أفغانستان: تحديات إعادة هيكلة الجيش وعمليات الخطف ترعب رجال الأعمال

شبكة النبأ: بعد الإنهاك الحاصل في مؤسستها العسكرية جراء تعاقب الحروب عليها، تستعد أفغانستان اليوم الى بناء هيكليتها العسكرية الجديدة، بتدريب واعداد وتجهيز من الولايات المتحدة الأمريكية، لخلق حالتين من التوازن بين المتمردين والجيش الأفغاني من جهة، ومن جهة أخرى بين الجيش الأفغاني والقوى العسكرية المشاركة في أفغانستان.

وبهذه المعادلة يتم موازنة القوى وفق الرؤى السياسية التي تعطي الأولوية الى خلق قيادة عسكرية افغانية لتولي زمام الامور والاستعداد التام في حال مغادرة القوات الاجنبية الاراضي الأفغانية.

(شبكة النبأ) في سياق هذا التقرير تسلط الضوء على الجيش الافغاني بين اعداده وتدريبه، وبين الحال العام للأوضاع الامنية والتباين بين عمليات الخطف المنظمة والابتزاز لشريحة التجار ورجال الأعمال:  

التطور الملحوظ في إعداد وتسليح الجيش الأفغاني

يجلس محمد صديق المجند بالجيش الافغاني خارج حجرة الدراسة في الكلية الحربية التي تقع على مشارف كابول وقدماه متورمتان بعد ان ارتدى حذاء عسكريا لا يناسب مقاس قدميه بدون جوارب.

ويجلس طالب اخر على مقعد في مؤخرة فصل دراسي في الهواء الطلق خصص لقراءة الخرائط وهو يحملق دون وعي اما لانه غير قادر على استيعاب اللغة أو الموضوع.

ويجري بناء الجيش الوطني الافغاني وهو العنصر الاساسي لاستقرار البلاد في المدى البعيد من هؤلاء الجنود الذين تتباين قدراتهم. بحسب رويترز.

ويفتقر الجيش للاسلحة النارية والدبابات والطائرات. ويتحدث جنوده لغات مختلفة وتقل اجورهم عن الرواتب التي تدفعها حركة طالبان المتمردة لجنود المشاة الذين ينضمون للحركة.

لكن لدى الجيش روح قتالية. يمكنه ان يتحرك بسرعة في الاراضي الافغانية الوعرة وأهم من كل ذلك بدأ يكسب الاحترام في أمة بها قليل من المؤسسات أو الابطال المعاصرين.

ويقول الميجر جنرال ظافر عظيمي قائد المجاهدين السابق الذي يعمل الان مستشارا ومتحدثا باسم وزارة الدفاع الافغانية: هذا هو فخرنا. هذا هو أملنا للمستقبل.

وأضاف، الحل الوحيد لافغانستان في المدى البعيد هو بناء المؤسسات الافغانية وبناء جيش قوي هو اول هذه المؤسسات.

وفي وقت سابق هذا الشهر اتفقت الحكومة والمانحون الدوليون الذين تعتمد عليهم افغانستان على مضاعفة قوة الجيش الوطني الافغاني الى 134 الف جندي.

والتوسع في الجيش الافغاني مع "الزيادة الصغيرة" في القوات الامريكية الاضافية التي بلغت 4000 جندي يمثل خطوة في التصدي لطالبان وتنظيم القاعدة في عام وصل العنف الى أسوأ مستوياته منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2001 .

وقال البريجادير جنرال امين ورداك الذي يرأس مركز التدريب العسكري في كابول الذي يقوم كل اسبوع بتخريج كتيبة تتألف من 1200 جندي تتم متابعتهم عن كثب من جانب مدربيهم الذين ينتمي معظمهم للجيش الامريكي: الجيش الوطني الافغاني ليس فقط هو العيون والاذان على الارض.

وقال: اننا نريد من جنودنا ان يقوموا بعمليات في مناطق حساسة. يجب ان يقوموا بتفتيش منازل اذا كان ذلك ضروريا بدلا من الجنود الاجانب.

وأدت الزيادة الحادة في وفيات المدنيين في هجمات جوية تشنها قوات التحالف التي تقودها القوات الامريكية في فصل صيف ساده العنف الى اذكاء غضب الافغان وتصاعد النداءات التي تطالب بدور أكبر للجيش الافغاني في العمليات ضد المسلحين.

وقال مسؤول بوزارة الدفاع: الجندي الامريكي عندما يواجه اطلاق النار يطلب شن هجوم جوي وتقع عادة خسائر في مثل هذا الموقف.

واضاف، ومن الناحية الاخرى فان الجندي الافغاني سيشتبك مع المصدر الذي تطلق منه النار. ولن يطالب بشن هجمات جوية.

وبعد خمس سنوات من تخرج مجموعة من الكلية الحربية فان الجيش الوطني الافغاني لن يكون قوة مهملة.

في البداية كان المجاهدون السابقون يمثلون غالبية الذين يتطوعون في التدريب القتالي الاساسي الذي يستغرق 16 اسبوعا وكانوا يأتون الى حجرات الدراسة بأسلحتهم.

والان الافغان الذين ينضمون في الغالب هم مدنيون مثل صديق (23 عاما) الذي يستبدل عمله كحارس في شركة أمن خاصة في كابول بالانتقال الى الجيش. وقد اشتغل عاملا في عهد طالبان بعد ان ترك الدراسة في المرحلة الابتدائية ليساعد اسرته.

والان يأمل في ان يحصل على راتب شهري يبلغ 100 دولار كجندي يضاف اليه 60 دولارا اذا تم نشره في الاقاليم مما سيساعده أكثر في العناية بوالديه المسنين والاخوة الاصغر سنا.

وقال بهدوء: انني انتظر ارسالي الى الجنوب لانني اريد ان اقاتل العدو وان أخدم بلدي. وهذا التصميم القوي ربما كان شائعا في الجيوش في انحاء العالم لكن في افغانستان التي شهدت حربا اهلية فهو امر يثير الامل.

وقال السارجانت ميجر ديفيد لاموريت وهو معلم امريكي في مدرسة التدريب تحدث بفخر واضح: تصميمهم على النجاح ليس له مثيل.

وكان الجيش قد تعرض في البداية لحالات انسحاب للجنود بدءا من مدرسة التدريب وحتى الوحدات التي نشروا فيها.

ويتذكر لاموريت انه في بعض الاحيان كان الرجال يختفون من المدرسة لعدة اسابيع ثم يعودون مرة اخرى ولا يوجد سجل صحيح لمعرفة عددهم.

لكن منهج التدريب الاساسي تم تخفيضه الان الى عشرة اسابيع واصبح عدد الذين ينسحبون أقل وانخفض الى ما دون عشرة في المئة من 25 الى 30 بالمئة في وقت سابق.

ويقول الميجر جنرال عظيمي ان ما يحتاج اليه الجيش الان هو الاسلحة النارية والدبابات والطائرات للقوة الجوية الناشئة.

ومن المزمع تزويد الجيش الافغاني بأسلحة من حلف شمال الاطلسي تشمل بنادق من طراز ام-16 لكن لم يتلق سوى عدد صغير جدا من الوحدات هذه الاسلحة ومازال معظم الجنود يعتمدون على اسلحة سوفيتية قديمة.

حالات الخطف المتكررة تلحق الضرر الكبير بقطاع الأعمال

عندما يخطف أجانب في أفغانستان عادة ما يتصدر ذلك عناوين الصحف الا أن خطف الافغان في بلادهم نادرا ما يحظى بنفس الأهمية في الوقت الذي يؤجج فيه تدهور الأوضاع الأمنية والفقر الجريمة.

وبدلا من تعرضهم للخطف على أيدي مقاتلي حركة طالبان الذين يسعون للضغط على الجيوش الاجنبية وعمال الاغاثة لتحقيق أهداف سياسية تخطف عصابات اجرامية الافغان من أجل طلب فدية. بحسب رويترز.

ومعظم الضحايا من عائلات أفغانية من طبقة رجال الاعمال التي بدأت في الظهور. وتبعد جرائم الخطف المستثمرين القلائل الراغبين في استثمار أموالهم في اقتصاد أفغانستان الذي يعتمد على المساعدات الاجنبية لتمويل 90 بالمئة من النفقات.

تلقى سيد مصطفى رجل الاعمال الذي يستورد الوقود في العاصمة الافغانية مكالمة هاتفية من عائلته قبل شهرين تشير الى أن ابنه البالغ من العمر عشرة أعوام لم يعد الى المنزل من المدرسة.

وطاف مصطفى في رعب شوارع ومستشفيات العاصمة وبحلول الليل لم يكن هناك أي أثر للطفل. ثم تلقى مكالمة هاتفية.. قال مصطفى أن المتصل طلب منه عدم ابلاغ الشرطة والا سنقتل ابنك... اسمع جيدا.. ثمن ابنك 200 ألف دولار. اعطنا المال وسنطلق سراحه. واستطرد: لم أصدقه الى أن سمعت ابني يبكي ويصرخ أبي أين أنت.. لم أتلق مكالمة أخرى من الخاطفين لمدة يومين. وفي اليوم الثالث اتصلوا وسألوني اذا كنت قد أعددت المال.

وقال مصطفى وهو يغالب دموعه: أردت أن أتفاوض وأخفض السعر... ولكني لم أعرف أن ذلك سيكلفني حياة ابني... قتلوا ابني لاني ترددت في الدفع.

وتتدهور الاوضاع الامنية في الوقت الذي تفشل فيه القوات الافغانية والاجنبية في السيطرة على تمرد حركة طالبان. ويضيف ارتفاع أسعار الغذاء الى الفقر في البلاد التي تعد بالفعل واحدة من أفقر دول العالم. ومتوسط العمر في البلاد نحو 44 عاما فقط.

وقال جويد رشيدي الطبيب في كابول: تزداد الاوضاع الامنية سوءا يوما بعد يوم. وما زالت الحكومة في سبات عميق. ليست هناك وظائف ولا دخل جيد ومن ثم من الطبيعي أن تزيد جرائم الخطف.

وتقول ادارة التحقيقات الجنائية الافغانية ان تقارير أفادت بأن نحو 130 شخصا خطفوا خلال الشهور الخمسة الماضية ولكن من المعتقد أن الرقم الحقيقي أكبر بكثير.

وقال ميرزا محمد يارماند رئيس ادارة التحقيقات الجنائية الافغانية: لدينا نحو 130 حالة خطف مسجلة ونحو مئة من الناس ما زالوا مخطوفين كما جرى القبض على أكثر من مئة شخص تورطوا في جرائم خطف.

ومن بين من خطفوا منذ مارس هناك 13 أجنبيا فقط معظمهم من عمال الاغاثة الغربيين أو رجال أعمال ومهندسي بناء من تركيا وايران والهند ونيبال.

وتابع يارماند: هذه القضايا اما سياسية أو مادية. الخاطفون يتنكرون في زي حراس وزراء أو حراس للعاملين بالامم المتحدة أو كجنود أجانب أو في زي رجال الجيش أو الشرطة الافغان.

ورجال الاعمال الافغان وكثير منهم عادوا للاستثمار في بلادهم بعد الاطاحة بحركة طالبان من الحكم عام 2001 معرضون للخطر. ويقول مسؤولون ان الحالة العامة من تدهور الاوضاع الامنية تدفعهم للخارج ثانية.

وقال عبد الله هاشم ضاي وهو محلل أمني: أعتقد أنه اتجاه خطير للغاية مستمر في التزايد بالنسبة لكل من الافغان والاجانب. نقص الوظائف والفقر المدقع وعجز الشرطة عن الرد والفساد كلها عناصر تزيد من المشكلة... الاستثمار في أفغانستان مجازفة كبيرة. خطف كثير من رجال الاعمال.

هذا هو حجم المشكلة التي أرسل رجال الاعمال الافغان بسببها وفدا الى الرئيس الافغاني حامد كرزاي في يونيو حزيران للمطالبة بتشكيل محكمة خاصة لمحاكمة الخاطفين.

وأضرب الاطباء لفترة قصيرة في مدينة هرات بغرب أفغانستان العام الحالي بعد سلسلة من جرائم الخطف التي تعرض لها الاطباء في البلاد.

وقالت صحيفة هيواد الافغانية: أصبح الخطف مهنة في أفغانستان بسبب ضعف حكم القانون... أطفال الاثرياء والتجار أو من عادوا من الخارج أو من يعمل أقاربهم سواء كان شقيقا أم والدا أم عما في الخارج يخطفون.

الشراكة القائمة بين الشرطة والمواطنين لخفض معدّلات الجريمة

قالت وزارة الداخلية إن الشرطة الافغانية بدأت برنامجا "لمراقبة الاحياء" يشرك المواطنين في مكافحة الجريمة التي يتزايد معدلها في العاصمة كابول. وتدعم الولايات المتحدة البرنامج الذي يتكلف مليوني دولار.

وقال الوزير زارار احمد مقبل: سيكون للمدنيين مهام معينة للتعاون مع الشرطة في تقديم المعلومات وتحديد الاماكن المعرضة للخطر والافراد المشتبه بهم من اجل تعزيز الأمن.

ويتدهور الأمن في افغانستان مع عجز القوات الافغانية والاجنبية عن وضع حركة طالبان المتمردة تحت السيطرة. ويزيد اسعار الاغذية المتصاعدة من انتشار الفقر في البلاد التي تعد اصلا من افقر بلاد العالم. ومتوسط العمر لسكانها في حدود 44 عاما فقط. بحسب رويترز.

وادت سلسلة متلاحقة من اعمال الخطف طلبا للفدية قامت بها عصابات اجرامية الى زرع الخوف بين العائلات في طبقة رجال الاعمال الناشئة وبدأ الكثير منهم في الرحيل.

وقال الجنرال روبرت و. كون من القيادة الأمنية الانتقالية في افغانستان المكلفة بتدريب الشرطة: اننا نعتقد بشدة في ان افضل الحلول الأمنية هي التي يطرحها الافغان بانفسهم وتفخر الولايات المتحدة بان بامكانها ان تقدم تسهيلات لتنفيذ هذا البرنامج.

و لا يشعر الافغان بالثقة في الشرطة ويتهمون قوات الامن بانها فاسدة ومرتبطة بعمليات الخطف وتهريب المخدرات.

ارتفاع في حصيلة القتلى بين المدنيين

انتقدت المفوضة العليا لحقوق الانسان في الامم المتحدة حجم الخسائر البشرية بين المدنيين في افغانستان بعدما سجل شهر اب/اغسطس اعلى حصيلة منذ اطاحة نظام طالبان في نهاية 2001.

واشارت نافي بيلاي في بيان الى مقتل 330 مدنيا الشهر الماضي في افغانستان قضى منهم اكثر من تسعين في غارة جوية شنتها القوات الدولية في شينداند (غرب).

وقالت: انها اعلى حصيلة للقتلى المدنيين لشهر واحد منذ انتهاء العمليات العسكرية الكبرى وسقوط طالبان في نهاية 2001. بحسب فرانس برس.

وقتل ما مجموعه 1445 مدنيا منذ مطلع السنة بزيادة 39% عن حصيلة الاشهر الثمانية الاولى من العام 2007 بحسب ارقام الفريق المكلف مراقبة حقوق الانسان لدى بعثة الامم المتحدة في افغانستان.

ويتهم عناصر حركة طالبان وغيرها من الفصائل المتمردة في قتل اكثر من نصف هؤلاء القتلى (800 قتيل 55% من العدد الاجمالي) ما يمثل نحو ضعف حصيلة 462 قتيلا نسبت اليهم بين الاول من كانون الثاني/يناير و31 اب/اغسطس 2007.

وقالت المفوضة العليا لحقوق الانسان: من الواضح ان طالبان تشن حملة عنف وتخويف منهجية ضد المدنيين الافغان الذين تشتبه بدعمهم للحكومة والاسرة الدولية والقوات المسلحة.

وابدت بيلاي التي عينت في هذا المنصب مطلع ايلول/سبتمبر قلقها حيال الضربات الجوية التي تشنها القوات الدولية وطالبتها بالسعي لتجنب الخسائر المدنية.

واخيرا قتل نحو 395 مدنيا في الغارات الجوية منذ مطلع العام بينهم 47 قضوا في سقوط صواريخ على حفل زفاف في ولاية ننغرهار في السادس من تموز/يوليو و92 قضوا في شينداند ومعظمهم من الاطفال.

وقالت بيلاي: من الضروري تحسين التنسيق بين القوات العسكرية الافغانية والقوات الدولية بشكل عاجل لضمان امن المدنيين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 15/تشرين الأول/2008 - 15/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م