شبكة النبأ: من مظاهر التراث
الشعبي الذي تتميز به مدينة كربلاء المقدسة، صناعة الكاشي المنقوش
يدوياً أو ما يسمى بـ(الكاشي الكربلائي) الذي يستمد معناه التراثي
من القيم الفنية التي ينطوي عليها ويجد له بعداً واضحاً في الفن
التشكيلي باعتماده النقش بأساليب الزخرفة العربية الاسلامية والخط
العربي.
لذا فالكاشي الكربلائي فضلاً عن كونه يوحي بالمعاني والدلالات
الروحية فإنّ فيه من الخصائص الجمالية والمتعة الفنية ما يشبع
الإحساس، فصناعة الكاشي الأزرق مهنة عراقية قديمة يعود تاريخها إلى
العصر البابلي، ومنذ ذلك الوقت كان يسمى بـ(كاشي الملوك) واللون
الأزرق الغالب على أكثره يرمز إلى النقاء والاتجاه إلى السماء.
ولعل من يبحث عن هذا النوع من الكاشي من حيث الكثرة والجودة
عليه أن يقصد أضرحة أهل البيت عليهم السلام، وبالخصوص مرقدي الإمام
الحسين وأخيه أبي الفضل العباس عليهم السلام في مدينة كربلاء
المقدسة، حيث انه سيشاهد أجود ما خطته أنامل الفنانين المتخصصين
بهذا المجال، وهناك العديد من الكتائب القرآنية والزخارف الإسلامية
والنقوش في هذين المرقدين المطهرين، ولعل ما تقوم به أيادي
المبدعين من النقش الكربلائي في معمل الكاشي الكربلائي الخاص
بمشروع الطابق الثاني وتوسعة الحرم بتسقيف الصحن الشريف في العتبة
الحسينية المقدسة تطوير لهذا الفن الإبداعي.
ولمعرفة بعض التفاصيل حول هذا الموضوع التقت (شبكة النبأ
للمعلوماتية) مع احد النقاشين المبدعين في هذا المعمل (حيدر عبد
الزهرة البناء) الذي يعمل ضمن كادر النقاشين فيه والذي بدوره أشار
قائلا: إننا ابتدأنا بالعمل بالنسبة للكاشي الكربلائي الخاص
بمشروعي الطابق الثاني وتوسعة الحرم بتسقيف الصحن الشريف قبل أكثر
من (6) أشهر بكوادر عراقية 100%.
شبكة النبأ: هل يا ترى تم إتباع نفس
النقوش المعتمدة في الكاشي الكربلائي التراثي الموجود سابقا في
العتبة المقدسة؟
لا يمكن الاعتماد على نفس النقش الذي كان متبعاً في السابق
لأسباب عديدة منها الجانب المعماري، ولكن في نفس الوقت أود أن أشير
أن ما تم إتباعه من نقش حديث لا يختلف كثيرا عما كان متبعاً في
السابق، فيجب أن يكون من نفس النسيج المعماري للكاشي القديم، حيث
تم إضافة بعض الزخارف الإسلامية الحديثة، وتم تجنب بعض الزخارف
التي كانت متبعة في السابق وان أكثر الزخارف المتبعة في النقش هما
(النباتي) والنقش (السليمي).
إلى جانب ذلك، الألوان التي استخدمت في النقش الجديد تختلف عن
الألوان المستخدمة سابقا وذلك بفضل التطور الصناعي في اغلب ميادين
الحياة، حيث أن بعض (الأكاسيد) كانت نادرة سابقا إلا انه من السهل
الحصول عليها في وقتنا هذا، بالإضافة إلى ذلك تم استخدام ألوان
حديثة وذات جودة عالية جدا لا تتأثر بالتغيرات الجوية مطلقا.
شبكة النبأ: من المعلوم أن قطعة الكاشي
تتكون من مزيج من الرمل والطين وهي ثقيلة الوزن وتتعرض إلى التفتت
أو التكسر على المدى الزمني، فهل تم تلافي هذا الأمر؟
إن الطريقة التي تم إتباعها في تغليف جدران الحرم المقدس من قبل
المهندس المصمم والمنفذ لمشروعي الطابق الثاني والتسقيف الآلي
الخبير العالمي العراقي الدكتور (محمد علي الشهرستاني) لا تعتمد
على الكاشي المصنوع من الطين والرمل، حيث انه تم استخدام الكاشي
الفرفوري، الذي يتميز بخفة وزنه وذات واجهة مصقولة وعدم تعرضه
للتفتت في المدى الزمني، حيث يتميز انتاج هذا المعمل بأنه يشبه
الكاشي الكربلائي القديم في الوجه ويختلف عنه في القاعدة إذ تكون
من السيراميك القوي وفرن المعمل كهربائي وليس (كورة).
شبكة النبأ: هل بالإمكان معرفة المراحل
التي يتم إتباعها في عملية النقش على الكاشي الكربلائي؟
يتم في المرحلة الأولى رص الكاشي الكربلائي للمساحة المراد
النقش عليها ومن ثم يتم تسليط الورق المنقوش بالزخارف المراد
طباعتها على الكاشي، يتبعها عملية تثقيب الزخارف الموجودة بالورق،
بعدها نضع الورقة على الكاشي المطلوب انجاز الزخرفة عليه وعن طريق
نثر الفحم المطحون يتم اختراق الثقوب الموجودة على الورق، تتبعها
عملية تحديد جوانب الزخرفة بمادة كيميائية ذات لون اسود ومن ثم يتم
تسليط الألوان على ذلك الكاشي وتسمى المرحلة الأخيرة هذه بـ(مرحلة
التزجيج) والتي هي عبارة عن أكاسيد كيمياوية من الكوبلت والمنغنيز
وأكاسيد أخرى، وان التحكم بدرجات الحرارة هو الذي يحدد طبيعة
الألوان وجمالها، حيث يتم استخدام الفرن المتوفر لدينا في معمل
المشروعين في الشهر الواحد أكثر من (200م2) من الكاشي الكربلائي.
شبكة النبأ: كونك من المتخصصين في مجال
الزخرفة والخط، ما هي انطباعاتك عن النقوش والمخطوطات الموجودة في
العتبة الحسينية المقدسة؟
إن العتبة الحسينية المقدسة تحوي على كم هائل من النفائس من حيث
النقوش والمخطوطات منها داخل الحرم المقدس ومنها في الصحن الشريف،
حيث أنه في داخل الحرم توجد مخطوطة للخطاط العراقي المشهور
المرحوم (محمد صبري الهلالي) ومثيلتها في العتبة العباسية المقدسة
وهاتان المخطوطتان تعتبران من الآثار النفيسة إلا أنهما تعرضتا
للتخريب من قبل أزلام النظام البائد في انتفاضة عام (1991) وهناك
مخطوطة (آية الكرسي) في باب السلام في الجهة الشمالية للصحن
الحسيني المطهر لعميد الخط العربي المرحوم (هاشم البغدادي) والتي
هي الأخرى تضررت في انتفاضة عام (1991)، أما النقوش فأروعها نقش
(إبراهيم النقاش) بالإضافة إلى نقوش (الفسيفساء) التي تعتبر أروع
ما جادت به أنامل النقاشين وتعتبر بحق لوحة فنية متكاملة، بالاضافة
الى ذلك هناك العديد من المخطوطات النفيسة في العتبة المقدسه منها
في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة تحتوي على مخطوطة للمصحف الشريف
للخطاط الشهير (ياقوت المستعصمي) وهذه تعد من النسخ النادرة حيث لا
يوجد منها سوى واحدة في المكتبة المصرية،، وقد وثق ذلك في موسوعة
المعارف للشيخ (محمد صادق الكرباسي) وموسوعة الخط العربي (هلال
ناجي المصرف)، إلا انه للأسف الشديد تم سرقتها وتهريبها إلى جهات
تركية في زمن النظام البائد وتحديدا في أواخر التسعينات حيث تم
بيعها بمبلغ زهيد مقداره (340000) دولار ، ولحد الآن لم يتم
إعادتها إلى مكتبة العتبة الحسينية المقدسة.
وبيّنَ الإعلامي في العتبة الحسينية المقدسة ولاء الصفار ان
المسؤولين على ادارة العتبة الحسينية المقدسة يسعون الى استحداث
المرافق الحيوية في العتبة المطهّرة منذ سقوط النظام البعثي
البائد، التي طالما لاقت الإهمال الشديد المتعمد نتيجة سياسة
التمييز الطائفي المقيت الذي كان يتبعها ذلك النظام بشأن كل ما يمت
لتراث أهل بيت النبوة، وبعد السقوط شهدت كل مرافق العتبات طفرة
نوعية في الإعمار والصيانة، ومن ضمن تلك الفعاليات اقامة مشروع
الطابق الثاني والتسقيف الالي للصحن الشريف واكساؤه بالكاشي
الكربلائي الجديد.
|