توابع الزلزال المالي العالمي

كُبرى البنوك تواصِل خفض الفائدة وطِباعة أموال لإنقاذ دول من الإفلاس

إعداد علي الطالقاني*

شبكة النبأ: لا زالت عواصف الأزمة المالية التي ضربت كُبريات البنوك الأمريكية تشكل مصدرا للقلق بين صفوف القطاع الاقتصادي مما أستدعت الضرورة للتفاعل بجدية مع هذه الأزمة، وفي مجريات هذا الحدث قالت صحيفة واشنطن بوست الأميركية أن البنوك المركزية الكبرى تتجه إلى المزيد من خفض نسبة الفائدة، في محاولة لاحتواء الأضرار الاقتصادية الناتجة عن الأزمة المالية العالمية.

وأضافت الصحيفة أن عددا من البنوك قرر خفض نسب الفائدة، حيث ارتأى الاحتياطي الفدرالي الأميركي خفض النسبة للمرة الثانية خلال أسبوعين، واقترح البنك المركزي الأوروبي أن النسبة ستبقى ثابتة للأسبوع القادم، في حين أعلنت كوريا الجنوبية خفضا كبيرا في نسبة الفائدة بلغ ثلاثة أرباع النقطة.

وفي حين قام معظم الدول في العالم بضخ مبالغ ضخمة في الأسواق المالية لمواجهة أي انهيارات محتملة، فإن آثار الأزمة في الولايات المتحدة وخارجها لا تزال تتفاقم، حسب الصحيفة.

وأشارت الصحيفة إلى دلائل متزايدة على أن وزارة المالية الأميركية تبحث رفع سقف خطة الإنقاذ البالغة 700 مليار دولار، في محاولة لتغطية الخسائر في قطاع صناعة السيارات.

ونقلت عن محللين قولهم إن الحكومات تحاول إدارة ما أصبح يشكل أكبر خطر على النظام المالي العالمي، في إشارة إلى هلع المستثمرين وتخوفهم من أي فرص يعتبرونها محفوفة بالمخاطر.

وتقوم البنوك المركزية بخفض نسبة الفائدة بهدف تشجيع الشركات والمستهلكين على اقتراض الأموال، لكن البنوك والمقرضين الآخرين الذين يعيشون ظروف الأزمة المالية القاسية، يترددون في رفع سقف نسبة الإقراض، كما يؤدي انسحاب المستثمرين إلى توسيع نطاق الخسائر في أسواق الأسهم العالمية.

ورغم أن الثقة قد تكون اهتزت في الاقتصاد الأميركي، فإن المستثمرين الأجانب لا يزالون يثقون بالدولار الأميركي أكثر من العملات الأخرى، كما يعد تسارع انخفاض معدلات التضخم سببا آخر في تخفيض نسبة الفائدة، حسب رأي المحللين الذين نقلت عنهم الصحيفة.

وقالت الصحيفة إن قيمة العملة المحلية بدأت تضعف في الأسواق الناشئة، كما في البرازيل والمكسيك وكوريا الجنوبية، مما يزيد من مصاعب الشركات في تلك البلدان، حيث ترتفع تكلفة ديونها الأجنبية وما ترهنه بالدولار، وعلى العكس من ذلك، فإن المستثمرين في اليابان يقترضون بالعملة المحلية الين، مما يزيد من قيمته في مقابل كل من الدولار واليورو.

ويأتي اهتمام الصندوق خشية استمرار تسارع انخفاض قيمة العملات المحلية في الأسواق الناشئة، مما قد يؤدي إلى عجز الدول المعنية عن تسديد الديون وإلى انهيار نظامها المالي، وهو ما يذكر بالانهيار المالي الذي شهدته آسيا عام 1997، وما قد يضيف أبعادا أخرى إلى المشاكل المالية حول العالم.

الرهن والفوضى

وفي مقام آخر ذكرت واشنطن بوست أن من بين العديد من الدروس القاسية التي تلقاها المقرضون هو إقناع المقترضين من أصحاب البيوت بإخلائها، مما جعل بيع منزل الآن أسهل بكثير من محاولة استرداده من ساكنه.

كما أن بعض الانتهازيين والأسر الفقيرة في واشنطن يستغلون هذه الحال، مما زاد من معاناة المقرضين.

ويستغل أصحاب المنازل المتعثرين هذه الفوضى المصرفية في البقاء في منازلهم لستة أشهر أو أكثر، في ظل القوانين المرعية بشأن الإخلاء، حسب مقرضين ووكلاء عقارات.

وتحرص البنوك على تجنب المشاحنة مع شاغلي المنازل المتعثرين، فتقوم بدفع مبلغ 5000 دولار في مقابل تسليم المفاتيح دون شجار.

ويقدر جون زامبي -(36 عاما) وهو أحد العاملين في مراكز الشرطة بمقاطعة الأمير وليام- أنه قام بعمليات إخلاء لأكثر من 100 مستأجر هذا العام.

وتشجع أزمة الرهن العقاري في البلاد العديد من مالكي المنازل على التوقف عن دفع الأقساط المترتبة عليهم، مخبرين البنوك بأنهم بصدد إجراء عمليات بيع لمنازلهم، ولا تمانع البنوك في ذلك الإجراء، بل توافق على البيع بأقل من قيمة القرض.

يشار إلى أن كل عملية حبس للرهن تكلف البنك ما بين 40 و50 ألف دولار على شكل رسوم محاماة وخدمات أخرى، لكن محاولات المدينين بيع منازلهم قد لا تتم من المرة الأولى، مما يضطر المقرضين إلى الصبر والتأني لتجنب القيام بعملية حبس الرهن.

طباعة أموال لإنقاذ دول من الإفلاس  

من جهة أخرى توقعت صحيفة ذي ديلي تلغراف البريطانية اليوم أن يعاني صندوق النقد الدولي عما قريب نقصا في الأموال اللازمة لإنقاذ أعداد متزايدة من الدول التي تئن تحت وطأة الأزمة الاقتصادية العالمية الطاحنة في أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية وأفريقيا وأجزاء من آسيا.

ومن شأن ذلك النقص أن يفاقم المخاوف من أن يضطر الصندوق إلى أن يستغل أموال دافعي الضرائب بالدول الغربية في ضخها في المؤسسات المتعثرة أو أن يلجأ إلى خيار طبع أمواله بنفسه.

ويوشك الصندوق بالفعل على تخصيص ربع احتياطيه -البالغ 200 مليار دولار- في شكل قروض إلى آيسلندا (2 مليار دولار) وأوكرانيا (16.5 مليارا), في حين لا تزال المفاوضات جارية مع كل من باكستان لإقراضها مبلغ 14.5 مليارا والمجر 16 مليارا, بالإضافة إلى بيلاروسيا وصربيا.

ويعتبر خيار طبع النقود المتمثل بإصدار حقوق سحب خاصة في واقع الأمر بمثابة إجراء من البنك المركزي العالمي. وقد سبق أن طبّق هذا الخيار لمدة وجيزة عقب انهيار الاتحاد السوفياتي لكن لم يستخدم قط كأداة نظامية في أي مسعى يهدف للتصدي لأزمة مالية عالمية ما.

غير أن صحيفة مثل ذي تايمز رأت في الأزمة التي عصفت بأسواق الأسهم والسندات والعملات الأسبوع الماضي شيئا مفيدا مع إقرارها بأنها "تذكير بغيض" بضرورة تدخل الحكومات في الأزمة رغم أن ذلك وحده لا يكفي لتجنب الكارثة.

وتنوه الصحيفة إلى أن الخطط الطموحة لإنقاذ البنوك، والتي أعدت على عجل في الولايات المتحدة وأوروبا وأجزاء من آسيا، ربما تكون قد حالت دون انهيار النظام المالي العالمي.

على أن تفادي انهيار تام ليس خبرا سارا في حد ذاته، كما ترى الصحيفة، ذلك أن أحداث الأسبوع الماضي أظهرت أن الاختلال في الأسواق كان من الوضوح بحيث لم تكن حتى الضمانات العامة المتاحة في القطاع المالي كافية لتجنيب العالم التبعات الضارة لإخفاق صناديق التحوط وشركات التأمين المتعثرة والأسواق الناشئة المترنحة.

وقد هبطت أسواق الأسهم في الولايات المتحدة وأوروبا في شهر واحد بأكثر من ربع قيمتها. وكان تراجعها في آسيا أكبر بقليل, في حين تزامن مع تلك الانهيارات جموح في تقلبات تلك الأسواق.

وفي ذات السياق, ذكرت ذي تايمز أن البنوك البريطانية قد تضطر لزيادة رؤوس أموالها بأكثر من المبلغ الذي سبق تخصيصه من أموال دافعي الضرائب والبالغ 50 مليار جنيه إسترليني.

ويوحي تقرير يصدره بنك إنجلترا اليوم عن الاستقرار المالي أن حدوث ركود بمثل خطورة ذلك الذي وقع في أوائل تسعينيات القرن العشرين سيلحق خسائر ائتمانية تبلغ 130 مليار جنيه إسترليني بأكبر ست مؤسسات مالية في بريطانيا وربما يقضي على مبالغ التمويل المدعومة من الدولة برمتها.

وفي تطور آخر في سياق الأزمة المالية, أبدت البنوك الأميركية الصغرى اعتراضها على خطط الإنقاذ التي تبنتها الحكومة مخافة أن تقع هي فريسة يلتهمها خصومها من البنوك الكبرى التي قد تستولي عليها بعد حصولها على مبالغ ضخمة من خطة الإنقاذ البالغة 250 مليارا.

وقالت صحيفة ذي غارديان في عددها اليوم إن قائمة المصارف الأميركية التي تقدمت بطلبات للحصول على الدعم الحكومي ارتفعت أمس إلى ما لا يقل عن 19 بنكا.

تفادي انهيار العملة البريطانية  

من جهته يواجه وزير الخزانة البريطاني أليستير دارلينغ ضغوطا للعمل على وقف الانحدار المفاجئ في قيمة الجنيه الإسترليني, الذي انخفض إلى أدنى مستوياته على الإطلاق إزاء اليورو وخلال ست سنوات مقابل الدولار.

وتعرضت العملة البريطانية إلى هزة عنيفة في الأسواق بعد أن استبد بالمستثمرين الخوف من وضع الاقتصاد البريطاني, وخطط الإنفاق الحكومي والخطوة المتوقعة على نطاق واسع من جانب بنك إنجلترا بخفض معدلات الفائدة.

وتوقعت صحيفة ذي إندبندنت اليوم أن يسعى دارلينغ –الذي يعتزم إلقاء محاضرة بجامعة سيتي في لندن مساء الأربعاء- لإبطاء تدهور الجنيه الإسترليني بعد تراجعه إلى ما دون حاجز 1.60 دولار الخميس الماضي لأول مرة منذ 2003.

وينوي الوزير كما تقول الصحيفة طمأنة مجتمع المال بأن الحكومة لم تتخل عن القواعد التي تحكم موازنتها.

وكان سعر الجنيه الإسترليني قد بلغ عند الإغلاق يوم الجمعة 1.59 دولار, وهو أدنى مستوى له في ست سنوات, كما سجل انخفاضا قياسيا مقابل اليورو, الذي زادت قيمته بـ83 بنسا الأسبوع الماضي.

من جانبها كشفت صحيفة تايمز اللندنية أن بنك إنجلترا –وهو البنك المركزي للملكة المتحدة- يتعرض لضغوط متزايدة لإجراء خفض طارئ في سعر الفائدة هذا الأسبوع في وقت اشتدت فيه وطأة الانكماش الاقتصادي بالعالم.

وتتكهن الصحيفة بأن تؤدي الانهيارات الحادة التي حدثت الأسبوع المنصرم في أسواق الأسهم بلندن ونيويورك والشرق الأقصى إلى إقناع الاحتياطي الاتحادي الأميركي بضرورة خفض معدلات الفائدة إلى 1% فقط, وربما يكون ذلك اعتبارا من غد على أحسن تقدير.

على أن صحيفة ذي غارديان تتوقع أن يلجأ الاحتياطي الاتحادي إلى خفض الفائدة خلال الأسبوع الجاري في غمرة تكهنات بأن تحذو البنوك العالمية حذوه في خطوة منسقة تهدف إلى وضع حد لحالة الذعر التي تجتاح أسواق المال العالمية.

وتبرز الحاجة إلى مزيد من هذه الخطوات بعد ظهور مؤشرات جديدة على وجود ضغوط يتعرض لها النظام المصرفي والاقتصاد العالمي.

ووفقا لصحيفة ديلي تلغراف فإن رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون سيحاول أن يرسم مخرجا لبلاده من الأزمة الاقتصادية لكنها استدركت بالتأكيد على أنه سيكون هدفا للهجوم لأنه سيغرق الدولة بالديون.

فقد أظهرت الأرقام الرسمية الأسبوع الماضي أن حجم مديونية الحكومة البريطانية في ارتفاع بوتيرة أسرع من ذي قبل منذ أن بدأ استخدام السجلات بعد الحرب العالمية الثانية.

وكانت وزارة الخزانة قد اقترضت في سبتمبر/أيلول 8.1 مليارات جنيه إسترليني و 37.6 مليار جنيه إسترليني خلال الأشهر الستة الأولى من العام المالي الجاري.

وكشفت بيانات مركز بحوث السياسات أن الدين الحكومي قفز حاليا إلى ما يعادل 75984 جنيها إسترلينيا لكل أسرة.

احتمال انهيار قطاع السيارات الأميركية  

من جانب آخر قالت وول ستريت جورنال إن الأزمة المالية أوصلت صناعة السيارات الأميركية إلى مرحلة حرجة، ولكن المشكلة متأزمة منذ زمن طويل.

وينحي مدير مكتب وول ستريت السابق بول إنغراشيا باللائمة على قرارات المدينة الصناعية للسيارات (دترويت) الكارثية وعلى سوء القيادة، وتحدث عما تحتاجه المدينة الصناعية حتى تنجو من هذه الأزمة.

وقال إنغراشيا –كاتب المقال- إن تدهور المصانع الثلاثة الأميركية جي أم سي وكرازلر وفورد لم يكن وليد اللحظة بفعل الأزمة المالية، فقد خسرت هذه الشركات مليارات الدولارات عام 2005، عندما كان الاقتصاد الأميركي ما زال في عافيته.

ولكن الأزمة المالية من دون شك ساهمت في التعجيل بكوارث دترويت، ومع انخفاض مبيعات السيارات سواء في الولايات المتحدة أو أسواق دترويت فيما وراء البحار، بات من الصعوبة بمكان أن تقوم الشركات بخفض تكاليفها بالسرعة الكافية لمجارات تبخر عائداتها.

وأشار إلى أن هذه الشركات الثلاث التي تعد رمزا للقوة الاقتصادية الأميركية في حاجة ماسة إلى رأس مال جديد، ولكن خياراتها لزيادة هذه الأموال ما زالت محدودة.

وقد ساهمت عدة عوامل في أزمة صناعة السيارات منها الغرور والفرص المفقودة، والقرارات الكارثية التي اتخذتها القيادة، وقد وقعت دترويت في دائرة من الضلال حينا والاستقامة حينا آخر على مدى 30 عاما.

وكما عجزت أميركا عن فهم عمق الانقسامات العرقية والدينية في العراق، أخفقت دترويت في فهم الطبيعة الحقيقية لمنافسها الياباني.

فبينما تمكنت الشركات اليابانية والألمانية والكورية من كسب ميزة التنافس عبر تشكيل تحالف مع العمال الأميركيين، بقيت دترويت غارقة في عدم الثقة المتبادلة بينها وبين نقابة عمال السيارات المتحدة، وعاجزة عن إدارة المصانع خلافا للشركات الأجنبية في الولايات المتحدة.

ونتيجة لذلك أضحت دترويت مثقلة بهيكل التكاليف الذي يحول دون جني الأرباح على أي من المركبات الجديدة إلى جانب الشاحنات غير الاقتصادية والعربات الرياضية، كما أن دترويت تفتقر إلى مصادر متنوعة من الأرباح مثل السيارات الصغيرة والمتوسطة الحجم، لذلك فإنه من غير المحتمل أن تتمكن هذه الشركات الثلاث من النجاة.

ومن الأخطاء التي ارتكبتها هذه الشركات السماح للمديرين بجني مزيد من الحوافز والزيادات المالية، وهو ما يعتبره الكاتب خطأ تاريخيا.

وضمن الخطوات التي تطرق إليها للخروج من هذه الأزمة، دعا الكاتب دترويت إلى استخدام عقول عمالها عوضا عن أجسادهم، ومطالبة اتحاد عمال السيارات بالسماح بذلك.

مساعدة حكومية

وفي مقام آخر قالت وول ستريت جورنال إن وزارة الخزانة الأميركية تتعرض لضغوط متزايدة من أجل توسيع نطاق خطة التأمين المالية بعيدا عن المصارف لتشمل مساعدة مباشرة لقطاعات التأمين والسيارات المتعثرة.

وأضافت أن بعض المجموعات المعنية وصناع القرار مارسوا ضغوطا على الإدارة الأميركية كي تخصص جزءا من خطة الإنقاذ (700 مليار دولار) لمجموعة من الشركات التي لم يكن متوقعا أن تحظى بالمساعدة.

يذكر أن قرار الطوارئ الذي تم تفعيله هذا الشهر يمنح الخزانة سلطة واسعة لشراء أي موجودات من شأنها أن تحقق الاستقرار للنظام المالي الأميركي.

توابع الزلزال المالي تضرب أسواق العمل  

وعلى الصعيد نفسه يبدو أن توابع الزلزال المالي الذي ضرب الأسواق العالمية لا تزال مستمرة، فقد تناولت الصحف الأميركية الصادرة صباح الأحد بالتغطية والتحليل تداعيات الأزمة الاقتصادية خاصة إقدام بعض المؤسسات التجارية الكبرى على تسريح أعداد كبيرة من العاملين فيها سعيا منها لامتصاص آثارها وتفادي الانهيار المحتمل.

جوهرة في خطر

من جهته رأى أحد كتاب صحيفة نيويورك تايمز أن انحسار الطلب على البضائع والخدمات الأميركية بسبب الأزمة المالية أدى لفقدان عشرات الآلاف من العمال الذين ينتجونها وظائفهم.

ففي بحر الأسبوعين الأخيرين فقط -كما يقول الكاتب لويس أشيتيللي في مقاله بالصحيفة- احتوت قائمة المؤسسات التي أعلنت عزمها على تقليص عدد العاملين لديها على أسماء من قبيل ميرك وياهو وجنرال إليكتريك وزيروكس وبرات آند ويتني وغولدمان ساكس وويربول وبنك أميركا والكوا وكوكاكولا, وشركات صناعة السيارات في ديترويت, وكل شركات الطيران تقريبا.

ويتوقع العديد من الخبراء الاقتصاديين أن يتخطى عدد الذين سوف يسرحون من وظائفهم 200 ألف شخص عند الإعلان في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل عن بيانات بالوظائف المفقودة. ومن المرجح أن يرتفع معدل البطالة الحالي إلى 6.1%.

ولم تسلم صناعة السيارات -التي وصفتها نيويورك تايمز بأنها ظلت جوهرة تاج الصناعة الأميركية قرابة قرن من الزمان- هي الأخرى من أنياب الأزمة ولعل أبلغ دليل على ذلك شركة جنرال موتورز.

فبعد خسارة 18.8 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الجاري, تسعى جنرال موتورز -أكبر شركة لصناعة السيارات في العالم- جاهدة لإنقاذ مستقبلها بالاندماج المحتمل مع شركة كرايسلر التي تعاني هي الأخرى من براثن الأزمة.

واعتبرت الصحيفة محاولات الشركة تلك في خضم الأزمة وفوضى أسواق المال في وول ستريت تطورا مفاجئا جديدا في موسم يغص بالأخبار المفاجئة, مضيفة أن شبح الإفلاس والانهيار يخيمان على جنرال موتورز وربما كرايسلر أيضا.

شماتة وسخرية

وتناولت صحيفة واشنطن بوست الزلزال المالي من زاوية أخرى. فقد ذكرت أن تداعيات أزمة الائتمان تفشت الشهر الماضي لتشمل كافة أرجاء العالم، حتى إن الصين سارعت لحماية نفسها بأن تبنت حزمة من الإجراءات الصارمة، من بينها فرض ضرائب جديدة على الصادرات للحد من مغادرة السلع الحيوية مثل الحبوب والأسمدة البلاد.

وبينما كان اهتمام العالم منصبا على إنقاذ بنوك الاستثمار وأسواق الأسهم من الانهيار, كانت أزمة الغذاء العالمي تتفاقم، وقد اعتبرتها الصحيفة إحدى ضحايا الاضطرابات المالية.

وذكرت أوكسفام -وهي مؤسسة إغاثة طوعية تتخذ من بريطانيا مقرا لها- أن الفوضى الاقتصادية جذبت هذا العام أعدادا أخرى تقدر بحوالي 119 مليون نسمة إلى ما دون خط الفقر.

وأشارت الصحيفة إلى أن الدول الغنية من الولايات المتحدة إلى دول الخليج منشغلة بمساعدة نفسها، وقد أمسكت يدها عن تقديم العون للدول الفقيرة.

وفي افتتاحيتها, سخرت واشنطن بوست مما وصفته بشماتة "الدول المارقة" بالولايات المتحدة في أزمتها الاقتصادية.

وقالت إن قادة روسيا وإيران وفنزويلا كانوا يأملون بفرح وغبطة أن تطيح الأزمة المالية بالولايات المتحدة باعتبارها القوة الرائدة في العالم.

لكن الصحيفة توقعت أن يؤدي تراجع أسعار النفط إلى ما دون 65 دولارا للبرميل الأسبوع الماضي، والاضطراب الاقتصادي على الأرجح إلى نتيجة مختلفة تماما هي إضعاف تلك الدول كثيرا في تحديها لمصالح الولايات المتحدة في أوروبا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية.

الولايات المتحدة مهددة كبريطانيا بالركود  

من جهة أخرى انصب اهتمام صحيفة ذي أوبزيرفر البريطانية على الأزمة المالية، فاعتبرت أن أميركا مهددة بالركود الذي تعانيه بريطانيا، ودعت إلى تدخل منسق من قبل مجموعة السبع لضبط التسعير والعمليات التجارية، ونقلت صنداي تايمز تشاؤم من تكهن بالأزمة قبل وقوعها.

قالت صحيفة ذي أوبزيرفر البريطانية إن أميركا على شفا حالة من الركود شأنها في ذلك شأن المملكة المتحدة.

وأشارت إلى أن رئيس الاحتياطي الفدرالي بين برنانكي يعتزم خفض معدلات الفائدة إلى 1% هذا الأسبوع، وهو الأدنى منذ انهيار شركات الإنترنت، وسط الكشف عن أرقام حكومية تشير إلى انضمام الولايات المتحدة إلى ركب الركود البريطاني.

وكان المستثمرون في العالم يركزون الأسبوع الماضي على بريطانيا بعد تأكيد محافظ بنك إنجلاند ميرفين كينغ ورئيس الحكومة غوردن براون أن الركود يلوح في الأفق، وتبين أن الاقتصاد قد تراجع إلى أسوأ مما كان متوقعا (0.5%) في الربع الثالث من هذا العام.

ولكن -تتابع الصحيفة- تحولت أنظار المستثمرين إلى الولايات المتحدة وسط استعداد الفدرالي لتحديد تكاليف الإقراض، والكشف عن أرقام حكومية تظهر حجم التراجع في الاقتصاد على مدى الأشهر الثلاثة الأخيرة.

ولفتت الصحيفة النظر إلى أن البيت الأبيض اشترى التعزيز الاقتصادي القصير الأجل في الربع الثاني من 2008 بإرسال شيكات من الاستقطاعات الضريبة بقيمة 150 مليار دولار إلى الناخبين وقطاعات الأعمال، غير أن هذه الأموال سرعان ما أنفقت.

ويعتقد محللون أن الاقتصاد قد تراجع بسرعة قبل أن تتسبب الأزمة المالية العالمية في وقوع بنك ليمان براذرز على حافة الإفلاس.

ونقلت ذي أوبزيرفر عن روبرت ديكليمينت من مجموعة سيتي غروب الاستثمارية توقعه أن يقوم الفدرالي بخطوة جريئة في مواجهة المؤشرات المتسارعة التي تدل على أن الركود كان يزداد عمقا قبل الصدمة الأخيرة.

أوقفوا المقامرين

وتحت عنوان "أوقفوا المقامرين غير العقلانيين الآن قبل أن يتحول الركود إلى ما هو أسوأ" كتب ويل هيوتن مقالا في أوبزيرفر يقول فيه إن ثمة مشاكل في الاقتصاد الحقيقي، موضحا أن الحركات في الأسواق أضحت على درجة من العنف تعزز دائرة الكآبة وتجعل الأخبار الاقتصادية السيئة تبدو كأنها تنذر بنهاية العالم.

وقال إن النظام المالي العالمي المترابط وغير المستقر من الناحية المنهجية، يعجل بالتأثر بالأخبار القائلة بأن العالم قد يدخل حالة من الركود تفضي إلى أزمة كارثية.

وأضاف أن حكومات الدول السبع سمحت على مدى 15 عاما بخلق نظام مالي عالمي في الظل يتكون من رقائق القمار، مثل مشتقات الائتمان والخيارات والمقايضات وعقود من أجل الاختلاف وإقراض الأسهم للبيوع القصيرة الأجل.

وهذه الوسائل تستخدمها صناعة صناديق الاستثمار العالمية للمراهنة على حركات الأسعار في النظام المالي الأول مثل الأسهم والعملات ومعدلات الفائدة وأسعار السلع.

ودعا الكاتب مجموعة الدول السبع إلى النظر في اتخاذ عمل منسق حول تنظيم التسعير والتبادل التجاري لجميع المشتقات.

وقال إنه يتعين على صناديق الاستثمار الحصول على ترخيص إذا كانت تعمل فقط في تجارة الأصول في عمليات الصيرفة الحكومية المرخصة، وإنه يجب التخلص من عنصر المقامرة في النظام المالي.

ولإعادة المصارف إلى مسارها الطبيعي، طالب الكاتب الحكومات بتأمين وضمان الدين إذا ما أريد للائتمان التدفق مجددا.

الصين لن تنقذ الغرب

وفي مقام آخر كتب ويل هيوتون في ذي أوبزيرفر مقالا تحت عنوان "لا تتوقعوا من الصين أن تنقذ الغرب من الفوضى" أشار فيه إلى أن الصين باتت مركز الاقتصاد العالمي الجديد.

وتحدث الكاتب عما أسماه بالغباء القديم الذي يتجاهل بعض الحقائق، ومن تلك الحقائق أن آسيا -عدا اليابان- ما زالت المتعاقد الثانوي مع الغرب، إذ إن ثلثي الصادرات الصينية على سبيل المثال تصنعها شركات أجنبية تجري بعض التعديلات على الواردات من السلع شبه المصنعة لتعيد تصديرها إلى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. وعليه فالاقتصاد الصيني كما يقول الكاتب لا يتسم بالإبداعية بل هو ناسخ للتكنولوجيا الغربية.

والقضية الثانية التي اعتبرها غباء من الطراز القديم هي توقع أن تقوم آسيا بمساعدة الاقتصاد الغربي المتدهور، لا سيما أن آسيا الآن مستقلة عن الغرب وقوية.

الدكتور شؤم تكهن بالأزمة

صحيفة صنداي تايمز كتبت عن البروفسور في الاقتصاد من جامعة نيويورك الذي تكهن بالأزمة المالية قبل أربع سنوات ولقي موجة من الانتقاد والسخرية.

وقال نورييل روبيني الذي يوصف بالدكتور شؤم -وهو يهودي من أصل إيراني مولود في تركيا- إنه يخشى من قدوم ما هو أسوأ.

ولم يكن لأحد أن يصدق وجهة نظره القائلة بأن شركات الرهن العقارية العملاقة في أميركا مثل فاني ماي وفريدي ماك ستنهار، وأن المصارف الاستثمارية ستنكسر وسط توجه العالم نحو حالة طويلة من الركود.

ولدى اتصال الصحيفة بالبروفسور يوم الجمعة في مدريد قال إن الاقتصاد العالمي على حافة الانهيار، وإنه يعتقد أن أسواق البورصة "تهوي بشكل كبير وأننا نصل إلى حالة من الهلع المطلق". أما عن تكهنه بما يحصل الآن، فأجاب بأنه لا نهاية واضحة في الأفق.

............................................................................

- المركز الوثائقي والمعلوماتي في مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام للاشتراك والاتصال

 www.annabaa.org//[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 30/تشرين الأول/2008 - 30/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م