ايران في العراق: شبح النفوذ الايراني يلقي بظلاله على الحياة العامة

محاولات إفشال الاتفاقية مع امريكا باللعب بورقة الشعور الوطني

 

شبكة النبأ: فيما يرى سياسيون عراقيون ومحللون ان طيف ايران يلقي بظلاله على المفاوضات بين بغداد وواشنطن حول الوجود الامريكي في العراق ما بعد العام 2008، محاوِلاً عرقلة التوصل الى اتفاق بين الطرفين. يستمر شبح النفوذ الايراني ليرى الجميع ظلّه في مفاصل الدولة المهمة وكذلك في الحياة اليومية للمواطنين..

ويوضح وزير العلوم والتكنولوجيا رائد جاهد فهمي لوكالة فرانس برس ان ايران تتحرك بموجب مصالحها الوطنية وتعتبر الوجود الامريكي تهديدا. وبالتالي، فانها ترغب في مغادرة القوات ولا تريد في جميع الاحوال ان تدع الامريكيين بسلام.

ويضيف فهمي الشيوعي المنشق عن قائمة العراقية بزعامة رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي، خلال المفاوضات حاولنا تهدئة مخاوف جيراننا. كنّا حذرين جدا في المحادثات مع الامريكيين لكي لا تبدو الاتفاقية كمصدر تهديد ضد اي كان.

وفي هذا السياق، كشف وزير اخر رفض ذكر اسمه ان الوزراء شددوا خلال آخر جلسة على حق العراق في مراقبة (البريد)، اي المعدات المرسَلة الى القوات الامريكية من اجل التاكد من عدم وجود تجهيزات تستخدم في التجسس او لشن هجوم على ايران.

وقد اعلن وزير الخارجية هوشيار زيباري ان واشنطن تقبل الاستماع الى التغييرات التي يطالب العراق بادخالها على الاتفاقية الامنية المثيرة للجدل. لكنه تابع، لا اعتقد انهم في وارد اعادة المفاوضات برمتها مجددا.

وقال نائب من الائتلاف الشيعي الحاكم ان اجتماع مجلس الوزراء الاخير شهد تبادلاً حاداً في وجهات النظر بين وزيرين حول دور ايران. بحسب تقرير لـ فرانس برس.

واضاف، قال احدهما (ان هذا البلد لا يتوقف عن التدخل في شؤوننا الداخلية، وهذا لم يعد مقبولا). وتابع اجاب الثاني (يجب ان لا نتهم ايران بالوقوف وراء كل ما يحدث) لكن الاول رد قائلا (لا يا اخي يجب ان يعرف الجميع هذا).

اما يوست هلترمان مدير الشرق الاوسط في مجوعة الازمات الدولية فقال ان الهدف العام لايران يتمثل في افشال الجهود الامريكية لاعادة اعمار العراق وخصوصا منع واشنطن من حصد نجاح يمكن ان يشكل منطلقا لتهديدها.

واضاف الباحث المقيم في اسطنبول، ان التاخير في توقيع الاتفاقية الامنية سيوجه ضربة الى ادارة الرئيس جورج بوش.

واشار الى ان ايران لا تبذل الكثير من الجهود للحصول على هذه النتيجة. يكفيها ان تلعب بورقة الشعور الوطني لدى العراقيين مشددة خصوصا على حصانة الجنود الأمريكيين واحتمال وجود امريكي طويل المدى في بلادهم.

وفي حين تقترب ساعة الخيار، ضاعفت طهران من تحذيراتها واعلن آية الله كاظم الحسيني الحائري المقرب من رجل الدين مقتدى الصدر ان الموافقة على الاتفاقية امر محرم ووصفها بانها مذلّة.

وقال الحائري، لقد علمنا بالضغوط التي تمارسها قوات الاحتلال على الحكومة العراقية لاجل تحصيل موافقتها على الاتفاقية المذلّة.

مسؤول امريكي: دليل جديد على تورط إيراني في العراق

وفي نفس السياق كشف مسؤول أمريكي رفيع عما وصفه "دليلاً جديداً" على "الدور الإيراني" في أعمال العنف التي يشهدها العراق، معتبراً أن طهران تعيد تنظيم جهودها لتعزير نفوذها في الدولة العربية المجاورة، متهماً الجمهورية الإسلامية بأنها ربما تكون وراء العديد من الهجمات الأخيرة.

وقال المسؤول الأمريكي لشبكة CNN، إن المعلومات الأخيرة التي تلقتها واشنطن، تؤكد ما كان قد ذهب إليه كل من الجنرال ديفيد بيتريوس، الذي سيتولى قيادة القوات المركزية في وقت لاحق هذا الشهر، والجنرال ريموند أوديرنو، من أن التقدم في العراق سيظل هشاً، وأنه من المبكر تنفيذ انسحاب جوهري لعناصر القوات الأمريكية.

وأضاف المسؤول، الذي رفض الكشف عن هويته بسبب حساسية المعلومات الاستخبارية، أن القوات الأمريكية اعتقلت مؤخراً عميداً في الجيش العراقي قال إنه تلقى أموالاً من إيران، بهدف تعطيل الاتفاقية الأمنية المعلقة بين الحكومتين الأمريكية والعراقية، والتي من شأنها السماح ببقاء قوات أمريكية في العراق بعد نهاية العام الحالي.

وكانت السلطات قد اعتقلت العميد بالجيش العراقي قبل أسابيع قليلة على الحدود العراقية الإيرانية، وصادرت مبالغ كبيرة من الأموال النقدية كانت بحوزته، وفقاً للمصدر.

وبحسب المصدر ذاته، فإن للعميد علاقات مع قوات الحرس الثوري الإيراني، الذي تعتقد الولايات المتحدة أنه متورط في "عمليات إرهابية، وبرنامج إيراني لتطوير أسلحة بيولوجية وكيماوية."

من جانب آخر، عبرت الحكومة العراقية عن استيائها إزاء التصريحات التي أدلى بها الجنرال ريموند أوديرنو، الذي تولى قيادة القوات الأمريكية في العراق خلفاً لبيتريوس، والتي أشار فيها إلى تورط مسؤولين عراقيين في تقاضي رشى من إيران، بهدف تعطيل الاتفاق الأمني مع الولايات المتحدة.

كان الجنرال الأمريكي قد صرح لصحيفة "واشنطن بوست" الأحد، بأن التقارير الاستخباراتية تشير إلى أن طهران كانت تقوم برشوة مسؤولين عراقيين، في محاولة لتقويض اتفاقية "وضع القوات الأمريكية في العراق" بين بغداد وواشنطن، غير أنه قال إنه لا يملك دليلاً على ذلك.

وجاء في بيان للحكومة العراقية الأربعاء: "هذه الملاحظات تتضمن إساءة غير مباشرة نحو البرلمانيين المنتخبين في مجلس النواب العراقي، الذين يمارسون حقوقهم ومسؤولياتهم، حسب ما تقتضيه النظم الديمقراطية."وأضاف البيان أن "مثل هذه التصريحات قد تشكل ضرراً بالعلاقات المتميزة مع القوات المتعددة الجنسيات."

وكان الكثير من المقاتلين العراقيين المدعومين من طهران قد فروا إلى إيران، في أعقاب زيادة عدد القوات الأمريكية وتنفيذها عدداً من العمليات العسكرية في محافظات عراقية مختلفة، أدت في النهاية إلى تحسن الظروف الأمنية في تلك المحافظات، ومن بينها محافظة العاصمة.

وثائق استخبارية تؤيد مساعدة ايران ميليشيات عراقية

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز The New York Times، ان وثائق استخبارية تؤيد لأول مرة المزاعم بأن ايران تدرب ميليشيات عراقية من اجل ان تقاتل القوات الامريكية بالنيابة عنها في العراق.

واضافت الصحيفة قائلة تصف وثائق استخبارية للمرة الاولى، تتكون من اكثر من 80 صفحة، رُفعت عنها السرية، وبالتفصيل شبكة متطورة يستخدمها عراقيون للدخول الى ايران والتدرب تحت اشراف ايراني. وتقول الصحيفة ان هذه الوثائق تعد اكثر المعلومات شمولا حتى الان في دعم المزاعم الامريكية في الجهود الايرانية لبناء قوة تعمل بالنيابة عنها في العراق.

وقد سُيِّست هذه المزاعم بنحو كبير، كما تقول الصحيفة، بخاصة مع قول منتقدي ادارة بوش بان المعلومات عن تورط ايراني في العراق مبالغ بها.

وتشير الصحيفة الى انها لم تستطع التاكد من صحة هذه المعلومات، التي قدمها معتقلون عراقيون، من مصدر مستقل. واضافت ان من اللافت للنظر ان المعتقلين اعطوا تفاصيل مماثلة عن مجمعات تدريبية في ايران، شبكة سرية في بيوت امنة في ايران والعراق يستخدمونها للوصول الى المعسكرات، وعن توترات بين الشيعة في المعسكرات، بين العرب العراقيين ومدربيهم الايرانيين.

واوردت الصحيفة جدول عمل مجموعات من الميليشيات قائلة انهم يستيقظون قبل طلوع الفجر، ليتدربوا ويتناولون طعامهم ويؤدون الصلاة قبل البدء بالدرس الاول في التدرب على اطلاق النار ببنادق كلاشنيكوف.

ثم يتدربون على مدى الساعات الثماني اللاحقة على استخدام البازوكا او زراعة قنابل الطريق، ثم ياخذون استراحة لتناول وجبة الغداء، ودروس تعليمية دينية الزامية.

ثم يستريحون في المساء لمشاهدة التلفزيون او لعب كرة الطاولة. وتنتهي الدروس عند الساعة 11 مساء.

واوضحت الصحيفة ان هذا هو اليوم النموذجي في قاعدة عسكرية خارج طهران، حيث كان، اعضاء من قوة القدس في الحرس الثوري الايراني وناشطين في حزب الله اللبناني يدربون، وعلى مدى سنوات ماضية، عراقيين على شن هجمات على القوات الامريكية في العراق، على وفق معلومات اعطاها لمحققين امريكيين مقاتلين عراقيين معتقلين.

وطالما اشار مسؤولون امريكيون الى التدريب الايراني والسلاح كاسباب للهجمات القاتلة التي يشنها مقاتلين في العراق ضد القوات الامريكية. وينكر مسؤولون ايرانيون حدوث مثل تلك التدريبات.

واضافت الصحيفة ان على الرغم من الانخفاض الكبير في عدد الهجمات التي تشنها ميليشيات في العام الحالي، الا ان مسؤولين في الاستخبارات الامريكية والجيش قالوا ان هناك دليلا على ان الميليشيات، التي يشيرون اليها احيانا بعبارة “مجموعات خاصة”، يعودون الان الى العراق لتخريب الانتخابات المقبلة وترهيب السكان. وذكرت الصحيفة ان الميجر جنرال، جفري هاموند، قائد القوات الامريكية في بغداد، قال مؤخرا انه يعتقد ان بعض مقاتلي الميليشيات عادوا الى العاصمة في الاسابيع القليلة الماضية.

والوثائق، التي جمعها مركز محاربة الارهاب، كما تقول الصحيفة، تتكون من مجموعة من تقارير التحقيقات القائمة على معلومات اعطاها ما يزيد عن 20 مقاتلا اعتقلوا في العراق في العامين 2007 و 2008.

والمركز هو منظمة بحثية تجمع وتحلل وثائق استخبارية تتعلق بتنظيم القاعدة، والعراق، وايران، وموضوعات اخرى.

وترسم الوثائق صورة استراتيجية ايرانية لاستخدام عراقيين كبدلاء لهم، جزئيا لتفادي مخاطر القاء القبض على ايرانيين في العراق. وفي احد التقارير الاستخبارية، يخبر معتقل محتجزيه بان “ايران لا تريد القتال في حرب مباشرة” مع القوات الامريكية في العراق لان طهران قلقة من إقدام الولايات المتحدة على تدمير ايران.

ويقول مسؤولون في الاستخبارات الامريكية، بحسب الصحيفة، انهم يعتقدون ان منذ اعتقال عدد من ناشطي الحرس الثوري الايراني في بغداد في العام 2006، حولت ايران استراتيجيتها الى استقدام مجموعات صغيرة من العراقيين الى ايران. ثم يُعادون الى بلادهم لتدريب كوادر كبيرة من المسلحين.

وقال مسؤول كبير في الاستخبارات الامريكية ان هناك مؤشرات بأن برامج التدريب في ايران ربما توسعت بنحو كبير في العام الحالي لاستيعاب الاعداد الكبيرة من الميليشيات العراقية، الذين فروا من العراق في اثناء الحملات العسكرية العراقية في البصرة وبغداد.

نفوذ ايراني واضح في الشارع العراقي يقلق البعض

في مدينة النجف الشيعية العراقية المقدسة يجوب زوار ايرانيون الشوارع ويتحدثون الى أصحاب المتاجر بالفارسية ويدفعون بالعملة الايرانية وتنبعث أناشيد دينية فارسية من مكبرات الصوت في ضريح قريب.

قد يكون هذا المشهد مفزعا لكل من الولايات المتحدة وجيران العراق من الدول العربية السنّية التي تشتبه في أن لايران الشيعية غير العربية نفوذ شائن ومخرب في الاراضي العربية. بل ان بعض سكان النجف العراقيين يتعاملون بحذر مع النفوذ الايراني. لكن المدينة التي هي مركز ديني وسياسي للاغلبية الشيعية بالعراق تستفيد من السياحة والمساعدات الايرانية.

ويزيِّن الزي الموحّد لجامعي القمامة كتابة فارسية، كذلك شاحنات القمامة المتألقة الجديدة التي تبرعت بها ايران. ويعمل عمُّال بناء ايرانيون في موقع مستشفى جديد يقام برعاية ايرانية.

وتستغل التبرعات الايرانية في سداد تكلفة تجديد مزارات شيعية مقدسة كما قدمت ايران الاموال والخبرات لزيادة سعة الطاقة الكهربائية في جنوب العراق الذي يغلب على سكانه الشيعة. وفي كل عام يزور مئات الالاف من الزوار الايرانيين الشيعة مرقد الامام علي بالنجف. بحسب رويترز.

ويهون مسؤولو النجف الذين سيترشحون ليعاد انتخابهم في الانتخابات المحلية المنتظر اجراؤها اوائل العام القادم من شأن النفوذ الايراني.

وتساءل محافظ النجف أسعد ابو كلل في مقابلة أجريت معه مؤخرا بالمدينة الواقعة بجنوب العراق ان كان هناك أعضاء مجالس محلية ايرانيين أو شرطة ايرانية ونفى وجود اي نفوذ على الاطلاق. لكن سكاناً عاديين قالوا ان النفوذ الايراني موجود وهم لا يمانعونه بالضرورة.

وقال حسين عباس الذي يعمل بمتجر للعب الاطفال في النجف "هناك يد ايرانية في النجف لكنها يد ايجابية. انهم يساعدون في تطوير المدينة والمستشفى والسياحة". وأضاف أنه سيمنح صوته لمسؤولي المحافظة الحاليين في الانتخابات المحلية القادمة على الرغم من وجود علامات على دعم ايراني.

وكان العراق وايران ألد الاعداء ابان حكم الدكتاتور صدام الذي خاض حربا ضروسا ضد ايران الشيعية في أواخر الثمانينات أسفرت عن سقوط مليون قتيل كثير منهم من المجندين الشيعة.

لكن منذ أطاحت القوات الامريكية بصدام عام 2003 وتولت حكومة يقودها الشيعة الحكم في بغداد استعرضت ايران نفوذها بشكل ملحوظ من خلال صلاتها برجال السياسة الشيعة من جهة وبالاحزاب التي اتخذت من ايران مقرا لها طوال سنوات في عهد صدام من جهة أخرى.

ويهيمن على معظم مجالس المحافظات بجنوب العراق الغني بالنفط بما في ذلك النجف المجلس الاعلى الاسلامي العراقي وهي جماعة سياسية شيعية تكونت في المنفى في ايران خلال حكم صدام.

ويقول كثير من العراقيين بما فيهم شيعة ان المجلس الاعلى الاسلامي العراقي لا يزال مدعوما من قبل ايران. لكن المجلس جزء أساسي من الحكومة العراقية الشيعية التي تدعمها الولايات المتحدة وينفي بشدة أن ايران توجه سياساته.

وقال عبد الحسين عبطان نائب محافظ النجف وعضو المجلس الاعلى الاسلامي العراقي ان المجلس كان في ايران ومن ايران ذهب الى واشنطن. وقال ان ايران ليست لها علاقات مع امريكا لانها في حالة حرب سياسة معها. وتابع قائلا ان اقامة علاقات جيدة مع ايران شيء مسموح به لكنها علاقات مبنية على الاحترام المتبادل لا التدخل في الشؤون الداخلية.

ويغضب عراقيون من احتمال أن يكون ساستهم يتلقون الاوامر من طهران. ويقول كرار كاظم وهو يجلس امام مرقد الامام علي "نحب السائحين لكن اذا حاولت (ايران) التدخل في السياسة سنقف ضد هذا. انها تتدخل وهذا واضح وضوح الشمس."

لكنه أشاد بقيادة المجلس الاعلى الاسلامي العراقي في المدينة وتكهن بأن معظم سكان النجف سيدلون بأصواتهم لصالحه ولابقاء الحزب في الحكم.

وكان ماجد علي وهو صاحب متجر للملابس حريصا على التفريق بين النفوذ الثقافي والسياسي الايراني حيث قال ان مدينة النجف تربطها صلات تجارية ودينية بايران منذ قرون.

لكنه قال انه لن يدلي بصوته في الانتخابات المحلية او العامة لان القيادة السياسية العراقية خاضعة "لسيطرة" ايران. وأضاف قبل أن يقطع حديثه لاجراء مكالمة هاتفية بالفارسية "هدف ايران واضح. مواجهة النفوذ الامريكي. انهم يواجهون الولايات المتحدة والعرب على الساحة العراقية."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 27/تشرين الأول/2008 - 27/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م