التورية تتبع نية وسر وسريرة القائل والعامل بها والمستخدمها في
كلامه، ومنها تتفرع عدة مفاهيم تفسر بمعانٍ متضاربة بين القائل
والسامع ولا تفسير اخر غير ذلك اما اذا اتفقت النوايا بينهما
فالتفسير واحد وهو الصحيح.
هذه التورية حاضرة وبقوة اليوم في المعاهدات والتصريحات
السياسية ولكن تحت نوايا خبيثة تدير دفة التصريح حسب هوى الاقوى.
اعزز رأيي بهذه الرواية للامام علي الهادي جد الامام الحجة عجل
الله تعالى فرجه الشريف نص الرواية :
عن علي بن يحيى بن ابي منصور يقول كنت يوماً عند المتوكل، ودخل
عليّ بن محمد بن عليّ بن موسى (عليهم السلام). فلمّا جلس قال له
المتوكل: ما يقول ولد أبيك في العباس بن عبد المطلّب؟
قال: ما يقول ولد أبي، يا أمير المؤمنين، في رجلٍ فرض الله طاعة
نبيّه على خلقه، وفرض طاعته على نبيّه (صلّى الله عليه وآله)؟.
هنا كان قصد الامام عليه السلام هو أن الله تعالى فرض طاعة
النبيّ على الخلق، ثم فرض طاعته - أي طاعة الله سبحانه - على نبيّه،
ولم يقصد العباس في الضمير الواقع في آخر لفظة (طاعته).
هذه الرواية لا تروق للدجالين بالامس والسياسيين اليوم، وطالما
ان التحريف كان يعمل به على قدم وساق في ذلك العصر فحرفوا جواب
الامام وجعلته راويه محمد بن يزيد المبرّد وتحريفه هكذا:
قال(اي الامام): وما يقول ولد أبي، يا أمير المؤمنين، في رجل
افترض الله طاعة نبيه على خلقه، وافترض طاعته على بنيه؟
حيث غير اخر كلمة من نبيه الى بنيه.
هذه المفاهيم والتحريفات في تغير المعلن حسب ما يريد الاقوى
حاضرة اليوم وبشكل قوي في المناقشات حول الاتفاقية الامنية المزمع
عقدها بين العراق وامريكا والشاهد على ذلك على سبيل المثال لا
الحصر هنالك فقرة في الاتفاقية في المادة الثالثة ـ الفقرة واحد ـ
النقطة الثانية هذا نصها (لايوجد في هذه الاتفاقية اي نص يحد من حق
الطرفين في الدفاع عن النفس).
هذه العبارة منطقية جدا ولكن لو اريد التفسير الابعد المقصود
منه التورية المستخدمة من قبل الجانب الامريكي فانه ستتضح حقيقة من
خلال تطبيقها على الارض وافتراض شكل الهجوم الذي يمنح لامريكا حق
الدفاع عن النفس كيف يكون ومن هو مصدر هذا الهجوم ومن يقرر ان
هنالك هجوم يهدف امريكا؟
فلو استخدمت الادارة الامريكية قواتها لضرب حكومة انتخبها الشعب
العراقي لا تتفق والسياسة الامريكية فان بند الدفاع عن النفس يكون
حاضر للاطاحة بالحكومة.
والجدل كثر حول الدور الايراني في هذه الاتفاقية والتي يعتقد ان
لها تاثير في الرفض العراقي وحقيقة ان العراق يدرس المطالب
الامريكية بدقة خوفا من تشعب التفسيرات لبنود الاتفاقية التي لابد
منها حتى لا يكون هنالك اخطاء جسيمة في المستقبل يتحمل عبئها
الموقع على الاتفاقية من قبل الجانب العراقي.
الجانب الامريكي كثيرا ما يهدد ايران بانها خطر على الامن
القومي الامريكي وعلى المنطقة وعلى اسرائيل وعلى حلفائها وهذا
يستوجب استخدام القوة اتجاه ايران اذا ما تطلب ذلك بحكم هذه الفقرة
اعلاه.
تهديدات وزير الدفاع الامريكي في حال تلكؤ عقد الاتفاقية وان
العواقب ستكون وخيمة، ما شكل هذه العواقب الوخيمة؟ شكل هذه العواقب
الوخيمة هو تحريك العصابات الارهابية في العراق العاملة بامرتها
والتي خصصت لها رواتب، القسم منها تحت غطاء الصحوة التي تمارس
الادارة الامريكية الضغط على الجانب العراقي لاشراكهم ضمن القوات
العراقية لتصبح اجندة جاهزة للعمل ضمن المخططات الامريكية.
التورية التي قصدها البلاغيون منهم السكاكي والجرجاني ليس هو
الخبث من ورائها بل الابداع البياني والتي تكون بمثابة (حزورة)
للسامعين الذين لهم معرفة في هذه الصنعة. |