صحف غربية: نهاية الرأسمالية وفرصة لحلول شامة

مقتطفات مما نشرته الصحف الغربية من آراء وتحليلات حول الأزمة المالية

إعداد علي الطالقاني*

شبكة النبأ: لا شك أن تداعيات الأزمة المالية التي عصفت ببعض البنوك والمصارف في أمريكا أثرت وبشكل مباشر على الاقتصاد العالمي وقد تناولت الصحف الغربية هذه الأزمة من جوانب مخالفة، فبينما تحدثت صحيفة عن موضوع نهاية الرأسمالية تحدثت أخرى عن وجهة نظر قانونية حول الأزمة المالية، بينما تحدثت ثالثة عن الأزمة ومؤشراتها نحو تأسيس نظام جيوسياسي جديد.

ففي هذا الشأن كتب "فيليب ستيفنس" مقالا في صحيفة فايننشال تايمز حول الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية يرى فيه أن هذا الوضع يمثل لحظة تغيير جوهري في ملامح النظام الاقتصادي والسياسي في العالم.

يقول الكاتب "فيليب ستيفنس" إن اللوم يقع على المصرفيين الجشعين، وعلى قيادة ألن غرينسبان المتهورة للاحتياطي الفدرالي المركزي، وعلى ملاك البيوت العاجزين الذين اقترضوا مبالغ ليس باستطاعتهم أبدا تسديدها. واللوم يقع أيضا على الساسة والمشرعين في أي مكان لأنهم أغمضوا عيونهم على العاصفة الوشيكة.

كل المذكورين أعلاه مذنبون. أنا متأكد أن هناك مزيدا من الأشرار المتوارين. أحيانا الذين يكون مجديا معهم استعمال المنظار من الجهة الأخرى لرؤيتهم.

وأضاف إن حطام النظام المالي يعرض مرآة للميزان الجيوسياسي المتغير ويحمل نصيحة وتحذيرا لما يجدر بالغرب فعله بالنظام العالمي الناشئ.

وقال أيضا إلى عهد قريب كان الحديث منصبا حول حقارة الرأسمالية الأميركية المبنية على سياسة عدم التدخل. والخطة الأميركية للإنقاذ بكلفة سبعمائة مليار دولار هي ثمن تلك الغطرسة.

لأسباب لا أعرفها هناك بعض الساسة الأوروبيين يبدون مبتهجين إزاء متاعب حليف لا يزال يضمن أمنهم. لكن ذلك الإحساس لن يعمر طويلا.

وأستشهد كاتب المقال بألمانيا قائلا كانت من بين الدول الأوروبية التي اضطرت لدعم مصارفها. والمستشارة أنجيلا ميركل أجبرت على تقديم ضمانات علنية للناخبين الألمان بأن مدخراتهم آمنة.

كما أن بلجيكا وهولندا أنقذت مجموعة فورتيس بينما أصدرت أيرلندا واليونان ضمانات لأصحاب الودائع البنكية واتخذت بلدان أخرى تدابير مماثلة. وبشكل أكثر درامية أقدمت الحكومة البريطانية بقيادة غوردون براون على تأميم جزئي لكبرى المصارف في محاولة يائسة لمواجهة الأزمة.

وأضاف الكاتب حول الصين فأنها وجدت نفسها مضطرة هذا الأسبوع لتخفيض نسبة الفائدة على غرار البنوك المركزية الغربية. وهذا ما قامت به دول آسيوية صغرى. والركود الذي تعرفه الولايات المتحدة وأوروبا سيبطئ نمو الاقتصادات الآسيوية الصاعدة.

وزاد كاتب المقال فبالرجوع إلى الوراء هناك أمران يشيران إلى أن هذه الأزمة فريدة. الأمر الأول يكمن في ضراوتها الشديدة. لا أعرف مدى جدوى إجراء مقارنة مع حقبة الثلاثينيات. فالتاريخ لا يمتد أبدا على خط مستقيم.

لكن البديهي هو أن الحكومات والبنوك المركزية ليست لها تجارب سابقة في التعاطي مع صدمات وضغوط لها نفس الشدة والامتداد الذين عشناهما العام الماضي.

الأمر الثاني يتعلق بالبعد الجغرافي. لأول مرة يوجد مركز الأزمة في الغرب. فالبنسبة لواشنطن، ولندن أو باريس فإن الأزمات المالية كانت أمورا تحدث للآخرين، لأميركا اللاتينية، لآسيا، لروسيا.

وموجات الصدمة كانت ترتطم بسواحل البلدان الغربية على شكل مطالب بأن تنقذ الدول الغنية مصارفها الطائشة. وقد رسمت تلك الأزمات خطا بين الشمال والجنوب، بين الدول المصنعة والأخرى السائرة في طريق النمو. والبلدان الصاعدة وجدت نفسها في ورطة والغرب يطلب منها بشكل صارم التحرك للخروج منها.

شراكة مسؤولة

كما أصبح تحول القوة الاقتصادية العالمية نحو الشرق شيئا مألوفا في الخطاب السياسي. الجميع في الغرب يتحدثون برعب عن سرعة النمو في الصين وعن بروز الهند كلاعب جيوسياسي، وعن الأدوار المتزايدة للبرازيل وجنوب أفريقيا في العلاقات الدولية.

ولا يزال على البلدان الغنية أن تواجه تداعيات هذه التطورات. بإمكانها التفكير في اقتسام السلطة، لكنها تفترض أن المقايضة ستتم وفقا لشروطها، أي أن البلدان الصاعدة سيتم امتصاصها -بالسرعة التي يختارها الغرب- في المنتديات والمؤسسات الدولية المعهودة.

عندما يتحدث الدبلوماسيون الأوروبيون والأميركيون عن شراكة مسؤولة مع القوى الصاعدة فإن ما يعنوه حقا هو أنه لا يجب السماح للصين والهند وباقي الدول الأخرى بتحدي القواعد والمعايير الموجودة.

وجاء في المقال أيضا هذا هو الإطار الذي بموجبه لا تزال دول البنيلوكس (بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ) تفوق الصين من حيث الأصوات في صندوق النقد الدولي الذي تقول الدول الصناعية السبع إنه لا يزال المنتدى المناسب لإعادة رسم النظام المالي العالمي.

ليس لدي موانع في نشر قيم الغرب من قبيل فضائل سيادة القانون والتعددية السياسية وحقوق الإنسان الأساسية. كما لا أمانع في الدفاع عن كون نظام السوق الحر يبقى بالنسبة لكل العواصف المالية هو الخيار الأسوأ مقارنة مع القيم الأخرى.

لم يكن بالإمكان طرح قضية القواعد الكونية -المتمثلة في حاجة الأسواق المفتوحة إلى إدارة متعددة الأطراف- بحدة أكبر مما تستدعيه الأزمة الحالية.

الدرس الكبير هو أنه لا يمكن للغرب أن يواصل الاعتقاد بأن النظام العالمي سيعاد تشكيله بالشكل الذي يريده. طيلة أكثر من قرنين مارست الولايات المتحدة وأوروبا هيمنة اقتصادية وسياسية وثقافية هينة. إن ذلك العهد في طريقه للأفول

أهي نهاية الرأسمالية الأميركية؟  

من جانب آخر في واشنطن بوست, كتب أنتوني فاجولا مقالا حاول فيه توضيح ما يهدد نموذج الرأسمالية الأميركي في ظل خطط واشنطن للتدخل في الأسواق المالية بغية التصدي للأزمة الخطيرة التي تعصف بها, وبين كيف أن واشنطن التي ظلت دائما تحذر الحكومات من التدخل في السوق هي الآن من يمارس ذلك على أعلى المستويات.

النموذج الرأسمالي الأميركي

وقال انتوني فاجولا منذ ثلاثينيات القرن الماضي, والمصارف الأميركية تحمل لواء الاقتصاد الأميركي المبني على النظام المالي الرهيب للسوق الحرة، وظلت الولايات المتحدة تتوقع منافسة الآخرين من خلال هذا النظام، بل وتشجعها.

وأضاف الكاتبلكن اضطراب السوق الذي بدأ يستنزف ثروة البلد، وكاد يقضي على وول ستريت يهدد الآن بوضع المصارف, وهي القلب النابض للنظام المالي الأميركي, وإن جزئيا في يد الحكومة.

وأعتبر كاتب المقال الإدارة الأميركية تأخذ الآن بعين الاعتبار التأميم الجزئي لبعض المصارف, عبر شراء نصيب من أسهمها كي تعيد إليها الثقة في إطار برنامج الإنقاذ المالي الذي يبلغ سبعمائة مليار دولار.

إلا أن مفهوم ملكية الدولة في القطاع المالي, حتى وإن كانت مساهما ثانويا, يتعارض مع ما يعتبره منظرو السوق الحرة الأساس الذي يقوم عليه النظام المالي الأميركي.

ومع ذلك فالحكومة الأميركية قد تجد نفسها مضطرة لهذا الإجراء لغياب أي خيار آخر, فالائتمان الذي هو شريان حياة الرأسمالية, توقف عن الجريان, ولا يمكن لاقتصاد يعتمد على السوق الحرة أن يظل مستمرا بتلك الطريقة.

لكن التغير المفاجئ في موقف الحكومة يذهب أبعد من مجرد إنقاذ الصناعة المصرفية، فهي تريد فرض نفسها من جديد بالتدخل في حياة المواطنين بشكل لم يكن ليخطر على بال أحد إبان فترة الاعتقاد بأن "السوق أدرى من غيرها".

وقال أيضا فباستحواذها مؤخرا على شركتي الإقراض فاني ماي وفريدي ماك وإنقاذها المالي لشركة أي آي جي أصبحت الحكومة الأميركية من الناحية الفعلية, هي المسؤولة عن ضمان الرهن العقاري والتأمين على الحياة لعشرات الملايين من الأميركيين, وأصبح عدد كبير من الاقتصاديين يتساءل عما إذا كانت لا تزال هناك سوق حرة إذا كانت الحكومة قد انغمست بمثل هذا العمق في النظام المالي.

وأضاف وبما أن الولايات المتحدة تعتبر نفسها أنموذج الاقتصاد العالمي, فإن هذا التغير في تعاملها مع أسواقها قد يدفع حكومات أخرى عبر العالم إلى تغيير كيفية تعاملها مع التجارة الحرة.

وأضاف "انتوني فاجولا " ففي العقود الثلاثة الماضية ظلت الولايات المتحدة تقود "حملة صليبية" لإقناع غالبية دول العالم, خاصة السائرة منها في طريق النمو, برفع يد حكوماتها عن المال والصناعة.

لكن الأنموذج الأميركي للرأسمالية القائم على عدم تدخل الحكومة في السوق هو الذي ينحى عليه حاليا باللائمة في قضية القروض الميسرة التي أفزعت سوق العقارات وأضرت به، وجعلت العجلة المطلقة لوول ستريت تنتج بركة من الاستثمارات السامة لوثت بجراثيمها النظام المالي العالمي.

وقال أيضا والتدخل الحكومي الكبير جراء هذه الأزمة, حسب النقاد, سلب واشنطن أكثر فأكثر السلطة الأخلاقية على نشر إنجيل الرأسمالية غير المقيدة.

ويمكن أن تدشن الحكومة الأميركية برنامجا محددا تراهن من خلاله على أخذ نصيب ثانوي في المصارف المضطربة, أو تنفذ برنامجا أوسع يستهدف النظام المصرفي الأوسع.

وفي كلتا الحالتين يمكن أن ينظر إلى هذه الخطوة بوصفها دليلا على أن واشنطن لا تزال أسيرة وول ستريت, فيمكن للخطة مثلا أن لا تجبر بعض الشركات المشاركة على منح مديريها التنفيذيين الأجور المقلصة التي طالب بها الكونغرس, لكن إذا لم تنجح هذه الخطة فربما تضطر الحكومة لرهان مالي أكبر.

الحكومة الأميركية وراء الأزمة المالية  

من جهته أنحى جوناثان ميسي أستاذ القانون في جامعة يال ومؤلف كتاب "إدارة الشركات: عهود منجزة وأخرى ناكثة" أوقع في مجلة وول ستريت، بلائمة الأزمة المالية الحالية على الحكومة الأميركية وقال إن تدخلها عمق الأزمة وأطال مدتها.

وحدد الكاتب أن المسؤولين في كل من الاحتياطي الفدرالي ولجنة الصيرفة والضمان ووزارة الخزانة هم الذين يتحملون تراجع الثقة في كل نظام اقتصادي يفترض أن يوفروا له الحماية.

وأشار إلى أن خطة وزارة الخزانة الأصلية التي دعت فيها إلى تحويل كميات غير محددة من الدولارات والحذر غير المحدود من الإنفاق للخزانة دون مراقبة قضائية أو من قبل الكونغرس، بعثت برسالة سلبية للأسواق. وبدلا من أن تعيد هذه الطريقة الثقة بالأسواق، عززت الخوف والهلع منها.

ودلل على ذلك من خلال إنقاذ الحكومة لمصرف بير ستيرنز قائلا إن إنقاذه يشير إلى أن إصلاحات الحكومة قصيرة الأجل تقوض جهود الأسواق في إصلاح نفسها بنفسها.

كما أن الحكومة تخلت بشكل خاطئ عن الحلول السوقية عندما حظرت بشكل مؤقت البيوع المكشوفة.

ولو أن لجنة الصيرفة والضمان -يتابع الكاتب- قامت بنصف عملها في الكشف عن عمليات الغش والحسابات الهزلية التي أقدم عليها البائعون على المكشوف لما تعرضت الأسواق المالية للانفجار.

وأنحى ميسي كذلك باللائمة على المشرعين الفدراليين فيما ارتكب من عمليات تلاعب بالأسواق، وقال إن لجنة الصيرفة والضمان حدت من قدرة الشركات على حماية نفسها من التلاعب من قبل البائعين على المكشوف.

وخلص إلى أن إنقاذ بير ستيرنز والقيود المفروضة على البيع على المكشوف فضلا عن خطة بوش للإنقاذ -سبعمائة مليار دولار- لعبت دورا سلبيا نحو الأسواق المالية إذ إنها منعت السوق من فرض العقوبات على البنوك التي انتهكت القوانين وأفرطت في تحمل المخاطر العالية.

كما أن تلك العوامل من شأنها أن تعاقب العقلاء من المديرين الذين كانوا يستثمرون بشكل محافظ وساهموا في بقاء ديون شركاتهم ضمن مستويات معقولة، والذين عملوا كل ما في وسعهم لرفع رأسمال شركاتهم كلما اقتضى الأمر.

وقال الكاتب إن ترك الأسواق تصحح نفسها بنفسها قد يكون مثيرا للفوضى ومكلفا في آن واحد، ولكن السبيل الوحيد للتعاطي مع هذه الأزمة الراهنة هي إرغام الشركات التي خلقت تلك الفوضى على تحمل جزء من ثمن أخطائها.

أستعادة الثقة في الأسواق  

و ما تزال توابع الزلزال المالي الذي ضرب الاقتصاد العالمي تحدث ردود أفعال واسعة في الأوساط المالية ومراكز صنع القرار السياسي في عواصم الدول الغربية الكبرى، شأنها في ذلك شأن الإعلام الغربي ولاسيما الصحافة البريطانية.

ذي أوبزرفر

وواصلت الصحف البريطانية تعليقاتها على إعلان حكومة رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون الأربعاء الماضي خطة بقيمة 400 مليار جنيه إسترليني (600 مليار دولار) تهدف إلى تهدئة الأسواق وإقناع البنوك بالاحتفاظ برغبتها في إقراض بعضها البعض, وهي الخطة التي وصفتها صحيفة ذي إندبندنت أون صنداي بأنها أكبر تدخل منفرد في الشؤون المالية خلال نصف القرن الأخير.

وفي نفس السياق, ترى صحيفة ذي أوبزرفر أن البنوك لم تعد في وضع يسمح لها بإصدار الأوامر أو إقراض بعضها البعض مبالغ باهظة, ذلك أنه بعد ضخ تلك المبالغ ستكون تلك المؤسسات عرضة للمحاسبة.

ولقد ظنت البنوك أنها أكبر من أن يتركها السياسيون تنهار, وهي محقة في ظنها هذا, كما تضيف الصحيفة.

وإذا لم يحصل الناخبون على تفسير لما جرى ولا على مقابل لأموالهم من خطة الإنقاذ, فلن يكون في مقدور السياسيين التغاضي عن حالة الغضب التي ستعتمل في نفوسهم.

ويتساءل أصحب المنازل وأرباب المؤسسات الصغيرة في كل مكان عما يضمره لهم المستقبل من حظوظ, بعدما سرى الانهيار المالي كالجرثوم في أرجاء العالم كافة وبدأ يأخذ طابعا شخصيا على حد تعبير صحيفة ذي صنداي تايمز.

ذي إندبندنت أون صنداي.. فوائد من مصائب

وانعكاساً للحكمة القائلة بأن مصائب قوم عند قوم فوائد, فقد وجد براون في الأزمة المالية ضالته ليستعيد توازنه بعد تدني شعبيته في الأشهر الماضية.

فقد أظهر استطلاع أجري لصالح جريدة ذي صنداي تايمز نهاية الأسبوع الحالي أن شعبية رئيس الوزراء ارتفعت، بينما تقلصت أعداد الذين سيصوتون لحزب المحافظين المعارض في الانتخابات المقبلة إلى مقدار النصف تقريبا خلال الشهر المنصرم من 19% إلى 10%.

واعتبرت صحيفة ذي إندبندنت أون صنداي أن الانهيار المالي ينطوي على أزمة ثقة، وأنه إذا ما قدر لهذه الأزمة أن تنجلي وبدأت الأموال في التدفق من جديد بين البنوك ومن ثم نحو عملائها, وإذا ما تسنى إقناع الأسواق بأن الأوضاع تتجه نحو الصعود وليس الهبوط، فعندئذ سيكون ثمة أمل في الحيلولة دون تحول التراجع الحالي إلى اضطراب شامل.

أيام حاسمة

وبينما ترى ذي صنداي تايمز أن أفضل وسيلة للتعامل مع الأزمة عند الخبراء هي ضخ مزيد من الأموال في البنوك بدلا من معالجتها بالقطعة, فإن ذي أوبزرفر أوردت على لسان براون قوله إنه سيشرح قريبا كيف أن خطته لإنقاذ الاقتصاد من وهدته ستكون بمثابة وقاية لسبل العيش في المملكة المتحدة، وذلك بإرغام البنوك على قبول الدعم الحكومي من أجل توفير المال اللازم لأرباب العمل وأصحاب العقارات.

وكشف براون في تصريحات خاصة بالصحيفة أن الأيام القادمة ستكون حاسمة، في وقت يسعى فيه العالم جاهدا لانتشال نفسه من شفا الانهيار المالي بعدما أسفرت حالة الهلع التي انتابت أسواق الأسهم الجمعة الماضية إلى خسارة الأسهم العالمية نحو 2.7 تريليون جنيه إسترليني (أي نحو 4.6 تريليونات دولار) من قيمتها.

الأزمة حقيقة مخيفة للغاية  

من جهة أخرى كتبت روث سندرلاند مقالا في صحيفة ذي أوبزرفر قالت فيه إننا نحدق في نفق مظلم بعد أسبوع عصيب مر على الاقتصاد العالمي لم نشهد له مثيلا في حياتنا, ولسنا نبالغ إن قلنا إن النظام المالي العالمي على حافة الانهيار نحو الهاوية.

وشددت على أنه لم يبق أمام السلطات لانتشال هذا النظام إلا وقت قصير جدا يجب عليها خلاله "تنسيق الجهود وتنفيذ إجراءات جديرة بثقة السوق للحيلولة دون انهيارها كلية".

وأضافت أن عددا كبيرا من الناس يذهب إلى عمله ويعود دون أن يلقي بالا للأزمة الحالية، رغم ضخامتها لأنه لم يكتو بعد بنارها, لكنها حذرت الجميع قائلة: "لا تخطئوا التقدير.. فالأزمة حقيقة مخيفة للغاية".

والخروج منها حسب ما كتبه المحلل المالي ويل هوتن هو العمل الدولي المشترك, إذ إن هول ما يحدث لا يمكن تصديقه.

وضرب هوتن كمثال لذلك الخطة البريطانية التي أعلنت يوم الأربعاء والتي وصفها بالشاملة والقوية, لكن الأزمة جرفتها لأن "الوباء المالي الذي يضرب الأسواق لا يمكن التصدي له إلا جماعيا".

فالمشكلة حسب المحلل هي أن الأسواق لم تعد تثق في أن النظام المالي العالمي الذي ساعدت في بنائه يتمتع بأي مستقبل, "فهذا النموذج أظهر إفلاسه" على حد تعبيره.

لكن إذا كان المرء يعتقد أن الأسوأ قد انتهى, فعليه إعادة التفكير مرة أخرى, حسب دان روبرتس في صحيفة صنداي تلغراف.

روبرتس ذكر أن قرار الحكومتين الأميركية والبريطانية قبل أيام القاضي بضخ كل منهما في سوقها الخاصة 400 مليار جنيه إسترليني (أي نحو 700 مليار دولار) لإنقاذها من الإفلاس، أصبح الآن خبرا قديما, إذ لم تستمر بهجة السوق بذلك إلا ساعات قليلة.

كما أعرب الكاتب عن تشاؤمه من نتيجة الإجراءات التي أعلنها -نهاية هذا الأسبوع- كل من صندوق النقد الدولي ومجموعة الثماني والاتحاد الأوروبي بغية بعث الأمل في السوق.

وقال "إن أعتى أسلحتنا لمواجهة هذه الأزمة لا يبدو أنها مؤذية, فتسونامي الذي ضرب أسواقنا ولد لدينا إحساسا بالصدمة والرعب, خاصة أننا ننظر إلى العالم حيارى وهو يتغير أمام أعيننا خلال 30 يوما دونما رجعة.

وحتى تنقشع هذه الأزمة تم تعليق العمل بكل قواعد التجارة كالبحث عن الربح في الاستثمارات، وأصبح كل ما يأمله المستثمر هو عودة رأس ماله حتى وإن لم يحقق له أي عائدات".

روبرتس نقل في هذا الإطار عن أحد الصيرفيين قوله "لسنا قلقين على عائدات أموالنا وإنما على عودتها هي".

وقت الحلول الشاملة

من جهة أخرى و في مقال نشرته مؤخرا صحيفة فايننشال تايمز البريطانية, ذكر المحلل المالي مارتن وولف أن الاقتصادات المتأثرة بالأزمة المالية الحالية تشكل أكثر من نصف الإنتاج العالمي, مما يعني أنها أسوأ الأزمات التي تعصف بالاقتصاد العالمي منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي.

وأضاف مارتن زُعم أن جون مينارد كينز قال "عندما تتغير الحقائق, أغيّر أنا رأيي. فماذا تفعل أنت يا سيدي؟" لقد بدّلت رأيي عندما دب الذعر في نفوسنا. ولم يعد المستثمرون والدائنون يثقون في أي أحد بعد أن كانوا يضعون ثقتهم في كل أحد. ولعل الخوف الذي يدفع الأسواق المالية للانهيار اليوم مبالغ فيه تماما مثلما كان الجشع دافعا للسلوك المعاكس قبل مدة قصيرة.

غير أن الذعر غير المبرر يفضي إلى الدمار أيضا, ومن ثم ينبغي وضع حد له فورا, وليس الأسبوع القادم.

وقال كاتب المقال لقد ولّى زمان الفوضى ومعالجة الأمور على نحو فردي مؤسسة بعد مؤسسة ودولة تلو أخرى. فقد استغرق الأمر مني برهة من الزمن –وهي فترة طويلة باعتقادي- لكي أدرك المخاطر برمتها. ولعل أخطاء وزارة الخزانة الأميركية, لا سيما قرارها ترك مصرف ليمان ينهار, هي التي تسببت في الذعر اليوم. إذن ما الذي ينبغي عمله؟ والإجابة باختصار "كل شيء".

وتشكل الاقتصادات المتأثرة بالأزمة أكثر من نصف الإنتاج العالمي, مما يعني أن هذه الأزمة هي الأسوأ منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي.

بادئ ذي بدأ ينبغي معالجة أسباب هذا الذعر. وهذا ما أغرى بعض الحكومات إلى منح ضمانات كاملة أو جزئية للديون, مما أخلّ بروح التنافس. ولا يمكن سحب تلك الضمانات بعد منحها إلا بعد زوال الأزمة. ويتحتم على الدول الأوروبية الآن أن توفّر ضمانا محدود الأجل (لستة أشهر مثلا) لإجمالي ديون المؤسسات حسب تصنيفها من حيث الأهمية. أما في الولايات المتحدة حيث العدد الهائل من البنوك فإن ضمانا كهذا سيكون غير ذي جدوى ولا أهمية.

وأضاف مارتن سيدفع هذا الضمان المحدود الأجل المؤسسات المالية لإقراض بعضها البعض. فإذا لم تقم بهذا الدور, فإن على البنوك المركزية أن تقدم القروض بلا تحفظ ومن دون ضمانات لمؤسسات من الأهمية بمكان بحيث لا ينبغي أن تترك لكي تنهار.

وبهذه الطريقة تبدأ الاعتمادات في التدفق من جديد. بيد أن الحكومات لن تسمح للبنوك بحرية المغامرة في الميزانية العمومية للقطاع العام. وعلى الحكومة أن تمارس -طوال مدة الضمان- رقابة لصيقة على المؤسسات التي ارتأت حمايتها.

وزاد الكاتب ان إعادة تمويل رأس المال (الرسملة) الأولوية الثانية. إن الدرس العظيم المستمد من أزمات التاريخ القريب –كما يكشف أحد الأبواب الممتازة في التقرير الاقتصادي الأخير الصادر من صندوق النقد الدولي- هو أن "على راسمي السياسة الاعتراف مبكرا بالخسائر، ومن ثم اتخاذ الخطوات اللازمة للتأكد من تمويل المؤسسات المالية على نحو كاف".

إن إعادة الرسملة مسألة أساسية في تحديد ما إذا كانت المؤسسات تستحق التسليف بعد سحب الضمانات. وعلى الحكومات الإصرار على درجة من تمويل رأس المال تتيح مزيدا من شطب الديون. ومن ثم يجب عليها إما تأمين أسهم حقوق المساهمين أو شراء أسهم ممتازة. وأيا كانت الطريقة, فإن على الحكومات أن تتوقع تحقيق أرباح من استثماراتها عندما تتعافى تلك المؤسسات.

وأضاف المحلل المالي مارتن وولف إن إعادة الرسملة هذه تعتبر بديلا لمقايضة الديون بأسهم عادية. ولعلي أجد الأخيرة فكرة جذابة. ومع ذلك فمن المؤكد اليوم أن تزيد تلك الفكرة من حالة الفزع ما لم تتم صياغتها نهائيا وعلى نحو جدير بالثقة. وقد يقول قائل إن أفكاري صيغت بقصد تفادي حدوث انكماش في الميزانيات العمومية لجوهر النظام المالي. على أن بعض الانكماش في النظام المالي أمر محتوم, وبخاصة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة, وينبغي أن يسمح بحدوثه في ما يعرف "بقطاع مصارف الظل".

ولعل هذا يقودنا إلى سؤال ثالث هو: ماذا نفعل بالأصول الهالكة؟ ففي بعض الأحيان تكون تلك الأصول من البنوك أمرا مفهوما. وهذا ما أريد للبرنامج الأميركي الجديد لإنقاذ الأصول المتعثرة أن يضطلع به. ولأن الأصول الأميركية الهالكة موزعة على نطاق واسع حول العالم, فإن البرنامج الأميركي الذي أنشئ من أجل خلق سوق لتلك الأصول -وربما لرفع أسعارها لتحقيق أعلى درجة من التوازن- سيعود بالنفع على العديد من الأنظمة المصرفية الأخرى.

وفي أماكن أخرى تبدو كمية الأصول المحلية الهالكة بسيطة حتى أن مثل تلك البرامج لا تعد ضرورية. فإذا أعيدت رسملة البنوك بصورة كافية, فإن تلك البرامج تعتبر في هذه الحالة فائضة عن الحاجة. وبالمثل, إذا أعيد تمويل البنوك تمويلا كافيا فإن الخوف من تقييم الأصول بالأسعار السائدة يصبح أمرا غير ذي أهمية بحسبان أن الميزانيات العمومية قادرة على معالجة انخفاض قيمة تلك الأصول. لكن قد يكون من الصواب الإعلان صراحة أن القائمين على ضبط الإجراءات لن يركزوا جل اهتمامهم على تقييم الأصول بالأسعار السائدة فحسب لتحديد احتياجات رأس المال.

وتساءل الكاتب عن مدى قدرة الحكومات على تقبل تلك المقترحات. ويرى بعض خبراء الاقتصاد أن العديد من البنوك ليست أكبر من أن تنهار بل أكبر من أن تنقذ. وهم بقولهم هذا يشيرون لنسب ديون المصارف الإجمالية إلى إجمالي الناتج المحلي في الدولة المضيفة لتلك البنوك. على أن ما يهم هو نسبة إعادة الرسملة في أسوأ الظروف الممكنة إلى إجمالي الناتج المحلي. ومن سوء الطالع أنه حتى هذه النسبة يمكن أن تكون هائلة.

كل محاولات الإنقاذ فاشلة  

كما امتزجت الأزمة الاقتصادية التي تشهدها الولايات المتحدة بالمشهد السياسي والحملة الانتخابية في الصحف الأميركية اليوم الأربعاء، فاعتبرت أن الخطوات التي أقدم عليها الاحتياطي الفدرالي والأوروبيون فشلت في التقليل من مخاوف المستثمرين، ودعت إلى استعادة الثقة بالرهن العقاري للتخفيف من وطأة الأزمة المالية.

مخاوف المستثمرين

من جهتها صحيفة واشنطن بوست تطرقت إلى مخاوف المستثمرين وفشل خطوات البنك المركزي الأميركي وما قام به الأوروبيون في تهدئة روع المستثمرين، وانعكاس ذلك على تراجع مؤشر داو جونز بنسبة 5% رغم التلميح إلى خفض أسعار الفائدة والتخفيف من هول أزمة الائتمان.

فقد تدخل صناع القرار في القطاع الاقتصادي حول العالم وضخوا كميات كبيرة من الأموال بهدف كبح الفوضى التي عمت الأسواق المالية أمس.

وحتى الحملة الانتخابية لم تنأ بنفسها عن الأزمة المالية التي تعصف بالبلاد، وأخذ المرشحان الديمقراطي باراك أوباما وغريمه الجمهوري يكيلان في مناظرتهما الأخيرة التهم وتنحية لائمة الأزمة إلى الخصم المقابل، وكأنهما المسؤولان المباشران عنها.

واشنطن بوست انتقدت الطرفين لأنهما كما تقول رددا سياسات اقتصادية شُكلت قبل أشهر ولم يحاولا أن يتحدثا عن برامج تُوائم الواقع الجديد.

معيار الناخب

وهذا المزيج بين الحملة الانتخابية والأزمة الاقتصادية برز في صحيفة بوسطن غلوب التي قالت في افتتاحيتها إن مدى تعاطي المرشحين مع ما سمته بالكارثة الاقتصادية يجب أن يكون المعيار للناخب الأميركي.

وذكَرت الصحيفة بأن سبتمبر/أيلول شهد ما وصفته بأنه أفضل معيار لقسوة الأزمة المالية على المواطن الأميركي حيث أعلن عن فقد أكثر من 159 ألف فرصة عمل في ذلك الشهر وحده.

ولم تذهب صحيفة نيويورك تايمز بعيدا إذ قالت إن الأسواق تراجعت رغم ما أشير إليه من خفض أسعار الفائدة.

كما أن ازدياد المشاكل الاقتصادية في حقل صناعة المصارف الأوروبية عززت مخاوف الهبوط الاقتصادي على المستوى العالمي.

واستعانت الصحيفة بما قاله الخبير الاقتصادي مايكل داردا في مؤسسة إم كي إم البحثية "كل ما يفعله الفدرالي هو مجرد سد ثغرات في السد وما زالت المياه تتدفق".

ثم إن رئيس البنك الاحتياطي بن برنانكي يعترف في كلمته أمس بأن الاضطرابات المالية التي شهدتها الأسابيع القليلة الماضية أرغمت البنك على خفض الخطة الاقتصادية الكئيبة لما تبقى من هذا العام، وإعادة النظر في الإبقاء على المعدل النموذجي ثابتا.

وول ستريت.. الغرق في الديون

أما عن تأثير انهيار أسعار العقارات في الولايات المتحدة الأميركية حسب ما ورد في مجلة وول ستريت، فقد خلف واحدة من كل ست أسر تدين إلى الرهن العقاري أكثر مما يستحق العقار نفسه، ما رفع من احتمالات القصور في تسديد الديون.

ووجود الأسر "تحت الماء" حسب تعبير المجلة يشكل مزيدا من الضغط على الاقتصاد المتهاوي أصلا، وافتقار الأسر إلى السيولة في منازلهم يجعلهم يشعرون بأنهم أقل غنى أو ميلا للتبضع في الأسواق.

ولتخفيف وطأة الأزمة المالية العالمية، دعت كريستيان ساينس مونيتور في افتتاحيتها إلى بث الأمل بسوق الرهن العقاري الأميركي.

وللتقليل من تعقيدات الأزمة المالية، اقترحت الصحيفة أن تبقى صناعة الرهن العقاري مملوكة محليا من قبل بنوك تعرف عملاءها جيدا.

ودعت في الختام إلى متابعة بشرية لا حاسوبية لاستحقاقات الديون، الأمر الذي يخفف من المخاطر ويقلل من المخاوف.

.............................................................................................

- المركز الوثائقي والمعلوماتي في مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام يقدم الخدمات الوثائقية والمعلوماتية، للاشتراك والاتصال www.annabaa.org/[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 14/تشرين الأول/2008 - 14/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م