الى صحة ماذهبنا عدة امور ولكن ابرزها هو الحاح الجانب
الامريكي على اقرارا عدة قوانين وفي مقدمتها قانون النفط والغاز
والذي يمهد لاستثمارات امريكية كبيرة في العراق تجعل من العراق
مرتبط بعلاقات اقتصادية كبيرة للجانب الامريكي ويلغي الارتباط
العسكري الحالي وهو مايوفر للجانبين حالة من الاستقرار السياسي
والكسب الاقتصادي الكبير، وهو ما نتوقعه.
* ورقة مقدمة الى مركز المستقبل للدراسات
والبحوث
http://mcsr.net |